مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 34)
مختصر البداية والنهاية لابن كثير (سنة 33)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=346878 ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تكاتَبَ المُنْحَرِفون عن طاعةِ عثمان , وَكَانَ جُمْهُورُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ - وَهُمْ فِي مُعَامَلَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بِحِمْصَ , مَنْفِيُّونَ عَنِ الْكُوفَةِ - وَثَارُوا عَلَى سعيدَ بن العاص أَمِيرِ الْكُوفَةِ , وَتَأَلَّبُوا عَلَيْهِ , وَنَالُوا مِنْهُ وَمِنْ عُثْمَانَ , وَبَعَثُوا إِلَى عُثْمَانَ مَنْ يُنَاظِرُهُ فِيمَا فَعَلَ , وَفِيمَا اعْتَمَدَ مَنْ عَزْلِ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ , وَتَوْلِيَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ أَقْرِبَائِهِ , وَأَغْلَظُوا لَهُ فِي الْقَوْلِ , وَطَلَبُوا مِنْهُ أن يعزِلَ عمَّالَه , ويستبدلَ أئمةً غَيْرَهُمْ مِنَ السَّابِقَيْنَ , وَمِنَ الصَّحَابَةِ , حتَّى شقَّ ذَلِكَ عَلَى عُثْمَانَ جِدًّا , فَبَعَثَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ , فَأَحْضَرَهُمْ عِنْدَهُ لِيَسْتَشِيرَهُمْ , فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَمِيرُ الشَّامِ , وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَمِيرُ مِصْرَ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أبي سرح أمير المغرب , وسعيد بن الْعَاصِ أَمِيرُ الْكُوفَةِ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ , فَاسْتَشَارَهُمْ عُثْمَانُ فِيمَا حَدَثَ مِنَ الْأَمْرِ وَافْتِرَاقِ الْكَلِمَةِ , فَأَشَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ أَنْ يَشْغَلَهُمْ بِالْغَزْوِ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الشَّرِّ , فَلَا يَكُونَ هَمُّ أَحَدِهِمْ إِلَّا نَفْسَهُ , وما هو فيه من دبر دَابَّتِهِ , وَقَمْلِ فَرْوَتِهِ , فَإِنَّ غَوْغَاءَ النَّاسِ إِذَا تفرَّغوا وبَطَلُوا , اشتغلوا بما لا يعنيهم , وتكلَّموا بما لَا يُرْضِي , وَإِذَا تَفَرَّقُوا , نَفَعُوا أَنْفُسَهُمْ وَغَيْرَهُمْ , وَأَشَارَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ بِأَنْ يَسْتَأْصِلَ شَأْفَةَ الْمُفْسِدِينَ , وَيَقْطَعَ دَابِرَهُمْ , وَأَشَارَ مُعَاوِيَةُ بِأَنْ يَرُدَّ عُمَّالَهُ إِلَى أَقَالِيمِهِمْ , وَأَنْ لَا يَلْتَفِتَ إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَا تَأَلَّبُوا عَلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ , فَإِنَّهُمْ أَقَلُّ وَأَضْعَفُ جُنْدًا. وَأَشَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ بِأَنْ يَتَأَلَّفَهُمْ بِالْمَالِ , فَيُعْطِيَهِمْ مِنْهُ مَا يَكُفُّ بِهِ شَرَّهُمْ , وَيَأْمَنُ غَائِلَتَهُمْ , وَيَعْطِفُ بِهِ قُلُوبَهُمْ إِلَيْهِ. وَأَمَّا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَامَ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عُثْمَانُ , فَإِنَّكَ قَدْ رَكَّبْتَ النَّاسَ مَا يَكْرَهُونَ , فَإِمَّا أَنْ تَعْزِلَ عَنْهُمْ مَا يَكْرَهُونَ , وَإِمَّا أن تقدم فتنزل عمالك على ما هُمْ عَلَيْهِ , وَقَالَ لَهُ كَلَامًا فِيهِ غِلْظَةٌ , ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَى عُثمانَ فِي السِّرِّ , بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِيُبَلِّغَ عَنْهُ مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ النَّاسِ إِلَيْهِمْ , لِيَرْضَوْا مِنْ عُثْمَانَ بِهَذَا , فَعِنْدَ ذَلِكَ قَرَّرَ عُثْمَانُ عُمَّالَهُ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ , وَتَأَلَّفَ قُلُوبَ أُولَئِكَ بِالْمَالِ , وَأَمَرَ عُثْمَانُ بأن يُبعثوا إلى الْغَزْوِ إِلَى الثُّغُورِ , فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَصَالِحِ كُلِّهَا , وَلَمَّا رَجَعَتِ الْعُمَّالُ إِلَى أَقَالِيمِهَا , امْتَنَعَ أَهْلُ الْكُوفَةِ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ , وَلَبِسُوا السِّلَاحَ , وَحَلَفُوا أَنْ لَا يُمَكِّنُوهُ من الدخولِ فيها حَتَّى يَعْزِلَهُ عُثْمَانُ , وَيُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ , وَكَانَ اجْتِمَاعُهُمْ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: الْجَرَعَةُ , وَقَدْ قَالَ يومئذٍ الْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ: وَاللَّهِ لَا يُدْخِلُهَا عَلَيْنَا مَا حَمَلْنَا سُيُوفَنَا , وَتَوَاقَفَ النَّاسُ بِالْجَرَعَةِ. وَأَحْجَمَ سَعِيدٌ عَنْ قِتَالِهِمْ , وَصَمَّمُوا عَلَى مَنْعِهِ , وَقَدِ اجْتَمَعَ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ: حُذَيْفَةُ بن اليمان ررر وَأَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو ررر فَجَعَلَ أَبُو مَسْعُودٍ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا يَرْجِعُ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ حَتَّى يَكُونَ دِمَاءٌ. فَجَعَلَ حُذَيْفَةُ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَيَرْجِعَنَّ وَلَا يَكُونُ فِيهَا مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ , وَمَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ شَيْئًا إِلَّا وَقَدْ عَلِمْتُهُ ومحمَّدٌ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم حَيٌّ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ كَرَّ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ , وَكَسَرَ الْفِتْنَةَ , فَأَعْجَبَ ذَلِكَ أَهْلَ الْكُوفَةِ , وَكَتَبُوا إِلَى عُثْمَانَ أن يولِّي عليهِمْ أبَا موسى الأشعري بذلك , فَأَجَابَهُمْ عُثْمَانُ إِلَى مَا سَأَلُوا إِزَاحَةً لِعُذْرِهِمْ , وَإِزَالَةً لِشُبَهِهِمْ , وَقَطْعًا لِعِلَلِهِمْ. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِيمَا رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كانت سنة أربع وثلاثين أكثرَ الناسُ بالمَقالة على عثمانَ بن عفان , وَنَالُوا مِنْهُ أَقْبَحَ مَا نِيلَ مِنْ أَحَدٍ , فَكَلَّمَ النَّاسُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى عُثْمَانَ , فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ وَرَائِي , وَقَدْ كَلَّمُونِي فِيكَ , وَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ , وَمَا أَعْرِفُ شَيْئًا تَجْهَلُهُ , وَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَمْرٍ لَا تَعْرِفُهُ , إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ , مَا سَبَقْنَاكَ إلى شيءٍ فنُخبرَك عنه , ولا خلَوْنا بشيء فنُبَلِّغَكه , وما خُصِصْنا بأمورٍ خَفِي عنك إدراكُها , وَقَدْ رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ , وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَنِلْتَ صِهْرَهُ , وَمَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ( أبو بكر ) بِأَوْلَى بِعَمَلِ الحَقِّ مِنْكَ , وَلَا ابن الخطاب بأولى بشيء مِنَ الْخَيْرِ مِنْكَ , وَإِنَّكَ أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِمًا , وَلَقَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَنَالَا , وَلَا سَبَقَاكَ إلى شيء , فَاللَّهَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ , فَإِنَّكَ وَاللَّهِ مَا تُبْصِرُ مِنْ عَمَى , وَلَا تَعْلَمُ مِنْ جَهْلٍ, وَإِنَّ الطَّرِيقَ لِوَاضِحٌ بَيِّنٌ , وَإِنَّ أَعْلَامَ الدِّينِ لِقَائِمَةٌ , تَعْلَمُ يَا عُثْمَانُ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ عَادِلٌ , هُدِيَ وَهَدَى , فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً , وَأَمَاتَ بِدْعَةً مَعْلُومَةً , فَوَاللَّهِ إِنَّ كُلًّا لَبَيِّنٌ , وَإِنَّ السُّنَنَ لَقَائِمَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ , وَإِنَّ الْبِدَعَ لَقَائِمَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ , وَإِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ جَائِرٌ , ضَلَّ وأضَلَّ بِهِ , فَأَمَاتَ سُنَّةً مَعْلُومَةً , وَأَحْيَا بِدْعَةً مَتْرُوكَةً , وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْإِمَامِ الْجَائِرِ , وَلَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَلَا عَاذِرٌ , فَيُلْقَى فِي جَهَنَّمَ , فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرَّحَا , ثُمَّ يَرْتَطِمُ فِي غَمْرَةِ جَهَنَّمَ , وَإِنِّي أُحَذِّرُكَ اللَّهَ , وأُحَذِّرُكَ سطوتَه ونِقمته , فإن عذابه أليم شديد , وَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ إِمَامَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَقْتُولَ , فإنه كان يُقال: يُقْتَلُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ إِمَامٌ , فَيُفْتَحُ عَلَيْهَا الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ , وَتُلَبَّسُ أُمُورُهَا عَلَيْهَا , وَيُتْرَكُونَ شِيَعًا , لَا يُبْصِرُونَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ , يَمُوجون فيها مَوْجًا , ويُمْرَجُون فيها مَرْجاً. فَقَالَ عُثْمَانُ: قَدْ وَاللَّهِ عَلِمْتُ لَتَقُولَنَّ الَّذِي قُلْتَ , أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ مَكَانِي مَا عَنَّفْتُكَ وَلَا أَسْلَمْتُكَ , وَلَا عِبْتُ عَلَيْكَ , وَلَا جئتُ مُنكِراً , إني وَصَلْتُ رَحِمًا , وَسَدَدْتُ خَلَّةً , وَأَوَيْتُ ضَائِعًا , وَوَلَّيْتُ شَبِيهًا بِمَنْ كَانَ عُمَرُ يُوَلِّي. أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا عَلِيُّ , هَلْ تَعْلَمُ أنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ لَيْسَ هُنَاكَ ؟ , قَالَ: نَعَمْ , قَالَ: فَتَعْلَمُ أَنَّ عُمَرَ وَلَّاهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ , قَالَ: فَلِمَ تَلُوموني أَنْ وَلَّيْتُ ابْنَ عَامِرٍ فِي رَحِمِهِ وَقَرَابَتِهِ ؟ , قال علي: سَأُخْبِرُك , إنَّ عمرَ كان كلَّما ولَّى أميراً , فإنما يَطَأُ على صِمَاخَيْه ( داس على رأسه ) وإنه إن بَلَغَه حَرْفٌ جَاءَ بِهِ ( جاء بالوالي ) ثُمَّ بَلَغَ بِهِ أَقْصَى الْغَايَةِ فِي الْعُقُوبَةِ , وَأَنْتَ لَا تَفْعَلُ , ضَعُفْتَ وَرَفُقْتَ عَلَى أَقْرِبَائِكَ. فَقَالَ عُثْمَانُ: هُمْ أَقْرِبَاؤُكَ أَيْضًا , فَقَالَ عَلِيٌّ : لَعَمْرِي إِنَّ رَحِمَهُمْ مِنِّي لِقَرِيبَةٌ , وَلَكِنَّ الْفَضْلَ فِي غَيْرِهِمْ . قَالَ عُثْمَانُ: هَلْ تَعْلَمُ أنَّ عُمَرَ وَلَّى مُعَاوِيَةَ خِلَافَتَهُ كُلَّهَا ؟ , فَقَدَ وَلَّيْتُهُ , فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ , هَلْ تَعْلَمُ أنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ أَخْوَفَ مِنْ عُمَرَ , مِنْ يَرْفَأَ غُلَامِ عُمَرَ مِنْهُ ؟ , قَالَ: نَعَمْ , قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ يَقْطَعُ الْأُمُورَ دُونَكَ , وَأَنْتَ تَعْلَمُهَا , وَيَقُولُ لِلنَّاسِ : هَذَا أَمْرُ عُثمان , فيَبْلُغُكَ فلا تُنْكر وَلَا تُغَيِّرُ عَلَى مُعَاوِيَةَ. ثُمَّ خَرَجَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ , وَخَرَجَ عُثْمَانُ عَلَى إِثْرِهِ , فَصَعِدَ المنبر , فَوَعَظَ وَحَذَّرَ وَأَنْذَرَ , وَتَهَدَّدَ وَتَوَعَّدَ , وَأَبْرَقَ وَأَرْعَدَ , فَكَانَ فِيمَا قَالَ: أَلَا فَقَدْ وَاللَّهِ عِبْتُمْ عَلَيَّ بِمَا أَقْرَرْتُمْ بِهِ لِابْنِ الْخَطَّابِ , وَلَكِنَّهُ وَطِئَكُمْ بِرِجْلِهِ , وَضَرَبَكُمْ بِيَدِهِ , وَقَمَعَكُمْ بِلِسَانِهِ , فَدِنْتُمْ لَهُ عَلَى مَا أَحْبَبْتُمْ أَوْ كَرِهْتُمْ , وَلِنْتُ لَكُمْ , وَأَوْطَأْتُ لَكُمْ كَنفِي , وَكَفَفْتُ يَدِي وَلِسَانِي عَنْكُمْ , فَاجْتَرَأْتُمْ عَلَيَّ , أَمَا وَاللَّهِ لَأَنَا أَعَزُّ نَفَرًا , وَأَقْرَبُ نَاصِرًا , وَأَكْثَرُ عَدَدًا , وَأَقْمَنُ إِنْ قُلْتُ: هَلُمَّ إِلَيَّ , وَلَقَدْ أَعْدَدْتُ لَكُمْ أَقْرَانَكُمْ , وَأَفْضَلْتُ عَلَيْكُمْ فُضُولًا , وَكَشَرْتُ لَكُمْ عَنْ نَابِي , فَأَخْرَجْتُمْ مِنِّي خُلُقًا لَمْ أَكُنْ أُحْسِنُهُ , وَمَنْطِقًا لَمْ أَنْطِقْ بِهِ , فَكُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ , وَطَعْنَكُمْ وَعَيْبَكُمْ عَلَى وُلَاتِكُمْ , فَإِنِّي قَدْ كَفَفْتُ عَنْكُمْ مَنْ لَوْ كَانَ هُوَ الَّذِي يَلِيكُمْ , لَرَضِيتُمْ مِنْهُ بِدُونِ مَنْطِقِي هَذَا , أَلَا فَمَا تَفْقِدُونَ مِنْ حَقِّكُمْ ؟ , فَوَاللَّهِ مَا قَصَّرْتُ فِي بُلُوغِ مَا كَانَ يَبْلُغُ مَنْ كَانَ قَبْلِي. ثُمَّ اعْتَذَرَ عُثْمَانُ عَمَّا كَانَ يُعْطِي أقرباءَه , بأنه من فَضْلِ مالِه . فقام مروان بن الْحَكَمِ فَقَالَ : إِنْ شِئْتُمْ وَاللَّهِ حَكَّمْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ السَّيْفَ , نَحْنُ وَاللَّهَ وَأَنْتُمْ كَمَا قَالَ الشَّاعر: فرَشْنا لَكُم أعراضَنا فنبت بكم ... مغارسكم تَبْنُونَ فِي دَمِنِ الثَّرَى فَقَالَ عُثْمَانُ: اسْكُتْ لا سَكَتَّ , دَعْنِي وَأَصْحَابِي , مَا مَنْطِقُكَ فِي هَذَا ؟ , أَلَمْ أَتَقَدَّمْ إِلَيْكَ أَنْ لَا تَنْطِقَ ؟. فَسَكَتَ مَرْوَانُ , وَنَزَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَذَكَرَ سَيْفُ بن عمر وغيره أن مُعاوية لما ودَّعَهُ عُثْمَانُ حِينَ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى الشَّامِ , عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْحَلَ مَعَهُ إِلَى الشَّامِ , فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ كَثِيرَةٌ طَاعَتُهُمْ لِلْأُمَرَاءِ. فَقَالَ: لَا أَخْتَارُ بِجِوَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سِوَاهُ . فَقَالَ: أُجَهِّزُ لَكَ جَيْشًا مِنَ الشَّامِ يَكُونُونَ عِنْدَكَ يَنْصُرُونَكَ ؟ , فَقَالَ: إنِّي أَخْشَى أَنْ أُضَيِّقَ بِهِمْ بَلَدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. قَالَ مُعَاوِيَةُ : فَوَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَتُغْتَالَنَّ , أَوْ قَالَ : لَتُغْزَيَنَّ , فَقَالَ عُثْمَانُ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . ثُمَّ خَرَجَ مُعَاوِيَةُ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ السَّيْفَ , وَقَوْسُهُ فِي يَدِهِ , فَمَرَّ على مَلأ من المهاجرين والأنصار , فِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , وَطَلْحَةُ , وَالزُّبَيْرُ , فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ وَاتَّكَأَ عَلَى قَوْسِهِ , وَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ بَلِيغٍ , يَشْتَمِلُ عَلَى الْوَصَاةِ بِعُثْمَانَ بْنِ عفَّان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ , وَالتَّحْذِيرِ مِنْ إِسْلَامِهِ إِلَى أَعْدَائِهِ , ثُمَّ انْصَرَفَ ذَاهِبًا. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: مَا رَأَيْتُهُ أَهْيَبَ فِي عَيْنِي مِنْ يَوْمِهِ هَذَا . قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مات أبو عبس بن جبير بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ بَدْرِيٌّ. وَمَاتَ أَيْضًا مِسْطَحُ بْنُ أثاثة , وَهُوَ بَدْرِيٌّ. وغافل بْنُ الْبُكَيْرِ. وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. |
الساعة الآن 04:21 AM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
mamnoa 2.0 By DAHOM