شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   تفريغ المحاضرات و الدروس و الخطب ---------- مكتوبة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=350)
-   -   الخلاف الزوجي (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=246951)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 03-03-2016 10:54 AM

الخلاف الزوجي
 
الخلاف الزوجي


د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم



الحمد لله خالق النَّسَم ومحصيهم عدداً، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له أبداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى.

أما بعد، فاتقوا الله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [البقرة: 278].

أيها المؤمنون!
الزواج آية من آي الله الباهرة؛ جعله الله قواماً للبقاء البشري، وسكنه، ومودته، ورحمته. وحاطه بميثاق رعاية غليظ؛ كي لا تنفصم عراه، وتُوهَن دعائمه. هذا وإن أخطر ما ينوب عرشَ الزواج العتيد قوارضُ الخلافات الزوجية التي لا يحسن الزوجان احتواءها وكيفية حلها؛ ليكون الحلُّ الحاضر - بل والوحيد - إيقاعَ الطلاق، ونقضَ ذلك الميثاق الغليظ، الذي لم يبلغ شيء مبلغه في فرح إبليس، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ " رواه مسلم.

أيها المسلمون!
وجود الخلاف بين الزوجين أمر طبعي، وسنة كونية يرضخ لها البشر، ولا يسلم منها بيت حتى بيت النبوة. ينشأ ذلك من اختلاف الطباع، وظروف الحياة، وما تكسبه الأيادي من الآثام. وليس ذاك من قبيل محض الشر، بل فيه من المصالح ما يجعل الزوج الحصيف يستثمره في صيانة بيته الزوجي، وتنمية مودته واستقراره. فالخلافات الزوجية - إن أُحسن علاجها - تضفي على البيت تجديداً وحيوية؛ تطرد الملل والسآمة، ويعرف الزوجان من خلالها قدر الحياة الهانئة، ويظفران بغنيمة محو السيئات، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: « مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ، وَلاَ حُزْنٍ، وَلاَ أَذًى، وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ » رواه البخاري ومسلم. بيد أن المشكلات الزوجية ليست على وزانٍ واحد؛ فمنها العُضل الكبرى ذات الخطر، كترك الصلاة، واستعمال المسكرات والمخدرات، وخيانة الفراش. وذلك مما تعظم فيه الحاجة لاستشارة أهل العلم والرأي، ولا يستقلّ الزوجان بحلّه. ومنها المشكلات الصغرى، كرفع الصوت، وعصيان بعض الأوامر، والتأخر في المواعيد، وعدم تحقيق بعض الرغائب. وتلك المشاكل الصغرى - وللأسف - هي أبرز أسباب الطلاق؛ إذ هي أكثر ما يقع فيه النزاع بين الأزواج، ويحصل به التنافر، والنكد، إن لم يحسن الزوجان التعامل معها! وذا ما يجعل معرفة أساليب احتوائها، والتعامل معها، وطرق علاجها من ألزم ما ينبغي للزوجين العناية به. وثمة أمور خمسة يكون بها حكمة التعامل مع ذلك النوع من المشكلات:
أولاها: كرم التغاضي والتغافل، وترك المحاققة والاستقصاء. فإحصاء الأخطاء، والتذكير بها، والوقوف مع كل زلة مفضٍ إلى فشل الحياة الزوجية. وكان ذلك التغافل هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - مع خطأ أهله، كما قال الله - تعالى -: ﴿ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ﴾ [التحريم: 3]، وقال علي - رضي الله عنه -: " ما استقصى كريم قط "، وقيل للإمام أحمد: الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي التَّغَافُلِ، فَقَالَ: الْعَافِيَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ، كُلُّهَا فِي التَّغَافُلِ. وإن من أعظم المعينات على التحلي بهذه الخصلة الحميدة معرفة الطبيعة البشرية التي جُبِل عليها الزوجان. فالرجل ميّال للسيطرة، وحب التفرد بالرأي، والاستقلال بالأمر دون تدخل غيره، والمرأة مجبولة على اعوجاجٍ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ؛ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا» رواه مسلم. ومن غالب صور ذلك الاعوجاج الذي تفشو منه الخلافات: فرط الغيرة، وتنكّر المعروف، وسرعة الانفعال. وبمراعاة تلك الطبائع يخف وطء خطئها؛ فيسهل التغافل عنها. ونظرة كل من الزوجين لمحاسن الآخر - دون قصر على جانب المثالب - مما تتحقق به الموازنة وترك الاستقصاء. وذاك ما أوصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: « لَا يَفْرَكْ (يبغض) مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ » رواه مسلم. وجاء عمرَ - رضي الله عنه - رجل شاكياً رفع صوت زوجه عليه، فلما دنا سمع صوت امرأة عمر يعلو صوته، فرجع، فأحس به عمر، فدعاه وسأله، فقال: جئتك أشكو علوَّ صوت امرأتي عليّ، وسمعت صوت امرأتك يعلو صوتك! فقال عمر: يا بن أخي، إنها امرأتي، ترضع صغيري، وتصنع طعامي، وتغسل ثوبي. هكذا يكون التغافل؛ إغضاء كريم عن خطأ يحسن تجاوزه.

وثاني ما تعالج به المشكلات: التحالم، وكظم الغيظ؛ إذ الغضب أعظم ما تفاقم به المشكلات، ويقع به الطلاق. دقائق معدودة يختل فيها اتزان عقل الغاضب، ويتسلط بها الشيطان، وتصعب عندها السيطرة؛ فيطلق كلمة الطلاق، فإذا ما سكن أسفه تحسّر، وطفق يبحث عمن يفتيه برجوع زوجه له. ولذا كان من حصافة رأي الزوج ألا يتكلم حال غضبه، وأن يخرج من منزله حتى يسكت غضبه. فقد تعاهد أبو ذر مع زوجه أم ذر - رضي الله عنهما - إن غضب أحدهما أن يسكت الآخر. ومن عوّد نفسه ذلك تخطّى خلافاته الأسرية بيسر وسلام.

وثالث ما تحل به الخلافات الزوجية: احتواء الخلاف؛ بقصره على الزوجين، وعدم توسيع نطاقه؛ بإدخال من ليس أهلاً للاستشارة، فضلاً عن مجرد التحدث بالمشكلة دون طلبٍ لحل. فالمشكلة كلما ضُيِّق محيطها سهل حلها، وكلما توسع عسر؛ كما أبان ذلك عمل المحاكم ومراكز الاستشارات الأسرية. غير أنه لا يُفهم من ذلك ترك الاستشارة، بل الاستشارة مطلوبة، ولكنّ الشأن فيمن يُستشار.
خصائص من تشاوره ثلاث http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فخذ منها جميعاً بالوثيقة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وداد خالص ووفور عقل http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومعرفةٌ بحالك بالحقيقة http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فمن حصلت له هذي المعاني http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فتابع رأيه والزم طريقه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


فمن فقد إحدى هذه الصفات الثلاث، فإنه لا يستشار وإن كان الأب الشفيق أو الأخ الشقيق!

الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد، فاعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله

أيها المؤمنون!
ورابع ما تعالج به الخلافات الزوجية: الحوار بين الزوجين. ولا يجمل ذلك الحوار، ولا يؤتي ثماره إلا بالهدوء والاحترام واللين ونشدان الحق والرضوخ له، خاصة من الزوج. ولذلك الحوار الراقي المفعولُ القويُّ في تجاوز هوة الخلاف وتضييق قطرها. قالت عائشة - رضي الله عنها -: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَخْرَجَ مَعَهُ نِسَاءَهُ، وَكَانَ مَتَاعِي فِيهِ خِفٌّ فَكُنْتُ عَلَى جَمَلٍ نَاجٍ (سريع )، وَكَانَ مَتَاعُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ فِيهِ ثِقَلٌ، وَكَانَتْ عَلَى جَمَلٍ بَطِيءٍ فَتَبَاطَأْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «حَوِّلُوا مَتَاعَ عَائِشَةَ عَلَى جَمَلِ صَفِيَّةَ، وَحَوِّلُوا مَتَاعَ صَفِيَّةَ عَلَى جَمَلِ عَائِشَةَ؛ لِيَمْضِيَ الرَّكْبُ»، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: يَالَعَبْدِ اللَّهِ، غَلَبَتْنَا هَذِهِ الْيَهُودِيَّةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ، إِنَّ مَتَاعَكِ كَانَ فِيهِ خِفٌّ، وَمَتَاعُ صَفِيَّةَ كَانَ فِيهِ ثِقَلٌ فَبَطَّأَ بِالرَّكْبِ؛ فَحَوَّلْنَا مَتَاعَكِ عَلَى بَعِيرِهَا، وَحَوَّلْنَا مَتَاعَهَا عَلَى بَعِيرِكِ»، قُلْتُ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: «أَفِي شَكٍّ أَنْتِ يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ؟» قُلْتُ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ فَهَلَّا عَدَلْتَ؟ فَسَمِعَنِي أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنْ حِدَّةٍ؛ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ يَلْطِمُ وَجْهِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَهْلًا يَا أَبَا بَكْرٍ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالَتْ؟! قَالَ: «إِنَّ الْغَيْرَى لَا تُبْصِرُ أَسْفَلَ الْوَادِي مِنْ أَعْلَاهُ» رواه أبو الشيخ وأبو يعلى بإسناد لا بأس به كما قال ابن حجر.

وخامس هذه الأمور: لزوم الاستغفار والأوبة إلى الله - سبحانه -؛ إذ ما من مصيبة تقع إلا بذنب اقترفه العبد، ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]. والاستغفار دواء الذنوب، وسبب محوها. وما أجمل أن يتواصى الزوجان حال وقوع خصام بينهما أن يلزما الاستغفار! فما أحراهما بعدُ بالوفاق ونفي الشقاق!

أيها الإخوة في الله!
إن من شأن رعاية هذه الأمور الخمسة وتعاهدها تحاتَّ عوالق الخلافات الزوجية، وتخفيفَ حدتها، وتقليصَ أمدها؛ فتكون الخلافات معها في حجمها الطبعي، ويسهل حلُّها سريعاً؛ ويتحقق بذلك مقصود المحبة والسكن والرحمة التي لأجلها شُرع النكاح.






المصدر...


الساعة الآن 08:08 AM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM