تخيل لو أنك لا تملك (إيميلا)!
هنادي الشيخ نجيب
سأسأل أولًا قرَّاءنا الكرام هذا السؤال:
هل عند كل واحد منكم إيميل؟
ففي عصر القرية الكونية، حيث التقنيات المتطوِّرة، لا يعدُّ الإنسان موجودًا إلا إذا سجّل دخوله عبر هذه القنوات!
تُرى، والذي لا يملك عنوانًا في تلك الفضاءات، كيف يستدل على وجوده؟!
بل هل يعيش حياة طبيعية: يعمل، ينجح، يتقدم... أم محكوم عليه بالتخلُّف والفشل؟!
ليس المقصود من هذه المقدمة الحصول على عناوين إيميلات قرِّائنا الأفاضل؛ فالإشارة إلى الإيميل والسؤال عنه إنما هي كناية عن وسائل التواصل العصرية كلها، التي قد لا يعرف تفاصيلها وطرق التعامل معها كثيرٌ من أبناء الجيل السابق.
إن هدف حديثنا اليوم هو البدء بردم الفجوة بين جيلين اختلفت وسائل عيشهما اختلافًا كبيرًا؛ حيث صارت مقاييس النجاح متعلِّقة بمقدار ما يمتلك كل فرد من الأدوات والأساليب المعاصرة في مجالي الاتصال والتواصل، وبمهارة كل أحد في استثمار كل منهما، بينما قلَّ الاهتمام بموارد التفكير وحسن التدبير، والتركيز على ما يمكن استثماره، بغض النظر عن جِدَتِه أو قِدَمِه!
ولمزيد من الإيضاح والتفسير، رافقوني في هذا المشوار القصير مع قصة بعنوان: (تخيل لو أنك لا تملك إيميلًا!)
تقدم رجل إلى مكتب التوظيف في إحدى الشركات؛ ليعمل بوظيفة فرّاش، وبعد إجراء المقابلة أخبره مدير التوظيف بأنه قد تمّت الموافقة على طلبه، وسيرسل الموظف المعنيُّ قائمة بالمطلوب منه، وتاريخ المباشرة في العمل، وبقية التفاصيل على بريده الإلكتروني، استوقفه الرجل قائلًا: (عفوًا، لكنني لا أملك جهاز حاسوب، وليس عندي بريد إلكتروني!).
فاجأه المدير برد عنيف مستغربًا:
(من لا يملِك بريدًا إلكترونيًّا، فهو غير موجود أصلًا، ومن لا وجود له، فلا يحق له العمل عندنا!).
خرج الرجل خائب الظن، فاقدًا الأمل في الحصول على الوظيفة، وراح يفكّر فيما عساه أن يعمل، وصار يبحث في جيوبه لعله يجد رأس مال يبدأ به..
لم يجمع من كل الجيوب أكثر من عشرة دولارات.. مبلغ قليل جدًّا.. لكن قلة ذات يده لم توقفه عن بذل ما في وسعه؛ فقرَّر أن يذهب إلى محل الخضار ويشتري صندوقًا من الطماطم، ثم راح يتنقل في الأحياء السكنية، ويمر على البيوت ليبيع حبات الطماطم... نجح بعد ساعات من التجوال في مضاعفة رأس ماله المتواضع، فتشجَّع وأكمل جولته على قدميه، إلى أن عاد إلى نزله مساءً وفي جيبه ستون دولارًا..
أدرك الرجل أن بإمكانه تأمين معاشه بهذه الطريقة، فصار يتاجر يوميًّا بالبندورة، ويخرج صباحًا ولا يعود إلا في وقت متأخر ليلًا.
بدأ التاجر البسيط يحقِّق أرباحًا مقبولة، فاشترى عربة، ثم شاحنة، ثم شاحنتين...وبعد خمس سنوات تحوَّل إلى أحد كبار مورِّدي الخضار في المدينة، ولأن المال كثر بين يديه، فكَّر في التأمين على بضاعته وشاحناته، فزار إحدى أكبر شركات التأمين، فطلب منه موظف الشركة أن يعطيه عنوان بريده الإلكتروني، فقال التاجر: (لكنني لا أملك إيميلًا).
رد الموظف متعجبًا: (لا تملِك إيميلًا وقد نجحت في إنشاء هذه الإمبراطورية التجارية! تخيَّل يا سيدي لو أنك تملِكُ إيميلًا، فأين كنت ستوجد اليوم؟!).
سُرَّ الرجل بكلام الموظف، وببديهة رشيقة أجابه: (لو كنت أملِكُ بريدًا إلكترونيًّا، لكنت اليوم فرَّاشًا في إحدى الشركات)...
قرَّاءنا الأفاضل، ليست الخطوة الأولى في رحلة النجاح أن يستوطن أحدنا "زواريب" هذا العصر ومواقعه، أو أن يكون لديكم أرصدة على تلك الصفحات العنكبوتية، فتسجِّلوا دخولكم إلى العالم الافتراضي المزدحم بالأسماء والأرقام؛ لأن ما يجب أن نهتم به أولًا، هو تسجيل دخولنا إلى عالمنا الحقيقي الذي نقف فيه على أرجلنا، ونحرِّكه بأيدينا، ونخطِّط له بعقولنا، ونستثمره بحسن تدبيرنا.
وتسجيل الدخول إلى هذا العالم لا يكون من خلال كلمة سرٍّ مركَّبة تركيبًا صعبَ التفكيك؛ بل بكلمة سرٍّ هي مزيج من الإصرار والمثابرة، والتحدِّي والحماس؛ فكلمة المرور إلى عالم الناجحين هي: العمل، ثم العمل، ثم العمل...
وإن البقاء وقتَها سيكون للأقوى الفاعل، لا لصاحب الإيميل الغافل، من أي جيل كان!
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك