شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   منتدى الفقه (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=447)
-   -   (10)قاعدة في سبب الجريمة فقد الإيمان أو ضعفه هما منبع الإجرام (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=210591)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 10-07-2015 04:29 PM

(10)قاعدة في سبب الجريمة فقد الإيمان أو ضعفه هما منبع الإجرام
 

المبحث الثالث: فقد الإيمان أو ضعفه هما منبع الإجرام

إذا كان الإيمان بأصوله وفروعه، هو الدافع إلى فعل الخيرات وترك المنكرات، وهو الأساس في الوقاية من الإجرام كما سبق؛ فإن الكفر هو منبع الجرائم وأصلها، وكل جريمة تحدث هي فرع من فروع الكفر.

ولهذا كان المؤمنون والكافرون في صراع دائم.. المؤمنون يدعون إلى الحق، ويقاتلون من أجل إرسائه في الأرض.. والكافرون يدعون إلى الباطل، ويقاتلون لتثبيته والصد عن الحق..كما قال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}.[النساء 76]

والذي يقاتل في سبيل الشيطان، إنما يريد أن يكره الناس على طاعة الشيطان، والشيطان إنما يأمر بالمعاصي والفساد في الأرض وإضلال الخلق، وبث العداوة والبغضاء بينهم باعتداء بعضهم على بعض.. كما قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.[البقرة 268]

وقال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}[المائدة 91]. وقال تعالى ناهياً المؤمنين عن اتباع خطوات الشيطان، في سياق قصة جريمة الإفك، وهى من الجرائم العظيمة التي تنتهك بها الأعراض، ويرمى بها الأبرياء، وتفرق بها الأسر.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ..}[النور 21].

والكفر أعظم إجرام المجرمين، و هو سبب محاربة الأنبياء، والوقوف ضد الإصلاح في الأرض، وهو سبب اختلال الموازين والقيم التي تجعل الحق باطلاً والباطل حقاً، وجَعْلَ دعاة الحق
الهداة ضلالاً وإرهابيين، وأهل الضلال والفساد معتدلين ومصلحين..

كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[الأعراف 59-60]. وقال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}[الأعراف 65-66 ].

وقال تعالى عن كفار قريش - وقد تآمروا على تنفيذ جريمة القتل في رسول الله صلى الله عليه وسلم -: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}[الأنفال 30]. ترصد وسبق إصرار على جريمة سجنٍ، أو قتل، أوإخراج أعظم الرسل وخاتمهم محمد صَلى الله عليه وسلم، وسبب ذلك الكفر: {يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا}.

وقال تعالى مبيناً أن أهل الكفر لا يمتنعون عن الإيمان بالرسل فحسب، وإنما يسعون لإعادة أنبياء الله ورسله إلى الارتداد عن دينهم.. {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} [ إبراهيم 13]. وعيد بجريمة الإكراه على تغيير الإيمان بالله تعالى، إلى الإيمان بالكفر الذي هو سبب الجريمة، أو إخراج من أرسله الله لإخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، وسبب الجريمة الكفر: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ... أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا }

ولقد حمل الكفر بني إسرائيل على ارتكاب جريمة قتل أنبيائهم الذين بعثهم الله لهدايتهم.. كما قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [البقرة 87]. ولا زال اليهود إلى الآن يفسدون في الأرض بجرائمهم الكثير، منها جريمة اغتصاب أتباع الرسل، وقتلهم وإخراجهم من أرضهم، وتدنيس مقدساتهم، وسبب تلك الجرائم وغيره هو كفرهم بالرسل، وبخاصة خاتمهم محمد صَلى الله عليه وسلم.

والكفر هو الذي حمل قوم نبي الله صالح عَليه السلام، على ارتكاب قتل آية الله التي أرسلها للدلالة على ضلالهم وهى الناقة.. كما قال تعالى: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}. [ألأعراف 75-77] أي بسبب كفرهم وعدم إيمانهم.

وإجرام الكافر القوي أشد من إجرام الكافر الضعيف؛ لأن القوي قادر على تنفيذ ما يريد، فهو راغب في الإجرام بسبب كفره.. قادر على التنفيذ بسبب قوته..كما فعل فرعون الكبير، وكما يفعل الفراعنة الذين جاؤوا بعد مقتفين أثره، في الاعتداء على الشعوب واستعباد المستضعفين وتفريق شمل الأمم، وإبادة أبنائها.. كما قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}.[القصص 40]
وأعظم الإجرام هو استبعاد الناس واسترقاقهم والحجر على عقولهم وقلوب من يصدونهم بالقوة عن الإيمان الحق الذي تقوم عليه الحجج والبراهين حتى يصبح يقيناً لا ينتابه شك، فإذا آمن به ذوو العقول السليمة أنكروا عليهم وهددوهم بألوان النكال والتعذيب؛ ليكرهوهم على الكفر بعد أن هُدُوا للإيمان..

كما قال تعالى عن فرعون الذي كفر به سحرته - على رغم جبروته وقوته - وآمنوا بموسى لقوة حجته وصحة دعوته.. {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ ءَامَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[طه 75-77].

والعالم يشهد اليوم من فاق فرعون في العدوان والإجرام؛ لأن عدوان فرعون كان قاصراً على رعايا دولته الذين يعيشون داخل حدودها، بدليل أن موسى علَيه السلام عندما ائتمروا به ليقتلوه، لجأ إلى الرجل الصالح في مدين، فقال له عندما علم خبره: {لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} بخلاف فراعنة العصر -وبخاصة الأمريكان وحلفاءهم- فإن عدوانهم يشمل العالم كله، بسبب ما مكنهم الله فيه من القوة المادية التي سيطروا بها على الشعوب براً وبحراً وجواً، فهم بذلك أشد إجراماً من فرعون.

وجريمة العدوان على الأمم والشعوب، أشد من جرائم الأفراد المذكورة، وإذا كان الله تعالى قد شرع عقوبات جرائم الأفراد في الحدود والتعازير، فقد شرع في جرائم عدوان الدول على الشعوب، الجهاد في سبيل الله..

ولا عقوبة مجدية في دفع عدوانهم والقضاء على جرائمهم غير الجهاد الذي يجب على الأمة الإسلامية أن تعد له العدة، كما أمرها الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}.[الأنفال 60]

والبغي والعدوان صفتان طبيعيتان للكافر، ولا يخلو منهما ضعيف الإيمان، ولا ينجو منها إلا المؤمن إيماناً صادقاً، كما قال تعالى: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ}. [ص 24]

قال القرطبي، رحمه الله: {لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} يتعدى ويظلم.. {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فإنهم لا يظلمون أحدا.. {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} يعنى الصالحين [الجامع لأحكام القرآن (15/179).]. فاستثناء المؤمنين العاملين الصالحات من الناس الذين يبغي بعضهم على بعض، ووصف هؤلاء المستثنين بالقلة يدل على ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أن الكفر هو أساس البغي والعدوان.

الأمر الثاني: أن ضعف الإيمان من أسباب البغي والعدوان.

الأمر الثالث: أن الإيمان القوي الصادق الذي يثمر الأعمال الصالحة، هو السبب في الطاعة والخير واجتناب الفساد والبغي والإجرام في الأرض.



المصدر...


الساعة الآن 02:44 AM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM