عرض مشاركة واحدة

  #1  
قديم 04-26-2015, 12:56 PM
منتدى اهل الحديث منتدى اهل الحديث غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 5,969
افتراضي ما المقصود بالسموات السبع؟!!!!

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد اختلف أهلُ العلمِ الشرعي والكوني في تفسيرِ وتأويلِ المرادَ بالسموات السبع في النصوص القرآنية والنبوية الشريفة، وفي هذا المبحث اجتهد بمشيئةِ الله وفضلهِ ومنتهِ بتوضيح وتبيينِ القصدَ من ذلك بالإستدلال بالنصوص الشرعية. فالسمواتُ السبعُ قُصِد بها تارةً الغلاف الجوي المُحيط بالكرة الأرضية، وتارةً السمواتُ السبعُ اللواتي أدناهنَّ السماءُ الدنيا وأعلاهنَّ السماء السابعةُ التي فوقها عرش الرحمن، وتارةً قُصِدَ بالسماء الفضاء الكوني القريب والبعيد الذي يحوي الشمسَ والقمرَ والكواكبَ والكويكباتِ والشهبَ والنيازكَ والمذنباتِ وباقي الأجرام السماوية؛ وتفصيل ذلك الآتي:

1) نشأة الأرض وغلافها الجوي:

أ) التفسير العلمي الكوني: لقد كانت الكرة الأرضية عبارة عن كتلة غازية ذات حرارة عالية انفصلت عن سديم أو سحابة المجموعة الشمسية المكونة من الغازات والغبار الكوني، وتتكون كتلة الأرض الغازية من عنصري الهيدروجين، الذي هو أصل تكوين جميع العناصر في الكون، والهيليوم الذي تشكل بفعل الإندماج النووي لذرتي هيدروجين. وصاحب تكون الأرض قبل قرابة أربعة آلاف وخمس مئة ألف سنة حدوث نشاطات بركانية كبيرة أدت إلى انبعاث المواد والحمم البركانية وتطايرها إلى الأعلى. مع العلم أنَّ بخارَ الماءِ يشكلُ قرابة (85%) من المواد البركانية، أمَّا الباقي فيتكون من ثاني أكسيد الكربون ومركبات الكبريت والنيتروجين وهي التي تُعتبر المكونات الخفيفة لباطن الأرض، لذا فقد انبعث كميات هائلة من بخار الماء من باطن الأرض بفعل الحرارة الهائلة داخله والذي برد عند خروجه من باطنها لفقده كمياتٍ من طاقته الكامنةِ في جهده المبذول في الصعود للأعلى. ولمَّا بردت الأبخرة المتصاعدة تكثفت مشكلةً غيومًا أدت إلى تساقط أمطارٍ غزيرةٍ هطلت على سطح الأرض الذي كان ما يزال ساخنًا ما أدى إلى تبخر الأمطار المتساقطة عليه مرة أخرى؛ وهكذا استمرت عمليتا التبخر والتكثف فترة طويلة من الزمن وباستمرارهما زاد الفصل بين المكونات الخفيفة للأرض الصلبة والمكونات الثقيلة المكونة لكتلة الأرض الصلبة حتى وصلتا إلى حالة الإتزان الثابت حيث تشكلت السموات السبع أوالغلاف الجوي؛ وهي (Troposphere, Tropopause, Stratosphere, ozone layer, Mesosphere, Ionosphere, Exosphere)(4)) ، من الأبخرة المتكثفة وتشكلت المحيطات والمسطحات المائية مغطيةً قرابة (70%) من سطح الأرض لمَّا بردت حرارته في حال الإتزان الثابت. وأصبحت هذه البحار المصدر الرئيسي لبخار الماء الجوي. وهذا التفسير العلمي شهد لصحة وصف النصوص القرآنية الكريمة والنبوية الشريفة لتشكل الأرض والسموات السبع.

ب) التفسير العلمي الشرعي:

( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) (الأنبياء:30)
يقول تعالى أنَّ السمواتِ والأرضَ كانتا رتقًا؛ أي كانتا ملتحمتين ملتصقتين، فشيءٌ رتقٌ: لغةً أي مُلحمٌ. ففتقناهما؛ أي ففصلناهما عن بعضهما البعض، ففتق الشيء: فصل أطرافَه عن بعضها أي فكَّ إرتباطها عن بعضها البعض. وهذا ما دلَّ عليه العلم الحديث أنَّ الأرض كانت كتلةٌ غازيةً ملتهبة فانبعثت منها الأبخرة المتصاعدة بفعل الأنشطة البركانية فانفصلت تلك الأبخرة عن كتلة الأرض الصلبة مشكلةً السموت السبع.

ويقول تعالى (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (فصلت: 9-12). أي أن الله عزوجل استوى فوق السماء وهي دخان لأنَّ اللهَ عزوجل يعلو ولا يُعلى عليه سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الأعلى:1)، ومثلُ ذلك عظيمُ القوم الذي يعلو رعيته على عرشه ولله عزوجل المثل الأعلى. ووصفُ اللهِ عزجل للسماء بالدخان وصفٌ في غاية الدقة إذ الدخان مختلفٌ عن البخار فالدخان عام والبخار خاص فالجامع بينهما الحالة الغازية، وهذا ما دلَّ عليه العلم الحديث إذ أنَّ الأبخرة المنبعثة من باطن الأرضِ هي غازات ثاني أكسيد الكربون ومركبات النيتروجين والكبريت إضافةً إلى بخار الماء، ثم يقول تعالى للأرض والسماء ائتيا طوعًا أو كرهًا فقالتا أتينا طائعين؛ فصعدت السماء إلى الأعلى لأنَّ الدخان يصعد للأعلى لخفة كثافته ولطاقته الحركية العالية بفعل حرارته المرتفعة أمَّا الأرضُ فهي بقيت مستقرة في مكانها بفعل جذب الشمس لها في مدارها حول الشمسِ، فكلاهما أتيا الله الخالق العظيم تبعًا للسنن الخَلقية التي فطرهما عليها وتلك هي إجابتهما طواعيةً. لأنَّ المخلوقات الغير مُكلفة أي المُسيرة إنَّما تعمل وفقَ الفطرة التي فطرها اللهُ عليها ومثل ذلك الحرارة التي تنتقل من المكان الأسخن إلى المكان الأبرد طواعيةً وفقَ ما فطرها اللهُ عليه أمَّا إذا انتقلت من المكان الأبرد إلى المكان الأسخن فهذا يكون كرهًا لأنَّ الإكراه هو ضد الطواعية؛ فتنتقل الحرارة كراهيةً بإتجاهٍ مضادٍ لما يكون طواعيةً، كأن تُسخن المكان البارد حتى يصير أكثر سخونةً من المكان الساخن فيصير الذي كان أبرد أسخن، والذي كان أسخن أبرد فتنتقل الحرارة بإتجاهٍ معاكسٍ لِما كان كراهيةً.

وعن ابن عباس في قوله:- حيث ذكرَ خلقَ الأرضِ قبلَ السماءِ, ثم ذكرَ السماءَ قبلَ الأرضِ, وذلك أنَّ اللهَ خلقَ الأرضَ بأقواتِها في أربعةِ أيامٍ من غيرِ أنْ يدحوها قبل السماء؛ فذلك قوله تعالى (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ)، ثم استوى إلى السماء فسوّاهن سبع سموات في يومين؛ فذلك قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)، وقوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة:29)، ثم دحا الأرض بعد ذلك؛ فذلك قوله (أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ) (النازعات: 27-30)(1).

أمَّا "الإستواء إلى السماء" فيعني أنَّ نهاية مكان إستواء الله عزوجل هو فوقَ العرشِ فوقَ السمواتِ السبع بعدما كان استواءه فوق العرش فوقَ الماء التي منها خُلِقَت السموات السبع والأرض، لأنَّ حرف الجر "إلى" يعني إنتهاء الغاية المكانية كما في قوله تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) (الإسراء:1)، لكن هذا لا يعني أنَّ إستواء الله عزوجل متضمنٌ للإنتقال تنزه سبحانه وتعالى عن ذلك لأنَّ الإنتقال يفيد القصور والطلب والحاجة وتنزه الله وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، وإنَّما المعني من إستواء الله عزوجل هو العلو على السماء وهو مستوٍ على عرشه لأنَّه هو الرَّبُ الأعلى لقوله تعالى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الأعلى:1) أي المعنى أنَّه مستوٍ على العرش مُعتلٍ السموات السبع عندما خلقهنَّ. وعن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( كان اللهُ ولم يكن شيٌء غيرُهُ ، وكان عرشُهُ على الماءِ ، وكتب في الذِّكْرِ كلَّ شيٍء ، وخلقَ السماواتِ والأرضِ ) (الراوي : عمران بن الحصين المحدث : البخاري المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 3191 خلاصة حكم المحدث : صحيح ). وفي رواية أخرى ( كان اللهُ ولا شيءَ قبلَهُ وكان عرشُهُ على الماءِ وكتب في الذِّكرِ كلَّ شيءٍ ثمَّ خلقَ السَّمواتِ والأرضَ) ( الراوي : - المحدث : ابن تيمية المصدر : مجموع الفتاوى الصفحة أو الرقم: 18/232 خلاصة حكم المحدث : صحيح ). أي أنَّ اللهَ عزوجل كان مستوٍ على عرشه يعلو الماء قبل خلق السموات والأرضِ لقوله تعالى ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (طه:5) ثم خلق السمواتِ والأرضَ من الماء فاستوى سبحانه وتعالى على العرش فوقَهنَّ لأنَّهُ يَعلُو كُلَ شيءٍ ولا يَعلُوه شيءٌ؛ فحرف العطف "ثم" يفيد التباعد أو التراخي الزمني، والمقصود بالسموات والأرض هي الغلاف الجوي والفضاء الكوني الشاسع الذي يحوي الشمس والقمر وباقي الأجرام السماوية وليس مقصودٌ السمواتُ السبع اللواتي أعلاهن السماء السابعة وأدناهنَّ السماء الدنيا لأنَّ العرشَ فوق السماء السابعة والعرشُ مخلوقٌ قبلَ خلق السموات والأرض ما يعني أنَّ السمواتِ السبعِ مخلوقاتٌ قبلَ السمواتِ والأرضِ. ويقول تعالى (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (الأعراف:54)، و ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) (يونس:3) ؛ فحرف العطف "ثم" يفيد التباعد الرتبي وليس الزمني لأنَّ إستواء الله على العرش كان قبل خلق السموات والأرض في ستة أيامٍ، ما يعني أنَّ إستواء الله على العرش هو أعظم رتبةً من خلق السموات والأرض في ستة أيام.

وهنا تظهر فائدة عظيمة في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ) (الأنبياء:30)، وفي قوله عليه الصلاة والسلام ( كان اللهُ ولم يكُنْ شيءٌ قبلَه، وكان عرشُه على الماءِ، ثم خلَق السماواتِ والأرضَ، وكتَب في الذِّكرِ كلَّ شيءٍ ). فالماء هو مكونٌ من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين، وقد أثبت العلمُ الحديث أن عنصر الهيدروجين الذي عدده الذري واحد هو العنصر الأساس في تكوين العناصر الأخرى المكونة للكون كله وذلك بإتحاد أنوية ذراته بزيادة ذرة واحد في تكوين العناصر أي بزيادة عدد ذري واحد فمثلاً عنصر النيتروجين هو مكون من اتحاد سبع ذرات هيدروجين أمّا عنصر الأكسجين الذي يليه مباشرةً مكون من ثمانية ذرات هيدروجين وهكذا. ما يعني أن ثلثي ذرات الماء مكون من ذرة الهيروجين وكتلته تعادل قرابة (11%) من كتلة جزيء الماء لأنَّ وزن الأكسجين الجزيئي يعادل ستة عشر ضعف وزن الهيدروجين الجزيئي إذ أنَّ الهيدروجين هو أساس تكوين الكون أي أساس الحياة في الكون، وهذا ما دل عليه القرآن الكريم في قوله تعالى " وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ " فحرف الجر "من" يفيد التبعيض أي من بعض أو ثلثي الماء وهو عنصر الهيدروجين تشكلت الحياة في الكون، وكذا حرف "من" يفيد ابتداء الغاية المكانية ولذلك قال عليه الصلاة والسلام"كان اللهُ ولم يكُنْ شيءٌ قبلَه، وكان عرشُه على الماءِ، ثم خلَق السماواتِ والأرضَ، وكتَب في الذِّكرِ كلَّ شيءٍ " أي أنَّ اللهَ خلق السمواتِ والأرضَ إبتداءً من الماء الذي يحوي عنصر الهيروجين الذي هو أساس خلق الكون.

أمَّا بناءُ السماءِ في قوله تعالى (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:22)، فعن موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسباط, عن السُّدّيّ في خبر ذكره, عن أبي مالك, وعن أبي صالح, عن ابن عباس - وعن مُرَّة, عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " والسّماء بناء ", فبناءُ السماء على الأرض كهيئة القبة, وهي سقف على الأرض، فذلك قوله تعالى (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) (الأنبياء: 32)(1). والمعنى أنَّ السماءَ مبنية على الأرض كبناء السقفِ على المنزلِ؛ فلغةً بنى الجدار يعني أقامه كما في قوله تعالى (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ) (الكهف:77)، فأقام الجدار يعني رفعه عن الأرضِ، والسماء بناها أي أقامها فرفعها عن الأرض ولذلك هي تعلو الأرضَ وتُغطيها وتُظللها من جميع الجهات كالسقف الذي يغطي ويُظلل المنزلَ من جميع الجهاتِ.

ويقول تعالى (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ) (الملك:3) يعني " الذي خلق سبع سماوات طباقا " أي : طبقة بعد طبقة ، وهل هن متواصلات بمعنى أنهن علويات بعضهم على بعض ، أو متفاصلات بينهن خلاء ؟ فيه قولان ، أصحهما الثاني ، كما دل على ذلك حديث الإسراء وغيره. وقوله تعالى "ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت " أي : بل هو مصطحب مستو ، ليس فيه اختلاف ، ولا تنافر ، ولا مخالفة ، ولا نقص ، ولا عيب ، ولا خلل ; ولهذا قال تعالى " فارجع البصر هل ترى من فطور" أي : انظر إلى السماء فتأملها ، هل ترى فيها عيبا ، أو نقصا ، أو خللا ; أو فطورا ؟ . قال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، والثوري ، وغيرهم في قوله تعالى " فارجع البصر هل ترى من فطور " أي : شقوق. وقال السدي "هل ترى من فطور " أي : من خروق . وقال ابن عباس في رواية " من فطور " أي : من وهي ، وقال قتادة " هل ترى من فطور " أي : هل ترى خللا يا ابن آدم ؟ (2). ودلَّ على أنَّ المقصود بهنَّ سموات الأرض السبع هو قوله تعالى " فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ" ما يعني أنهنَّ مرئياتٌ أمَّا سموات العرش السبع فهنَّ غيرُ مرئياتٍ .

2) الفضاء الكوني القريب والبعيد والملأ الأعلى أي سموات العرش السبع:

في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: فرج سقف بيتي وأنا بمكة . فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم . ففرج صدري . ثم غسله من ماء زمزم . ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا . فأفرغها في صدري . ثم أطبقه . ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء . فلما جئنا السماءالدنيا قال جبريل عليه السلام لخازن السماء الدنيا : افتح . قال : من هذا ؟ قال : هذا جبريل . قال : هل معك أحد ؟ قال : نعم . معي محمد صلى الله عليه وسلم . قال : فأرسل إليه ؟ قال : نعم . ففتح قال ، فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة . وعن يساره أسودة . قال ، فإذا نظر قبل يمينه ضحك . وإذا نظر قبل شماله بكى . قال فقال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح . قال قلت : يا جبريل ! من هذا ؟ قال : هذا آدم صلى الله عليه وسلم . وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه . فأهل اليمين أهل الجنة . والأسودة التي عن شماله أهل النار . فإذا نظر قبل يمينه ضحك . وإذا نظر قبل شماله بكى . قال ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية . فقال لخازنها : افتح . قال فقال له خازنها مثل ما قال خازن السماء الدنيا . ففتح . فقال أنس بن مالك : فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وعيسى وموسى وإبراهيم . صلوات الله عليهم أجمعين . ولم يثبت كيف منازلهم . غير أنه ذكر أنه قد وجد آدم عليه السلام في السماء الدنيا . وإبراهيم في السماء السادسة . قال فلما مر جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بإدريس صلوات الله عليه قال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح . قال ثم مر فقلت : من هذا ؟ فقال : هذا إدريس . قال ثم مررت بموسى عليه السلام . فقال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح . قال قلت : من هذا ؟ قال ؟ : هذا موسى . قال ثم مررت بعيسى . فقال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح . قلت : من هذا ؟ قال : هذا عيسى بن مريم . قال : ثم مررت بإبراهيم عليه السلام . فقال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح . قال قلت : من هذا ؟ قال : هذا إبراهيم) (.الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 163خلاصة حكم المحدث: صحيح.)

فقوله عليه الصلاة والسلام " ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء . فلما جئنا السماءالدنيا " يعني السماء أي الفضاء الكوني القريب والبعيد لقوله "فعرج بي" أي صعد بي مسافة طويلة ثم وصلا السماء الدنيا كما في قوله عليه الصلاة والسلام " . فلما جئنا السماءالدنيا "(3). ما يعني أنَّ السماء الدنيا هي أول سماءٍ في سموات العرش السبع تعلو الفضاء الكوني الشاسع القريب والبعيد.

ففي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إذا قضى الله الأمر في السماء ، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله ، كالسلسة على صفوان - قال علي : وقال غيره : صفوان ، ينفذهم ذلك - فإذا فزع عن قلوبهم ، قالوا : ماذا قال ربكم ، قالوا للذي قال : الحق ، وهو العلي الكبير . فيسمعها مسترقو السمع ، ومسترقو السمع هكذا واحد فوق الآخر - ووصف سفيان بيده وفرج بين أصابع يده اليمنى ، نصبها بعضها فوق بعض - فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه ، وربما لم يدركه حتى يرمي بها الذي يليه ، إلى الذي هو أسفل منه ، حتى يلقوها إلى الأرض - وربما قال سفيان : حتى تنتهي إلى الأرض - فتلقى على فم الساحر ، فيكذب معها مائة كذبة ، فيصدق فيقولون : ألم يخبرنا يوم كذا وكذا ، يكون كذا وكذا ، فوجدنا حقا ؟ للكلمة التي سمعت من السماء . حدثنا علي بن عبد الله : حدثنا سفيان : حدثنا عمرو ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة : إذا قضى الله الأمر . وزاد : والكاهن . وحدثنا سفيان فقال : قال عمرو : سمعت عكرمة : حدثنا أبو هريرة قال : إذا قضى الله الأمر ، وقال : على فم الساحر . قلت لسفيان : أأنت سمعت عمرا قال : سمعت عكرمة قال : سمعت أبا هريرة ؟ قال : نعم . قلت لسفيان : إن إنسانا روى عنك : عن عمرو ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة ، ويرفعه : أنه قرأ : { فرغ } . قال سفيان : هكذا قرأ عمرو ، فلا أدري : سمعه هكذا أم لا ، قال سفيان : وهي قراءتنا) (.الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4701خلاصة حكم المحدث: صحيح).

يعني بقوله عليه الصلاة والسلام " إذا قضى الله الأمر في السماء " أي في السماء الدنيا، لقوله عليه الصلاة والسلام " ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا " وملائكةُ السماءِ لا توجد إلا في الملأ الأعلى أي في سموات العرش السبع. وقوله عليه الصلاة والسلام " قضى الله الأمر" أي قُضي الأمرُ في السماء الدنيا فلا تبديل ولا تغيير فيه ومنها أي من السماء الدنيا ينزل أمر الله المقضي في سموات العرش أو الملأ الأعلى إلى ما دونها من السماء أي الفضاء الكوني ومنه إلى سموات الأرض السبع وإلى الأرض بواسطة الملائكة وقد تستطيع الشياطين استراق سمعه من السماء الدنيا إذا لم يُحرقها الشهاب وقد لا تستطيع إذا أحرقها الشهاب قبل أن تصلَ به إلى الأرض.

ففي قوله تعالى ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ * لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (الصافات:6-10). يعني أنه سبحانه وتعالى زين السماء الدنيا بزينة الكواكب المضيئة؛ فالكواكب السيارة والثوابت يثقب ضوءها جرم السماء الشفاف ، فتضيء لأهل الأرض، ولا يقتضي ذلك أن تكون هذه الكواكب، التي نراها، موجودة في السماء الدنيا إنما تكون على مشارفها كما تكون الزينة المضيئة على مشارف المدن عند أهل الأرض، وقد لا تكون هذه الكواكب المضيئة مرئيةٌ كالكواكب الموجودة في الفضاء الكوني القريب والبعيد والتي ذُكرت في قوله تعالى ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ ) (الحجر:16-18) يعني أنَّ الكواكب في السماء أي الفضاء مرئية لقوله تعالى " جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ " ودليل ذلك قوله تعالى " تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا " (الفرقان:61) يقول تعالى جعل في السماء بروجًا فحرف الجر "في" هو يفيد الظرفية المكانية ولم يقل زينَّا السماء ببروجٍ، ثم يقول وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا وكما هو ثابتٌ أن القمر والشمس مرئيتان فيتبين من ذلك أن المقصود بالسماء الفضاء الكوني القريب والبعيد. ثم يقول تعالى أنَّه جعل الشهب حرسا لها من مردة الشياطين ، لئلا يسَّمَّعوا إلى الملأ الأعلى لأن الملأ الأعلى أو السماء الدنيا تعلو السماء أي الفضاء الكوني القريب والبعيد ومنه يمكن للشياطين استراق السمع من السماء الدنيا أو الملأ الأعلى.

أمَّا قوله تعالى " وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ " يعني المتمرد العاتي إذا أراد أن يسترق السمع من السماء الدنيا ، أتاه شهاب ثاقب فأحرقه من تلك الموجودة في السماء أي الفضاء الكوني الذي تعلوه السماء الدنيا ، ولهذا قال : لا يسمعون إلى الملإ الأعلى أي : لئلا يصلوا إلى الملأ الأعلى ، وهي السماوات ومن فيها من الملائكة ، إذا تكلموا بما يوحيه الله مما يقوله من شرعه وقدره. ولهذا قال " وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ " أي : يُرمَون من كل جهة يقصدون السماء منها، " دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ " أي : رجما يدحرون به ويزجرون ، ويمنعون من الوصول إلى ذلك و في الدار الآخرة لهم عذاب دائم موجع مستمر. وقوله تعالى "إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ "أي : إلا من اختطف من الشياطين الخطفة ، وهي الكلمة يسمعها من السماء فيلقيها إلى الذي تحته ، ويلقيها الآخر إلى الذي تحته ، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها بقدر الله قبل أن يأتيه الشهاب فيحرقه ، فيذهب بها الآخر إلى الكاهن ، كما تقدم في الحديث ، ولهذا قال " إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب " أي : مستنير. قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان للشياطين مقاعد في السماء فكانوا يستمعون الوحي . قال : وكانت النجوم لا تجري ، وكانت الشياطين لا ترمى قال : فإذا سمعوا الوحي نزلوا إلى الأرض ، فزادوا في الكلمة تسعا . قال : فلما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل الشيطان إذا قعد مقعده جاء شهاب فلم يخطئه حتى يحرقه . قال : فشكوا ذلك إلى إبليس ، فقال : ما هو إلا من أمر حدث . قال : فبث جنوده ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي بين جبلي نخلة - قال وكيع : يعني بطن نخلة - قال : فرجعوا إلى إبليس فأخبروه ، فقال : هذا الذي حدث. فذلك قوله تعالى عن الجن أنهم قالوا " وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا " (الجن 8-10) يعني طردت الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك ; لئلا يسترقوا شيئا من القرآن ، فيلقوه على ألسنة الكهنة ، فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدرى من الصادق ! وهذا من لطف الله بخلقه ورحمته بعباده ، وحفظه لكتابه العزيز ، ولهذا قال الجن " وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا " أي : من يروم أن يسترق السمع اليوم يجد له شهابا مرصدا له ، لا يتخطاه ولا يتعداه ، بل يمحقه ويهلكه (2).

وذلك كما في قوله تعالى (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) (الملك:5) يعني ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت وقوله " وجعلناها رجوما للشياطين " عاد الضمير في قوله "وجعلناها " على جنس المصابيح أي على نوعها في الإضاءة لا على عينها أي لا على ذاتها ; لأنه لا يرمي بالكواكب التي في السماء ، بل بشهب من دونها ، وقد تكون مستمدة منها ، والله أعلم. وقوله " وأعتدنا لهم عذاب السعير " أي : جعلنا للشياطين هذا الخزي في الدنيا ، وأعتدنا لهم عذاب السعير في الأخرى ، كما قال تعالى : في أول الصافات ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ * لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) (الصافات:6-10) قال قتادة : إنما خلقت هذه النجوم لثلاث خصال : خلقها الله زينة للسماء ، ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها ، فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه ، وأخطأ حظه ، وأضاع نصيبه ، وتكلف ما لا علم له به . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم(2).

وذلك كما في قوله تعالى ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) (فصلت: 12) يقول تعالى ذكره: ففرغ من خلقهنّ سبع سموات في يومين, وذلك يوم الخميس ويوم الجمعة. فعن موسى, قال: ثنا عمرو, قال: ثنا أسباط, عن السديّ, قال: استوى إلى السماء وهي دخان من تنفس الماء حين تنفس, فجعلها سماء واحدة, ففتقها, فجعلها سبع سموات في يومين, في الخميس والجمعة. وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض. وقوله تعالى " وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا " يقول: وألقى في كل سماء من السموات السبع ما أراد من الخلق (1).

أمَّا قوله تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) (الطلاق:12) يعني خلق سموات العرش السبع، وخلق من الأرض مثلهنّ لما في كلّ واحدة منهنّ مثل ما في السموات من الخلق (1). والمراد ب " يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ " أي بين السموات السبع ويُقضى الأمر في السماء الدنيا وليس بين السموات السبع والأرضين السبع لأن يتنزل الأمر بين سبع سموات الملأ الأعلى والأرضين السبع أي عددهم أربعة عشر. والعرب تُكني عن الجمع فوق العشرة إلى العشرين بقول " فعلنا ذلك لثلاث عشرة خلتْ، ولأربع عشرة مضتْ " فيكون قوله تعالى " يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُا " إذا كان العدد أربعة عشر. ولكن لأنَّ العدد هو سبع سموات كان قوله تعالى " يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ " لأنَّ العرب تُكني عن الجمع بين الثلاثة إلى العشرة بقول " فعلنا ذلك لثلاث ليالٍ خلونَ، ولأربعة أيامٍ بَقينَ ". والسلام عليكم ورحمة اهذل وبركاته.

الكاتب: أخوكم خالد صالح أبودياك.

المراجع:
1) تفسير الطبري.
2) ابن كثير.
3) المصدر: منتدى التوحيد: الموضوع: ما الفرق بين السماء والسماوات: الكاتب: عُبيد الله. (www.eltwhed.com).
4) الإعجاز في الكون: طبقات الغلاف الجوي السبعة: بقلم عبد الدائم الكحيل: المصادر : Encarta Encyclopedia, Atmosphere; Nasa, Milky way.

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس