أيهما أولى: ذبح الأضحية أم الصدقة بثمنها؟
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها، قال ابن القيِّم رحمه الله: الذبح في مَوضِعه أفضَلُ من الصدقة بثمنه ولو زاد؛ كالهدايا والضحايا، فإنَّ نفس الذبح وإراقة الدم مقصودةٌ، فإنَّه عبادة مقرونة بالصلاة؛ كما قال تعالى: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]، ففي كُلِّ ملَّة صلاة ونَسِيكة لا يقوم غيرُهما مقامهما.
وقال في موضع آخر: ويدلُّ على أنَّ ذبح الأُضحِيَّة أفضَلُ من الصدقة بثمنها: أنَّه عمل النبي صلى الله عليه وسلم وخُلَفائه والمسلمين، فإنهم كانوا يُضحُّون، ولو كانت الصدقة بثمن الأُضحِيَّة أفضل لعدَلُوا إليها، وما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليَعمَل عملاً مفضولاً ويستمر عليه منذ أنْ قَدِمَ المدينة إلى أنْ توفَّاه الله، مع وجود الأفضل وتيسُّره، ثم لا يفعله مرَّة واحدة ولا يُبيِّن ذلك لأمَّته.
بل إنَّ استِمرار النبيِّ صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه على الأُضحِيَّة - يدلُّ على أنَّ الصَّدقة بثمن الأُضحِيَّة لا تُساوِي ذبح الأُضحِيَّة، فضلاً عن أن تكون أفضل منه؛ إذ لو كانت تُساوِيه لعملوا بها أحيانًا؛ لأنها أيسر وأسهل، أو تصدَّق بعضهم وضحَّى بعضهم، كما في كثيرٍ من العبادات المتساوية، فلمَّا لم يكن ذلك علم أنَّ ذبح الأُضحِيَّة أفضل من الصدقة بثمنها.
وممَّا يدلُّ على أنَّ ذبح الأُضحِيَّة أفضل من الصدقة بثمنها، أنَّ الناس أصابتهم مجاعةٌ في سنةٍ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الأُضحِيَّة، ولم يأمُرهم بصَرف ثمنها إلى المحتاجين، بل أقرَّهم على ذبح الأضاحي، وأمرهم بتفريق لحمها على الفُقَراء، ونَهاهم عن الادِّخار فوقَ ثلاث؛ كما في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَن ضَحَّى منكم فلا يصبحنَّ بعد ثالثة في بيته شيء»، فلمَّا كان من العام المقبل، قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا في العام الماضي؟ فقال صلى الله عليه وسلم : «كلوا، وأطعِموا، وادخروا؛ فإنَّ ذلك العام كان في الناس جهد - يعني: مجاعة - فأردت أنْ تعينوا فيها».
ويدلُّ على أنَّ ذَبح الأُضحِيَّة أفضل من التصدُّق بثمنها: أنَّ الناس لو عدَلُوا عن الذَّبح إلى الصدقة، لتعطَّلت شَعِيرة عظيمة عظَّمَها الله في كتابه، ورغَّب فيها رسولُه صلى الله عليه وسلم بوجوهٍ من سنَّته قولاً وفعلاً وتقريرًا، وسمَّاها صلى الله عليه وسلم سنَّة المسلمين.
فالضحايا أيَّام النَّحر من أعظم شَعائِر الإسلام في كلِّ بلدٍ هي وصلاة العيد، فيظهر فيها في بلدان المسلمين من عِبادة الله، وإظهار شَعائر دينيَّة، وذكره، والذبح والنُّسك له، ومخالفة أهل الشرك في ذلك؛ ما لا يظهر بالصدقة ونحوها.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك