شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   تفريغ المحاضرات و الدروس و الخطب ---------- مكتوبة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=350)
-   -   التحذير من عقوق الوالدين (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=244533)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 02-27-2016 01:12 PM

التحذير من عقوق الوالدين
 
التحذير من عقوق الوالدين


الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم







الحمد لله الذي جعل رضا الوالدين سببًا في دخول الجنَّة، وحذَّر من عقوقهما، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في عبادته وأحكامه، أكَّد القيامَ بحق الوالدين بعد حقه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أوصانا ببرِّهما والدعاء لهما، والاستغفار لهما بعد موتهما، وصِلة الرَّحِم التي لا تُوصَل إلا بهما، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهديهم وسلَّم تسليمًا كثيرًا.



أما بعد:

فأيها المسلمون، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن مِن تقواه بِرَّ الوالدين وطاعتَهما، ومعنى الطاعة: الإحسان لهما، والقيام بحقوقهما، وشُكْرهما، واجتناب كلِّ ما فيه إساءة لهما، وعقوق الوالدين هو: إهمال حقوقهما، والخروج عن طاعتهما، وفِعْل ما لا يُرضيهما ويؤذيهما لو بكلمة مرة، أو نظرة شزرة؛ لأن النظر إليهما بعَطْف وشَفَقة يُعَد طاعة لله تعالى يُثاب عليها الولد؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبِّئكم بأكبر الكبائر؟)) ثلاثًا، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين))، وكان متكئًا فجلس، فقال: ((ألا وقول الزور، وشهادة الزور))، وما زال يُكرِّرها حتى قلنا: ليته سكَت.



ومن أنواع البِرِّ بعد موت الوالدين: الدعاء لهما، وصِلة الرحم التي لا تُوصَل إلا بهما، وفي الحديث الشريف: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل بقي من بِرِّ أبويَّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال: ((نَعَم، الصلاة عليهما - أي: الدعاء لهما - والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرَّحِم التي لا تُوصَل إلا بهما، وإكرام صديقهما))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو عِلْم يُنتَفع به، أو وَلَد صالح يدعو له)).



واعلموا أيها المسلمون أن من أبر البِرِّ صِلةَ الرجل أهلَ وُدِّ أبيه.



وخذ أخي المسلم أروع مَثلٍ في الطاعة والامتثال لأمر الوالد المترتَّب على أمر الله تعالى، قال تعالى في إبراهيم ثم في ولده إسماعيل - عليهما السلام -: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 101، 102]، فلما أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بذَبْح ولده، أحبَّ أن يعرف من ابنه الطاعة والامتثال، فأخبَره الخبر، وسأله عن رأيه في الأمر، فكانت الطاعة التامة، والاستجابة السريعة لأمر الله تعالى.



فليَعتبر بهذا الأولاد الذين يأمرهم آباؤهم بأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يأتمرون، ويَنهونهم عما نهى الله تعالى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا ينتهون، وخذ مثلاً آخَر في البِرِّ: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((انطلق ثلاثةُ نفرٍ ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيتُ إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدَّت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا يُنجيكم من الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أَغْبِق - أي: أُقدِّم في الشرب - قَبْلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي طلبُ الشجر يومًا، فلم أُرِحْ عليهما - أي: لم أرجع إليهما - حتى ناما، فحلبتُ لهما غبوقَهما، فوجدتهما نائمين، فكرهتُ أن أُوقِظهما، وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت والقدح على يدي أنتظِر استيقاظهما حتى برق الفجر - أي: ظهر ضوءه - والصِّبيةُ يتضاغَون - أي: يَصيحون من الجوع - عند قدميَّ، فاستيقَظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك، ففرِّج عنا ما نحن فيه من الصخرة، فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج منه...)) الحديثَ، ودعا الآخران بصالح أعمالهما، فانفرجت عنهم الصخرة فخرجوا، وقال الله تعالى في حُسْن تَلطُّف الأبناء مع الآباء: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾ [مريم: 41 - 47].



دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أباه إلى الإيمان فأبى، فما زاد إبراهيم عليه السلام أن تلطَّف به ووعده بالاستغفار له، وفي هذا أدبٌ قرآني رفيع نُقدِّمه للأبناء؛ ليأخذوا به في دعوة الآباء إلى الخير وفي أمرهم بالمعروف والنهي عن المُنكَر، وقال تعالى في قصة موسى والخضر عليهما السلام: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ [الكهف: 82]، وفي هذا دليل واضح على أن الله تعالى يحفظ الرجلَ الصالح في نفسه وولده وولد ولده: ﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾ [الأعراف: 196].



فاتقوا الله أيها المسلمون، وعليكم بطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80]، ويأيها الأولاد، اتقوا الله تعالى في آبائكم وأمهاتكم؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أصبح مرضيًا لأبويه، فتح الله له بابين من الجنة، يدخل من أيهما شاء))، قالوا: "يا رسول الله، وإن ظلماه؟ قال: ((وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه، ومن أصبح مُسخِطًا لأبويه، فتح الله له بابين من النار يدخل من أيهما شاء))، قالوا: يا رسول الله، وإن ظلماه؟ قال: ((وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه)).



أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].



بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.









المصدر...


الساعة الآن 10:32 AM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM