شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   منتدى الفقه (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=447)
-   -   (012)قاعدة في سبب الجريمة-إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن: (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=212695)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 10-10-2015 02:54 AM

(012)قاعدة في سبب الجريمة-إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن:
 

الأصل في فعل الطاعات وأعمال الخير، والوقاية من الجرائم والمنكرات، هو غرس الإيمان في النفوس، والتزكية الربانية بقراءة القرآن الكريم بتدبر وفقه وتطبيق عملي، وكذلك العناية بسنة الرسول صلّى الله عليه وسلم، واتباعه بفعل ما أَمَر وترك ما نَهَى، والسمع والطاعة له في المنشط والمكره.. وفيما سبق من مباحث هذا الكتاب مع ما فيه من اختصار كفاية إن شاء الله.

ولكن كثيراً من الناس، وإن كانوا يؤمنون بالله ورسوله في الجملة، تغلبهم نفوسهم الأمارة بالسوء، وتستهويهم الشهوات، وتسيطر على تصرفاتهم أهواؤهم، ويغويهم الشيطان، فإذا وُعِظوا صموا آذانهم عن سماع الموعظة، وإذا أُمِروا بالمعروف تمادوا في تركه، وإذا نُهُوا عن المنكر بالغوا في ارتكابه.

فيعتدون على الأعراض وينتهكون الحرمات، وينهبون أموال الناس بالسرقة أو إخافة السبيل، ويقتلون النفس التي حرم الله بغير حق، ويتعاطون شرب المسكرات..

إن أمثال هؤلاء الذين يصرون على العدوان وارتكاب الجرائم، ولا يستجيبون للنصح والتوجيه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يحسم مادة شرهم إلا تطبيق شرع الله تعالى الرادع، وهو إقامة الحدود والتعازير، وتنفيذ القصاص.

ولا يجوز أن تأخذ المسلمين فيهم رأفة في تنفيذ شرع الله تعالى فيهم، كما قال تعالى في السارق والسارقة: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} [المائدة ] .

وقال في مرتكبي الزنا: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (2)} [النور].

وعندما شفع أسامة بن زيد عند الرسول صلّى الله عليه وسلم، في المرأة المخزومية التي أمر بقطع يدها، عندما سرقت، غضب صلّى الله عليه وسلم غضباً شديداً، وقال: (والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد ـ صلّى الله عليه وسلم ـ لقطعت يدها) [صحيح البخاري، برقم (3288) وصحيح مسلم، برقم (1688).].

وفي هذا الحسم تبدو رحمة الله تعالى بعباده في الأرض، حيث شرع ما يحمي دينهم ونفوسهم وأموالهم وأعراضهم، ويمنحهم الأمن والاطمئنان في حياتهم.

والذين لا يزجرهم عن جرائمهم الإيمان وما يثمره من الخير، لا بد من زجرهم بما شرعه الله في القرآن وكلف الله تطبيقه من ولي أمور الأمة من الحكام، ولهذا قال عثمان بن عفان رضِي الله عنه"إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".

وهذا يبين حكمة أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلم - وهو في مكة - أن يدعوه بأن يمنحه الله تعالى قوة ينفذ بها شرعه على من عصى وتمرد، كما قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً (80)}[الإسراء].

قد ساق ابن كثير رحمه الله ما قاله العلماء في تفسير هذه الآية فقال: "قال الحسن البصري في تفسيرها: وعده ربه لينزعن ملك فارس وعز فارس وليجعلنه له، وملك الروم وعز الروم وليجعلنه له.

وقال قتادة فيها: إن نبي الله صلّى الله عليه وسلم، علم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطاناً نصيراً لكتاب الله، ولحدود الله، ولفرائض الله، ولإقامة دين الله. فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض، فأكل شديدهم ضعيفهم، قال مجاهد سلطاناً نصيراً حجة بينة. واختار ابن جرير قول الحسن وقتادة وهو الأرجح؛ لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه.

ولهذا يقول تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)}. [الحديد] وفي الحديث (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) أي ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام، ما لا يمتنع (عنه) كثير من الناس بالقرآن، وما فيه من الوعيد الأكيد والتهديد الشديد وهذا هو الواقع" [انتهى كلام ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، بتحقيق سامي بن محمد السلامة، نشر دار طيبة للنشر والتوزيع (5/111)، سبق أن هذا أثرٌ رُويَ عن عثمان بن عفان t وليس مرفوعاً إلى النبي ‘.].

وقال ابن تيمية رحمه الله: "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور، وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات. فمنها عقوبات مقدرة مثل جلد المفتري ثمانين وقطع السارق، ومنها عقوبات غير مقدرة قد تسمى التعزير، وتختلف مقاديرها وصفاتها بحسب كبر الذنوب وصغرها، وبحسب حال المذنب وبحسب حال الذنب في قلته وكثرته..".[ مجموع الفتاوى (28/107.]

والمعروف أن هذا النص "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" مروي عن عثمان رَضي الله عنه، وليس مرفوعاً إلى الرسول صلّى الله عليه وسلم، ولكن معناه مؤيد بنصوص أخرى في القرآن والسنة، والواقع يدل على ذلك. وأمْرُ الله تعالى المسلمين بتطبيق غالب الأحكام العامة، إنما تقوم به الأمة عن طريق أولياء أمورها، مثل إقامة الحدود وتنفيذ القصاص. وقد بينت ذلك في كتاب (الحدود والسلطان).
انتهت حلقات "قاعدة في سبب الجريمة".


المصدر...


الساعة الآن 02:29 AM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM