المحافظة على الأخوة
الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز الدهيشي
الحمد لله الذي بعث محمدًا بالهدى ودين الحق، فهدى به من الضلالة وبصر به من العمى، وجمع به بعد الفرقة، وألف به بعد العداوة، أحمده - سبحانه - أن جعل التآخي بين المسلمين من مقتضيات الإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق الديان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أشرف بني الإنسان - صلى الله عليه وسلم -، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى وحققوا إيمانكم بتحقيق ما أمركم به نبيكم فإن السعادة لا تحصل إلا بامتثال أمر الله ورسوله والسير على نهجه وطريقه.
أيها الناس:
يقول - صلى الله عليه وسلم -: (المسلم أخو المسلم لا يعلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فوج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة)[1].
عباد الله:
إن الإسلام الحق يفرض عليكم التآخي والتناصح يقول - صلى الله عليه وسلم -: (كونوا عباد الله إخوانا)[2]. فهذه الأخوة التي أمرنا بها ليست أخوة باللسان فحسب، بل لابد أن تكون أخوة عميقة كامنة في النفوس والقلوب، غراسها إخلاص الود والمحبة، وثمراتها المعاملة الحسنة لأخيك والذب عنه، إخوة تقتضي أن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك، تحب له أن يكون صالحًا وأن يكون عزيزًا وأن يكون قويًا وأن يكون غنيًا وأن يكون متخلقًا بالأخلاق الفاضلة كما تحب لنفسك ذلك كله. تقتضي هذه الأخوة أن تسعى في نصحه وإرشاده وتقويمه سالكًا بذلك أحسن السبل لحصول المقصود كما تحب أن يسعى لك بهذا كله.
تقتضي هذه الإخوة أن تكره لأخيك ما تكرهه لنفسك، ولا يكفي إذا رأيته على حال لا تحبها لنفسك أن تدعه على حاله وتدعو الله له بإصلاح حاله، بل الأمر يتطلب منك فعل الأسباب التي تنقذه مما تكره، من واجبات هذه الإخوة أن لا تظلمه في ماله ولا في عرضه كما أنك تكره أن تظلم شيئًا من ذلك.
عباد الله:
من الإخوة المشروعة أن لا تأكل مال أخيك إلا بحقه، هل من الإخوة أن تعتدي على حقوقه؟ هل من الأخوة أن تسعى في قطع رزق ساقه الله له؟ فتبيع على بيعه أو تؤجر على إجارته أو تخطب على خطبته؟ هل من الأخوة أن تخدعه أو تغدر به إذا واعدته أو تغشه إذا عاملته؟ هل من الأخوة أدت تتبع عوراته فتنقلها وتنظر إلى حسناته فتسترها؟ هل من الأخوة أن تعتدي على عرضه فتأكل لحمه في كل مجلس؟، لقد شاعت هذه المسألة في الناس وتهاونوا بها واحتقروها مع أنها من كبائر الذنوب سئل - صلى الله عليه وسلم - عن الغيبة فقال: (ذكرك أخاك بما يكره) قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته)[3].
عباد الله:
إن الغيبة تفشت في مجتمعنا وصارت عند البعض منا من فاكهة المجالس فلا تعمر مجالسهم إلا بها، نسأل الله لنا ولهم الهداية والعصمة مما ضرره أكبر من نفعه، ويقول- صلى الله عليه وسلم -: (ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)[4] ما أعظم هذه العدة من الذي لا يخلف الميعاد! عباد الله، وعد تبارك وتعالى لمن كان في حاجة أخيه، أن يكون هو في حاجته ومن كان الله في حاجته أفلح ونجح، ومعنى أن تكون في حاجة أخيك المسلم، فهذا يشمل أمورًا مهمة، وهي سهلة على من سهلها الله عليه، منها نصر المظلوم وإغاثة الملهوف وإعانة العاجل والإصلاح بين المتخاصمين والمقاربة بين المتباعدين بالتأليف بينهم وقضاء حاجة من لا يستطيع قضاءها فيطعم الجائع ويكسو العاري ويسقي الظمآن ويدل الأعمى على الطريق، ومنها أن يسلم عليه إذا لقيه ويرد عليه إذا سلم عليه بمثل ما بدأه به من السلام ويشمته إذا عطس وحمد الله يقول له يرحمك الله ويقول العاطس يهديكم الله ويصلح بالكم، ويعوده إذا مرض، ويجيبه إذا دعاه، ويشهده إذا مات، ويمشي مع جنازته، فهذه نبذة من حقوق المسلم على أخيه.
فالمسلمون لا يكونون مسلمين حتى يتحلوا بحلية الإسلام ويتصفوا بالصفات التي وصفهم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يكونوا إخوانًا كما أمرهم الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 102، 103].
والحمد لله رب العالمين.
[1] صحيح البخاري (2442) ومسلم (2580).
[2] صحيح البخاري (6065، 6076) ومسلم (2559).
[3] صحيح مسلم (2589).
[4] صحيح البخاري (2442)، ومسلم (2580).
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك