مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 86)
مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 85)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=354361 ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَمَانِينَ فِيهَا غَزَا قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ نَائِبُ الْحَجَّاجِ عَلَى مَرْوٍ وَخُرَاسَانَ , بِلَادًا كَثِيرَةً مِنْ أَرْضِ التُّرْكِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ , وَسَبَى وَغَنِمَ وَسَلِمَ ، وَتَسَلَّمَ قِلَاعًا وَحُصُونًا وَمَمَالِكَ , ثُمَّ قَفَلَ ( رجع ) فَسَبَقَ الْجَيْشَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ يَلُومُهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَقُولُ لَهُ : إِذَا كُنْتَ قَاصِدًا بِلَادَ الْعَدُوِّ ، فَكُنْ فِي مُقَدِّمَةِ الْجَيْشِ , وَإِذَا قَفَلْتَ رَاجِعًا فَكُنْ فِي سَاقَةِ الْجَيْشَ ( آخرهم ) , يَعْنِي لِتَكُونَ رَدْءًا لَهُمْ مِنْ أَنْ يَنَالَهُمْ أَحَدٌ مِنَ الْعَدُوِّ وَغَيْرِهِمْ بِكَيْدٍ . وَهَذَا رَأْيٌ حَسَنٌ , وَعَلَيْهِ جَاءَتِ السُّنَّةُ . وَكَانَ فِي جُمْلَةِ السَّبْيِ : امْرَأَةُ بَرْمَكَ - وَالِدِ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ - فَأَعْطَاهَا قُتَيْبَةُ أَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُسْلِمٍ فَوَطِئَهَا , فَحَمَلَتْ مِنْهُ ثُمَّ إِنَّ قُتَيْبَةَ مَنَّ عَلَى السَّبْيِ , وَرُدَّتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا بَرْمَكَ , وَهِيَ حُبْلَى مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ , وَكَانَ وَلَدُهَا عِنْدَهُمْ حَتَّى أَسْلَمُوا , فَقَدِمُوا بِهِ مَعَهُمْ أَيَّامَ بَنِي الْعَبَّاسِ , كَمَا سَيَأْتِي . وَلَمَّا رَجَعَ قُتَيْبَةُ إِلَى خُرَاسَانَ , تَلْقَاهُ دَهَاقِينُ ( رؤساء وقادة ) بُلْغَارَ وَصَاغَانَ بِهَدَايَا عَظِيمَةٍ , وَمِفْتَاحٍ مِنْ ذَهَبِ بُلْغَارَ . وَفِيهَا كَانَ طَاعُونٌ بِالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ وَوَاسِطٍ , وَيُسَمَّى طَاعُونَ الْفَتَيَاتِ ; لِأَنَّهُ أَوَّلَ مَا بَدَأَ بِالنِّسَاءِ , فَسُمِّيَ بِذَلِكَ . وَفِيهَا غَزَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بن مروان بِلَادَ الرُّومِ , فَقَتَلَ وَسَبَى وَغَنِمَ وَسَلِمَ , وَافْتَتَحَ حِصْنَ بِوَلْقَ , وَحِصْنَ الْأَخْرَمِ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ . ( مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بن مروان , ابن الخليفة , قائد مجاهد في سبيل الله , غزا الروم أكثر من عشرين سنة , في كل عام يغزو الروم ويفتح المدن والحصون , ومع ذلك لا يكاد أحد يعرفه أو يسمعه به اليوم , والسبب بكل بساطة هو أنه أموي , ومن اولاد عبد الملك بن مروان !! أما لو أنه كان يشرب الخمر ويسفك الدماء لسمع به القاصي والداني ) وَفِيهَا عَقْدَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى مِصْرَ , وَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ أَخِيهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَدَخَلَهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ , وَعُمْرُهُ يَوْمَئِذٍ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً . وَفِيهَا هَلَكَ مَلِكُ الرُّومِ الْأَخْرَمُ بِوَرَى , لَا رَحِمَهُ اللَّهُ . وَفِيهَا حَبَسَ الْحَجَّاجُ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ . وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيُّ . وفاة عبد الملك بن مروان وَفِي النِّصْفِ مِنْ شَوَّالِ , تُوَفِّيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ : عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ , وَالِدُ الْخُلَفَاءِ الْأُمَوِيِّينَ وَهُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ , أَبُو الْوَلِيدِ الْأُمَوِيُّ وَأُمُّهُ : عَائِشَةُ بِنْتُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ . وَكَانَ مَوْلِدُهُ وَمَوْلِدُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَكَانَ رَبْعَةً مِنَ الرِّجَالِ أَقْرَبَ إِلَى الْقِصَرِ ، لَيْسَ بِالنَّحِيفِ وَلَا الْبَادِنِ , مَقْرُونَ الْحَاجِبَيْنِ , أَشْهَلَ كَبِيرَ الْعَيْنَيْنِ , دَقِيقَ الْأَنْفِ , مُشْرِقَ الْوَجْهِ , أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ , حَسَنَ الْوَجْهِ . سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ , وَشَهِدَ الدَّارَ مَعَ أَبِيهِ وَلَهُ عَشْرُ سِنِينَ ( كان مع أبيه يدافع الخوارج عن عثمان أمام داره ) وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَارَ بِالنَّاسِ فِي بِلَادِ الرُّومِ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَهُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةٍ , وَلَّاهُ إِيَّاهَا مُعَاوِيَةُ بُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ , فِي خِلَافَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ , وَبَقِيَ عَلَى الشَّامِ وَمِصْرَ مُدَّةَ سَبْعِ سِنِينَ , وَابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى بَاقِي الْبِلَادِ , ثُمَّ اسْتَقَلَّ بِالْخِلَافَةِ عَلَى سَائِرِ الْبِلَادِ وَالْأَقَالِيمِ بَعْدَ مَقْتَلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ , وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ إِلَى هَذِهِ السَّنَةِ , كَمَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ . وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ قَبْلَ الْخِلَافَةِ يُجَالِسُ الْفُقَهَاءَ وَالْعُلَمَاءَ وَالْعُبَّادَ وَالصُّلَحَاءَ , وَكَانَ مِنَ الْعُبَّادِ الزُّهَّادِ الْفُقَهَاءِ , الْمُلَازِمِينَ لِلْمَسْجِدِ , التَّالِينَ لِلْقُرْآنِ وَقَدْ قَالَ نَافِعٌ : لَقَدْ رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ وَمَا فِيهَا شَابٌّ أَشَدَّ تَشْمِيرًا , وَلَا أَفْقَهَ وَلَا أَقْرَأَ لِكِتَابِ اللَّهِ مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ . وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ : كَانَ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةً : سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ , وَعُرْوَةُ , وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ , وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ ; قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْإِمَارَةِ . وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : وَلَدَ النَّاسُ أَبْنَاءً , وَوَلَدَ مَرْوَانُ أَبًا - يَعْنِي عَبْدَ الْمَلِكِ - . وَرَآهُ يَوْمًا وَقَدْ ذَكَرَ اخْتِلَافَ النَّاسِ , فَقَالَ : لَوْ كَانَ هَذَا الْغُلَامُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ . وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ مُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ . وَروى سَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ الزَّنْبَرِيُّ , عَنْ مَالِكٍ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ : كَانَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى مَا بَيْنَ الظَّهْرِ وَالْعَصْرِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ ، وَفِتْيَانٌ مَعَهُ . فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ : لَيْسَتِ الْعِبَادَةُ بِكَثْرَةِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ , إِنَّمَا الْعِبَادَةُ التَّفَكُّرُ فِي أَمْرِ اللَّهِ , وَالْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ . وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : مَا جَالَسْتُ أَحَدًا إِلَّا وَجَدْتُ لِي الْفَضْلَ عَلَيْهِ , إِلَّا عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ ; فَإِنِّي مَا ذَاكَرْتُهُ حَدِيثًا إِلَّا زَادَنِي فِيهِ , وَلَا شِعْرًا إِلَّا زَادَنِي فِيهِ . وَلَمْ يَزَلْ عَبْدُ الْمَلِكِ مُقِيمًا بِالْمَدِينَةِ حَتَّى كَانَتْ وَقْعَةُ الْحَرَّةِ , وَاسْتَوْلَى ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى بِلَادِ الْحِجَازِ , وَأَجْلَى بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ هُنَالِكَ , فَقَدِمَ مَعَ أَبِيهِ الشَّامَ . ثُمَّ لَمَّا صَارَتِ الْإِمَارَةُ مَعَ أَبِيهِ وَبَايَعَهُ أَهْلُ الشَّامِ كَمَا تَقَدَّمَ , أَقَامَ فِي الْإِمَارَةِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ , ثُمَّ عَهِدَ إِلَيْهِ بِالْإِمَارَةِ مِنْ بَعْدِهِ , فَاسْتَقَلَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بِالْخِلَافَةِ فِي مُسْتَهَلِّ رَمَضَانَ أَوْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ , وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَقْتَلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِي جُمَادَى الْأُولَى إِلَى هَذِهِ السَّنَةِ . وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَهُ إِقْدَامٌ عَلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ , وَكَانَ عُمَّالُهُ عَلَى مَذْهَبِهِ ; مِنْهُمُ : الْحَجَّاجُ وَالْمُهَلَّبُ , وَغَيْرُهُمْ , وَكَانَ حَازِمًا فَهِمًا فَطِنًا , سَائِسًا لِأُمُورِ الدُّنْيَا , لَا يَكِلُ أَمْرَ دُنْيَاهُ إِلَى غَيْرِهِ . روى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ : حَجَّ عَلَيْنَا عَبْدُ الْمَلِكِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ بَعْدَ مَقْتَلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِعَامَيْنِ , فَخَطَبَنَا فَقَالَ : " أَمَّا بَعْدُ , فَإِنَّهُ كَانَ مَنْ قَبْلِي مِنَ الْخُلَفَاءِ يَأْكُلُونَ مِنَ الْمَالِ , وَيُؤَكِّلُونَ ( يُعطُون زعماء القبائل بعض العطايا من أجل استمالتهم إليهم ) وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُدَاوِي أَدْوَاءَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِالسَّيْفِ , وَلَسْتُ بِالْخَلِيفَةِ الْمُسْتَضْعَفِ - يَعْنِي عُثْمَانَ - وَلَا الْخَلِيفَةِ الْمُدَاهِنِ - يَعْنِي مُعَاوِيَةَ - وَلَا الْخَلِيفَةِ الْمَأْبُونِ - يَعْنِي يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ - أَيُّهَا النَّاسُ ( هو يخاطب أهل المدينة ، وكانوا لا يحبون الأمويين ) إِنَّا نَحْتَمِلُ مِنْكُمْ كُلَّ اللَّغُوبَةِ ( المشاكل ) مَا لَمْ يَكُنْ عَقْدَ رَايَةٍ , أَوْ وَثَوْبًا عَلَى مِنْبَرٍ ( انقلاب ) هَذَا عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ ( يضرب مثلا لما حدث مع قريبه عمرو بن سعيد الأموي ) حَقُّهُ حَقُّهُ , وَقَرَابَتُهُ قَرَابَتُهُ , قَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا , فَقُلْنَا بِسَيْفِنَا هَكَذَا , وَإِنَّ الْجَامِعَةَ الَّتِي خَلَعْتُهَا مِنْ عُنُقِهِ ( الحبل الذي ربطته به ) عِنْدِي , وَقَدْ أَعْطَيْتُ اللَّهَ عَهْدًا أَنْ لَا أَضَعَهَا فِي رَأْسِ أَحَدٍ إِلَّا أُخْرِجَهَا الصُّعَدَاءَ ( لا أخرج الحبل من رقبته إلا ميتا ) فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ " . وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ : خَطَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ فَحَصِرَ ( طار منه ما كان يريد قوله ) فَقَالَ : " إِنَّ اللِّسَانَ بَضْعَةٌ مِنَ الْإِنْسَانِ , وَإِنَّا نَسْكُتُ حَصْرًا , وَلَا نَنْطِقُ هَذْرًا , وَنَحْنُ أُمَرَاءُ الْكَلَامِ , فِينَا رَسَخَتْ عُرُوقُهُ , وَعَلَيْنَا تَدَلَّتْ أَغْصَانُهُ , وَبَعْدَ مَقَامِنَا هَذَا مَقَامٌ , وَبَعْدَ عِيِّنَا هَذَا مَقَالٌ , وَبَعْدَ يَوْمِنَا هَذَا أَيَّامٌ , يُعْرَفُ فِيهَا فَصْلُ الْخِطَابِ , وَمَوْضِعُ الصَّوَابِ " . قَالَ الْأَصْمَعِيُّ : قِيلَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ : أَسْرَعَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ . فَقَالَ : وَكَيْفَ لَا ، وَأَنَا أَعْرِضُ عَقْلِي عَلَى النَّاسِ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ! وَقَالَ غَيْرُهُ : قِيلَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ : أَسْرَعَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ . فَقَالَ : شَيَّبَنِي كَثْرَةُ ارْتِقَاءِ الْمِنْبَرِ , وَمَخَافَةُ اللَّحْنِ . وَلَحَنَ رَجُلٌ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ آخَرُ : زِدْ أَلِفَ . فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ : وَأَنْتَ فَزِدْ أَلِفًا . وَكَانَ يَقُولُ لِلرَّسُولِ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ مِنَ الْآفَاقِ : اعْفِنِي مِنْ أَرْبَعٍ , وَقُلْ مَا شِئْتَ ; لَا تُطْرِنِي ( لا تمدحني ) وَلَا تُجِبْنِي فِيمَا لَا أَسْأَلُكَ عَنْهُ , وَلَا تَكْذِبْنِي , وَلَا تَحْمِلْنِي عَلَى الرَّعِيَّةِ ; فَإِنَّهُمْ إِلَى رَأْفَتِي وَمَعْدَلَتِي أَحْوَجُ . وَقِيلَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ : أَيُّ الرِّجَالِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : مَنْ تَوَاضَعَ عَنْ رِفْعَةٍ , وَزَهَدَ عَنْ قُدْرَةِ , وَتَرَكَ النُّصْرَةَ عَنْ قُوَّةٍ . وَقَالَ أَيْضًا : لَا طُمَأْنِينَةَ قَبْلَ الْخِبْرَةِ ( قبل التأكد والفحص ) فَإِنَّ الطُّمَأْنِينَةَ قَبْلَ الْخِبْرَةِ ضِدُّ الْحَزْمِ . وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِمُؤَدِّبِ أَوْلَادِهِ - وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ - : عَلِّمْهُمُ الصِّدْقَ كَمَا تُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ , وَجَنِّبْهُمُ السَّفَلَةَ ; فَإِنَّهُمْ أَسْوَأُ النَّاسِ رِعَةً , وَأَقَلُّهُمْ أَدَبًا , وَجَنِّبْهُمُ الْحَشَمَ ( الأقارب ) فَإِنَّهُمْ لَهُمْ مَفْسَدَةٌ , وَأَحْفِ شُعُورَهُمْ ( قصِّرها ) تَغْلُظْ رِقَابُهُمْ , وَأَطْعِمْهُمُ اللَّحْمَ يَقْوُوا , وَعَلِّمُهُمُ الشِّعْرَ يَمْجُدُوا وَيُنْجُدُوا , وَمُرْهُمْ أَنْ يَسْتَاكُوا عَرْضًا , وَيَمُصُّوا الْمَاءَ مَصًّا , وَلَا يَعُبُّوا عَبًّا ( يشربوا بشفاههم ، لا أن يفتحوا أفواههم ويصبوا فيها الماء ) وَإِذَا احْتَجْتَ أَنْ تَتَنَاوَلَهُمْ بِأَدَبٍ ( ضرب ) فَلْيَكُنْ ذَلِكَ فِي سِرٍّ لَا يَعْلَمُ بِهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْغَاشِيَةِ ( رفاقهم ) فَيَهُونُوا عَلَيْهِمْ . وَسَمِعَ عَبْدُ الْمَلِكِ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ يَذْكُرُونَ سِيرَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , فَقَالَ : أنهى عَنْ ذِكْرِ عُمَرَ ؛ فَإِنَّهُ إِزْرَاءٌ عَلَى الْوُلَاةِ , مَفْسَدَةٌ لِلرَّعِيَّةِ . وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ الدِّمَشْقِيُّ : وُضِعَ سِمَاطُ ( مائدة الطعام ) عَبْدِ الْمَلِكِ يَوْمًا بَيْنَ يَدَيْهِ , فَقَالَ لِحَاجِبِهِ : ائْذَنْ لِخَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ . فَقَالَ : مَاتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . قَالَ : فَأُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ . قَالَ : مَاتَ . قَالَ : فَلِخَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ . قَالَ : مَاتَ . قَالَ : فَلِفُلَانٍ وَفُلَانٍ - لِأَقْوَامٍ قَدْ مَاتُوا وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ - فَبَكَى , وَأَمَرَ بِرَفْعِ السِّمَاطِ , وَأَنْشَأَ يَقُولُ : ذَهَبَتْ لِدَّاتِي وَانْقَضَتْ أَيَّامُهُمْ . . . وَغَيَّرْتُ بَعْدَهُمْ وَلَسْتُ بِخَالِدِ وَلَمَّا احْتُضِرَ دَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُهُ الْوَلِيدُ ، فَبَكَى الْوَلِيدُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ : مَا هَذَا ؟ , أَتَحِنُّ حَنِينَ الْجَارِيَةِ وَالْأَمَةِ ؟ , إِذَا أَنَا مِتُّ فَشَمِّرْ وَاتَّزِرْ ، وَالْبَسْ جِلْدَ النَّمِرِ , وَضَعِ الْأُمُورَ عِنْدَ أَقْرَانِهَا , وَاحْذَرْ قُرَيْشًا , ثُمَّ قَالَ لَهُ : يَا وَلِيدُ , اتَّقِ اللَّهَ فِيمَا أَسْتَخْلِفُكُ فِيهِ , وَاحْفَظْ وَصِيَّتِي , وَانْظُرْ إِلَى أَخِي مُعَاوِيَةَ فَصِلْ رَحِمَهُ , وَاحْفَظْنِي فِيهِ , وَانْظُرْ إِلَى أَخِي مُحَمَّدٍ , فَأَقِرَّهُ عَلَى الْجَزِيرَةِ وَلَا تَعْزِلْهُ عَنْهَا , وَانْظُرِ ابْنَ عَمِّنَا عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ , فَإِنَّهُ قَدِ انْقَطَعَ إِلَيْنَا بِمَوَدَّتِهِ وَنَصِيحَتِهِ , وَلَهُ نَسَبٌ وَحَقٌّ , فَصِلْ رَحِمَهُ وَاعْرِفْ حَقَّهُ , وَانْظُرِ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ فَأَكْرِمْهُ ; فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي مَهَّدَ لَكُمُ الْبِلَادَ , وَقَهَرَ الْأَعْدَاءَ , وَأَخْلَصَ لَكُمُ الْمُلْكَ , وَشَتَّتَ الْخَوَارِجَ , وَأَنْهَاكَ وَإِخْوَتَكَ عَنِ الْفُرْقَةِ , وَكُونُوا أَوْلَادَ أُمٍّ وَاحِدَةٍ , وَكُونُوا فِي الْحَرْبِ أَحْرَارًا , وَلِلْمَعْرُوفِ مَنَارًا ; فَإِنَّ الْحَرْبَ لَمْ تُدْنِ مَنِيَّةً قَبْلَ وَقْتِهَا , وَإِنَّ الْمَعْرُوفَ يُشَيِّدُ ذِكْرَ صَاحِبِهِ , وَيُمَيِّلُ الْقُلُوبَ بِالْمَحَبَّةِ , وَيُذَلِّلُ الْأَلْسِنَةَ بِالذِّكْرِ الْجَمِيلِ , ثُمَّ قَالَ : إِذَا أَنَا مِتُّ فَادْعُ النَّاسَ إِلَى بَيْعَتِكَ , فَمَنْ أَبَى فَالسَّيْفُ , وَعَلَيْكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى أخْوَاتِكَ فَأَكْرِمْهُنَّ , وَأَحَبُّهُنَّ إِلَيَّ فَاطِمَةُ - وَكَانَ قَدْ أَعْطَاهَا قُرْطَيْ مَارِيَةَ , وَالدُّرَّةَ الْيَتِيمَةَ - ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ احْفَظْنِي فِيهَا , فَتَزَوَّجَهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا . وَلَمَّا احْتُضِرَ سَمِعَ غَسَّالًا يَغْسِلُ الثِّيَابَ , فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ فَقَالُوا : غَسَّالٌ . فَجَعَلَ يَنْدَمُ وَيَضْرِبُ بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِهِ , وَيَقُولُ : يَا لَيْتَنِي كُنْتَ غَسَّالًا أَكْسِبُ مَا أَعِيشُ بِهِ يَوْمًا بِيَوْمٍ , وَاشْتَغَلْتُ بِطَاعَةِ اللَّهِ , وَلَمْ أَلِ الْخِلَافَةَ . ثُمَّ تَمَثَّلَ فَقَالَ : لَعَمْرِي لَقَدْ عُمِّرْتُ فِي الْمُلْكِ بُرْهَةً . . . وَدَانَتْ لِيَ الدُّنْيَا بِوَقْعِ الْبَوَاتِرِ ( السيوف ) وَأُعْطِيتُ جَمَّ الْمَالِ وَالْحُكْمَ وَالنُّهَى . . . وَدَانَ قَمَاقِيمُ الْمُلُوكِ الْجَبَابِرِ فَأَضْحَى الَّذِي قَدْ كَانَ مِمَّا يَسُرُّنِي . . . كَحُلْمٍ مَضَى فِي الْمُزْمَنَاتِ الْغَوَابِرِ فَيَا لَيْتَنِي لَمْ أُعْنَ بِالْمُلْكِ لَيْلَةً . . . وَلَمْ أَسْعَ فِي لَذَّاتِ عَيْشٍ نَوَاضِرِ وَكُنْتُ كَذِي طِمْرَيْنِ عَاشَ بِبُلْغَةٍ . . . مِنَ الْعَيْشِ حَتَّى زَارَ ضِيقَ الْمَقَابِرِ وَقَدْ أَنْشَدَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عِنْدَ مَوْتِهِ . فَلَمَّا بَلَغَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَوْلُهُ , قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَهُمْ يَفِرُّونَ إِلَيْنَا وَلَا نَفِرُّ إِلَيْهِمْ . وَقِيلَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ : كَيْفَ تَجِدُكَ ؟ فَقَالَ : أَجِدُنِي كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } الأنعام : 94 الْآيَةَ . وَيُرْوَى أَنَّهُ قَالَ : ارْفَعُونِي , فَرَفَعُوهُ حَتَّى شَمَّ الْهَوَاءَ , فَقَالَ : يَا دُنْيَا , مَا أَطْيَبَكِ ! إِنَّ طَوِيلَكِ لَقَصِيرٌ , وَإِنَّ كَثِيرَكِ لَحَقِيرٌ , وَإِنْ كُنَّا بِكِ لَفِي غُرُورٍ . وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِدِمَشْقَ , فِي النِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ الْوَلِيدُ وَلِيُّ عَهْدِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَكَانَ عُمْرُهُ يَوْمَ مَاتَ سِتِّينَ سَنَةً , وَدُفِنَ بِبَابِ الْجَابِيَةِ الصَّغِيرِ . ذِكْرُ أَوْلَادِهِ وَأَزْوَاجِهِ : مِنْهُمُ الْوَلِيدُ , وَسُلَيْمَانُ , وَمَرْوَانُ الْأَكْبَرُ - دَرَجَ - وَعَائِشَةُ , وَأُمُّهُمْ وَلَّادَةُ بِنْتُ الْعَبَّاسِ بْنِ جَزْءِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهَيْرِ . وَيَزِيدُ , وَمَرْوَانُ الْأَصْغَرُ , وَمُعَاوِيَةُ - دَرَجَ - وَأُمُّ كُلْثُومٍ , وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ . وَهِشَامٌ , وَأُمُّهُ أُمُّ هِشَامٍ عَائِشَةُ بِنْتُ هِشَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيِّ . وَبَكَّارٌ , وَأُمُّهُ عَائِشَةُ بِنْتُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ , وَالْحَكَمُ - دَرَجَ - وَأُمُّهُ أُمُّ أَيُّوبَ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الْأُمَوِيِّ , وَفَاطِمَةُ , وَأُمُّهَا الْمُغِيرَةُ بِنْتُ الْمُغِيرَةِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ . وَعَبْدُ اللَّهِ , وَمَسْلَمَةُ , وَالْمُنْذِرُ , وَعَنْبَسَةُ , وَمُحَمَّدٌ , وَسَعْدُ الْخَيْرِ , وَالْحَجَّاجُ , لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ شَتَّى . فَكَانَ جُمْلَةُ أَوْلَادِهِ تِسْعَةَ عَشَرَ ; ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً , مِنْهَا تِسْعُ سِنِينَ مُشَارِكًا لِابْنِ الزُّبَيْرِ , وَثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَنَصِفٌ مُسْتَقِلًّا بِالْخِلَافَةِ وَحْدَهُ . وَكَانَ قَاضِيَهُ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ وَكَاتِبُهُ رَوْحُ بْنُ زِنْبَاعٍ وَحَاجِبُهُ يُوسُفُ مَوْلَاهُ وَصَاحِبُ بَيْتِ الْمَالِ وَالْخَاتَمِ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ . وَعَلَى شُرْطَتِهِ أَبُو الزُّعَيْزِعَةِ . وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ أَبُو أُمَامَةُ صُدَيُّ بْنُ عَجْلَانَ الْبَاهِلِيُّ ررر وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى ررر وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيُّ ررر شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ وَسَكَنَهَا , وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِمِصْرَ , وَلَهُ أَحَادِيثُ . أَرْطَاةُ بْنُ زُفَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ شَدَّادِ , أَبُو الْوَلِيدِ الْمُرِّيُّ وَيُعْرَفُ بِابْنِ سُهَيَّةَ , وَهِيَ أُمُّهُ , بنتُ زَامِلِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ زُهَيْرِ , سَبِيَّةٌ مِنْ كَلْبٍ وَكَانَتْ عِنْدَ ضِرَارِ بْنِ الْأَزْوَرِ , ثُمَّ صَارَتْ إِلَى زُفَرَ - وَهِيَ حَامِلٌ - فَأَتَتْ بِأَرْطَاةَ عَلَى فِرَاشِهِ وَقَدْ عُمِّرَ أَرْطَاةُ دَهْرًا طَوِيلًا حَتَّى جَاوَزَ الْمِائَةَ بِثَلَاثِينَ سَنَةً وَقَدْ كَانَ سَيِّدًا شَرِيفًا مُطَاعًا مُمَدَّحًا شَاعِرًا مُطْبِقًا . يُونُسُ بْنُ عَطِيَّةَ الْحَضْرَمِيُّ قَاضِي مِصْرَ , وَصَاحِبُ الشُّرْطَةِ فِي أَيَّامِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ ثُمَّ تَوَلَّى بَعْدَهُ الْقَضَاءَ ابْنُ أَخِيهِ أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ . مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ كَانَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ , وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ , كَذَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ عِنْدَ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ فَقَالَ مُطَرِّفٌ : يَا هَذَا , إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا عَجَّلَ اللَّهُ حَتْفَكَ . فَوَقَعَ الرَّجُلُ مَيِّتًا مَكَانَهُ . وَكَانَ يَقُولُ : مَا أُوتِيَ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنَ الْعَقْلِ , وَعُقُولُ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ زَمَانِهِمْ . وَقَالَ : إِذَا اسْتَوَتْ سَرِيرَةُ الْعَبْدِ وَعَلَانِيَتُهُ قَالَ اللَّهُ : هَذَا عَبْدِي حَقًّا . وَقَالَ : إِنَّ أَقْبَحَ مَا طُلِبَتْ بِهِ الدُّنْيَا عَمَلُ الْآخِرَةِ . وَقَالَ : لَوْ عَلِمْتُ مَتَى أَجَلِي , لَخَشِيتُ عَلَى ذَهَابِ عَقْلِي , وَلَكِنَّ اللَّهَ مَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِالْغَفْلَةِ عَنِ الْمَوْتِ , وَلَوْلَا الْغَفْلَةُ لَمَا تَهَنَّوْا بِعَيْشٍ , وَلَا قَامَتْ بَيْنَهُمُ الْأَسْوَاقُ . وَكَانَ مُطَرِّفٌ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ سَبَّحَتْ مَعَهُ آنِيَةُ بَيْتِهِ . وَكَانَ يَقُولُ : يَا إِخْوَتَاهُ , اجْتَهِدُوا فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ; فَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا نَرْجُو مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ , كَانَ لَنَا دَرَجَاتٌ فِي الْجَنَّةِ , وَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ شَدِيدًا كَمَا نَخَافُ لَمْ نَقُلْ : { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } فاطر : 37 . وَكَانَ يَدْعُو : اللَّهُمَّ ارْضَ عَنَّا , فَإِنْ لَمْ تَرْضَ عَنَّا , فَاعْفُ عَنَّا , فَإِنَّ الْمَوْلَى قَدْ يَعْفُو عَنِ الْعَبْدِ , وَهُوَ عَنْهُ غَيْرُ رَاضٍ . تُوُفِّيَ مُطَرِّفٌ بِالْبَصْرَةِ , وَكَانَ لَهُ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ الْخُلَفَاءِ وَالْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ , وَكَانَ هُوَ مِنْ أَرْشَدِ النَّاسِ فِيهِمْ .( حيث أنه لم يخرج على أحد منهم ، ولم يشارك القراء والعلماء في فتنة ابن الأشعث ) المصدر... |
الساعة الآن 08:05 AM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
mamnoa 2.0 By DAHOM