شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   تفريغ المحاضرات و الدروس و الخطب ---------- مكتوبة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=350)
-   -   التحذير من الاغترار بزينة الدنيا (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=246006)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 03-01-2016 11:21 AM

التحذير من الاغترار بزينة الدنيا
 
التحذير من الاغترار بزينة الدنيا
الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم





الحمد لله الذي جعل الدنيا دارَ فناء، والآخرةَ دار بقاء، وأشهد أن لا إله إلا الله، حذَّرنا أن نغترَّ بالدنيا ومفاتِنها، فهي سوق قام ثم انفضَّ، ربِح فيه مَن ربح، وخسِر فيه من خسر، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، لم تفتنه الدنيا بزخارفها وزينتها، ولم يَستجِب إلى ندائها وتغريرها، بل أخذ منها بقدر ما أراد الله تعالى له أن يأخذ، وعمِل لآخرته أكثرَ مما عمِل لدنياه، وخاطبه ربه قائلاً: ﴿ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾ [الضحى: 4]، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، الذين أداروا ظهورَهم لمفاتن الحياة ولهوها وزينتها وتَفاخُرها: ﴿ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ [البينة: 8].

أما بعد:
فيا أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى؛ فإن خير ما يتزوَّد به المرءُ التقوى، ومن العمل بما يحب الرب ويرضى، فإن هذا أمر الله تعالى لأُولي النُّهى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].

ويجعل الله - عز وجل - لهذه التقوى ثمرة ونتيجة دنيا وأخرى، يجعل الله سبحانه وتعالى لأهلها فُرقانًا، ويَستُر ذنوبَهم وعيوبهم وعوْراتهم، ويؤمِّن روعاتهم، يغفر الله - جل وعلا - لهم الذنوبَ، ويمحو الله تعالى عنهم الآثام، ويمنحهم الخيراتِ العِظام: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29]، ومتى اتقى العبدُ ربَّه، جعل الله تعالى له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ومن كل بلاء عافية، ومن كل اختبار نجاحًا وفوزًا وفلاحًا: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، فالعبد فقير إلى ربه محتاج إليه، وإلى مدِّه بالعون من عنده في أمر دينه ودنياه: ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص: 24]، ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]، ولكن ما يمنح الله تعالى عبيدَه مما هو محبوب في النفوس، ومرغوب فيه؛ من مال وبنين، وأنهار وبساتين، ومنازل طيبة للساكنين، هي ابتلاء وامتحان، وفتنة واختبار، أيشكر عبده أم يَكفُر؟ ﴿ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40]، وفيه تمحيص لاتجاه العبد، أيغترُّ بهذا النعيم الزائل الفاني، فيرغب فيه ويَركَن إليه عن النعيم الثابت الباقي؟ ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46]، فالمال والبنون زينة للنفوس، ومحسنة في الجِبلَّة، وهواية لكل ميول إلا ما شاء الله، فهذه الآية الكريمة تُقرِّر أن القيم ليست في الحقيقة هي المال، وليست هي الجاه، وليست هي السلطان، وليست هي اللذات والمُتُع في هذه الحياة الدنيا، إذًا هي غير باقية، ولا محالة زائلة.

والإسلام لا يمنع الطيبات أكلاً واستعمالاً، وزينة وجمالاً: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 32]، ولكنه لا يجعل منها غاية لحياة الإنسان، ومحطَّ أنظاره، وموقع آماله، ومنتهى مرامه، فمَن شاء أن يتمتَّع بها فليتمتَّع، ولكن ليَذكُر الله تعالى الذي أنعم عليه بها، وليشكره على النعمة بالعمل الصالح، فالباقيات الصالحات خير وأبقى.

أيها المسلمون:
كثيرًا ما نرى المال على أصحابه وبالاً يَجُر لهم الويلات، ويكون عليهم خبالاً، وعن آخرتهم ملهيًا وشاغلاً؛ فهم له راغبون، وبه يفتخرون، ولآخرتهم كارهون، والعبد لا يخلو من محبة إحدى الدارين: دار الدنيا، ودار الآخرة، فهو يَعمُر أحبَّهما إليه، قيل لبعض العلماء: ما لنا نَكْره الآخرةَ، والسلفَ الصالح يُحبُّون الإقدامَ عليها؟! فقال - رحمه الله -: لأنهم عمَّروها ومَن عمَّر شيئًا أحبَّ الإقدام إليه، وأنتم عمَّرتم الدنيا وقصَّرتم في الآخرة، فأحببتم البقاءَ فيما عمَّرتم، وكَرِهتم الإقدامَ على ما قصَّرتم، فالدنيا سريعةُ الانقضاء والانقراض، مُشرِفة على الزوال والبَوار، وكل ما كان من زينة الدنيا فهو سريع الانقضاء والزوال، والمال والبنون من زينتها، وما كان كذلك فإنه يَقبُح بالعاقل أن يفتخر به، وأن يفرح بسببه، أو يقيم له في نظره وزنًا، أو يجعله أكبرَ همه وغاية أمله؛ فإن هذا من شأن المشركين والكفار والمنافقين وضعفاء الإيمان، فهم الذين يفتخرون بمظاهر الدنيا وزخرفها على الفقراء، وعلى أهل الإيمان والتقوى، الذين جعلوا همتهم فيما يبقى، وقنَعوا بكفايتهم مما يفنى، وما درى المغترون بالدنيا أن كل ذلك متاع الحياة الدنيا، والآخرة عند ربك للمتقين، ولغفلتهم عن الآخرة صوَّبوا أنظارَهم إلى المظاهر الدنيوية وركَّزوا عليها؛ لأنها غاية أملهم، وقُصارى مرامهم، قال تعالى: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7].

أيها المسلمون:
حذار أن نغترَّ بالمظاهر الزائفة البراقة الخداعة، كما اغترَّ بها من جهِلوا قدرة الله، وظنوا أنهم لا يُعذَّبون على ذلك، حتى قالوا: ﴿ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ [سبأ: 35 - 37]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن: 15]؛ أي: الإقبال عليه والتفرُّغ لعبادته خير لكم من اشتغالكم بهم، والجمع لهم، والشفقة المفرِطة عليهم؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46]، قال ابن عباس وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف رضي الله عنهم: ﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ﴾: الصلوات الخمس، وقال عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه: ﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ﴾: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا مانع من عموم الآية لجميع ما ذُكِر، وقال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]، قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - على هذه الآية: يخبر الله تعالى أنه زين للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء؛ لأن الفتنة أشد بهن، ذُكِر في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((ما تركتُ بعدي فتنةً أضرَّ على الرجال من النساء))، فأما إذا قصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد، فهذا مطلوب مُرغَّب فيه مندوب إليه، كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج والاستكثار منه، وأن خير هذه الأمة من كان أكثرها نساء، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الدنيا متاعٌ، وخير متاعها المرأة الصالحة))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله تعالى خيرًا له من زوجة صالحة؛ إن نظر إليها سرَّتْه، وإن أمرها أطاعته، وإن أقسم عليها أبرَّته، وإن غاب عنها حفِظته في نفسها وماله))، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: ((حُبِّب إليَّ من دنياكم: النساء والطِّيب، وجُعِلتْ قُرَّة عيني في الصلاة))، وقالت عائشة رضي الله عنها: "لم يكن أَحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء إلا الخيل"، وفي رواية: "من الخيل إلا النساء"، وحب البنين تارة يكون للتفاخر والزينة؛ فهو داخل في هذا، وتارة يكون لتكثير النسل، وتكثير أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم، ممن يعبد الله وحده لا شريك له، فهذا محمود ممدوح؛ كما ثبت في الحديث: ((تزوَّجوا الودود الولود؛ فإني مُكاثِر بكم الأمم يوم القيامة))، وحبُّ المال كذلك، تارة للفخر والخيلاء، والتكبُّر على الضعفاء، والتجبر على الفقراء، فهذا مذموم، وتارة يكون للانتفاع به، والنفقة في القُربى وصِلة الأرحام والقربات، ووجوه البِرِّ والطاعات، فهذا ممدوح محمود شرعًا، فاتقوا الله عباد الله، وإياكم والاغترارَ بزينة الحياة الدنيا، وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.







المصدر...


الساعة الآن 08:33 AM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM