شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   تفريغ المحاضرات و الدروس و الخطب ---------- مكتوبة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=350)
-   -   الوصية بالمحافظة على الصلوات مع الجماعات (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=242930)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 02-24-2016 02:25 PM

الوصية بالمحافظة على الصلوات مع الجماعات
 
الوصية بالمحافظة على الصلوات مع الجماعات


الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر







الحمد لله العفو الغفور، الرؤوف الشكور، أحمده - سبحانه - وفَّق مَن شاء مِن عباده لمحاسِن الأمور، وما فيه من عظيم الأجور؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29 - 30].



وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له الملك الواحد القهَّار، بيده مقاديرُ الأمور ومواقيت الأعمار، ولا يهدي مَن هو كاذب كفَّار.



وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله المبعوث إلى كافَّة الناس بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وقد أمرَ بإقامة الصلاة وأنذَر تاركَها تحذيرًا، صلى الله عليه وسلَّم وعلى آله وصَحْبه.



أمَّا بعدُ:

فيا أيها الناس، اتقوا الله، وحافظوا على الصلاة؛ فإنَّها عمود الدِّيانة، ورأْسُ الأمانة، وتهدي مُقيمها إلى الفضائل، وتكفُّه المحافظة عليها عن الرذائل، وتذكِّره بالله العظيم الأكبر، وتنهاه عن الفحشاء والمنكر.



وكم فيها من تيسير الأمور، وشَرْحِ الصدور، وزوال الهموم، وذَهاب الغموم، وفتْح أبواب الرِّزق، والتربية على حُسن الخُلق، وهي من أكبر ما يُستعان به على أمور الحياة، وقضاء الحاجات، وكم يَنال الخاشع فيها من المسرَّات، وأنواع الخيرات، وعظيم البركات، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].



وقد جعَلَها الله شعارَ المتقين المتوكِّلين؛ كما في قوله المبين: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2 - 3]، وقوله: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 4 - 5].



وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حَزَبَهُ أمرٌ من أمور الحياة، ووقَعَ في شيءٍ من الشِّدَّات، فَزِع إلى الصلاة؛ تحقيقًا لقول ربِّ العالمين: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].



أيها المسلمون:

ومِن فضْل الله على المؤمنين، وواسِع لُطْفه بالمسلمين أنْ جعَلَ هذه الصلوات خمسًا مُفَرَّقة على الأوقات؛ لئلا تطول الغَفلة، وتتحقَّق الجَفوة، وتتراكم الخطيئة، فإنما سُمِّيت الصلاة صلاة؛ لأنها تشتملُ على الدعاء، أو لأنها صِلة بين العبد وبين الربِّ في السماء، فالمصلِّي بصلاته مُتصل بربِّه، موصول مِن الله بأنواع فَضْله، وألوان كَرَمِه وبِرِّه، ومِن ذلك أنَّ الصلوات الخمس كفَّارات لما بينهنَّ ما اجتُنبتِ الكبائر، وقد شبَّهها النبي - صلى الله عليه وسلم - بنهرٍ كبير يغتسلُ منه المسلم كلَّ يومٍ خمس مرات، فكما أنَّ ذلك لا يُبقي من دَرَنه - أي: وسخه - شيئًا، فكذلك الصلوات الخمس يَمحو الله بهنَّ الخطايا.



أيها المسلمون، والمحافظة على الصلوات نورٌ للعبد في الظلمات، وسبب لوراثته الفردوسَ أعلى الجنات؛ ففي المأثور المسند وغيره أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذَكَر الصلاة فقال: ((مَن حافَظ عليها، كانتْ له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومَن لم يحافظْ عليها، لم تكنْ له نورًا ولا برهانًا ولا نجاة))، ورُوي عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((وجاء يوم القيامة ووجْهُه كالقمر ليلة البدر))، وفي التنزيل: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 8 - 11].



أيها المسلمون:

إنَّ موضعَ الصلاة من الدِّين كموضع الرأْس من الجَسد؛ لأنها عمود الإسلام، فإذا سقَطَ العمود هَوَى البنيان، ولا دِينَ لِمَن لا صلاة له، كما لا حياةَ لِمَن لا رأْسَ له، وهي آخرُ ما يُفْقَد من الدِّين، فإذا فُقِدَ الآخرُ، فقد ذهبَ الدِّين كلُّه، وذهب ظلُّه.



وكان العلماء يسمُّون الصلاة الميزان، فإذا أرادوا أن يبحثوا عن دين إنسانٍ، سألوا عن صلاته، فإنْ حُدِّثوا بأنَّه يحافظ على الصلاة، عَلِموا أنَّه ذو دين، وذو خشية من ربِّ العالمين، ولو كان عليه شيءٌ من التقصير، فإن الصلاة ترغِّبه في صالح الأعمال، وتنهاه عن منكرات الأقوال والأعمال؛ حتى يأتيه الموتُ على أحسن الأحوال، وإنْ حُدِّثوا بأنَّه مُضيِّعٌ للصلاة، عَلِموا أنَّه لا دينَ له، ومَن لا دِين له جديرٌ بكل شرٍّ، بعيدٌ من كلِّ خير، وعادمُ الخير لا يُعطيه، وكلُّ إناءٍ ينضح بما فيه، فالمضيِّع للصلاة ليس من إخوان المؤمنين، بل هو من جُند إبليس اللعِين، فإن إقامة الصلاة شرطُ الأخوَّة في الدِّين، ونسيان الصلاة أمارة على اتِّباع الشياطين؛ قال - تعالى -: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 11]، وقال - تعالى -: ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19].



عباد الله:

حافِظوا على فرائض ربِّكم، ومُرُوا بها أولادَكم وأهليكم وذويكم؛ ليجمع الله شَملَكم بعد افتراقكم من هذه الدار الفانية، في الدار الباقية، في جنات عالية؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ [الكهف: 107 - 108]، وقال - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 22 - 24].



بارَكَ الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَنا جميعًا بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم.



أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين والمؤمنين، فاستغفروه يغفر لكم؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية


الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدِّين، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له الملك الحق المبين.



وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله أفضل عباد الله الصالحين، وسيِّد الأنبياء والمرسَلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، الذين آمَنُوا به وعزَّروه ونصروه، واتَّبعوا النور الذي أُنزِل معه، أولئك هم المفلحون.



أمَّا بعدُ:

فيا أيها الناس، اتقوا الله - تعالى - حقَّ التقوى، وبادِروا بالأعمال الصالحة قبل الرُّقاد تحت الثَّرى، فإنَّكم إلى ربِّكم مُنقلبون، وبأعمالكم مَجزيُّون، وعلى تفريطكم نادمون، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ مُنقلب ينقلبون، فاتقوا الله حقَّ تُقاته، واسعوا في مَرضاته، وأيقنوا من الدنيا بالفناء، ومن الآخرة بالبقاء، واعملوا لِمَا بَعد الموت فكأنَّكم بالدنيا لم تكنْ، وبالآخرة لم تزلْ، فرَحِم الله امْرَأً نظَرَ لنفسه، ومهَّد لرَمْسه، ما دام رسنه مُرخى، وحَبله على غاربه مُلقى، قبل أنْ ينفدَ أجَلُه، فينقطع عملُه.



عباد الله:

إنَّ أعظمَ الناس بركة، وأشرفهم منزلة الرجلُ يكون في المجلس، أو في أي مكان وعنده أهله وأولادُه، أو صحبُه وجلساؤه، أو خَدَمُه وحَشَمُه، فيسمع النداء بالصلاة، فيقوم إليها فَزِعًا فَرِحًا، ويأمر مَن عندَه بالقيام إلى الصلاة معه، فيؤمُّون مسجدًا من مساجد الله؛ لأداء فريضة من فرائض الله بسكينة ووقَار، فيغشاهم النور، وتُكتب لهم الآثار، وتُضاعَف لهم الحسنات، وتُرفَع الدرجات، وتُحَطُّ الأوزار.



وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن غدا إلى المسجد أو راحَ، أعدَّ الله له في الجنة نزلاً - يَعني: ضيافة - كُلَّما غدا أو راح))، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((بشِّروا المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة))، وقال: ((أعظمُ الناس أجْرًا في الصلاة أبعدُهم إليها مَمْشى فأبعَدُهم)).



فكم يفوز به المحافظ على الصلوات والآمر بها من الأجْر العظيم، وأنواع التكريم، في دار النعيم المقيم، نزلاً من غفور رحيم؛ ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 54 - 55].



وبضدِّ هؤلاء أقوامٌ يجلسون في مجالسهم، وملاعب الكرة، وأنواع المنتديات، فيسمعون النداء بالصلاة، فلا يُجيبون الداعي إلى الفلاح بتلك الكلمات، بل ألسنتهم لاغية، وقلوبهم لاهية؛ ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19].



أولئك المشَائيم على أنفسهم، وعلى جُلسائهم وذَويهم.



وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((منَ دُعِي إلى الفلاح، فلم يُجبْ، لم يُرِد خيرًا، أو لم يُرَد به خير))، ورُوي عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ الجفاءَ كل الجفاء، والكفر والنفاق فيمَن سَمِعَ داعي الله بالصلاة، ثم لا يُجيب)).



وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: "لقد رأيتُنا وما يتخلَّف عن الصلاة في الجماعة إلاَّ منافقٌ قد عُلِم نفاقُه، أو مريض".



وفي صحيح مسلم عن جابر أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بين الرجل وبين الكُفر والشرك ترْكُ الصلاة، فمن تَرَكَها فقد كَفَر أو أشْرَكَ)).



فتبًّا لِمَن رَضِي لنفسه الخسران، فأعلَنَ النفاق والكُفر بين أهْل الإيمان، وهم شهداءُ الله في أرْضِه، مَن أثنَوْا عليه خيرًا وجَبتْ له الجنة، ومن أثنوا عليه شرًّا وجبتْ له النار؛ فإذا ذكَر المصلون في المساجد شخْصًا بأنَّه لا يصلِّي، فقد أثنوا عليه شرًّا، فيا ويْله - إنْ لم يَتبْ - من النار.



﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].



عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].



فاذكروا الله العظيم الجليل يذكرْكم، واشكروه على نِعَمه يزدْكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.









المصدر...


الساعة الآن 08:48 AM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM