ما لم يسألني عنه العداد!
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف
تُدير وزارةُ الاقتصاد والتَّخطيط السُّعودية عمليةَ التَّعْداد السُّكَّاني الرَّابع عام 1431هـ، وكان آخِر تَعْداد قبلَ خمس سنوات تقريبًا، وللتَّعداد أهميةٌ محورية في التَّخطيط المستقبلي للدَّولة، مِن خلال معرفة عدد السُّكَّان، وأعمارهم وأجناسهم، وأحوالهم الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، وهي معلوماتٌ ثمينة تنفع المؤسَّساتِ الحكوميةَ، والتِّجاريةَ والخيرية.
ولذلك استعانتِ الوزارةُ بعددٍ كبير من الموظَّفِين المتعاونين، وجُلُّهم من المعلِّمين، ويبدو أنَّ الوزارة اجتهدتْ في تدريب فريق التَّعداد، وقد كانوا على قدْرٍ كبير من المسؤولية، واللُّطْف والنَّشاط، وهي صفاتٌ نَحمَد الله على توافرها في شبابنا ومجتمعنا.
وقد زارني العدَّادُ مرَّتين، وسألني كما سأل غيري عن عدد أفراد أُسرتي وأعمارهم وشهاداتهم، وعن عمل كلِّ واحد منَّا، كما سأل عن عددِ أجهزة الحاسب والتِّلفاز والجوّال، وعدد مستخدمي شبكة (الإنترنت)، وحصْر عدد الغُرف ودورات المياه، وختَم بالسُّؤال عن الإعاقات والعِمالة المنزلية، ثمَّ انصرف راضيًا.
وكنتُ أتمنَّى بما أنَّ الجهد كائنٌ كائنٌ أن تكون سؤالاتُ العدَّاد شاملةً لمحاور لم يتطرَّقْ إليها هذا المشروع الكبير، وأزعم أنَّ بعض هذه المحاور مهمٌّ لقراءة الواقع، واستشراف المستقبل؛ ولذا فإنِّي أعتبِرُ هذه المقالةَ في عداد المقترَحات للوزارة المشرفة، وآمل أن نرى شيئًا منها في التَّعداد القادم - أَحْيَانَا الله وإيَّاكم وبلادَنا على خير وطاعة - ولا غضاضةَ عندي فيما سيَسألُ عنه العدَّادُ الجديد إذا اتفقْنا على الفِكرة، وأهمية استثمار هذا الحَدَث للصَّالح العام.
فلمْ يسألْني العدَّاد عن رِضاي وعائلتي عن أداء الأجهزة الحُكوميَّة، ولم يَستكْنِه رأيي في الشَّركات الخِدميَّة التي شاركتْنا الحياة والمال، ولم يتعرَّف إلى طلباتي من المؤسَّسات الحكومية فيما يخصُّ الحيَّ الذي أقْطُنه والمدينة التي أعيش فيها، فلرُبَّما نحتاج مدرسةً ومستشفى، ومركزَ شرطة، أو هيئة وحديقة، ومكتبة وناديًا اجتماعيًّا، ومن المؤكَّد أنَّنا نرغب في شوارع معبَّدة مرصُوفة منارة نظيفة، وصَرْف صحي يَقينا الأخطار، ووسائل نقْل آمِنة رخيصة.
وليتَ أنَّ العدَّاد سألَني: كم أدفع شهريًّا لسداد قيمةِ الخِدْمات؟ وأقساط المدارس الاستثماريَّة؟ وفواتير المستشفيات التِّجارية؟ وعن أسباب تجاوز المؤسَّسات التَّعليميَّة والصِّحيَّة المجَّانيَّة إلى القطاع الخاص الذي يرقُب جيوبَنا، ويعمل على تحويل أخطر مناحي حياتنا - التَّعليم والصِّحة - إلى مَيْدان لا حدَّ له من الجَشَع.
واهتمَّ التَّعداد بالإعاقات الحركيَّة أو المرتبطة بالحواس؛ لكنَّه أغفل بعضَ الأمراض الخطيرة التي تُشبه الإعاقة من حيثُ التَّأثيرُ على أداء الإنسان، وهذه الأمراض مُزمِنة، وتحتاج خُطَّة وطنية للعلاج والوقاية، مثل الرَّبو المنتشر جدًّا، وارْتفاع الضَّغط والسُّكر، إضافةً إلى استقصاء انتشار بليّة مؤذية كشُرْب الدُّخان والشِّيشة وأضرابهما.
وممَّا غابَ عن العدَّاد: الاستفسارُ عن مدَى إسهامي وعائلتي في العملِ التَّطوعي الذي يخدم المجتمع، وإن لم يكنْ لديَّ مشاركةٌ فاعلة في التَّطوُّع، فهل لدَّي استعدادٌ له؟ وبمعدَّل كم ساعة أسبوعيًّا؟ وفي أيِّ مجال؟ وما هي الأشياء التي أُجيدها خارجَ نِطاق العمل والتَّخصُّص، ويمكن لي خِدمةُ النَّاس والبلد بواسطتها؟
وقد تألمَّتُ حين اهتمَّ التَّعداد بالسؤال عن دوْرات المياه، ولم يُلقِ بالاً للمكتبة، فما سألني عن وجود مكتبة منزلية، ولا عن عدد ساعات القِراءة اليوميَّة، ولا حتى عن الفَتْرة التي نقضيها أمامَ (النت) أو (التِّلفاز).
ولم يسألْني العدَّادُ عن عدد ساعات الجلوس اليوميَّة مع أولادي، وعنِ الوقت الذي أَقضِيه في زحمة الطُّرق، والزَّمن الذي أَمضِيه في العمل، وفي هذه الإحصاءات مجالٌ خصْب للدِّراسة والبحْث.
والذي أُريد قولَه:
إنَّ هذه العملية ضخمةٌ جدًّا، وشملتْ كلَّ شبر في بلادنا، وتجاوزتْ مجرَّد العدِّ إلى السؤال عن جوانبَ اجتماعيَّة واقتصاديَّة، وكان يمكن أن تتوسَّع أكثر؛ لتكونَ تعدادًا وإحصاءً في مجالات عِدَّة، وأن تكون متنفسًا للنَّاس كي يقولوا ما عندَهم من أفكار ورسائل، فرُبَّما أنَّ المكاتبات تقلُّ قيمتها عن النَّتائج التي يصل إليها الباحِثون بطُرُق علمية حياديَّة تفيد المسؤولَ المصلح الذي يريد حفظَ البلد، وخِدمة الشَّعب، وتحقيق المصالح، ودفْع المفاسِد.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك