في رِحابِ آيةٍ مِنْ كِتابِ اللهِ تِعالى (36)
﴿ وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾
الشيخ عبدالله محمد الطوالة
في قِصةِ الصِراعِ المستمرةِ بينَ الحقِّ والبَاطِلِ شاءَ اللهُ تعالى أنْ تكونَ الدُّنيا مَيدانَ اختبارٍ وامتِحان، من شاءَ فليُؤمِنْ ومن شاءَ فليكْفُرْ، فإذا انتَصرَ الحقُّ وأهلُهُ فلا إكراهَ في الدِّينِ، وأمَّا إذا كانَ للباطِلِ صَولةٌ، فإنَّهم يَتنادَونَ لاستِئصَالِ الحقِّ وأهلِهِ، وعِندَها يَنزِلُ عَليهِم عذابٌ يَستأصِلُهم كُلِّيًا أو جُزئيًا.. ونلحَظُ في هذا الصراعِ المتكرِّرِ أنَّ أهلَ الحقِّ غالبًا ما يكُونُونَ قِلةٌ مُؤمنةٌ مُستَضعَفةٌ، ويكُونُ البَاطِلُ وأهلُهُ كثرةٌ كافرةٌ مُستكبِرةٌ، فقومُ نوحٍ وعادٍ وثمود، ومن بَعدَهُم من الأُممِ والأقوامِ الذين لا يعلمُهم إلا الله، كُلُّهم رغمَ اختلافِ البيئةِ والظروف كانت لهم قِصةٌ نهايتُهَا دائِمًا واحِدةٌ، فأهلُ الباطِلِ المستعلِينَ: ﴿ رَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ ﴾ [إبراهيم: 9]، ومع اغترارهم بقوتهم يشتدُ أذاهُم، ولا يجِدُ أهلُ الحقِّ إلا الصَبرَ وحُسنَ التَّوكُلِ على اللهِ: ﴿ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا اذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكّلُونَ ﴾ [إبراهيم: 12]، ولا يزالُ أذاهُم يشتدُّ ويَزدادُ حتى يَستفتِحُوا فيضَعوا أهلَ الحقِّ بين خِيارينَ لا ثالثَ لهما: (إما أنْ تكونوا معنَا أو ضِدنَا)، عِندَها تأتي سُنةُ اللهِ التي لا تَتبدلُ ولا تَتخلفُ، ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ * وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 13 – 15].. فالبَاطِلُ وأهلُهُ حِينَ يُقدِمُونَ على هذه الخُطوةِ مُغترِينَ بقُوتِهم وجَبرُوتِهم، فإنهم يكُونُون بذلك قد تَعدَّوا الخطَّ الأحْمرَ، الذي يَفصِلُ بين الفَريقَينِ في حَلبةِ الصِراعِ، وحيثُ أنَّهم لن يَتوقَفوا مِنْ تِلقَاءِ أنفُسِهِم، فإنَّ اللهَ تعالى كما حَدثَ في كُلِّ القَصصِ السَّابِقةِ يُوقِفُهُم بعذَابٍ يَستأصِلُهم كُلِّيًا أو جُزئيًا.
﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 45].
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك