شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   العلوم و التكنولوجيا --- كل جديد ---- في كل المجالات (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=313)
-   -   جوانب الارتباط بين الإسلام وقضايا التنمية: البعد الإداري (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=187916)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 08-26-2015 11:03 AM

جوانب الارتباط بين الإسلام وقضايا التنمية: البعد الإداري
 
جوانب الارتباط بين الإسلام وقضايا التنمية: البعد الإداري
عبدالكريم بن عبدالرحمن الصالح








وقد حدد الإسلام نظماً للإدارة تحدد أقصى درجات التنمية والتقدم الإداري وتقوم على مجموعة من القيم الدينية والمنطلقات الإيمانية بما يجعلها أقوى في التطبيق من كل القواعد الوضعية للتنمية الإدارية. وتقوم الإدارة الإسلامية على عدة أسس أهمها، المساواة: فالمسلمون سواسية كأسنان المشط، والشورى ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 38]، وسيادة القانون وتطبيق العدالة دون مراعاة للحسب أو النسب أو الغنى والفقر أو اللون..، ويركز الإسلام على أساليب التعامل مع الغير (العلاقات الإنسانية)، ومراعاة المصلحة العامة والاهتمام بمصالح الآخرين، وتيسير مصالح الناس (تيسير الإجراءات وتحقيق المصالح) عن عائشة رضي الله عنها قالت: " سمعت رسول الله صلى الله عليه ويسلم يقول في بيتي هذا " اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فأشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فأرفق به " (رواه مسلم 3 /1458)، وينهى الإسلام عن التسلط والكبرياء. ويؤكد الإسلام مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب - وضرورة انتقاء الرؤساء والولاة بدقة بشرط ألا يكون الرجل حريصاً عليها، يقول عليه الصلاة والسلام " إنا والله لا نولي على هذا العمل أحداً سأله ولا أحداً حرص عليه " أخرجه مسلم 3 /1456) ويحرص الإسلام على أهمية الوفاء بالعهود. ويؤكد قيم الصدق والعدل والكفاية وينبذ التعقيد الروتيني والتفرقة في التعامل، وأهم شيء في الإدارة الإسلامية عنصر مراقبة لله في السر والعلن.. وفي مجال إتقان العمل والإنتاج فقد نسب الله الإتقان وإحسان العمل لنفسه، وأمرنا ديننا بإتقان العمل (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه). ويأمرنا ديننا كذلك بالمطابقة بين القول والعمل ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2]، وهنا يؤكد أهمية القدوة الحسنة، ومسؤولية الراعي عن الرعية " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " (أخرجه مسلم 3/ 1459). وينهى الإسلام عما يطلق عليه حديثاً أمراض البيروقراطية كالرشوة " لعن الله الراشي والمرتشي والرائش " والتعقيد والتعسف " ألا هلك المتنطعون " وينهى عن المحاباة " من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم " (أخرجه أحمد) وقال عليه السلام " من ولاه الله عز وجل من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره " (رواه أبو داود 2 /122). وهذا كله يشير إلى أن الإسلام أول من وضع أسس الإدارة العلمية والإنسانية التي تقوم على مجموعة من القيم الإيمانية والقادرة على تحقيق الكفاية الإنتاجية والكفاية النفسية والاجتماعية بشكل متكامل[1].




ينظم الإسلام علاقات العمل تنظيماً دقيقاً متقناً يحقق العدل حيث يطالب العاملين بالإتقان في العمل ومراقبة الله سبحانه وتعالى قبل الخوف من رقباء الدنيا - قال عليه السلام " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه " كما يقضي الإسلام من صاحب العمل أن يحدد للعامل مقدار العمل الذي سيكلف به، ومقدار الأجر، وأن يمنحه أجره بمجرد أداء العمل، وأن يكون حجم العمل على قدر ما يستطيعه العامل بحيث لا يؤدي إلى الإضرار بالعامل صحيحاً أو اجتماعياً، يقول عليه الصلاة والسلام " من استأجر أجيراً فليعلمه أجره "، وقال عليه السلام " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ". ويقول عليه السلام " إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم. فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون فإن كلفتموهم فأعينوهم "، وللفقهاء حديث طويل حول علاقات العمل في الإسلام. وقد ذهب بعض الباحثين كالإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين إلى أنه على ولي الأمر أن يضمن عملاً لكل عضو قادر على العمل من أبناء المجتمع، واستنتج ذلك من أن الرسول عليه السلام أعطى رجلاً قدوماً ودرهماً وأمره أن يحتطب ". أما بالنسبة للعجزة والشيوخ فإن من واجب الدولة تأمين حاجاتهم المعيشية كاملة وهكذا سبق الإسلام مفاهيم التأمين والضمان الاجتماعي ولكن بشكل أكثر تحديداً وانضباطاً. فالإسلام يؤمن الإنسان على أكله وشربه ولبسه ونفقات أسرته من خلال العمل ويؤمنه ضد البطالة والعجز والشيخوخة وللفقهاء حديث حول أسلوب تحديد الأجر، فكل أجر لا يفي العامل حاجاته الأساسية – المأكل – والمشرب – والمسكن – والملبس، لا يقره الإسلام، وإلى جانب هذه الحاجات الأساسية ينبغي أن يؤمن للعامل متطلبات النمو الاجتماعي المشروع كالتعليم – ومواجهة الأمراض من خلال العلاج... الخ[2].



من كل ما سبق نجد أن الإسلام يضع لنا أسس التنمية الاقتصادية والتعليمية والصحية والإدارية والسياسية والاجتماعية بشكل سليم، والفرق الرئيسي بينها وبين التنميات الوضعية أنها تنطلق من دوافع دينية ومنطلقات إيمانية وقيم موجهة تكفل لها عنصر الاستمرار والنجاح في مواجهة المشكلات والأزمات المحلية والعالمية. وكل قطاع من قطاعات التنمية في الإسلام يحتاج إلى دراسات وأبحاث - وليس هذا الفصل سوى دعوة للمزيد من الجهد والتعمق نظراً وتطبيقاً. وما يهمنا هنا الإشارة إلى أن نموذج التنمية الإسلامية يختلف تماماً عن النماذج الإيديولوجية المطبقة والمطروحة في دراسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، النموذج الليبرالي، والنموذج الاشتراكي، والنموذج المختلط. والنموذج الإسلامي ليس نموذجاً وسطاً فحسب ولكن له أصالته الذاتية في نظرته للإنسان والمجتمع والحياة والعالم والكون والمستقبل وقوانين الحركة الاجتماعية. ولا يمكن اعتبار الإسلام مجرد بناء أيديولوجي في مجال التنمية مثله مثل الإيديولوجيات الوضعية، ذلك لأنه يصوغ بناءً ثقافياً شاملاً، كما يضع منهجاً متكاملاً في الحياة. وكما يشير " الياس بايونس " و" فريد أحمد " في مؤلفهما الصغير حول " مقدمة في علم الاجتماع " فإن الإسلام ليس مجرد صيغة من الشعائر الشكلية ولكنه عملية طاعة لحكم الله في إطار علاقة الإنسان بالله والعلاقة القائمة بين الناس سواء في مجال الأسرة أو الحكم والاقتصاد والتعليم والترفيه والتكاثر وكل تلك الأمور التي تضمن استمرار الحياة الاجتماعية المتكاملة والمتفاعلة على وجه الأرض " ويشير الكاتبان إلى أن الدول الإسلامية التي حاولت على مدى أكثر من ربع قرن اتباع أساليب رأسمالية أو اشتراكية في التنمية، لم تختفِ داخلها مشكلات التخلف، إلى جانب وقوعها في مشكلات مزعجة مثل مشكلة الديون - وهي مشكلة عويصة – لدى الدول التي تأخذ بالأسلوب الرأسمالي في التنمية، ومشكلة العجز البيروقراطي والتسلط الذي نجم عنه تبديد الموارد الوطنية وغرس الإحساس بالغربة بين العمال، لدى الدول التي تأخذ بالأسلوب الاشتراكي في التنمية. والنتيجة تعريض الاستقلال السياسي الذي كافحت من أجله الشعوب للخطر. وقد أشار " ميردوك " Merdock إلى عنصر الفساد (الرشوة والاختلاس والغش في الأموال الحكومية والتحايل على القوانين والحصول على خدمات غير قانونية والتعقيدات الروتينية وطول فترة اتخاذ القرار وعدم ترشيده..) على أنه أمر متفشٍ في البيروقراطية في بعض الدول النامية، التي أطلق عليها مصطلح " الدول الهشة " ويرى " بايونس " و" فريد أحمد " أن معظم الدول الإسلامية تندرج تحت هذا التصنيف. وهذه الأمراض السياسية والبيروقراطية من شأنها تعويق عمليات التنمية داخل هذه الدول.



ويتميز النموذج الإسلامي للتنمية - فوق ذاتيته المتميزة والمستمدة من تطبيق الشريعة التي أرادها الله للإنسان منهجاً وأسلوب حياة، فإنها تحقق الإشباع المتوازن لحاجات الإنسان المادية والروحية، وكما يقول الباحثان المذكوران إن أي جهد يخلو من إرضاء الجانب الروحي في الإنسان، لا يخلف وراءه إلا الإحساس بالمرارة وعدم الرضا، رغم كل مظاهر التقدم المادي التي يمكن تحقيقها. والنموذج الإسلامي يرفض التطرف بكل أشكاله المادية (الغربية والماركسية) والروحية (الرهينة وإذلال الجسد وعدم التمتع بكل الطيبات والزينة الحلال)، وهذا يعني أن هذا النموذج يركز على توفير بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية قادرة على إشباع مطالب الإنسان المادية والروحية بشكل متوازن. ولعل غياب هذا الأمر هو الذي يفسح المجال للتطرف بكل أشكاله المادية والروحية. وإذا كان علم الاجتماع لم يستطع أن يصبح حتى الآن علماً موضوعياً بعيداً عن الانحيازات الأيدلوجية إلا في أقل القليل وفي بعض المجالات فإن التنمية تتضمن بالضرورة أحكاماً قيمية ومعيارية لأنها تشير إلى إحداث تحولات من حالة غير مرغوب فيها إلى حالة مرغوب فيها. وهنا يصبح على المشتغلين بعلم الاجتماع - من المسلمين - تحقيق نوع من الالتقاء الضروري بين علم الاجتماع الذي يفترض فيه الحيدة العلمية وبين متطلبات الشريعة الإسلامية، خاصة عند صياغة إستراتيجية التنمية وبرامجها وأهدافها. يضاف إلى هذا فإنهم مطالبون بالإسهام في رسم إستراتيجية التغير الاجتماعي وتوجيهه بما لا يتعارض مع المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية. وهم مطالبون ثالثاً بتشخيص المشكلات الاجتماعية في الدول النامية وتفسيرها في ضوء معطيات الإسلام وحقائقه، ورسم سبل مواجهتها بما يتفق أو على الأقل بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وهم مطالبون رابعاً بالإسهام في إرساء الأسس الاجتماعية للدعوة الإسلامية استناداً إلى حقائق الإسلام ومعطيات العلوم الاجتماعية الحديثة فيما يتعلق بديناميات العلاقات الاجتماعية وأسس بناء وتغير القيم والاتجاهات والسلوك، وديناميات ممارسة القوة والتأثير داخل المجتمعات[3].





[1] نبيل السمالوطي، 1418، ص:340.




[2] نبيل السمالوطي، 1418، ص:332.




[3] نبيل السمالوطي، 1418، ص:342).













المصدر...


الساعة الآن 12:32 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM