شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   الموسوعة الضخمة مواضيع اسلامية هامة جداااااااااااااااااااااااا (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=294)
-   -   مسائل الاعتقاد في التفسير (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=437742)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 04-29-2023 03:39 AM

مسائل الاعتقاد في التفسير
 
مسائل الاعتقاد في التفسير
د.عبد الرحمن بن صالح الذيب


بسم الله الرحمن الرحيم





تفريغ محاضرة: مسائل الاعتقاد في التفسير
لفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الرحمن بن صالح الذيب حفظه الله.



الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى وصحبه وسلم ...
لاشك أن العنوان : (مسائل الاعتقاد في التفسير) عنوان كبير؛ لأن جلّ مسائل الاعتقاد تناولتها كتب التفسير ؛ لأن كتب التفسير مبناها على إيضاح كلام الله تعالى، ومعلوم أن مسائل العقيدة مبنية على الأدلة النقلية ، وما من مسألة من مسائل الاعتقاد عند أهل السنة إلا لها دليل إما من الكتاب و السنة أو أحدهما.
فينبني على ذلك أن غالب مسائل الاعتقاد ستكون مطروحة في كتب التفسير ، وإنما الاختلاف سيكون باعتبار منهج المفسر في تناوله لهذه المسائل ، وقد بنيت المحاضرة على خطة نسير عليها :
نبدأ بمقدمات حتى تكون واضحة للمستمعين، ثم ننتقل إلى صلب العنوان الذي هو: (مسائل الاعتقاد في كتب التفسير).
أولا: المقدمات: سأتناول ما يتعلق ببعض المصطلحات التي ستتكرر أثناء المحاضرة.
الأمر الآخر: منهج أهل السنة في تناولهم مسائل الاعتقاد وترتيبها ؛ لأن من المعلوم أن كتب العقائد تختلف فأهل السنة لهم منهج في تناول مسائل الاعتقاد يخالفه -إن صح التعبير- أهل الكلام أوالمبتدعة في تناولهم لتلك المسائل.
الثالث: مصادر التلقي عند أهل السنة.
الرابع: الكلام في كتب التفسير على وجه الإجمال.
ثم سنتكلم عن صلب العنوان الذي هو مسائل الاعتقاد في كتب التفسير.
وهناك ملحق بهذا العنوان: وهو أثر توجهات المفسرين العقدية على تفسيرهم للآيات القرآنية، وأحسب أن الوقت يمكن لا يسعفنا لتناول هذا الملحق، فنكتفي بالمقدمات وبعنوان المحاضرة.
أول تلك المقدمات: هو بعض المصطلحات.
أول هذه المصطلحات : هو لفظ العقيدة: ما المراد بالعقيدة؟
فالعقيدة لها تعريف لغوي وتعريف اصطلاحي، وخلاصة ما يتعلق بالدلالة اللغوية للعقيدة: أنها تدل على الإحكام والإبرام، وأما في التعريف الاصطلاحي للعقيدة: فهو الإيمان الجازم الذي لا يتطرق إليه شك.
فإذا قلنا عقيدة السنّي كذا فهي الأمور التي يؤمن بها هذا السنيّ لا يتطرق إليها الشك، وإذا قلنا عقيدة المعتزلي كذا ، فهي الأمور التي يجزم بها هذا المعتزلي ، وإذا قلنا عقيدة النصراني كذلك ، فبه يتبين أن العقيدة قد تكون حق وقد تكون العقيدة باطلة بحسب هذا المعتقِد ، لكن هي عنده لا يتطرق إليها شك ، أما في نفس الأمر فقد تكون معتقدات لا يتطرق إليها الشك باعتبار ذات المعتقَد لأنها حق، وقد يكون لا يتطرق إليها شك باعتبار المعتقِد لأنه ظن أنها حق ، خلاصة هذا ما يتعلق بالتعريف ، تعريف العقيدة واصطلاحا.
المصطلح الثاني: أهل السنة.
السنة: الطريقة والسيرة في اللغة ، واصطلاحاً الهدي الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه علمًا وعملًا.
فإذا قيل أهل السنة: فالمراد هم من كان على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وهذا التقييد أو الإيضاح يخلّصنا من إشكال: وهو ادّعاء بعض الفرق المنحرفة أنهم هم أهل السنة، دعوى الفرق أنهم يعملون بالكتاب والسنة يدعيها كثير منهم ، لكن كلهم في الحقيقة يتفقون أنهم ليسوا في المعتقد على ما كان عليه الصحابة ، وأئمة التابعين ، على سبيل المثال : الأشاعرة وهم لعلهم من أشهر الفرق التي تدعي لنفسها أنهم أهل السنة ، يصرّحون بأنهم ليسوا على مذهب السلف في المعتقد ، فيجعلون مذهب السلف التفويض ، ويجعلون مذهب الخلف هو التأويل أو البيان ، ثم يغرقون في الثناء على مذهب الخلف ويجعلون مذهب السلف أنه فقط فيه السلامة من الوقوع في الخطأ ، فهم يصرّحون أنهم ليسوا على مذهب السلف؛ بمعنى أنهم ليسوا على ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فعرفنا أن تعريف أهل السنة إذا قيل هم من كان على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة القرون الثلاثة، بهذا يخرج كثير ممن يدعي أنهم هم أهل السنة.
لفظ الجماعة: أهل السنة والجماعة يذكر بعض أهل العلم أنه ظهر متأخّرًا ، الجماعة تدل على نوع من الاجتماع ؛ لأن أهل البدع كلهم أهل خروج في الحقيقة، الخوارج وغير الخوارج.
فصار هذا المصطلح أيضا من العلامات الفارقة لأهل السنة أو لأتباع السلف الصالح عن غيرهم.
ظهر هذا المصطلح متأخرا ، من أقدم النصوص عندنا أنه نُسب لابن عباس في تأويل قوله تعالى: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} جاء عن ابن عباس أنه قال: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، لكن في سند هذا الأثر ، وهذا الأثر رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة من طريق مجاشع بن عمرو عن ميسرة بن عبد رب عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، ومجاشع متكلم فيه ، ومع هذا نقول ورود الأثر يدل على تقدم استخدام أو استعمال هذا المصطلح ؛ لأن مجاشع في طبقة أتباع التابعين ، فلو دُري أنه هو من وضع هذا الأثر فأيضا يدل على أن المصطلح موجود.
عندنا نص آخر من أئمة أتباع التابعين استخدام لهذا المصطلح أيضا فقد جاء عن عمرو بن قيس المولائي أنه قال: "إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة الجماعة فارجه" وعمرو بن قيس توفي 146 هــ.
فالمصطلح ظهر في أوائل القرن الثاني أو في منتصفه، وهو لفظ الجماعة، هذا فيما يتعلق بالمصطلح الثاني الذي نتناوله.
المصطلح الثالث هو: مصطلح أهل الكلام
مصطلح أهل الكلام في الحقيقة ظهر مبكرا عند سلف هذه الأمة على وجه الذم ، وظهر شائعا منتشرا عند متأخري هذه الأمة على وجه الثناء والمدح ، وهذه من المفارقات في الحقيقة، فالنصوص عن أئمة أهل العلم هو ذم الكلام وذم علم الكلام ، جاء عن أبي يوسف عن الشافعي ، ومع هذا صار هذا المصطلح هو المصطلح الشائع لعلم العقيدة عند كثير من الجامعات الشرعية في كثير من أقطار العالم الإسلامي ، فما هو علم الكلام ومن هم أهل الكلام ؟
علم الكلام الآن من خلال ما طرحنا ، يتبين أنه عند السلف له معنى وعند المتأخرين له معنى آخر ، فنأخذ على سبيل المثال السفاريني في (لوامع الأنوار البهية) يعرفه بأنه: العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية -وهذا في الحقيقة له مدلول سنتكلم عنه بعد قليل-.
لكن كذلك عندنا على سبيل المثال: تعريف لابن خلدون، و تعريف الإيجي , فمثلا الإيجي يقول : هو علم يُقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه.
وابن خلدون يقول : هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية ، والرد على المبتدعة المنحرفين عن الاعتقادات عن مذهب السلف وأهل السنة .
الآن التعاريف الثلاثة كلها تعطي نوع ثناء لهذا العلم ، وهي تشترك في أن فائدة هذا العلم هو الدفاع عن العقائد الإيمانية أو العقائد الدينية ، فهم كأنهم يدعون أن العقائد الدينية أو اليقينية ثبتت أولا ، ودوفع عنها عن طريق هذا العلم ، ففائدة هذا العلم في هذه التعاريف هو الدفاع عن هذه العقائد لذا صار عندهم في الحقيقة من العلوم الممدوحة ، والسفاريني لما قال العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية ، واضح أن الآن عندهم إشارة أن هناك أدلة ظنية وأدلة يقينية ، وهذه الإشارة أوضحها في الحقيقة ابن خلدون حين قال : بالأدلة العقلية.
فالمتكلمون عموما قد ردوا جل الأدلة النقلية ، فعندهم في الحقيقة جميع الأحاديث ، ومعروف أن الأحاديث إما متواتر وإما آحاد ، والأحاديث الآحاد كلها ظنية عندهم فردوها ، وما يتعلق بالقرآن والأدلة المتواترة أيضا ما سلمت في الحقيقة لأن دلالتها عندهم ظنية فصار التعلق بها أيضا ضعيف ، لم يبقَ لهم إلا الأدلة العقلية ، فجعلوا العقل حكم على النقل ، وهذا في الحقيقة ما أشار إليه ابن خلدون ، أو عبر عنه السفاريني بقوله : الأدلة اليقينية.
لا شك أن وصف دلالة العقل بأنه يقيني وصف غير صادق فيما يتعلق بالأخبار الغيبية ، العقائد أمرها مبني على الغيب ، والغيب في الحقيقة لا يعرف إلا عن طريق الخبر الصادق ، فإذا عطلنا هذا الخبر الصادق اتكلنا على عقولنا ، لذا نجد الآن أشهر الفرق الكلامية هم الجهمية ثم المعتزلة ثم الكلاّبية بشطريها الأشاعرة والماتريدية ، كلهم في الحقيقة يدعون أن العقل يؤيد ما قرروه من أمور الاعتقاد ، ومع هذا التباين بينهم أشد من التباين بين المشرق والمغرب ، فأي عقل نتبع أو نهتدي به لأن أمور الغيب أمور ليست في الحقيقة ، عقل الإنسان محدود له حد معين ، بعض أهل العلم شبه إعمال العقل في مسائل الغيب كالرجل الذي يدخل في كهف مظلم ، فالكهف المظلم لن تستطيع أن تستخدم رؤيا العين لمعرفة ما فيه ، فلن تستطيع معرفة ما فيه إلا عن طريق نور الوحي الذي يكشف لك ما يتعلق بأمور الغيب ، أما أولئك فاتكلوا على عقولهم فصارت هذه الانحرافات العظيمة في مسائل الاعتقاد ، فهذا التعريف غير صحيح؛ لأنهم لم يدافعوا عن العقائد التي دل عليها الكتاب والسنة بالأدلة العقلية ، هم في الحقيقة أثبتوا العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية ، وهذا محل الخطورة في الحقيقة؛ لذا نستطيع أن نقول أن هذا التعريف غير صحيح ، والصحيح أن يقال أن علم الكلام: هو العلم الذي بنى مسائل الاعتقاد على دلالة العقول دون الاهتداء بوحي الكتاب والسنة وكلام أئمة السلف الصالح ، فهذا التعريف هو محل للذم ، ومن المشهور قول أبي يوسف صاحب أبي حنيفة رحمه الله : العلم بالكلام هو الجهل ، وقول الشافعي : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بين القبائل أو قال العشائر ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة .
مسمى علم الكلام كما ذكرت أنه يطلق على مجموعة فرق ، أشهر تلك الفرق ، -طبعا تناولي للفرق أحتاجه لأني سأتكلم في مسائل الاعتقاد عن أقوالهم في بعض هذه المسائل-
[أشهر فرق المتكلمين]
وأشهر تلك الفرق: الجهمية، أتباع الجهم بن صفوان ، وهذا المذهب أشهر من فيه هو إمامه ، ولا يعلم لهذه الفرقة إلا هذا الرجل ، ولا شك أن له أتباع وأصحاب لكن إذا أطلق مذهب الجهم لا نستطيع أن نقيد إلا هذا الرجل ، لكن ينبغي أن نتنبه أن الجهمية لها اصطلاحان ؛ يعني مدلول لفظ الجهمية يطلق على أمرين ، الأمر الأول : الجهمية بالمعنى الخاص ، أو الجهمية عند أصحاب كتب المقالات كتب الفرق ، وهم أتباع الجهم بن صفوان ، هؤلاء إذا تناولنا اعتقادهم نأتي في باب الإيمان لهم معتقد ، نأتي في باب الأسماء والصفات لهم رأي ومعتقد ، نأتي في باب القدر لهم معتقد . هذا الاصطلاح الأول.
الاصطلاح الآخر هو مدلول لفظ الجهمية في كلام السلف ، السلف رحمهم الله يطلقون لفظ الجهمية على كل من كان منكرا للصفات ، كل من كان منكر للصفات هو عند السلف جهمي ، فهنا يكون المعنى أعم ، فيقال أن للجهمية لها مدلولان : مدلول عام ، ومدلول خاص , المدلول العام هو منكري الصفات فيدخل هنا المعتزلة أيضا ؛ لأن المعتزلة أيضا من منكري الصفات .
المعنى الخاص هم أتباع الجهم بن صفوان في مسائل الاعتقاد . -واضح الآن ؟- فعندنا هذا اللفظ.
على سبيل المثال بشر بن غياث رد عليه عثمان الدارمي و في نفس العنوان الجهمي ، و معلوم أن بشر بن غياث هو من أئمة الاعتزال ، عندنا الإمام أحمد -رحمه الله- أطلق على ابن أبي دؤاد جهمي ، و ابن أبي دؤاد من أئمة المعتزلة ، وكما ذكرت سابقا أنه في فرقة المعتزلة بالمعنى الخاص لا نعرف الآن إلا جهم بن صفوان ، لا شك أن الجهم له تلامذة و أصحاب ولكن النقل عنه في كتب المقالات قليل أو لا أصلحه أحد باسمه الآن ، مع هذا لفظ الجهمية أطلق على كثير من أئمة المعتزلة ، بل كل أئمة المعتزلة جهمية ؛ لأنهم منكري الصفات ، شيخ الاسلام ابن تيمية يطلق مسمى الجهمية تارة بهذا المعنى و تارة بهذا المعنى ، يعني تارة يطلق لفظ الجهمية على منكري الصفات و هذا كثير في كلامه و إذا جاء في بيان أقوال الناس في مسائل الاعتقاد فقال: قول الجهمية و هذا قول المعتزلة ، هنا يريد المعنى الخاص ، -واضح الآن؟-، يعني ابن تيمية و غيره من أئمة أهل العلم كثيراً ما يستخدمون المصطلح في معنَيَيَه ، فيطلقون الجهمية على المنكري الصفات ، و لكن عند تفصيل الأقوال سواء في مبحث القدر ، في مبحث الإيمان ، في مبحث الصفات يميّزون الآن ، وهنا في الحقيقة أحيانا هذا اللفظ يطلق حتى على الأشاعرة ، و الحقيقة الأشاعرة ليسوا جهمية ، الأشاعرة ليسوا جهمية ، لأن الأشاعرة و أبناء عمهم الماتريدية و مشايخهم الكلابية هم في الحقيقة في الجملة من مثبتي الصفات ، الشيراستاني ذكر في بداية كتابه (الملل و النحل) سمّاهم الصّفاتيّة ؛ لأنهم يقرون بجملة من الصفات، فكانوا في خندق أهل الإثبات ، لكن لما كان عندهم من تعطيل كثير من الصفات صار عندهم نوع من التّجهم ، هذا في باب الصفات.
إذا انتقلنا إلى باب القدر مثلا نجد الإمام ابن تيمية يطلق عليهم الجهمية و يريد أنهم قد وافقوا الجهمية في مسألة الإرجاء أو في مسألة القدر في باب الجبر ؛ لأنهم قالوا بقولهم في الجملة و إن كان هناك فرق عند البيان و التفصيل ، هناك فرق بين قول فرقة الجهمية في مسألة القدر و قول الأشاعرة ، لكنهم لأنهم اشتركوا في أصل مقالة الجبر في باب القدر يُلحقهم الإمام ابن تيمية بهذا المسمّى أحيانا ، بل الإمام ابن تيمية -رحمه الله- فيما يتعلق في الكلام عن الأشاعرة أحيانا يطلق عليهم مسمّى (متكلمة أهل السّنة) ، فالمقام في الحقيقة يختلف من مكان إلى آخر بحسب طريقة العرض، و هذا يكون على جهة الإنصاف ؛ لأنك إذا عرفت الأشاعرة بالنسبة إلى غيرهم من الفرق تجدهم أقل انحرافا ، وإذا رأيت حقيقة هذا المذهب تجده في الحقيقه قد حوى باطل كثير ، و أهل العلم يختلفون في شدّتهم في كلامهم عن الأشاعرة ، بحسب مجموعة أمور، إمّا بحسب ما رأوه من عرض الأشاعرة ، أو بحسب انتشار هذا المذهب ، يعني في بداية الأمر كان السلف على موقفهم من الأشاعرة فبعضهم رأى أنهم هم خصوم المعتزلة فأثنى عليهم لعدم معرفته بحقيقة هذا المذهب ، كما أُثِرَ عن الدار قطني -رحمه الله - لما رأى الباقلاني أثنى عليه ، والباقلاني هو الإمام الثاني بعد أبي الحسن الأشعري -نستطيع أن نقول ذلك-، بينما غيره من المتقدمين شنّع عليهم غاية التشنيع ، كما رأينا عند السجزي و غيره من أئمة السنة لأنهم رآهم في الحقيقة أنهم يعني لهم وجهين -إن صح التعبير- ، فهم يدّعون نصر السّنة لكن مقالاتهم تحوي السمّ الزعاف، فهم يدّعون أنهم ينصرون قول أهل السنّة في أن القرآن غير مخلوق ، ومُؤَدّى مذهب الأشاعرة في القرآن هو مذهب المعتزلة ، وهذا كثير في الحقيقة ، كثير من المسائل التي يقول بها الأشاعرة فيما يدّعونه أنه موافق لأهل السنّة عند التحقيق يتبيّن أنه موافق لأقوال أهل البدع ، يعني من ناوَؤَهُم من أهل البدع فمسألة النظر مثلا ، النّظر إلى الله ، هم يثبتون ذلك ، وهم خصوم للمعتزلة في هذه المسألة و ردودهم جيدة في الجملة لكنها مبنية على قولهم: الرؤية من غير مقابلة من غير جهة لذا في الحقيقة يخالفهم عامة أهل الفرق ، من أهل السنة و من غير أهل السنّة ، يقال هذا القول لا يدل عليه النقل و لا حتى العقل ، ليس هذا في الحقيقة محل كلامنا على العموم ، أنا أردت فقط أبيّن أن أشهر الفرق الكلامية هم الجهمية؛ و الجهمية لها مصطلحين و المصطلح الأول عام: يشمل منكري الصفات فيدخل معهم المعتزلة ، و المصطلح الآخر الخاص: الذي يكثر تناوله في كتب المقالات وكتب الفرق وهم أتباع الجهم بن صفوان في سائر مسائل الاعتقاد ، وأما الأشاعرة فليسوا جهمية ، بهذا المعنى لأنهم من المثبتة في الجملة .
والأخت تسأل: عن قول الأشاعرة في القدر؟
الأشاعرة هم جبرية في باب القدر ، لكن قولهم في الجبر ليس كقول الجبرية الغلاة ، و ليس هذا مقام التفصيل.
طبعا الجهمية في مسائل الإيمان ذكرت أنهم مرجئة و في مسائل الصفات هم معطلة ، و في مسائل القدر هم جبرية ، طبعا الأمر لا يقف عند هذا بل من شر الفرق الكلامية هم الجهمية ، إذا تناولناه فيما يتعلق في مسائل اليوم الآخر ، نجد عندهم انحراف كثير ، و إنكار كثير مما دلت عليه النصوص الصحيحة ، كذلك فيما يتعلق بأقوالهم في أبواب النبوّات.
الفرقة الثانية: المعتزلة.
-أنا ذكرت لكم أن العنوان كبير إذا قيل في مسائل الاعتقاد وسأشير بإيجاز إلى مدلول هذا اللفظ ماذا يعني؟ لكني سأتكلم عن أهم المسائل أو أشهر المسائل التي ظهر فيها الخلاف -
المعتزلة في باب الإيمان قولهم قريب من قول الخوارج و إن كان بينهم فرق ، و قولهم في الصفات معلوم أنهم منكري للصفات إنما يثبتون الأسماء دون الصفات ، و الأسماء يجعلونها كالأعلام المحضة التي لا تدل و لا تتضمن معاني و أما في باب القدر فهم نفاة ، و إذا قيل القدرية فهم نفاة القدر ، و أشهر من قال بنفي القدر هم المعتزلة ، انتهينا من الفرقة الثانية.
الفرقة الثالثة: الأشاعرة.
الأشاعرة في الحقيقة في باب الإيمان مرجئِة، وفي باب الصفات يُعدّون من جملة المثبتة في الجملة لكن عند التفصيل نحتاج أيضًا أن نفصل فيما يتعلق بالأشاعرة، لأن الأشاعرة هناك متقدّمي الأشاعرة ومتأخري الأشاعرة.
الأشاعرة في الحقيقة مرّوا نستطيع أن نقول بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: متقدّمو الأشاعرة.
المرحلة الثانية: يؤرخها بعضهم بعد أبي المعالي الجويني -رحمه الله وغفر له-.
المرحلة الثالثة: بعد الفخر الرازي.
فالمرحلة الأولى هم يُثبتون الصفات الخبريّة والصِفات الذاتيّة؛ وهي التي يسمّونها صفات المعاني، وإنما وقع انحراف عندهم في صفات الأفعال، هذا عند متقدّمي الأشاعرة.
كذلك هناك فرق بين الأشاعرة الخرسانيين وغيرهم، لكن هذا تفصيل لا نحتاجه.
أما المرحلة الثانية التي كانت بعد أبي المعالي الجويني في الحقيقة هم -صار المذهب اقترب لمذهب المعتزلة أكثر- فصاروا يعطّلون الصفات الخبريّة وصفات الأفعال، وإنما يثبتون صفات المعاني فقط. وصفات المعاني يثبتون منها فقط السبع.
المرحلة الثالثة "بعدالفخر الرازي": اقترب المذهب دخل على المذهب أقوال الفلاسفة ، ثم متأخّري الأشاعرة دخلهم أيضًا التصوّف والقبوريات ، يمكن هذه نجعلها مرحلة رابعة في الحقيقة.
هذا بما يتعلّق بالأشاعرة على وجه الإيجاز.
شيوخ ماقبل الجويني لا شكّ أنهم أقرب إلى السنة ممّن جاء بعدهم، يعني من المشاهير متقدّمي الأشاعرة الذين أقرب لأهل السنة: الحافظ البيهقي رحمه الله صاحب السنن الكبرى، وله كتاب الاعتقاد وكتاب الأسماء والصفات بناءً على مذهب متقدّمي الأشاعرة.
وقد تأثّر بالأشاعرة جملةً ، كما ذكرت أنهم في بداية أمرهم ظهروا على أنهم هم المدافعون عن قول أهل السنة بالأدلّة الكلاميّة، فكان أهل الحديث يُحذّرون من الكلام الذي جاء به المعتزلة والجهمية عمومًا ويكتفون بذلك مع تأييد أو نصر مسائل الاعتقاد بما جاء في الكتاب والسنة ، لكن استفحل أمر المعتزلة خاصة لما تبناه بعض الخلفاء ، فلما ظهر بعض أئمة الكلابية وأبطلوا كلام المعتزلة بالأدلة العقلية فرح بهذا جملة من الناس وظنوا أن ذلك يوقف باطل هؤلاء ولم يعلم أن هؤلاء الذين اعتمدوا على العقل قد تضمن كلامهم باطل آخر ، فمثلا: من اطلع على كلام الدارمي رحمه الله، والدارمي في القرن الثالث أو توفي في بداية الثالث، يجد أنه كثير مما حكاه عن بشر بن غياث المريسي من تأويل الصفات يقول به الأشاعرة ، هذا فيما يتعلق بمذهب الأشاعرة ، ليس هذا أيضا موضوعنا لكن هذا سنحتاجه عند الكلام على التفسير أو المفسرون.
طبعاً الفرق بين الفلسفة الكلامية هذا ليس مهم ، من الأمور التي نحتاج نتناولها على وجه الإيجاز مسائل الاعتقاد ، طبعا كتب العقائد تتناول مسائل الاعتقاد بمناهج مختلفة ، أهل السنة تناولهم لمسائل الاعتقاد على ضوء ماجاء في حديث جبريل عليه الصلاة والسلام ، الإيمان بالأصول الستة : الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ،ورسله ،واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره، هذا طبعاً واضح عند متأخري الكتب ، متأخري أهل السنة.


[التأليف في العقائد عند أهل السنة]
التأليف في العقائد عند أهل السنة مر بمراحل ، وغالباً متقدموا أهل العلم وأئمة السلف إنما التصنيف كان المراد به حاجة الناس إلى التصنيف والتأليف ، فلماظهرت بدع المعتزلة احتاجوا أن يردوا على المعتزلة ، ولما ظهر الأشاعرة والكلابية احتاجوا أن يردوا عليهم ، فكلما ظهرت بدع احتاجوا أن يردوا ، فغالب مؤلفاتهم مبنية على دفع باطل ظهر في وقتهم ، لذا مثلا: الكلام فيما يتعلق بالقرآن إنما ظهر في بداية القرن الثالث أو نهاية القرن الثاني لما شاعت مقالة المعتزلة ، ولم نجد مثل هذا عند مثل التابعين ، بينما مسائل الإيمان ظهرت مبكراً؛ لأنها ظهرت في أواخر وقت الصحابة.
ومصنفات أهل السنة فيما يتعلق بكتب الاعتقاد عندنا مثل مايُحتاج إليه ألف فيه ، مثل كتاب التوحيد لابن خزيمة جل مسائله هو التوحيد لكن جُلّ مسائله في مسألة الصفات ، لذا بعضهم يستشكل : لماذا كلام السلف أو مؤلفات السلف في توحيد العبادة قليل؟
نقول: لأن صور الانحراف في توحيد العبادة لم تكن في وقتهم، فما احتاجوا إلى أن يؤلفوا فيها ، بينما في القرن السادس و الخامس انتشرت كثير من الصور فكتب من كتب من أهل العلم ، ولعل الإمام ابن تيمية من أبرز من كتب في هذه المسائل.
فمصنفات أهل السنة مبنية على حاجة الناس إلى البيان ودفع باطل ، أما الآن لما بدت العلوم تتمايز صارت مؤلفات العقيدة مبنية بوضوح على مايتعلق بتلك الأصول الستة ،
إذا قلنا الأصول الستة نبدأ بالأصل الأول: وهو الإيمان بالله.
فأهل العلم يتكلمون على إثبات وجود الله؛ أي أدلة وجود الله عزوجل، ثم يتكلمون عن التوحيد بأقسامه الثلاثة: توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذا كله الآن سنجده يُتناول في كتب التفسير ، وهذا طبعاً ليس بالأمر السهل الآن، يعني فقط بما يتعلق بمسائل الصفات هي مسائل كبيرة جداً ، الآيات التي تناولت الإيمان ، توحيد الألوهية كثيرة جدا ، الآيات التي تناولت تقرير توحيد الربوبية كثيرة جدا؛ لذا مسائل الإعتقاد في كتب التفسير كثيرة، بل المؤلفات التي تناولها الباحثون فيما يتعلق بآراء أو أقوال المفسر في الاعتقاد كثيرة أيضا.
الأصل الثاني : فيما يتعلق في الإيمان بالكتب والإيمان بالرسل والإيمان باليوم الآخر والإيمان بالقدر.
لعل الخلاف فيها قليل، إلا ما يتعلق بالقدر، والقدر كذلك بعض المؤلفين يجعله آخر الأقسام ، وبعضهم يقدمه يلحقه بالكلام على توحيد الربوبية ؛ لأنه يتعلق بفعل الله عز وجل.
ومعلوم أن توحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله، فيُقدّم الكلام بالقدر ، والقدر وقع فيه نزاع مبكر وأيضا النزاع فيه شديد، هذا فيما يتعلق بمسائل الاعتقاد التي يشملها مسمى مسائل الاعتقاد -ومعلوم أن تناول هذا كله معناه تناول لأبواب الاعتقاد كاملا وهذا لا يتهيأ في جلسة-.
ما يتعلق بمصدر التلقي عند أهل السنة.
أهل السنة مصدر التلقي عندهم هو الكتاب والسنة والإجماع ، والإجماع هو إجماع الصحابة، فالقران هو المصدر الأول فيما يتعلق بالتلقي عند أهل السنة.
وعلى ضوئه سيكون الكلام في مسائل الإعتقاد كثيرة.
يتبع


المصدر...


الساعة الآن 12:01 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM