قول: ربنا فوق وأنت تحت، لولا الطبيب لمات المريض
الشيخ ندا أبو أحمد
الأخطاء اللفظية التي تخالف العقيدة (2)
قول البعض:
ربنا فوق وأنت تحت، لولا الطبيب لمات المريض لو كان كذا لكان كذا وكذا
يقول الله تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وعلى هذا ينبغي على الإنسان أن يتحرز من خطأ وزلل اللسان، خصوصًا فيما يتعلق بالمسائل العقائدية، التي تتعلق بالله تعالى، وبأسمائه وصفاته.
وهناك بعض الأخطاء اللفظية الخاصة بالأمور العقائدية يقع فيها البعض، نذكرها هنا للتنبيه عليها، والحذر منها، ومن هذه الأقوال:
(2) ربنا فوق، وأنت تحت، أو "الله في السماء، وأنت في الأرض":
وهي عبارة خطأ كسابقتها؛ لأنها تشعر بتسوية الخالق بالمخلوق، وهذه مبالغة قبيحة، وكأنه جعله لله ندًّا، فانظر إلى الشيطان كيف يستدرج الناس حتى يوقعهم في حبائل الشرك، وهذا كله لا يجوز.
(3) لولا الطبيب لمات المريض، أو لولا الكلب لسرق اللص، وهذا خطأ يقع فيه البعض، وهو كقولهم: لولا الدواء لما شفي فلان، أو لولا تفكيري السليم وتدبيري، لخسرت التجارة... وهكذا:
فقد أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب "الصمت" عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "إن أحدكم ليشرك، حتى يشرك بكلبه؛ يقول: لولاه، لسرقنا الليلة"؛ فالله هو الفعال لما يريد، ولا يقع في ملكه إلا ما يشاء، والصحيح أن نقول: شفي فلان بفضل الله تعالى، أو جعل الله تعالى فلانًا سببًا لكذا.
(4) لو كان كذا، لكان كذا وكذا:
فإن (لو) التي تقال تحسرًا على الماضي، تفتح عمل الشيطان؛ لأنها تدل على اللوم، وعدم تفويض الأقدار لله تعالى؛ ولذلك ورد النص بالنهي عنها؛ فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمنُ القوى خير من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجِزْ، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كذا، كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَرُ الله وما شاء فعل؛ فإن "لو" تفتح عمل الشيطان)).
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى كما في "فتاوى العقيدة" (ص 533 - 535):
استعمال "لو" فيه تفصيل على الوجوه التالية:
الوجه الأول: أن يكون المراد بها مجرد الخبر؛ فهذه لا بأس بها، مثل أن يقول الإنسان لشخص: لو زرتني لأكرمتك، أو لو علمت بك، لجئت إليك.
الوجه الثاني: أن يقصد بها التمني؛ فهذه على حسَب ما تمناه، إن تمنى بها خيرًا، فهو مأجور بنيته، وإن تمنى بها سوى ذلك، فهو بحسَبه.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي له مال ينفقه في سبيل الله في وجوه الخير، ورجل آخر ليس عنده مال قال: ((لو أن لي مثل مال فلان، لعملت فيه مثل عمل فلان))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هما في الأجر سواء)).
والثاني رجل ذو مال، لكنه ينفقه في غير وجوه الخير، فقال رجل آخر: ((لو أن لي مثل مال فلان، لعملت فيه عمل فلان))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هما في الوزر سواء)).
فهي إذا جاءت للتمني، تكون بحسب ما تمناه العبد، إن تمنى خيرًا فهي خير، وإن تمنى سوى ذلك فله ما تمنى.
الوجه الثالث: أن يراد بها التحسر على ما مضى، فهذه منهيٌّ عنها؛ لأنها لا تفيد شيئًا، وإنما تفتح الأحزان والندم، وفي هذه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجِزْ، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كذا، لكان كذا؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان".
والحقيقة أنه لا فائدة منها في هذا المقام؛ لأن الإنسان عمل ما هو مأمور به من السعي لما ينفعه، ولكن القضاء والقدر كان بخلاف ما يرى؛ فكلمة "لو" في هذا المقام إنما تفتح باب الندم والحزن؛ ولهذا نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الإسلام لا يريد من الإنسان أن يكون محزونًا ومهمومًا، بل يريد منه أن يكون منشرح الصدر، وأن يكون مسرورًا طليق الوجه.
ونبَّه الله تعالى المؤمنين لهذه النقطة بقوله: ﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [المجادلة: 10].
وكذلك في الأحلام المكروهة التي يراها النائم في منامه؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد المرءَ إلى أن يتفل عن يساره ثلاث مرات، وأن يستعيذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان، وأن ينقلب إلى الجانب الآخر، وألا يُحدِّث بها أحدًا؛ لأجل أن ينساها ولا تطرأ على باله، قال: ((فإن ذلك لا يضرُّه)).
والمهم أن الشرع يحب من المرء أن يكون دائمًا في سرور، ودائمًا في فرح؛ ليكون متقبِّلًا لما يأتيه من أوامر الشرع؛ لأن الرجل إذا كان في ندم وهم، وفي غم وحزن، لا شك أنه يضيق ذرعًا بما يُلقَى عليه من أمور الشرع وغيرها.
لهذا يقول الله تعالى لرسوله دائمًا: ﴿ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [النحل: 127].
وقال تعالى: ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 3].
ولهذه النقطة خاصة تجد بعض الغيورين على دينهم إذا رأوا من الناس ما يكرهون، تجدهم يؤثر ذلك عليهم، حتى على عبادتهم الخاصة، ولكن الذي ينبغي هو أن يتلقَّوْا ذلك بحزم وقوة ونشاط، فيقوموا بما أوجب الله عليهم من الدعوة إلى الله على بصيرة، ثم إنه لا يضرهم من خالفهم"؛ ا.هـ.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك