تفسير سورة الزمر من مختصري لتفسير الطبري (متجدد)
سُورَةُ الزُّمَرِ {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} الَّذِي نَزَّلْنَاهُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ..{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[الزمر: 1] {مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ} فِي انْتِقَامِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ.. {الْحَكِيمِ}[الزمر: 1] فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ، لَا مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا تَكُونَنَّ فِي شَكٍّ مِنْ ذَلِكَ.. {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصَا لَّهُ الدِّينَ}[الزمر: 2] {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ.. {الْكِتَابَ} الْقُرْآنَ.. {بِالْحَقِّ} وَالْعَدْلِ.. {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصَا لَّهُ الدِّينَ}[الزمر: 2] وَمِنْ ذَلِكَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ، لِأَنَّ الدِّينَ لَهُ، لَا لِلْأَوْثَانِ الَّتِي لَا تَمْلِكُ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً، فَاخْشَعْ لِلَّهِ يَا مُحَمَّدُ بِالطَّاعَةِ، وَأَخْلِصْ لَهُ الْأُلُوهَةَ، وَأَفْرِدْهُ بِالْعِبَادَةِ، وَلَا تَجْعَلْ لَهُ فِي عِبَادَتِكَ إِيَّاهُ شَرِيكاً، كَمَا فَعَلَتْ عَبْدَةُ الْأَوْثَانِ.. {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار}[الزمر: 3] {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} أَلَا لِلَّهِ الْعِبَادَةُ وَالطَّاعَةُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، خَالِصَةً لَا شِرْكَ لِأَحَدٍ مَعَهُ فِيهَا، فَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ، لِأَنَّ كُلَّ مَا دُونَهُ مِلْكُهُ، وَعَلَى الْمَمْلُوكِ طَاعَةُ مَالِكِهِ لَا مَنْ لَا يَمْلِكُ مِنْهُ شَيْئاً.. {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ يَتَوَلَّوْنَهُمْ، وَيَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، يَقُولُونَ لَهُمْ: مَا نَعْبُدُكُمْ أَيُّهَا الْآلِهَةُ إِلَّا لِتُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، قُرْبَةً وَمَنْزِلَةً، وَتَشْفَعُوا لَنَا عِنْدَهُ فِي حَاجَاتِنَا.. {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْأَحْزَابِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ عِبَادَتِهِمْ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فِيهَا، بِأَنْ يُصْلِيهِمْ جَمِيعاً جَهَنَّمَ، إِلَّا مَنْ أَخْلَصَ الدِّينَ لِلَّهِ، فَوَحَّدَهُ، وَلَمْ يُشْرِكْ بِهِ شَيْئاً.. {إن الله لا يهدي} إِلَى الْحَقِّ وَدِينِهِ الْإِسْلَامِ، وَالْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، فَيُوَفِّقُهُ لَهُ.. {مَنْ هُوَ كَاذِبٌ} مُفْتَرٍ عَلَى اللَّهِ، يَتَقَوَّلُ عَلَيْهِ الْبَاطِلَ، وَيُضِيفُ إِلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ صِفَتِهِ، وَيَزْعُمُ أَنَّ لَهُ وَلَداً افْتِرَاءً عَلَيْهِ.. {كَفَّارٌ}[الزمر:3] لِنِعَمِهِ، جَحُودٌ لِرُبُوبِيَّتِهِ. {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}[الزمر: 4] {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً} لَوْ شَاءَ اللَّهُ اتِّخَاذَ وَلَدٍ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ.. {لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} لَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ مَا يَشَاءُ.. {سُبْحَانَهُ} تَنْزِيهاً لِلَّهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، وَعَمَّا أَضَافَ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ بِهِ مِنْ شِرْكِهِمْ.. {هُوَ اللَّهُ} هُوَ الَّذِي يَعْبُدُهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَبْداً، يَقُولُ: فَالْأَشْيَاءُ كُلُّهَا لَهُ مِلْكٌ، فَأَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ.. {الْوَاحِدُ} وَهُوَ الْوَاحِدُ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ.. {الْقَهَّارُ}[الزمر: 4] وَالْقَهَارُ لِخَلْقِهِ بِقُدْرَتِهِ، فَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ مُتَذَلِّلٌ، وَمِنْ سَطْوَتِهِ خَاشِعٌ. {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}[الزمر: 5] {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَاصِفاً نَفْسَهُ بِصِفَتِهَا: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} يُغْشِي هَذَا عَلَى هَذَا، وَهَذَا عَلَى هَذَا، كَمَا قَالَ {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ}[الحج: 61] .. {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لِعِبَادِهِ، لِيَعْلَمُوا بِذَلِكَ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ، وَيَعْرِفُوا اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ لِمَصْلَحَةِ مَعَاشِهِمْ.. {كُلٌّ} كُلُّ ذَلِكَ، يَعْنِي: الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ.. {يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} يَعْنِي إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَذَلِكَ إِلَى أَنْ تُكَوَّرَ الشَّمْسَ، وَتَنْكَدِرَ النُّجُومُ.. وَقِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ لِكُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنَازِلَ، لَا تَعْدُوهُ وَلَا تُقْصِرُ دُونَهُ.. {أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ} أَلَا إِنَّ اللَّهَ الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأفَعَالَ وَأَنْعَمَ عَلَى خَلْقِهِ هَذِهِ النِّعَمَ هُوَ الْعَزِيزُ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنْ عَادَاهُ.. {الْغَفَّارُ}[الزمر: 5] لِذُنُوبِ عِبَادِهِ التَّائِبِينَ إِلَيْهِ مِنْهَا بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا. المصدر... |
الساعة الآن 03:08 PM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
mamnoa 2.0 By DAHOM