شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   الموسوعة الضخمة المتنوعة ------------الحج و العمرة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=299)
-   -   فضيلة عشر ذي الحجة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=245987)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 03-01-2016 11:21 AM

فضيلة عشر ذي الحجة
 
فضيلة عشر ذي الحجة


الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق









الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، والقائمين بالقسط من الناس، أما بعد:

إن تعظيم ما عظمه الله تعالى، وتفضيل ما فضله رب السموات والأرض هو دأب الصالحين من الخلق، ذلك التعظيم الذي هو من تقوى القلوب قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].



قال القرطبي - رحمه الله -: (الشعائر جمع شعيرة وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم، ومنه شعار القوم في الحرب أي: علامتهم التي يتعارفون بها، ومنه إشعار البدنة وهو الطعن في جانبها الأيمن حتى يسيل الدم، فيكون علامة فهي تسمى شعيرة بمعنى المشعورة فشعائر الله أعلام دينه لا سيما ما يتعلق بالمناسك) [تفسير القرطبي: 12/ 56].



قال ابن سعدي - رحمه الله -: (فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه؛ لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله) [تفسير السعدي: 538].



ومن نافلة القول أن نقول: أن ذلك التعظيم والتشريف لابد أن يكون مقيداً بقيد الشرع، بالإتباع لا بالابتداع.



أحبتي: لقد اصطفى الله سبحانه: (صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلاً، ومن الناس رسلاً، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان، والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله، فإنما تعظيم الأمور بما عظمها الله به، عند أهل الفهم وأهل العقل) [تفسير ابن كثير: 2/ 356].



وهذه الصفايا ومواسم الخير، لمن أفضل ما يسعى العبد لاغتنامها بمزيد طاعة وعبادة وعمل صالح، عسى أن يوفق العبد إلى أن يصاب بنفحة من نفحات الخالق جل وعلا فيأمن من لفحات النار ولهيبها.



يقول ابن رجب - رحمه الله -: (ما من هذه المواسم الفاضلة، موسم إلا ولله تعالى فيه وظيفة من وظائف طاعته، يُتَقَرَّبُ بها إليه، ولله فيه لطيفة من لطائف نفحاته، يصيب بها من يشاء بفضله ورحمته عليه، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه، بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار، وما فيها من اللفحات) [لطائف المعارف: 6].



وها قد أقبل موسم خير، وأيام معظمة مشرفة، هي محل إجماع بين أهل العلم على فضلها وشرفها حتى أن البعض منهم قد أفردها بكتاب ومصنف أذكر منهم: الإمام الحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني وسماه [فضل عشر ذي الحجة]، وكذلك الحافظ محمد بن ناصر الدمشقي وسماه: [فضل عشر ذي الحجة ويوم عرفة وإذا وافق يوم جمعة].



قال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - على هذه الأيام العشر: (لما كان الله - سبحانه وتعالى - قد وضع في نفوس المؤمنين حنيناً إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادر على مشاهدته في كل عام، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركاً بين السائرين والقاعدين، فمن عجز عن الحج في عام قدر في العشر على عمل يعمله في بيته يكون أفضل من الجهاد الذي هو أفضل من الحج).



إنها الأيام العشر من ذي الحجة، التي - كما سنرى - قد تضافرت الأدلة وتعاضدت على شرفها ومزيد فضلها وكونها من مواسم الخير ذات المزية والفضيلة، التي لا بد أن يغتنمها الإنسان ويخصها بمزيد عبادة وعمل صالح.



إن شهر ذي الحجة هو الشهر الثاني من الأشهر الحرم حسب الترتيب النبوي، وهو الشهر الثالث من أشهر الحج، كما تختم به السنة القمرية فهو الشهر الثاني عشر منها.



ويقال: (الحجة) بكسر الحاء وفتحها، قال ابن كثير - رحمه الله -: ([الحجة] بكسر الحاء، قلت: وفتحها، سمي بذلك لإقامتهم الحج فيه) ويجمع على (ذوات الحج) [تفسير ابن كثير: 2/ 355].



وبه تسمى السنة كلها فيقال مثلاً: تسع حجج، وعشر حجج، وتسعون حجة وهكذا.



والكلام في فضل عشر ذي الحجة يتناول، فضلها في نفسها، وفضل العمل فيها، حيث قد دلت الأدلة - كما سيأتي -: (على أن العمل في أيامه - ذي الحجة - أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها، وإذا كان أحب إلى الله هو أفضل عنده) [ابن رجب: لطائف المعرف: 276].



وهذا العشر قد امتازت عن غيرها من الأيام وشُرفت عليها لاجتماع أمهات العبادة فيها يقول ابن حجر - رحمه الله -: (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي: (الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج) ولا يتأتى ذلك في غيره، وعلى هذا هل يختص الفضل بالحاج أو يعم المقيم؟ فيه احتمال) [فتح الباري: 2/ 460].



وهذه الأيام المباركة يظهر فضلها من جهتين:

الأولى: كونها داخلة ومتعلقة بغيرها من مواسم الخير والفضل أعني: (الأشهر الحرم، وأشهر الحج) فهي من أشهر الحج، ومن الأشهر الحرم أيضاً، لهذا فالأدلة الدالة على أحكام وخصائص وفضائل أشهر الحج والأشهر الحرم تتناول الأيام العشر من ذي الحجة من باب أولى.



الثاني: خاص بها وخاصة بعض أيامها وأعني: (يوم عرفة، ويوم النحر).



ولا بأس بأن نتكلم ولو بشكل مجمل عن تعلق هذه الأيام بغيرها من مواسم الخير لنعلم ما لهذه الأيام من فضل وتشريف مع التطرق لبعض أحكامها الفقهية.



وأبدأ بالأشهر الحرم، فما هي الأشهر الحرم: المراد الأشهر الحرم هي التي ورد ذكرها في قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ [التوبة: 36].



وهن: (رجب مضر، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم).

وهذا التحديد تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.



فعن أبي بكرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان " [البخاري].



وروي مثل ذلك عن أبي هريرة وقتادة، وهو أيضا قول عامة أهل التأويل.



وباستعراضنا لبعض فضائل الأشهر الحرم نعلم ما لهذه الأيام من فضيلة ومزية:

إن الأشهر الحرم قد فضلها الله على سائر شهور العام، وشرفهن على سائر الشهور فخص الذنب فيهن بالتعظيم، كما خصهن بالتشريف، وذلك نظير قوله تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ [البقرة: 238] قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: (خص الله من شهور العام أربعة أشهر فجعلهن حرماً، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن والعمل الصالح والأجر أعظم).



وعن قتادة: (الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها وإن كان الظلم في كل حال عظيماً، ولكن الله يعظم من أمره ما شاء).



قال قتادة: (فعظموا ما عظم الله، فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم وأهل العقل).



ومما تختص به الأشهر الحرم من أحكام ويدخل فيه الأيام العشر من ذي الحجة تبعاً:

1 - حرمت القتال فيها: كان القتال في الأشهر الحرم محرما في الجاهلية قبل الإسلام، فكانت الجاهلية تعظمهن وتحرم القتال فيهن، حتى لو لقي الرجل منهم فيهن قاتل أبيه أو أخيه تركه.



وقد توارثته العرب منهما فكانوا يحرمون القتال فيها، ثم جاء الإسلام يؤيد حرمة القتال في الأشهر الحرم بقوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: 217].



ثم هل نسخ القتال في الأشهر الحرم؟ اختلف أهل التأويل في الآية التي أثبتت حرمة القتال في الأشهر الحرم، وهي قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 217] هل هو منسوخ أم ثابت الحكم؟



فقال بعضهم: إن ذلك حكم ثابت، لا يحل القتال لأحد في الأشهر الحرم؛ لأن الله جعل القتال فيه كبيراً.



وقال بعضهم: هو منسوخ بقول الله عز وجل: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) ورد ذلك عن الزهري وعطاء بن ميسرة وصوبه الإمام الطبري - رحمهم الله جميعاً - ومن أراد التوسع فليراجع كتب التفسير.



2 - تغليظ الديات فيها: اختلف الفقهاء في تغليظ دية القتل في الأشهر الحرم أو عدم تغليظها، فالشافعية والحنابلة يرون تغليظ الدية للقتل في الأشهر الحرم.



وعند الحنفية والإمام مالك لا تغلظ الدية.

ومن قال بالتغليظ اختلف في صفتها، ومن أراد التفصيل فليرجع كتاب الديات عند أصحاب المذاهب.



ثانياً: أشهر الحج، ما هي أشهر الحج: جمهور الفقهاء على أن أشهر الحج هي: (شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة) لأن قوله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ [البقرة: 197] مقصود به وقت الإحرام بالحج، لأن الحج لا يحتاج إلى أشهر، فدل على أنه أراد به وقت الإحرام.



وقد روي ذلك عن العبادلة الأربعة: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وابن الزبير رضي الله عنهم.



ولأن الحج يفوت بمضي عشر ذي الحجة، ومع بقاء الوقت لا يتحقق الفوات، وهذا يدل على أن المراد من الآية شهران وبعض الثالث لا كله، لأن بعض الشهر يتنزل منزلة كله.



وذهب المالكية إلى أن أشهر الحج هي: شوال وذو القعدة وذو الحجة.



والمالكية - وإن كانوا يقولون إن أشهر الحج هي شوال وذو القعدة وذو الحجة - إلا أن مرادهم بذلك أن وقت الإحرام يبدأ من شوال إلى فجر يوم النحر، أما الإحلال من الحج فيمتد إلى آخر ذي الحجة.



ثمرة الخلاف في تحديد أشهر الحج: ثمرة الخلاف في تحديد أشهر الحج، على ما ذكره ابن رشد، هي جواز تأخير طواف الإفاضة عند المالكية إلى آخر ذي الحجة، فإن أخره إلى المحرم فعليه دم.



وعند الحنفية إن أخره عن أيام النحر كان عليه دم.

أما عند الشافعية والحنابلة فإن آخره غير موقت، بل يبقى ما دام حياً ولا دم عليه.



وبناء على ما تقدم فهذه الأيام - العشر - المباركة تدخل في ما يعرف بالميقات الزماني للإحرام بالحج:

فقد ذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأصحابهم إلى أن وقت الإحرام بالحج: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. وهو مذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم.



وذهب مالك إلى أن وقت الحج شوال وذو القعدة وشهر ذي الحجة إلى آخره. وليس المراد أن جميع هذا الزمن الذي ذكروه وقت لجواز الإحرام، بل المراد أن بعض هذا الزمن وقت لجواز ابتداء الإحرام، وهو من شوال لطلوع فجر يوم النحر وبعضه وقت لجواز التحلل، وهو من فجر يوم النحر لآخر ذي الحجة.



وعلى هذا فالميقات الزماني بالنسبة للإحرام متفق عليه، إنما مرتب على مذهب المالكية جواز تأخير الإحلال إلى آخر ذي الحجة.



والأصل للفريقين قوله تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197] فالجمهور فسروا الآية بأن المراد شهران وبعض الثالث. واستدلوا بالآثار عن الصحابة.



كما يدل لهم أن أركان الحج تؤدى خلال تلك الفترة.



وأما المالكية فدليلهم واضح، وهو ظاهر الآية ; لأنها عبرت بالجمع " أشهر " وأقل الجمع ثلاث، فلا بد من دخول ذي الحجة بكماله.



ثم اختلف الجمهور في نهار يوم النحر هل هو من أشهر الحج أو لا؟.

فقال الحنفية والحنابلة: هو من أشهر الحج.



وقال الشافعية: آخر أشهر الحج ليلة يوم النحر. وهو مروي عن أبي يوسف. وفي وجه عند الشافعية في ليلة النحر أنها ليست من أشهر الحج.



والأول هو الصحيح المشهور. ومن أراد التوسع في ذلك فعليه بكتاب الحج في كتب أصحاب المذاهب الفقهية.



علاقة أشهر الحج بالأشهر الحرم: تبين لنا مما تقدم أن أشهر الحرم هي: (رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم).



وعلى ذلك فأشهر الحج تشترك مع الأشهر الحرم في ذي القعدة وعشر من ذي الحجة، أما شوال فهو من أشهر الحج فقط، ورجب وبقية ذي الحجة من الأشهر الحرم فقط.



وتحديد أشهر الحج مقصود به أن الإحرام بالحج يتم في هذا الوقت، ولذلك يرى الحنفية والمالكية والحنابلة كراهة الإحرام بالحج في غير هذا الوقت، والمراد عند الحنفية بالكراهة كراهة التحريم، وبذلك صرح القهستاني.



أما الشافعية فلا ينعقد عندهم الإحرام بالحج في غير هذا الوقت، وإنما ينعقد عمرة لأن الحج عبادة مؤقتة، فإذا عقدها في غير وقتها انعقد غيرها من جنسها، كصلاة الظهر إذا أحرم بها قبل الزوال فإنه ينعقد إحرامه بالنفل.
يتبع









المصدر...


الساعة الآن 10:37 AM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM