التحذير من حلق اللحية
الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز الدهيشي
الحمد لله الذي فطر الخلق على الدين القيم ملة محمد وإبراهيم، ووفق من شاء برحمته فاستقام على هدى النبيين والمرسلين، وخذل من شاء بحكمته فرغب عن هديهم فكان من الخاسرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها الفوز بدار النعيم والنجاة من العذاب الأليم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل الخلق طريقة، وأقومهم شريعة وأقربهم إلى الخير العميم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا كثيرًا..
أما بعد:
فيا أيها الناس.. اتقوا الله تعالي باتباع ما جاءكم به نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم -، كان - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب يقول: (إن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها)[1]. والهدي هو الطريق والشريعة التي كان عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العبادات والمعاملات والأخلاق الظاهرة والباطنة، لقد كان من أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه الكامل إعفاء اللحية وإحياء الشارب، قال جابر بن سمرة: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - كثير شعر اللحية)، لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - يعفي لحيته وكذلك الأنبياء قبله. قال تعالى عن هارون أنه قال موسى: ﴿ قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ﴾ [طه: 94].
ولما كان - صلى الله عليه وسلم - يعفي لحيته فقد أمر أمته بذلك كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (خالفوا المشركين وفروا اللحى وأوفوا الشوارب)[2]، فاجتمع في هاتين الفطرتين إحفاء الشوارب وإعفاء اللحى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعله، وتبين أن هذا هو هديه وهدي الأنبياء قبله، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : (خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -)، فتمسكوا أيها المسلمون بهدي نبيكم فإنه خير لكم في الدنيا والآخرة، إن التمسك بهديه يورث الوجه نضرة، والقلب سرورًا، والصدر انشراحًا، والبصيرة نورًا، إن الحياة الطيبة ونعيم القلب والروح لا يحصلان إلا بالإيمان والعمل الصالح قال الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، ولا سيما إذا ترك العبد المخالفة مع قوة الداعي إليها فإن ذلك أعظم لأجره وأكمل لإيمانه، فالإنسان ربما يثقل عليه إعفاء اللحية لأنه ينظر إلى أناس نظراء له وقد حلقوا لحاهم، وهذا في الواقع استسلام للهوى وضعف في العزيمة، وإلا فلو حكّم عقله وقارن بين مصلحة إعفائها ومضرة حلقها لهان عليه إعفاؤها وسهل عليه الأمر ولعله أن يكون باب خير لنظرائه وأشكاله فيقتدون به لا سيما إذاكان عنده قدرة على الكلام والإقناع، وإذا كان إبقاء اللحية شاقًا عليه لما ذكرنا كان أجره عند الله أكبر وأعظم، ولقد كان بعض الناس يظن أن قضية إعفاء اللحية أو حلقها من الأمور العادية التي يتبع الناس فيها عادة أهل وقتهم وهذا ظن غير صحيح لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به وما أمر به - صلى الله عليه وسلم - وجب امتثاله، ولو فرض أنه عادة، فلنقارن أيما أفضل؟: عادة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بها وفعلها بنفسه وفعلها الأنبياء مثله وجرى عليها السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين لهم بإحسان فعادة هؤلاء أفضل، أم عادة قوم يخالفونهم في ذلك.
في خطبة للشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - قال فيها: أيها الناس اتقوا الله وتمسكوا بهدي نبيكم - صلى الله عليه وسلم - وامتثلوا أوامره وتجنبوا ما نهى عنه فقد أمركم بحث الشوارب وإعفاء اللحى، وأخبركم أن حلق اللحى وقصها من هدي الكفار والمشركين ومن تشبه بقوم فهو منهم.. إلى أن قال: فالله الله عباد الله في لزوم دينكم ولا تختاروا عليه سواه، فو الله ما حلق اللحى إلا الخزي والندامة، وأياكم أن تغيروها بالسواد فقد نهى عن ذلك خير العباد لما فتح مكة - شرفها الله - جيء بأبي قحافة شيخ كبير كأن رأسه الثغامة من البياض فقال: غيروا هذا بشيء، واجتنبوا السواد[3].
ولما سئل شيخنا الفاضل عبد العزيز بن باز عن حكم اللحى أو تقصيرها هل هو مكروه أم محرم؟ فأجاب: قد ثبتت الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أن ذلك محرم ومنكر فالواجب على كل مسلم تركه والحذر منه ولا ينبغي للمسلم أن يغتر بكثرة من فعل ذلك من المسلمين فإن الحق أحق بالاتباع ولو تركه الناس.
عباد الله:
إن حلق اللحى سنة المجوس فإنهم يحلقون لحاهم ويعفون شواربهم لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما وفد إليه رسول كسرى ملك المجوس وقد حلق لحيته وأعفي شواربه فقال له - صلى الله عليه وسلم -: من أمرك بهذا؟، قال أمرني ربي - يقصد سيده كسرى - لأن المجوس لا يقرون بالرب وإنما ربهم - في اعتقادهم - ملكهم، فقالت: بل أمرني ربي بإعفاء لحيتي وإحفاء شاربي ثم قال عند ذلك: (أعفوا اللحى وأحفوا الشوارب خالفوا المجوس)[4].
أيها المسلمون:
إن الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه هو التقدم الصحيح والقوة الحقيقية وهو الجمال النافع وهو الحياة السعيدة، والمآل الحميد، فالإنسان الآن قد يكون ساهيًا سادرًا في حياته ولكنه سينتبه ويستيقظ عند مماته ومفارقته دنياه وأهله وماله وسيتمنى حين لا ينفعه التمني أن لو كان متمشيًا على هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام ولكن، هيهات هيهات لم يبق إلا الجزاء إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، ذهبت الحياة التي يتمكن فيها من فعل ما شاء ولم يبق إلا الجزاء.
جعلني الله وإياكم من المتبعين لهدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ووفقنا لسلوك عباده الأخيار وقوانا على أهوائنا بالعزائم الصادقة على فعل النافع وترك الضار إنه جواد كريم رؤوف رحيم ﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 123].
والحمد لله رب العالمين.
[1] البخاري ح (7277)، صحيح مسلم ح (867).
[2] صحيح البخاري ح (5892)، ومسلم حديث 259.
[3] مسلم ح (2102).
[4] صحيح مسلم ح (260) ومسند الإمام أحمد (8567).
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك