ألم يأن لأمة الإسلام أن تحج؟!
إسلام فتحي
الحجُّ هو أحَد ميادين جهاد الإسلام التي يَبذل فيها المسلمُ مالَه ووقتَه وجهدَه ابتغاء مثوبة الله؛ وذلك ليردَّ كيد الشَّيطان، ويفلَّ حدَّ نفسه الأمَّارة بالسوء، ويتطهَّر من كل ذنوبه التي أصابَته في معارِكه السَّابقة ضد نفسه والشيطان، وهذا يَفهمه كلُّ الحُجَّاج ويقصدونه في حجِّهم.. فهل هذا هو كلُّ المقصود من الحجِّ؟!
إنَّ الحجَّ ليس مجرَّد تزكية للنَّفس ومحطَّة زادٍ إيمانيَّة فرديَّة، إنَّه ليس مجرَّد شعيرة تعبديَّة بين العبد وربِّه لا يتخطَّى نفعها نِطاق الفرد القائم بها؛ ولكنَّه أوسع في ميدان تأثِيره، وأشملُ في ثِماره المرجوَّة من ذلك.. فالحجُّ مثله مثل الشَّعائر الإسلاميَّة في تدعيم الوَحدة الروحيَّة بين المسلمين من خلال توجُّههم لإلهٍ واحد بطُرق ووسائل محدَّدة لينالوا رِضاه، بل إنَّ الحجَّ يَفضُل سائر الشعائر في اشتراط وحدة الزَّمان؛ وهي الأيَّام المعدودات من شَهر ذي الحجَّة، ووحدة المكان وهو بيتُ الله الحرام بمكَّة، ووحدة اللِّباس لينعدم بتِلك الوحدة الثلاثيَّة - المكان والزمان واللِّباس - كلُّ معاني الفُرقَة والتشتُّت بين المسلمين.
وإنْ تَعجب فعجبٌ تشتُّت أمَّة من أركان دينها الخمسة رُكن الحجِّ.. هذا المؤتمَر العامُّ للمسلمين في مكانٍ واحد ووقتٍ واحد ليؤدُّوا نفسَ المناسك؛ تقرُّبًا لإلهٍ واحد، متوشحين بزيٍّ واحد يجعلك لا تستطيع أن تفرِّق بين قوميَّاتهم ولا لغاتِهم ولا مكانتهم الاجتماعيَّة، بل إنَّ بعض مناسك الحجِّ تتمُّ بعد التحلُّل من لباس الإحرام حتى يستمرَّ الاجتماعُ في الإحرام والتحلُّل.. تخيَّل أنَّ هناك أمَّة لديها شَعيرة مثل الحجِّ، وبَأس أبنائها بَينهم شديد، وليس لها كلمة تُسمَع في هذا العالَم!
إنَّ قلبي يتفطَّر كمدًا وحزنًا على حال المسلمين في عصرنا هذا؛ فبلاد الإسلام لم يَعد لها من الإسلام نَصيب إلاَّ الاسم، وبعد ذلك يمتلكون مضادَّاته؛ من حُكَّامٍ فجَرَة، وتشريعاتٍ ما أَنزل الله بها من سُلطانٍ، وشعوبٍ غافِلة عن أبسط حقوقها من الحريَّة والكرامة، وعن أهمِّ واجبات دينها مثل: الصلاة والصيام، حتى وصلنا إلى أنْ يُحارَب الإسلامُ في أرضه وتَمكر به أيادٍ تدَّعي الانتماء له، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم.. وفي غير بلاد الإسلام لن تَجد فيها أقلِّيات يُمارَس ضدها اضطهاد ممَنهَج مثل الأقلِّيات المسلمة.
في ظلِّ الوضع الرَّاهن لأمَّة الإسلام المتشتِّت الشَّمل والمتفرِّق الوجهة.. كيف يمكننا جَمع كلِمة المسلمين وتحويل الرَّابطة الروحيَّة إلى رابطة اجتماعيَّة وسياسيَّة؟
كيف يمكن لأمَّتنا التوحُّد وأبناؤها لا يعرف بعضُهم بعضًا؟!
صدِّقوني ولا أبالغ: إنَّ أَغلب المسلمين لا يَعرف عن إخوانه المسلمين وأخبارِهم شيئًا إلاَّ في حدود دَولته أو الدُّول المجاورة بالكاد.. مع أنَّ من بديهيات الإسلام الأخوَّة التي تَقتضي من المسلم أن يكون عونًا لأخيه، فكيف يُعين المرءُ مَن لا يعرفه ولا يَدري شيئًا عن مأساته؟!
إنَّ الحجَّ يجيء كلَّ عامٍ لينبِّهنا ويذكِّرنا: ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ [المؤمنون: 52].. أمَّة واحدة، بين أَفرادها الإخاء، والولاء، وصِدق الانتماء.
إنَّ القرآن في عَرضه لمسألة الحجِّ ذكَر أول فوائد الحجِّ: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾ [الحج: 28]، منافع لكلِّ فردٍ على حِدَة؛ من مغفرةٍ للذَّنب وتهذيبٍ للنفس، واطمئنان للرُّوح ورفعة للدرجات، وبعض المنافع الدنيويَّة، ومنافع لهم جميعًا بأن يكون الحجُّ سبيلاً لوحدتهم واجتماعِ كلمتِهم وتقويةِ شوكتهم ضدَّ أعدائهم.. غير أنَّنا للأسف نحجُّ أفرادًا ونشهد منافعَنا، ولا تحجُّ أمَّتُنا ولا تشهد منافعَها.. ألم يَأْن لأمَّة الإسلام أن تحجَّ؟!
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك