مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 90)
مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 89)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=355152 ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ فِيهَا غَزَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَالْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بِلَادَ الرُّومِ , فَفَتَحَا حُصُونًا , وَقَتَلَا خَلْقًا مِنَ الرُّومِ , وَغَنِمَا وَأَسَرَا خَلْقًا كَثِيرًا . وَفِيهَا أَسَرَتِ الرُّومُ خَالِدَ بْنَ كَيْسَانَ صَاحِبَ الْبَحْرِ ( أمير الأسطول الإسلامي ) وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى مَلِكِهِمْ فَأَهْدَاهُ مَلِكُ الرُّومِ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ . وَفِيهَا عَزَلَ الْوَلِيدُ أَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ إِمْرَةِ مِصْرَ , وَوَلَّى عَلَيْهَا قُرَّةَ بْنَ شَرِيكٍ . وَفِيهَا قَتَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الثَّقَفِيُّ مَلِكَ السِّنْدِ ( باكستان ) دَاهِرَ بْنَ صَصَّةَ , وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ هَذَا عَلَى جَيْشٍ مِنْ جِهَةِ الْحَجَّاجِ ( وهو ابن أخي الحجاج ، وقد ولاه الحجاج قيادة جيش وأمره بفتح السند ) . وَفِيهَا فَتَحَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ مَدِينَةَ بُخَارَى وَحُصُونَهَا ( في أوزبكستان ) وَهَزَمَ جَمْعَ الْعَدُوِّ مِنَ التُّرْكِ بِهَا , وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ فُصُولٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا , وَقَدْ تَقَصَّاهَا ابْنُ جَرِيرٍ وَفِيهَا طَلَبَ طَرْخُونُ مَلِكُ الصُّغْدِ ( طجكستان وهي على حدود الصين ) بَعْدَ فَتْحِ بُخَارَى مِنْ قُتَيْبَةَ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى مَالٍ يَبْذُلُهُ فِي كُلِّ عَامٍ فَأَجَابَهُ قُتَيْبَةُ إِلَى ذَلِكَ , وَأَخَذَ مِنْهُ رَهْنًا عَلَيْهِ . وَفِيهَا اسْتَنْجَدَ وَرْدَانُ خُذَاهْ - وَهُوَ صَاحِبُ بُخَارَى - بَعْدَ أَخْذِ قُتَيْبَةَ لَهَا بِالتُّرْكِ فَأَتَوْهُ مِنْ جَمِيعِ النَّوَاحِي وَخَرَجَ وَرْدَانُ خُذَاهْ , وَحَمَلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَحَطَّمُوهُمْ , وَرَجَعَ قُتَيْبَةُ بِالْجُنْدِ إِلَى بِلَادِهِ ( مرو ) فَأَذِنَ لَهُ الْحَجَّاجُ فَلَمَّا سَارَ إِلَى بِلَادِهِ بَلَغَهُ أَنَّ صَاحِبَ الصُّغْدِ قَالَ لِمُلُوكِ التُّرْكِ : إِنِ الْعَرَبَ بِمَنْزِلَةِ اللُّصُوصِ , فَإِنْ أُعْطُوا شَيْئًا ذَهَبُوا , وَإِنَّ قُتَيْبَةَ هَكَذَا , يَقْصِدُ الْمُلُوكَ , فَإِنْ أَعْطَوْهُ شَيْئًا أَخْذَهُ وَرَجَعَ عَنْهُمْ , وَإِنَّ قُتَيْبَةَ لَيْسَ بِمَلِكٍ , وَلَا يَطْلُبُ مُلْكًا . فَبَلَغَ قُتَيْبَةَ قَوْلُهُ , فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَكَاتَبَ نَيْزَكُ مَلِكُ التُّرْكِ مُلُوكَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ , مِنْهُمْ مَلِكُ الطَّالَقَانِ , وَكَانَ قَدْ صَالَحَ قُتَيْبَةَ فَنَقَضَ الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُتَيْبَةَ , وَاسْتَجَاشَ عَلَيْهِ بِالْمُلُوكِ كُلِّهَا فَأَتَاهُ مُلُوكٌ كَثِيرٌ كَانُوا قَدْ عَاهَدُوا قُتَيْبَةَ عَلَى الصُّلْحِ , فَنَقَضُوا كُلُّهُمْ , وَصَارُوا يَدًا وَاحِدَةً عَلَى قُتَيْبَةَ , وَاتَّعَدُوا إِلَى الرَّبِيعِ , وَتَعَاهَدُوا وَتَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ يَجْتَمِعُوا فَيُقَاتِلُوا كُلُّهُمْ فِي فَصْلِ الرَّبِيعِ مِنَ السَّنَةِ الْآتِيَةِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ قُتَيْبَةُ فِي ذَلِكَ الْحِينِ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً جِدًّا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا , وَصَلَبَ مِنْهُمْ سِمَاطَيْنِ ( صفين ) فِي مَسَافَةِ أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ ( 20 كم ) فِي نِظَامٍ وَاحِدٍ , وَذَلِكَ مِمَّا كَسَرَ جُمُوعَهُمْ كُلَّهُمْ . وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ هَرَبَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ وَأَخَوَاهُ الْمُفَضَّلُ ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ سِجْنِ الْحَجَّاجِ , فَلَحِقُوا بِسُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَأَمَّنَهُمْ مِنَ الْحَجَّاجِ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ قَدِ احْتَاطَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ , وَعَاقَبَهُمْ عُقُوبَةً عَظِيمَةً , وَأَخَذَ مِنْهُمْ سِتَّةَ آلَافِ أَلْفٍ ( هي أموال المسلمين التي كانت في ذمة يزيد بن المهلب عندما كان نائبا للحجاج على خرسان ، وكان في ذمة يزيد للمسلمين أكثر من ذلك ، ولما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة أعاد سَجن يزيد بن المهلب ، وطلب منه ردَّ ما بقي في حوزته من أموال المسلمين ) وَكَانَ أَصْبَرَهُمْ عَلَى الْعُقُوبَةِ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ , كَانَ لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ , وَلَوْ فَعَلُوا بِهِ مَا فَعَلُوا فَكَانَ ذَلِكَ يَغِيظُ الْحَجَّاجَ , حَتَّى قَالَ قَائِلٌ لِلْحَجَّاجِ : إِنَّ فِي سَاقِهِ أَثَرَ نُشَّابَةٍ بَقِيَ نَصْلُهَا فِيهِ , وَإِنَّهُ مَتَى أَصَابَهَا شَيْءٌ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَنْ يَصْرُخَ فَأَمَرَ الْحَجَّاجُ أَنْ يُنَالَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْهُ بِعَذَابٍ فَصَاحَ فَلَمَّا سَمِعَتْ أُخْتُهُ هِنْدُ بِنْتُ الْمُهَلَّبِ وَكَانَتْ تَحْتَ الْحَجَّاجِ ( زوجته ) صَوْتَهُ بَكَتْ وَنَاحَتْ عَلَيْهِ فَطَلَّقَهَا الْحَجَّاجُ , ثُمَّ أَوْدَعَهُمُ السِّجْنَ . ثُمَّ خَرَجَ الْحَجَّاجُ إِلَى بَعْضِ الْمَحَالِّ لِيُنْفِذَ جَيْشًا إِلَى الْأَكْرَادِ , وَاسْتَصْحَبَهُمْ مَعَهُ , فَخَنْدَقَ حَوْلَهُمْ , وَوَكَّلَ بِهِمُ الْحَرَسَ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي أَمَرَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ بِطَعَامٍ كَثِيرٍ فَصُنِعَ لِلْحَرَسِ , فَاشْتَغَلُوا بِهِ , ثُمَّ تَنَكَّرَ فِي هَيْئَةِ بَعْضِ الطَّبَّاخِينَ , وَجَعَلَ لِحْيَتَهُ لِحْيَةً بَيْضَاءَ , ثُمَّ خَرَجَ فَرَآهُ بَعْضُ الْحَرَسِ فَقَالَ : مَا رَأَيْتُ مِشْيَةً أَشْبَهَ بِمِشْيَةِ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ مِنْ هَذَا . ثُمَّ اتَّبَعَهُ يَتَحَقَّقُهُ , فَلَمَّا رَأَى بَيَاضَ لِحْيَتِهِ انْصَرَفَ عَنْهُ , ثُمَّ لَحِقَهُ أَخَوَاهُ , فَرَكِبُوا السُّفُنَ , وَسَارُوا نَحْوَ الشَّامِ . فَلَمَّا بَلَغَ الْحَجَّاجَ هَرَبُهُمُ انْزَعَجَ لِذَلِكَ , وَذَهَبَ وَهْمُهُ أَنَّهُمْ سَارُوا إِلَى خُرَاسَانَ , فَكَتَبَ إِلَى قُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ يُحَذِّرُهُ قُدُومَهُمْ , وَيَأْمُرُهُ بِالِاسْتِعْدَادِ لَهُمْ , وَأَنْ يَرْصُدَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ , وَيَكْتُبَ إِلَى أُمَرَاءِ الثُّغُورِ وَالْكُوَرِ بِتَحْصِيلِهِمْ , وَكَتَبَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ يُخْبِرُهُ بِهَرَبِهِمْ , وَأَنَّهُ لَا يَرَاهُمْ هَرَبُوا إِلَّا إِلَى خُرَاسَانَ , وَخَافَ الْحَجَّاجُ مِنْ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ أَنْ يَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ , وَجَمْعِ النَّاسِ لَهُ . وَأَمَّا يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ فَإِنَّهُ سَلَكَ عَلَى الْبَطَائِحِ , وَجَاءَتْهُ خُيُولٌ كَانَ قَدْ أَعَدَّهَا لَهُ أَخُوهُ مَرْوَانُ بْنُ الْمُهَلَّبِ لِهَذَا الْيَوْمِ , فَرَكِبَهَا , وَسَلَكَ بِهِ دَلِيلٌ مِنْ بَنِي كَلْبٍ , فَأَخَذَ بِهِمْ عَلَى السَّمَاوَةِ . وَجَاءَ الْخَبَرُ إِلَى الْحَجَّاجِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَنَّ يَزِيدَ قَدْ سَلَكَ نَحْوَ الشَّامِ , فَكَتَبَ إِلَى الْوَلِيدِ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ . وَسَارَ يَزِيدُ حَتَّى نَزَلَ الْأُرْدُنَّ عَلَى وُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيِّ , وَكَانَ كَرِيمًا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَسَارَ وُهَيْبٌ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ : إِنَّ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ وَأَخَوَيْهِ فِي مَنْزِلِي , قَدْ جَاءُوا مُسْتَعِيذِينَ بِكَ مِنَ الْحَجَّاجِ . قَالَ : فَاذْهَبْ فَائْتِنِي بِهِمْ , فَهُمْ آمِنُونَ مَا دُمْتُ حَيًّا . فَجَاءَهُمْ , فَذَهَبَ بِهِمْ حَتَّى أَدْخَلَهُمْ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَأَمَّنَهُمْ سُلَيْمَانُ , وَكَتَبَ إِلَى أَخِيهِ الْوَلِيدِ : إِنَّ آلَ الْمُهَلَّبِ قَدْ أَمَّنْتُهُمْ , وَإِنَّمَا بَقِيَ لِلْحَجَّاجِ عِنْدَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافِ أَلْفٍ , وَهِيَ عِنْدِي . فَكَتَبَ إِلَيْهِ : لَا وَاللَّهِ لَا أُؤَمِّنُهُ حَتَّى تَبْعَثَ بِهِ إِلَيَّ . فَكَتَبَ إِلَيْهِ : لَا وَاللَّهِ لَا أَبْعَثُهُ حَتَّى أَجِيءَ مَعَهُ , فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَفْضَحَنِي أَوْ تُخْفِرَنِي فِي جِوَارِي . فَكَتَبَ إِلَيْهِ : لَا وَاللَّهِ لَا تَجِئْ مَعَهُ , وَابْعَثْ بِهِ إِلَيَّ فِي وَثَاقٍ . فَقَالَ يَزِيدُ : ابْعَثْنِي إِلَيْهِ , فَمَا أُحِبُّ أَنْ أُوقِعَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةً وَحَرْبًا , فَابْعَثْنِي إِلَيْهِ , وَابْعَثْ مَعِي ابْنَكَ , وَاكْتُبْ إِلَيْهِ بِأَلْطَفِ عِبَارَةٍ تَقْدِرُ عَلَيْهَا . فَبَعَثَهُ وَبَعَثَ مَعَهُ ابْنَهُ أَيُّوبَ , وَقَالَ لِابْنِهِ : إِذَا دَخَلْتَ فِي الدِّهْلِيزِ ( ممر القصر ) فَادْخُلْ مَعَ يَزِيدَ فِي السِّلْسِلَةِ , وَادْخُلَا عَلَيْهِ كَذَلِكَ . فَلَمَّا رَأَى الْوَلِيدُ ابْنَ أَخِيهِ فِي السِّلْسِلَةِ , قَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ بَلَغْنَا مِنْ سُلَيْمَانَ . وَدَفَعَ أَيُّوبُ كِتَابَ أَبِيهِ إِلَى عَمِّهِ , وَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , نَفْسِي فِدَاؤُكَ , لَا تُخْفِرْ ذِمَّةَ أَبِي , وَأَنْتَ أَحَقُّ مَنْ مَنَعَهَا , وَلَا تَقْطَعْ مِنَّا رَجَاءَ مَنْ رَجَا السَّلَامَةَ فِي جِوَارِنَا لِمَكَانِنَا مِنْكَ , وَلَا تُذِلَّ مَنْ رَجَا الْعِزَّ فِي الِانْقِطَاعِ إِلَيْنَا لِعِزِّنَا بِكَ . ثُمَّ قَرَأَ الْوَلِيدُ كِتَابَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَإِذَا فِيهِ : أَمَّا بَعْدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , فَوَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ لَوِ اسْتَجَارَ بِي عَدُوٌّ قَدْ نَابَذَكَ وَجَاهَدَكَ فَأَنْزَلْتُهُ وَأَجْرَتْهُ , أَنَّكَ لَا تُذِلُّ جَارِي , وَلَا تُخْفِرُ جِوَارِي , بَلْ لَمْ أُجِرْ إِلَّا سَامِعًا مُطِيعًا , حَسَنَ الْبَلَاءِ وَالْأَثَرِ فِي الْإِسْلَامِ , هُوَ وَأَبُوهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ , وَقَدْ بَعَثْتُ بِهِ إِلَيْكَ , فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُعِدُّ قَطِيعَتِي وَالْإِخْفَارَ بِذِمَّتِي وَالْإِبْلَاغَ فِي مَسَاءَتِي , فَقَدْ قَدَرْتَ إِنْ أَنْتَ فَعَلْتَ , وَأَنَا أُعِيذُكَ بِاللَّهِ مِنِ احْتِرَادِ قَطِيعَتِي , وَانْتِهَاكِ حُرْمَتِي , وَتَرْكِ بِرِّي وَصِلَتِي , فَوَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَدْرِي مَا بَقَائِي وَبَقَاؤُكَ , وَلَا مَتَى يُفَرِّقُ الْمَوْتُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ , فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَدَامَ اللَّهُ سُرُورَهُ أَنْ لَا يَأْتِيَ أَجَلُ الْوَفَاةِ عَلَيْنَا إِلَّا وَهُوَ لِي وَاصِلٌ , وَلِحَقِّي مُؤَدٍّ , وَعَنْ مَسَاءَتِي نَازِعٌ , فَلْيَفْعَلْ , وَوَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَصْبَحْتُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ بِأَسَرَّ مِنِّي بِرِضَاكَ وَسُرُورِكَ , وَإِنَّ رِضَاكَ وَسُرُورَكَ مِمَّا أَلْتَمِسُ بِهِ رِضْوَانَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَإِنْ كُنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ تُرِيدُ مَسَرَّتِي وَصِلَتِي وَكَرَامَتِي وَإِعْظَامَ حَقِّي , فَتَجَاوَزْ لِي عَنْ يَزِيدَ , وَكُلُّ مَا طَالَبْتَهُ بِهِ فَهُوَ عَلَيَّ . فَلَمَّا قَرَأَ الْوَلِيدُ كِتَابَهُ قَالَ : لَقَدْ أَشْفَقْنَا عَلَى سُلَيْمَانَ ، ثُمَّ دَعَا ابْنَ أَخِيهِ , فَأَدْنَاهُ مِنْهُ وَتَكَلَّمَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ فَحَمِدَ اللَّهَ , وَأَثْنَى عَلَيْهِ , وَصَلَّى عَلَى رَسُولِهِ صصص ثُمَّ قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ بَلَاءَكُمْ عِنْدَنَا أَحْسَنُ الْبَلَاءِ , فَمَنْ يَنْسَى ذَلِكَ فَلَسْنَا نَاسِيهِ , وَمَنْ يَكْفُرُهُ فَلَسْنَا بِكَافِرِيهِ , وَقَدْ كَانَ مِنْ بَلَائِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فِي طَاعَتِكُمْ , وَالطَّعْنِ فِي أَعْيُنِ أَعْدَائِكُمْ فِي الْمَوَاطِنِ الْعِظَامِ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ مَا إِنَّ الْمِنَّةَ عَلَيْنَا فِيهِ عَظِيمَةٌ . فَقَالَ لَهُ : اجْلِسْ . فَجَلَسَ فَأَمَّنَهُ , وَكَفَّ عَنْهُ , وَرَدَّهُ إِلَى سُلَيْمَانَ فَكَانَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ عِنْدَهُ يُعَلِّمُهُ الْهَيْئَةَ , وَيَصِفُ لَهُ أَلْوَانَ الْأَطْعِمَةِ الطَّيِّبَةِ , وَكَانَ حَظِيًّا عِنْدَهُ , لَا يُهْدَى إِلَيْهِ بِهَدِيَّةٍ إِلَّا بَعَثَ إِلَيْهِ بِنِصْفِهَا وَتَقَرَّبَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ إِلَى سُلَيْمَانَ بِأَنْوَاعِ الْهَدَايَا وَالتُّحَفِ وَالتَّقَادُمِ . وَكَتَبَ الْوَلِيدُ إِلَى الْحَجَّاجِ : إِنِّي لَمْ أَصِلْ إِلَى يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ مَعَ أَخِي سُلَيْمَانَ , فَاكْفُفْ عَنْهُمْ , وَالْهَ عَنِ الْكِتَابِ إِلَيَّ فِيهِمْ . فَكَفَّ الْحَجَّاجُ عَنْ آلِ الْمُهَلَّبِ , وَتَرَكَ مَا كَانَ يُطَالِبُهُمْ بِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ , حَتَّى تَرَكَ لِأَبِي عُيَيْنَةَ بْنِ الْمُهَلَّبِ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَزَلْ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ حَتَّى هَلَكَ الْحَجَّاجُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ ، ثُمَّ وَلِيَ يَزِيدُ بِلَادَ الْعِرَاقِ بَعْدَ الْحَجَّاجِ كَمَا أَخْبَرَهُ الرَّاهِبُ . ( لكن للأسف ..رغم كل ما فعله سليمان بن عبد الملك من أجل يزيد بن المهلب ، فقد دافع عنه قبل أن يتولى الخلافة ، وولاه العراق بعد الخلافة ، إلا أن يزيدا غدر بسليمان بن عبد الملك وخرج عليه وأراد قتله , فكانت نهايته القتل كما سترى إن شاء الله) مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ تَيَاذُوقُ الطَّبِيبُ الْحَاذِقُ لَهُ مُصَنَّفَاتٌ فِي فَنِّهِ وَكَانَ حَظِيًّا عِنْدَ الْحَجَّاجِ مَاتَ فِي حُدُودِ سَنَةِ تِسْعِينَ بِوَاسِطٍ . وَفِيهَا تُوُفِّيَ سِنَانُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ ررر أَحَدُ الشُّجْعَانِ الْمَذْكُورِينَ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ , وَتَوَلَّى غَزْوَ الْهِنْدِ , وَطَالَ عُمْرُهُ . وَتُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ أَخُو الْحَجَّاجِ وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الْيَمَنِ وَكَانَ يَلْعَنُ عَلِيًّا عَلَى الْمَنَابِرِ . خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ , أَبُو هَاشِمٍ الْأُمَوِيُّ الدِّمَشْقِيُّ وَكَانَتْ دَارُهُ بِدِمَشْقَ وَكَانَ عَالِمًا شَاعِرًا , وَكَانَ يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ عُلُومِ الطَّبِيعَةِ . رَوَى عَنْ أَبِيهِ ، وَدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ , وَعَنْهُ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ . قَالَ الزُّهْرِيُّ : كَانَ خَالِدُ يَصُومُ الْأَعْيَادَ كُلَّهَا : الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالْأَحَدَ . يَعْنِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ , وَهُوَ عِيدُ الْمُسْلِمِينَ , وَيَوْمَ السَّبْتِ , وَهُوَ عِيدُ الْيَهُودِ , وَالْأَحَدُ لِلنَّصَارَى . وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ : كَانَ هُوَ وَأَخُوهُ مُعَاوِيَةُ مِنْ خِيَارِ الْقَوْمِ . وَقَدْ ذُكِرَ لِلْخِلَافَةِ بَعْدَ أَخِيهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَزِيدَ وَكَانَ وَلِيَّ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِ مَرْوَانَ , فَلَمْ يَلْتَئِمْ لَهُ الْأَمْرُ , وَكَانَ مَرْوَانُ زَوْجَ أُمِّهِ . وَمِنْ كَلَامِهِ : أَقْرَبُ شَيْءٍ الْأَجَلُ , وَأَبْعَدُ شَيْءٍ الْأَمَلُ , وَأَرْجَى شَيْءٍ الْعَمَلُ . الشَّاعِرُ ، أَبُو كَثِيرٍ ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ سَلِيمٍ الْأَسَدِيُّ وَفَدَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَامْتَدَحَهُ فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا فَقَالَ : لَعَنَ اللَّهُ نَاقَةً حَمَلَتْنِي إِلَيْكَ . فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : إِنْ وَصَاحِبَهَا . الصور المصغرة للصور المرفقة http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attach...1&d=1439439246 المصدر... |
الساعة الآن 05:27 AM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
mamnoa 2.0 By DAHOM