08-29-2014, 11:50 AM
|
مشرف
|
|
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 7,826
|
|
بذل الوسع في فك الحصار على القدس الشريف
بذل الوسع في فك الحصار على القدس الشريف
د. محمد ويلالي
انطلقت في بحر هذا الأسبوع "الحملة الدولية لكسر الحصار عن القدس"، التي نظمت في وقت لم يعد الضمير الإسلامي والعربي يحتمل المزيد من عسف اليهود على مقدسات المسلمين، والاعتداء على الأبرياء من شباب الفلسطينيين، وأطفالهم، ونسائهم، وشيوخهم، وتنكيلهم بإخواننا المرابضين على هذا الثغر الإسلامي العظيم.
ولقد انطلقت هذه الحملة المباركة من ست دول إسلامية، على رأسها المغرب، في انتظار تعميمها على العالم الإسلامي برمته، وأثلج صدور المغاربة، ذلكم القرار السديد لوزارة التربية الوطنية، بإصدار مذكرة رسمية، قضت بتخصيص ساعة واحدة بالأمس للقدس الشريف، في كافة المؤسسات التعليمية العامة والخاصة، إشراكا للتلاميذ والأساتذة في هذا الحدث الكبير.
إن حصار اليهود للمسلمين في فلسطين، بمنعهم من لقمة العيش، والضروري من الدواء ووسائل الاستشفاء، وتكدير حياتهم بالتشهير، والتنكيل، والتجويع.. حسدا من عند أنفسهم لما مع المسلمين من هداية القرآن والسنة، ورغبتهم في أن يكونوا على مثل ما هم عليه من الضلال والكفر، كما قال تعالى: ﴿ ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم أنه الحق ﴾.. لَيُذكرنا بذلكم الحصار الذي سلكه كفار قريش، واليهود، والمنافقون من ورائهم، على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه، بعدما فشلت خططهم السابقة من الترهيب، والتعذيب، والتهجير، والملاحقات، والتشويش بالوشاية الكاذبة، والاتهامات الباطلة، والطعن في الأعراض، واللمز بالألقاب.. فلم يبق أمامهم إلا سلوك المقاطعة العامة، بعد أن علموا أن المسلمين في ازدياد، وأن شوكتهم قد تقوت بإسلام حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب، وقبول النجاشي إيواء من وفد عليه من المسلمين، تماما كما علم اليهود اليوم أن الفلسطينيين لن ينفع معهم أساليب الترهيب، والتعذيب والتشريد، وإنما عزائمهم لا تزداد إلا قوة، وشكائمهم لا تستحيل إلا صلابة.
ثم أجمع المشركون على قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - إن هم ظفروا به، فاحتضن بنو هاشم وبنو عبد المطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - في شِعبهم، ومنعوه من الأعداء. فلما رأت قريش ذلك، اجتمعوا، واتفقوا على أن يكتبوا وثيقة/صحيفة، يتعاقدون فيها على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب: ألا يعاملوهم، ولا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، ولا يخالطوهم، ولا يقبلوا منهم صلحا أبدا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وعلقت الصحيفة في جوف الكعبة. وكذلك اتفق اليهود اليوم على مقاطعة أهل غزة: ألا يعاملوهم، ولا يخالطوهم، ولا يبايعوهم، حتى يستسلموا لإرادتهم، ويقبلوا بمخططاتهم.
وكان ابتداء حصار المشركين للنبي - صلى الله عليه وسلم - في المحرم، وهو شهر حرام، وكذلك كانت حرب اليهود على لبنان في شهر حرام وهو رجب، وكذلك حربهم على غزة، كانت في شهرين حرامين: ذي الحجة، ومحرم، ﴿ إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمة ﴾.
واستمر حصار النبي وأصحابه ثلاث سنوات، عاش المسلمون فيها ضنكا شديدا، وعنتا عظيما، انقطع عنهم الغذاء حتى بلغ بهم الجهد، وسُمع بكاء أطفالهم من وراء الشعب، وعضتهم الأزمات، ولقوا أذى كثيرا.
قال الإمام السهيلي في الروض:"كانت الصحابة إذا قدمت عِير إلى مكة، يأتي أحدهم السوق ليشتري شيئا من الطعام قوتا لعياله، فيقوم أبو لهب فيقول، يا معشر التجار، غالوا على أصحاب محمد حتى لا يدركوا معكم شيئا، وقد علمتم مالي، وَوَفَاء ذمتي، فأنا ضامن أن لا خسار عليكم، فتزيدون عليهم السلعة قيمتَها أضعافا، حتى يرجع أحدهم إلى أطفاله وهم يتضاغون من الجوع، وليس في يده شيء يطعمهم به. ويغدو التجار على أبي لهب فيربحهم .. حتى جهد المؤمنون ومن معهم جوعا وعريا".
وقال:"إنهم جهدوا حتى كانوا يأكلون الخبط (ورق تأكله الإبل) وورق السَّمُر (الطلح) حتى إن أحدهم ليضع كما تضع الشاة". وقريب من هذا اللفظ في البخاري.
وخرج سعد بن أبي وقاص يقول: "لقد رأيتني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، فخرجت من الليل أبول، فإذا أنا أسمع قعقعة شيء تحت بولي، فنظرت فإذا هي قطعة جلد بعير، فأخذتها فغسلتها، ثم أحرقتها، فرضضتها بين محجرين، ثم استففتها، فشربت عليها الماء، فقويت عليها ثلاثا".
ولقد أحزنت هذه الوضعية بعضَ ذوي الرحمة من قريش، فكان أحدهم يوقر البعير زادا، ثم يضربه في اتجاه الشِّعب ليصل إلى المحصورين.
ويشاء الله أن يظهر من قلب قريش من يرق لحال المسلمين، ويبحث عن طريق لنقض الصحيفة، فقام خمسة منهم يحتجون على هذه المأساة، منهم المطعم بن عدي، الذي ذهب ليشق الصحيفة، فوجد الأَرَضَةَ قد أكلتها إلا كلمة:"باسمك اللهم".
وهذا ليس غريبا، فقد وجدنا من غير المسلمين من يحمل هم فلسطين، ويسعى لفك الحصار عليهم، وإيصال المساعدات الغذائية والطبية إلى أهلها.
ولكن خناق الحصار الجديد شديد، استمر - إلى الآن - في غزة قرابة ست سنوات، يضرب الفئات الأكثر تضررا، كالأطفال الذين يشكلون أكثر من نصف مجموع السكان هناك، والمسنين، والمرضى. وتضاعف عدد اللاجئين في غزة ثلاث مرات منذ بدء الحصار. وبات أكثر من 60% من الأسر تفتقر إلى "الأمن الغذائي". وما هذا الحصار إلا جزء من الحصار على فلسطين، وعلى بيت المقدس، الذي دام أكثر من قرن من الزمان.
إن إخواننا في فلسطين ينادوننا مستصرخين: يا علماء الأمة، يا شباب الأمة، يا أصحاب الضمائر المستيقظة من هذه الأمة، إننا لسنا صامدين صابرين محتسبين بغية دنيا، أو مال، أو جاه، وإنما من أجل ديننا الذي يريد أعداء الله أن يطفئوه بأفواههم، أدركوا الإسلام في فلسطين، أعينونا في تحرير بيت المقدس، واستعادته من أيدي الصهاينة الغاصبين، أعينونا بالدعاء، أعينونا بالمال، فالمستشفيات في خطر، ومعظم المصانع أقفلت، والبطالة ارتفعت، والموارد نضبت، والمشاكل الاجتماعية تفاقمت. العيش في الداخل مرير، والسفر إلى الخارج كله محاذير، المعابر مغلوقة، وشرايين الاقتصاد مخنوقة، حتى التعليم فرضت في بعض مستوياته المناهج اليهودية، التي تحاول طمس حق المسلمين في بيت المقدس، الذي تداعت أسسه جراء الأنفاق اليهودية التي تحفر تحته، بغية هدمه، وإنشاء هيكل سليمان - كما يزعمون - على أنقاضه.
فلو كان سهم واحد لاتقيته
ولكنه سهم وثان وثالث
فمنذ ما يسمى بالنكبة عام 1948م، قتلت دولة الاحتلال الصهيوني نحو نصف مليون فلسطيني وعربي، وجرحت مليوناً، واعتقلت مليوناً آخر، وشرّدت 5 ملايين، وتفاصيل هذه الاعتداءات الوحشية يصعب تصويرها.
أما المسجد الأقصى، فعساكر اليهود على أبوابه جاثمة، ، وفي ساحاته رابضة، ودورياتهم في أرجائه جائبة جائلة، ينشرون الخوف والرعب بين المصلين، وربما أطلقت عليهم النيران وهم في صلاتهم، كما حصل سنة 1990 حين اشتبك المصلون مع متطرفين يهود، أرادوا وضع الحجر الأساس لهيكل سليمان في باحة المسجد الأقصى، فتدخلت السلطات الصهيونية، وقتلت 21 شخصاً، وجرحت 150، واعتقلت 270.
وفي سنة 2000 أراد أحد زعمائهم المتطرفين دخول المسجد الأقصى، مدججا ب 3000 جندي، فصدهم المقدسيون البواسل، وفي اليوم التالي - وكان يوم جمعة - قام الصهاينة بفتح النيران على رؤوس المصلين قبل التسليم من صلاة الجمعة، نتج عنه قتل سبعة من المصلين، وجرح 250، وكان ذلك سببا للانتفاضة الثانية، التي قدم فيها الفلسطينيون مئات الشهداء، وآلاف الجرحى.
وإذا كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يقول:"المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه" متفق عليه، فإن ما يمكن أن نسهم به - أنا وأنت - لنصرة المسجد الأقصى أربعة أمور على الأقل:
1- إخلاص الدعاء لإخواننا هناك بالنصر والتمكين، ورفع الغمة، وتخفيف المحنة، والدعاء على المعتدين الغاصبين بتفريق جمعهم، وكسر شوكتهم.
2- التعريف بالقضية الفلسطينية بالكلمة المسموعة، والمقروءة، والمرئية، واستغلال وسائل الإعلام المتاحة في ذلك.
3- الإعانة بالمال، إذا تأكدنا من وصولها، على أن تكون عبر قنوات شرعية قانونية مكشوفة.
4- الاجتهاد في مقاطعة البضائع والأدوات التي يغتني بها اليهود.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|