خطبة: التوازن وسد الفراغ













الشيخ سليمان السلامة




الحمد لله خلق كل شيء بقدر، وأشهد أن لا إله إلا الله ما أمرُه إلا واحدة ًكلمح بالبصر، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى وسلم عليه وعلى آله وصحبه خير صحب ومعشر.







أما بعد:



فيا أيها المسلمون: اتقوا الله واعرفوا قيمة الزمن وما يكون فيه من نعمة الفراغ، ألا وإنه مع زيادة أوقات الفراغ أصبح من الضروري السعي لملئها بما يدفع ويمنع ضرر الفراغ، ألا وإن مما يعين على التعامل الأمثل مع أوقات الفراغ هو التوازن.







نعم التوازن في حياة الإنسان بين حاجاته الروحية والنفسية والجسدية، وعلى هذا ربى الإسلام المسلمين، نجد التوازن في أكثر دعوة يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار".







فالمسلم متوازن في الانتفاع بوقته بين مصالح الدنيا، ومصالح الآخرة، فيشغل جزءًا من وقته بطلب حسنة الدنيا من رزق هنيء حلال، واستجمام وسير في الأرض، ورياضة أبدان، وجلوس مع الخلان والأصحاب من ذوي الألباب. كما يشغل جزءًا من وقته بطلب حسنة الآخرة من صلوات وأعمال صالحات وعبادات وقربات.







التوازن هو ما ربى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم صحابته الكرام رضوان الله عليهم حيث قال: "إنَّ لجسدك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزورك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا"؛ رواه البخاري.







إخوة الإيمان رعاكم الرحمن:



كان جيل الصحابة رضي الله عنهم جيلًا فذًّا، ومضرب مثل في التوازن في تعاملهم مع الوقت، كانوا يروّحون عن أنفسهم بالمزاح والمرح، ولا يقصّرون في حق الله تعالى، كانوا يتبادحون بالبطيخ – يترامون بقشر البطيخ - فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال.







وقال علي رضي الله عنه: "أجموا هذه القلوب، فإنها تمل كما تمل الأبدان".







يا مسلم يا عبدالله:



التوازن بين الاحتياجات الروحية والجسدية والنفسية يحافظ على عدم التعدي على أوقات الواجبات الشرعية، فلا يهمل صلاةٌ ولا يفرط في واجب، ولله درّ رجال مدحهم ربنا بقوله: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37].







وربنا يوجهنا للتوازن بين مطالب الدنيا و مطالب الآخرة، تأملوا قول الله تعالى وتقدس: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].







عباد الله قلتُ ما سمعتموه، وأستغفر الله فاستغفروه.







الخطبة الثانية







الحمد لله كما ينبغي لجلال وجه ربنا وعظيم سلطانه... أما بعد:



فمن لم يحسن التوازن في التعامل مع الأوقات فسوف يجلب على نفسه السآمة والملل.







ليس من العدل مع النفس أن تمضي الأوقات بمجالس فارغة، وليس من العدل مع النفس أن تمر الساعات الطوال، والعين لم تنفك عن النظر للجوال، وليس من العدل مع النفس أن تهتم برياضة البدن وتهمل رياضة الروح، وليس من العدل مع النفس أن تجد الوقت للجلوس مع الأصدقاء ولا تجد الوقت للجلوس مع الوالدين، وليس من العدل مع النفس أن تقرأ كمًّا كبيرًا من رسائل الواتس وتتابع حسابات كثيرة في تويتر، ولا تجد الوقت لقراءة القرآن الكريم، ليس من العدل مع النفس أن تجد الوقت للجلوس لساعات طويلة في الاستراحة، ولا تجد الوقت للجلوس في المسجد في بيت من بيوت الله.







يا مسلم يا عبدالله رعاك الله:



احذر من الفرح بالدنيا ونسيان الآخرة، فقد ذمّ الله الكفار الذين هذا شأنهم، فرحوا بالدنيا فرحًا أوجب لهم أن يطمئنوا بها ويغفلوا عن الآخرة قال تعالى: ﴿ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴾ [الرعد: 26].







يا مسلم يا عبدالله:



حتى تستثمر أوقات فراغك، كن متوازنًا في عباداتك، في زياراتك، في سفرك وترحالك، في تعاملك مع برامج التواصل في جوالك، في رياضتك، في سعيك بتجارتك، في أداء حق أسرتك، وحق أصدقائك.







والله هو الموفق والمستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.








اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها...