|
07-02-2015, 06:30 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 377,285
|
|
مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 76)
مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 75)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=353372
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَسَبْعِينَ
وَكَانَ فِي أَوَّلِهَا فِي مُسْتَهَلِّ صَفَرٍ مِنْهَا لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ اجْتِمَاعُ صَالِحِ بْنِ مُسَرِّحٍ أَمِيرِ الصُّفْرِيَّةِ , وَشَبِيبِ بْنِ يَزِيدَ أَحَدِ قادة الْخَوَارِجِ
فَقَامَ فِيهِمْ صَالِحُ بْنُ مُسَرِّحٍ , فَأَمَرَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ , وَحَثَّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ , وَأَنْ لَا يُقَاتِلُوا أَحَدًا حَتَّى يَدْعُوهُ إِلَى الدُّخُولِ مَعَهُمْ .
ثُمَّ مَالُوا إِلَى دَوَابِّ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ , نَائِبِ الْجَزِيرَةِ ( الجزيرة الفراتية , شمال العراق وسوريا ) لِأَخِيهِ عَبْدِ الْمَلِكِ , فَأَخَذُوهَا فَتَقْوَوْا بِهَا , وَأَقَامُوا بِأَرْضِ دَارَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً
وَتَحَصَّنَ مِنْهُمْ أَهْلُ دَارَا وَنَصِيبِينَ وَسِنْجَارَ
فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ نَائِبُ الْجَزِيرَةِ خَمْسَمِائَةِ فَارِسٍ , عَلَيْهِمْ عَدِيُّ بْنُ عَدِيِّ بْنِ عُمَيْرَةَ , ثُمَّ زَادَهُ خَمْسَمِائَةٍ أُخْرَى
فَسَارَ فِي أَلْفٍ مِنْ حَرَّانَ إِلَيْهِمْ , وَكَأَنَّمَا يُسَاقُ إِلَى الْمَوْتِ وَهُوَ يَنْظُرُ ; لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَلَدِ الْخَوَارِجِ وَقُوَّتِهِمْ وَشِدَّةِ بِأَسِهِمْ , فَلَمَّا الْتَقَى مَعَ الْخَوَارِجِ هَزَمُوهُ هَزِيمَةً شَنِيعَةً بَالِغَةً , وَاحْتَوَوْا عَلَى مَا فِي مُعَسْكَرِهِ , وَرَجَعَ فَلُّهُمْ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ
فَغَضِبَ مُحَمَّدُ بْنِ مَرْوَانَ , وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ مَعَ الْحَارِثِ بْنِ جَعْوَنَةَ , وَأَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ مَعَ خَالِدِ بْنِ جَزْءٍ السُّلَمِيِّ , وَقَالَ لَهُمَا : أَيُّكُمَا سَبَقَ إِلَيْهِمْ , فَهُوَ الْأَمِيرُ عَلَى النَّاسِ .
فَسَارُوا إِلَيْهِمْ فِي ثَلَاثَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ
وَالْخَوَارِجُ فِي نَحْوٍ مِنْ مِائَةِ نَفْسٍ وَعَشَرَةِ أَنْفُسٍ , فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى آمِدَ , تَوَجَّهَ صَالِحٌ إِلَى خَالِدِ بْنِ جَزْءٍ فِي شَطْرِ النَّاسِ , وَوَجَّهَ شَبِيبًا إِلَى الْحَارِثِ بْنِ جَعْوَنَةَ فِي الْبَاقِينَ , فَاقْتَتَلَ النَّاسُ فِي هَذَا الْيَوْمِ قِتَالًا شَدِيدًا إِلَى اللَّيْلِ , فَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ انْكَفَّ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ عَنِ الْآخَرِ , وَقَدْ قُتِلَ مِنَ الْخَوَارِجِ نَحْوَ السَّبْعِينَ , وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَرْوَانَ نَحْوَ الثَّلَاثِينَ
وَهَرَبَتِ الْخَوَارِجُ فِي اللَّيْلِ , فَخَرَجُوا مِنَ الْجَزِيرَةِ , وَأَخَذُوا فِي أَرْضِ الْمَوْصِلِ , وَمَضَوْا حَتَّى قَطَعُوا الدَّسْكَرَةَ
فَبَعَثَ إِلَيْهِمِ الْحَجَّاجُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ مَعَ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرَةَ , فَسَارَ نَحْوَهُمْ حَتَّى لَحِقَهُمْ بِأَرْضِ الْمَوْصِلِ , وَلَيْسَ مَعَ صَالِحٍ سِوَى تِسْعِينَ رَجُلًا , فَالْتَقَى مَعَهُمْ
وَقَدْ جَعَلَ صَالِحٌ أَصْحَابَهُ ثَلَاثَةَ كَرَادِيسَ ( فِرَق ) فَهُوَ فِي كُرْدُوسٍ , وَشَبِيبٌ عَنْ يَمِينِهِ فِي كُرْدُوسٍ , وَسُوَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ يَسَارِهِ فِي كُرْدُوسٍ
وَحَمَلَ عَلَيْهِمُ الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرَةَ , وَعَلَى مَيْمَنَتِهِ أَبُو الرَّوَّاغِ الشَّاكِرِيُّ , وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْأَرْوَحِ التَّمِيمِيُّ
فَصَبَرَتِ الْخَوَارِجُ عَلَى قِلَّتِهِمْ صَبْرًا شَدِيدًا , ثُمَّ انْكَشَفَ سُوَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ , ثُمَّ قُتِلَ صَالِحُ بْنُ مُسَرِّحٍ أَمِيرُهُمْ , وَصُرِعَ شَبِيبٌ عَنْ فَرَسِهِ
فَالْتَفَّ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْخَوَارِجَ حَتَّى احْتَمَلُوهُ , فَدَخَلُوا بِهِ حِصْنًا هُنَالِكَ , وَقَدْ بَقِيَ مَعَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا
فَأَحَاطَ بِهِمُ الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرَةَ , وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْرِقُوا الْبَابَ
فَفَعَلُوا
وَرَجَعَ النَّاسُ إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ يَنْتَظِرُونَ حَرِيقَ الْبَابَ , فَيَأْخُذُونَ الْخَوَارِجَ قَهْرًا , فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ وَاطْمَأَنُّوا خَرَجَتْ عَلَيْهِمُ الْخَوَارِجُ مِنَ الْبَابِ عَلَى الصَّعْبِ وَالذَّلُولِ , فَبَيَّتُوا جَيْشَ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرَةَ , فَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً
وَهَرَبَ النَّاسُ سِرَاعًا إِلَى الْمَدَائِنِ
وَاحْتَازَ شَبِيبٌ وَأَصْحَابُهُ مَا فِي مُعَسْكَرِهِمْ , فَكَانَ جَيْشُ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرَةَ أَوَّلَ جَيْشٍ هَزَمَهُ شَبِيبٌ . ( وشبيب هذا أشرس بكثير من صالح بن مسرح )
وَفِيهَا دَخَلَ شَبِيبٌ الْكُوفَةَ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ غَزَالَةُ , وَذَلِكَ أَنَّ شَبِيبًا بَعْدَ مَقْتَلِ صَالِحِ بْنِ مُسَرِّحٍ , اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْخَوَارِجُ وَبَايَعُوهُ
فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ جَيْشًا آخَرَ , فَقَاتَلُوهُ فَهَزَمُوهُ
ثُمَّ هَزَمَهُمْ شَبِيبٌ بَعْدَ ذَلِكَ , ثُمَّ سَارَ فَحَاصَرَ الْمَدَائِنَ , فَلَمْ يَنَلْ مِنْهَا شَيْئًا , فَسَارَ فَأَخَذَ دَوَابَّ لِلْحَجَّاجِ مِنْ كَلْوَاذَا , وَمِنْ عَزْمِهِ أَنْ يُبَيِّتَ أَهْلَ الْمَدَائِنِ
فَهَرَبَ مَنْ فِيهَا مِنَ الْجُنْدِ إِلَى الْكُوفَةِ
فَلَمَّا وَصَلَ الْفَلُّ إِلَى الْحَجَّاجِ , جَهَّزَ جَيْشًا أَرْبَعَةَ آلَافِ مُقَاتِلٍ إِلَى شَبِيبٍ , فَمَرُّوا عَلَى الْمَدَائِنِ , ثُمَّ سَارُوا فِي طَلَبِ شَبِيبٍ
فَجَعَلَ شَبِيبٌ يَسِيرُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ قَلِيلًا قَلِيلًا , وَهُوَ يُرِيهِمْ أَنَّهُ خَائِفٌ مِنْهُمْ , ثُمَّ يَكُرُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ فَيَكْسِرُهَا , وَيَنْهَبُ مَا فِيهَا , وَلَا يُوَاجِهُ أَحَدًا إِلَّا هَزَمَهُ
وَالْحَجَّاجُ يُلِحُّ فِي طَلَبِهِ , وَيُجَهِّزُ إِلَيْهِ السَّرَايَا وَالْبُعُوثَ وَالْمَدَدَ
وَشَبِيبٌ لَا يُبَالِي بِأَحَدٍ , وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِائَةٌ وَسِتُّونَ فَارِسًا , وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ , ثُمَّ سَارَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى حَتَّى وَاجَهَ الْكُوفَةَ , وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُحَاصِرَهَا
فَخَرَجَ الْجَيْشُ بِكَمَالِهِ إِلَى السَّبَخَةِ لِقِتَالِهِ
فَبَلَغَهُ ذَلِكَ , فَلَمْ يُبَالِ بِهِمْ
وَانْزَعَجَ النَّاسُ , وَخَافُوا مِنْهُ وَفَرِقُوا , وَهَمُّوا أَنْ يَدْخُلُوا الْكُوفَةَ خَوْفًا مِنْهُ , فَيَتَحَصَّنُوا فِيهَا مِنْهُ , حَتَّى قِيلَ لَهُمْ : إِنَّ سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي آثَارِهِمْ , وَقَدِ اقْتَرَبَ مِنْهُمْ .
وَشَبِيبٌ نَازِلٌ بِالْكُوفَةِ بِالدَّيْرِ , لَيْسَ عِنْدَهُ خَبَرٌ مِنْهُمْ وَلَا خَوْفٌ , وَقَدْ أَمَرَ بِطَعَامٍ وَشِوَاءٍ أَنْ يُصْنَعَ لَهُ
فَقِيلَ لَهُ : قَدْ جَاءَكَ الْجُنْدُ فَأَدْرِكْ نَفْسَكَ .
فَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى ذَلِكَ وَلَا يَكْتَرِثُ بِهِمْ , وَيَقُولُ لِلدِّهْقَانِ الَّذِي يَصْنَعُ لَهُ الطَّعَامَ : عَجِّلْ بِهِ .
فَلَمَّا اسْتَوَى أَكَلَهُ , ثُمَّ تَوَضَّأَ , ثُمَّ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاةً تَامَّةً بِتَطْوِيلٍ وَطُمَأْنِينَةٍ , ثُمَّ لَبِسَ دِرْعَهُ , وَتَقَلَّدَ سَيْفَيْنِ , وَأَخَذَ عَمُودَ حَدِيدٍ , ثُمَّ قَالَ : أَسْرِجُوا لِي الْبَغْلَةَ .
فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ مُصَادٌ : أَفِي هَذَا الْيَوْمِ تَرْكَبُ بَغْلَةً , وَقَدْ أَحَاطَ بِكَ الْأَعْدَاءُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ؟
قَالَ : نَعَمْ , فَرَكِبَهَا , ثُمَّ فَتَحَ بَابَ الدَّيْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ , وَهُوَ يَقُولُ : أَنَا أَبُو الْمُدَلَّه , لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّه !!! ( كلمةُ حق يُرادُ بها باطل )
وَتَقَدَّمَ إِلَى أَمِيرِ الْجَيْشِ الَّذِي تَقَدَّمُوا إِلَيْهِ وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُجَالِدِ
فَضَرَبَهُ شَبِيبٌ بِالْعَمُودِ الْحَدِيدِ فَقَتَلَهُ , وَحَمَلَ عَلَى الْجَيْشِ الْآخَرِ الْكَثِيفِ فَصَرَعَ أَمِيرَهُ
وَهَرَبَ النَّاسُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ , وَلَجَئُوا إِلَى الْكُوفَةِ
وَمَضَى شَبِيبٌ حَتَّى أَغَارَ عَلَى أَسْفَلِ الْفُرَاتِ , وَقَتَلَ جَمَاعَةً هُنَاكَ
وَخَرَجَ الْحَجَّاجُ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ , وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْكُوفَةِ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
ثُمَّ اقْتَرَبَ شَبِيبٌ مِنَ الْكُوفَةِ يُرِيدُ دُخُولَهَا
فَأَعْلَمَ الدَّهَاقِينُ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بِذَلِكَ
فَكَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ
فَأَسْرَعَ الْحَجَّاجُ الْخُرُوجَ مِنَ الْبَصْرَةِ وَقَصَدَ الْكُوفَةَ , فَأَسْرَعَ السَّيْرَ , وَبَادَرَهُ شَبِيبٌ إِلَى الْكُوفَةِ
فَسَبَقَهُ الْحَجَّاجُ إِلَيْهَا , فَدَخَلَهَا الْعَصْرَ
وَوَصَلَ شَبِيبٌ إِلَى الْمِرْبَدِ عِنْدَ الْغُرُوبِ , فَلَمَّا كَانَ آخِرُ اللَّيْلِ دَخَلَ شَبِيبٌ الْكُوفَةَ , وَقَصَدَ قَصْرَ الْإِمَارَةِ , فَضَرَبَ بَابَهُ بِعَمُودِهِ الْحَدِيدِ , فَأَثَّرَتْ ضَرْبَتُهُ فِي الْبَابِ , فَكَانَتْ تُعْرَفُ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ يُقَالُ : هَذِهِ ضَرْبَةُ شَبِيبٍ , وَسَلَكَ فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ , وَتَقَصَّدَ مَحَالَّ الْقَبَائِلِ , وَقَتَلَ رِجَالًا مِنْ رُؤَسَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَشْرَافِهِمْ , مِنْهُمْ أَبُو سُلَيْمٍ , وَالِدُ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ , وَعَدِيُّ بْنِ عَمْرٍو , وَأَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيُّ , فِي طَائِفَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ
وَكَانَ مَعَ شَبِيبٍ امْرَأَتُهُ غَزَالَةُ , وَكَانَتْ شَدِيدَةَ الْبَأْسِ خَارِجِيَّةً , مَعْرُوفَةً بِالشَّجَاعَةِ , فَدَخَلَتْ مَسْجِدَ الْكُوفَةِ , وَجَلَسَتْ عَلَى مِنْبَرِهِ , وَجَعَلَتْ تَذُمُّ بَنِي مَرْوَانَ .
وَكَانَ الْحَجَّاجُ مَعَ هَيْبَتِهِ يَخَافُ مِنْهَا أَشَدَّ خَوْفٍ , حَتَّى قَالَ فِيهِ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
أَسَدٌ عَلَيَّ وَفِي الْحُرُوبِ نَعَامَةٌ. . . فَتْخَاءُ تَنْفِرُ مِنْ صَفِيرِ الصَّافِرِ
هَلَّا بَرَزْتَ إِلَى غَزَالَةَ فِي الْوَغَى. . . بَلْ كَانَ قَلْبُكَ فِي جَنَاحَيْ طَائِرِ
وَنَادَى الْحَجَّاجُ فِي النَّاسِ : يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي وَأَبْشِرِي .
فَخَرَجَ شَبِيبٌ مِنَ الْكُوفَةِ
فَجَهَّزَ الْحَجَّاجُ فِي أَثَرِهِ سِتَّةَ آلَافِ مُقَاتِلٍ , فَسَارُوا وَرَاءَهُ , وَهُوَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ , يَنْعَسُ وَيَهُزُّ رَأْسَهُ , وَفِي أَوْقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَكُرُّ عَلَيْهِمْ شَبِيبٌ , فَيَقْتُلُ مِنْهُمْ جَمَاعَةً , حَتَّى قَتَلَ مَنْ جَيْشِ الْحَجَّاجِ خَلْقًا كَثِيرًا , وَقَتَلَ جَمَاعَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ , مِنْهُمْ : زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ - قَتَلَهُ شَبِيبٌ , وَهُوَ ابْنُ عَمِّ الْمُخْتَارِ -
فَوَجَّهَ الْحَجَّاجُ مَكَانَهُ لِحَرْبِهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَشْعَثِ , فَلَمْ يُقَابِلْ شَبِيبًا وَرَجَعَ
فَوَجَّهَ مَكَانَهُ عُثْمَانَ بْنَ قَطَنٍ الْحَارِثِيَّ , فَالْتَقَوْا فِي آخِرِ السَّنَةِ , فَقُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ قَطَنٍ , وَانْهَزَمَتْ جُمُوعُهُ بَعْدَ أَنْ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ سِتُّمِائَةِ نَفْسٍ .
وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُ شَبِيبٍ , وَتَزَلْزَلَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ , وَالْحَجَّاجُ , وَسَائِرُ الْأُمَرَاءِ , وَخَافَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْهُ خَوْفًا شَدِيدًا , فَبَعَثَ لَهُ جَيْشًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ , فَقَدِمُوا فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ
وَإِنَّ مَا مَعَ شَبِيبٍ شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ , وَقَدْ مَلَأَ قُلُوبَ النَّاسِ رُعْبًا , وَجَرَتْ خُطُوبٌ كَثِيرَةٌ لَهُ مَعَهُمْ , وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُ وَدَأْبَهُمْ حَتَّى اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ نَقَشَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ , وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ نَقَشَهَا .
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ : أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الدَّرَاهِمَ الْمَنْقُوشَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ , وَكَانَتِ الدَّنَانِيرُ رُومِيَّةٌ , وَالدَّرَاهِمُ كِسْرَوِيَّةٌ .
وَذَكَرَ أَنَّهُ ضُرِبَ عَلَى الْجَانِبِ الْوَاحِدِ مِنْهَا : " اللَّهُ أَحَدٌ " , وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ : " اللَّهُ الصَّمَدُ "
وَفِيهَا وُلِدَ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ , وَهُوَ مَرْوَانُ الْحِمَارُ , آخِرُ مَنْ تَوَلَّى الْخِلَافَةَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بِالشَّامِ , وَمِنْهُ أَخَذَهَا بَنُو الْعَبَّاسِ.
وَفِيهَا وَلَّى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ نِيَابَةَ الْمَدِينَةِ لِأَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ , وَعَزَلَ عَنْهَا يَحْيَى بْنَ مَرْوَانَ عَمَّهُ , وَاسْتَدْعَاهُ إِلَى الشَّامِ .
وَفِيهَا حَجَّ بِالنَّاسِ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ نَائِبَ الْمَدِينَةِ
وَكَانَ عَلَى إِمْرَةِ الْعِرَاقِ الْحَجَّاجُ
وَعَلَى خُرَاسَانَ أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن أُسيد . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ
أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ الْقُضَاعِيُّ , اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلَّ
أَسْلَمَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يَرَهُ
وَغَزَا جَلُولَاءَ وَالْقَادِسِيَّةَ وَتُسْتَرَ وَنَهَاوَنْدَ وَأَذْرَبِيجَانَ وَغَيْرَهَا
وَكَانَ كَثِيرَ الْعِبَادَةِ , زَاهِدًا عَالِمًا , يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ
تُوُفِّيَ بِالْكُوفَةِ وَعُمْرُهُ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً .
صِلَةُ بْنُ أَشْيَمَ الْعَدَوِيُّ , كُنْيَتُهُ أَبُو الصَّهْبَاءِ
مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ
وَكَانَ ذَا فَضْلٍ وَوَرَعٍ وَعِبَادَةٍ وَزُهْدٍ
كَانَ يُصَلِّي حَتَّى مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْتِيَ الْفِرَاشَ إِلَّا حَبْوًا
وَلَهُ مَنَاقِبُ كَثِيرَةٌ جِدًّا , مِنْهَا مَا حَكَاهُ جَعْفَرُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ : خَرَجْنَا فِي غَزَاةٍ , وَفِي الْجَيْشِ صِلَةُ بْنُ أَشْيَمَ , فَنَزَلَ النَّاسُ عِنْدَ الْعَتَمَةِ ( العشاء ) , فَقُلْتُ : لَأَرْمُقَنَّ عَمَلَهُ اللَّيْلَةَ .
فَدَخَلَ صِلَةُ غَيْضَةً , وَدَخَلْتُ فِي أَثَرِهِ , فَقَامَ يُصَلِّي , وَجَاءَ الْأَسَدُ حَتَّى دَنَا مِنْهُ , وَصَعِدْتُ أَنَا فوق شَجَرَةٍ . قَالَ : فَتُرَاهُ الْتَفَتَ ؟ , أَوْ عَدَّهُ جِرْوًا ؟حَتَّى سَجَدَ .
فَقُلْتُ : الْآنَ يَفْتَرِسُهُ .
فَجَلَسَ , ثُمَّ سَلَّمَ , فَقَالَ: أَيُّهَا السَّبْعُ , إِنْ كُنْتَ أُمِرْتَ بِشَيْءٍ فَافْعَلْ , وَإِلَّا فَاطْلُبِ الرِّزْقَ مِنْ مَكَانٍ آخَرَ .
فَوَلَّى الْأَسَدُ وَإِنَّ لَهُ لَزَئِيرًا تَصَّدَّعُ مِنْهُ الْجِبَالُ
فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الصَّبَاحِ جَلَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ بِمَحَامِدَ لَمْ أَسْمَعْ بِمِثْلِهَا , ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُجِيرَنِي مِنَ النَّارِ , أَوَمِثْلِي يَجْتَرِئُ أَنْ يَسْأَلَكَ الْجَنَّةَ ؟ , ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْجَيْشِ , فَأَصْبَحَ كَأَنَّهُ بَاتَ عَلَى الْحَشَايَا .
قَالَ : فَلَمَّا الْتَقَيْنَا الْعَدُوَّ حَمَلَ هُوَ وَهِشَامُ بْنُ عَامِرٍ , فَصَنَعَا بِالْعَدُوِّ طَعْنًا وَضَرْبًا
فَقَالَ الْعَدُوُّ : رَجُلَانِ مِنَ الْعَرَبِ صَنَعَا بِنَا هَذَا ؛ فَكَيْفَ لَوْ قَاتَلُونَا كُلُّهُمْ ؟ , أَعْطُوا الْمُسْلِمِينَ حَاجَتَهُمْ , يَعْنِي انْزِلُوا عَلَى حُكْمِهِمْ .
وَكَانَ صِلَةُ فِي غَزَاةٍ وَمَعَهُ ابْنُهُ , فَقَالَ لَهُ : أَيْ بُنَيَّ , تَقَدَّمْ فَقَاتِلْ حَتَّى أَحْتَسِبَكَ .
فَحَمَلَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ , ثُمَّ تَقَدَّمَ صِلَةُ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ
فَاجْتَمَعَ النِّسَاءُ عِنْدَ امْرَأَتِهِ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ
فَقَالَتْ مُعَاذَةُ : إِنْ كُنْتُنَّ جِئْتُنَّ لِتُهَنِّئْنَنِي فَمَرْحَبًا بِكُنَّ , وَإِنْ كُنْتُنَّ جِئْتُنَّ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَارْجِعْنَ .
تُوُفِّيَ صِلَةُ فِي غَزَاةٍ هُوَ وَابْنُهُ نَحْوَ بِلَادِ فَارِسَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ .
زُهَيْرُ بْنُ قَيْسٍ الْبَلَوِيُّ ررر
لَهُ صُحْبَةٌ
شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ وَسَكَنَهَا
قَتَلَتْهُ الرُّومُ بِبَرْقَةَ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ , وَذَلِكَ أَنَّ الصَّرِيخَ أَتَى الْحَاكِمَ بِمِصْرَ - وَهُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ - أَنَّ الرُّومَ نَزَلُوا بَرْقَةَ , فَأَمَرَهُ بِالنُّهُوضِ إِلَيْهِمْ , فَسَاقَ زُهَيْرٌ وَمَعَهُ أَرْبَعُونَ نَفْسًا , فَوَجَدَ الرُّومَ , فَأَرَادَ أَنْ يَكُفَّ عَنِ الْقِتَالِ حَتَّى يَلْحَقَهُ الْعَسْكَرُ , فَقَالُوا : يَا أَبَا شَدَّادٍ , احْمِلْ بِنَا عَلَيْهِمْ . فَحَمَلُوا , فَقُتِلُوا جَمِيعًا .
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|
|
|