الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد...
فهذه نُبذ مختصرة وجمعٌ لبعض المسائل المتفرقة والمبثوثة في كتاب شرح علل الترمذي للحافظ ابن رجب المتعلقة بمنهج الترمذي رحمه الله في كتابه الجامع.
وكتبه
عبد العزيز أحمد العباد
الكويت يوم الأربعاء 1 من جمادى 1437هـ ـــ 10 من فبراير 2016م.
كلمة ابن رجب في الثناء على كتاب الترمذي
قال ابن رجب :
وقد ذكر الترمذي ـ رحمه الله ـ إنما وضع كتابه هذا على الاختصار لما رجا فيه من المنفعة، وهو تقريبه على طلبة العلم. وكان قد وعد بكتاب أكبر منه يستوعب فيه الأحاديث والآثار، ثم سأل الله عند فراغ كتابه النفع بما فيه، وأن لا يجعله وبالاً عليه برحمته.
وقد ظهرت آثار إجابة دعائه الأول، وحصل النفع بهذا الكتاب نفعاً عاماً.
قال محمد بن طاهر المقدسي:
سمعت أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري، يقول:
كتاب أبي عيسى الترمذي ـ عندي ـ أفيد من كتاب البخاري ومسلم، قلت: لم؟.
قال: لأن كتاب البخاري ومسلم لا يصل إلى الفائدة منهما إلا من يكون من أهل المعرفة التامة، وهذا كتاب قد شرح أحاديثه وبينها، فيصل إلى فائدته كل واحد من الناس، من الفقهاء والمحدثين، وغيرهم.
أسبقية الترمذي في التصنيف على الأبواب المعللة
قال ابن رجب :
وقد صنف ابن المديني ويعقوب بن شيبة مسانيد معللة.
وأما الأبواب المعللة، فلا نعلم أحدا سبق الترمذي إليها. وزاد الترمذي ذكر كلام الفقهاء، وهذا كان قد سبق إليه مالك في الموطأ، وسفيان في الجامع.
الأحاديث التي ليس عليها العمل
قال ابن رجب :
قال أبو عيسى - رحمه الله -:
جميع ما في هذا الكتاب من الحديث معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم، ما خلا حديثين:
حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سقم".
وحدث النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال:
"إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه".
وقد بينا علة الحديثين جميعا في هذا الكتاب.
وكأن مراد الترمذي - رحمه الله تعالى - أحاديث الأحكام.
وقد سبق الكلام على هذين الحديثين اللذين أشار إليهما ههنا في موضعهما في الكتاب، وذكرنا مسالك العلماء فيهما من النسخ وغيره، وذكرنا أيضا عن بعضهم العمل بكل واحد من الحديثين.
وقوله: (قد بينا علة الحديثين جميعا في الكتاب) ، فإنما بين ما قد يستدل به للنسخ، لا أنه بين ضعف وإسناد.
وقد روى الترمذي في كتاب الحج حديث جابر في التلبية عن النساء،
ثم ذكر الإجماع على أنه لا يلبى عن النساء، فهذا ينبغي أن يكون حديثا ثالثا، مما لم يؤخذ به عند الترمذي.
وقد وردت أحاديث أخر قد ادعى بعضهم أنه لم يعمل بها أيضا. وقد ذكرنا غالبها في هذا الكتاب، فمنها ما خرجه الترمذي وأكثرها لم يخرجه:
فمنها حديث: "من غسل ميتا فليغسل ومن حمله فليتوضأ".
وقد قال الخطابي: لا أعلم أحدا من العلماء قال بوجوب ذلك. ولكن القائل باستحبابه يحمله على الندب، وذلك عمل به.
ومنها حديث أنه صلى الله عليه وسلم: توضأ ثلاثا، وقال: "ومن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم".
وقد ذكر مسلم الإجماع على خلافه.
ومنها حديث التيمم إلى المناكب والآباط.
ومنها حديث التيمم إلى نصف الذراعين.
ومنها حديث الأكل في الصيام بعد الفجر، قال الجوزجاني: هو حديث قد أعيا العلماء معرفته.
ومنها حديث أنس في أكل البرد للصائم.
ومنها حديث ابن أم مكتوم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم
لم يرخص له في ترك الجماعة. مع ما ذكره من ضرره وعدم قائد والسيول. وقد ذكر بعضهم أنه لا يعلم أحدا أخذ بذلك.
ومنها أحاديث النهي عن كرى الأرض، وهي أحاديث صحيحة ثابتة.
ومنها أحاديث المسح على النعلين ذكره الطحاوي وغيره.
ومنها حديث أن في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه.
ومنها حديث توريث المولى من أسفل. وقد ذكرنا الكلام عليه.
ومنها حديث الرضاع، أن لا يحرم إلا عشر رضعات.
ومنها حديث الطلاق الثلاث جمع.
ومنها حديث أسماء بن عميس في إحداد المتوفى عنها ثلاثة أيام.
ومنها حديث سلمة بن المحبق فيمن وقع على جارية امرأته.
ومنها حديث الذي تزوج امرأة فوجدها حبلى. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لها المهر، وقال: "الولد عبد" لكن قال الخطابي: لا أعلم أحدا قال باسترقاق ولد الزنا.
ومنها أحاديث متعددة في الحج، مثل:
حديث النهي عن التمتع.
وحديث أن المعتمر إذا مسح الركن حل.
وحديث أن الوقوف بعرفة لا يفوت إلا بطلوع الشمس يوم النحر.
وحديث أن التحلل برمي الجمرة مشروط بطواف الإفاضة في بقية يوم
النحر وقد حكى عن عروة القول به.
وحديث الاضطباع في السعي بين الصفا والمروة.
وقد ادعى بعضهم ترك العمل بأحاديث أخر وهو خطأ ظاهر:
كدعوى ابن قتيبة الإجماع على ترك العمل بأحاديث المسح على العمامة.
ودعوى بعضهم الإجماع على ترك العمل بأحاديث فسخ الحج إلى العمرة.
ودعوى بعضهم الإجماع على ترك العمل بحديث: إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة فالقول ما قال البائع، أو يترادان البيع.
قال ابن المنذر: ما علمت أحدا قال بظاهره غير الشعبي.
وكحديث ابن عباس في دية المكاتب.
قال الخطابي: لم يذهب إليه أحد سوى النخعي، وقد روى في ذلك شيء عن علي.
وذكر الطحاوي الإجماع على ترك العمل بحديث "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا حتى رمضان".
وعلى ترك العمل بحديث تحريق متاع الغال إلا عن مكحول.
والطحاوي من أكثر الناس دعوى لترك العمل بأحاديث كثيرة، وعامة هذه الأحاديث قد ذكرناها في مواضعها من هذا الكتاب، مع بسط الكلام عليها، فمن أراد الوقوف عليها فليتتبعها من مظانها من الكتاب.
وقد ذكر للثوري ما روي عن عمر قال: من لم يدرك الصلاة بجمع مع الإمام فلا حج له. فقال الثوري: قد جاءت أحاديث لا يؤخذ بها.
وسنذكر هذا المعنى مستوفى عند الكلام على الحديث الغريب - إن شاء الله تعالى -.
يتبع...
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك