شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   تفريغ المحاضرات و الدروس و الخطب ---------- مكتوبة (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=350)
-   -   منهجية إبراهيم عليه السلام في الدعوة إلى الله (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=262989)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 04-01-2016 12:27 PM

منهجية إبراهيم عليه السلام في الدعوة إلى الله
 
منهجية إبراهيم عليه السلام في الدعوة إلى الله
الرهواني محمد





دعوة إبراهيم لقومه عبدة الأصنام



الخطبة الأولى

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، نحمده حمداً لا يحدّ، ونشكره شكراً لا يعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله هدى ورحمة للعالمين، فاللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن جد في متابعته واجتهد.

من الصفات التي أثبتها الله ربنا سبحانه لنبيه إبراهيم عليه السلام، نضوج العقل والرشد والحكمة وصفاء وسلامة القلب، فقال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 51].

فمع الدرس الثالث من قصة إبراهيم "منهجية إبراهيم في الدعوة إلى الله"....

بعد إقامة الحجة على أبيه وعبدة النجوم والكواكب، يعود إبراهيم ليقيم الحجة على عبدة الأصنام، ومن ألهمه الحجة في الأولى والثانية يلهمه الحجة في كل مرة، ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام: 83].

إبراهيم عليه السلام، أراد أن يوقف قومه على صدق دعوته وحقيقتها علّهم يتوبون إلى رشدهم ويرجعون عن غيّهم، فدعاهم عليه السلام إلى عبادة الله وحده وتركِ عبادة الأوثان التي لا تنفع ولا تضر، قال تعالى ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 16، 17].

فإبراهيم عليه السلام أراد أن يحرر قومه من عبادة الأصنام، ويخلصهم من الخرافات والأساطير، فسلك في إقناع قومه مسلك المساءلة عن جدوى أصنامهم، هل تنفع أو تضر، هل تسمع فتجيب، فما وجد إلا التبعية العمياء كما قال تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء: 69 - 74].

﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ﴾، ﴿ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ وهذا استفهام للتوبيخ، كما وبخهم بقوله ﴿ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 87] إذا عبدتم غيره، هل تظنونه ناقصا لا يستحق أن يعبد وحده، أو غافلا عن عملكم فيدعكم بدون عقوبة، أو أنه يرضى بأن يعبد معه غيره؟!..

أي شيء ظننتم بهذا الرب الذي له الأولى والآخرة؟ له الحمد كله، الذي خلق السموات والأرض وما فيهن ومن فيهن؟ فهو الخالق لا خالق سواه، هو المالك لا مالك سواه، هو المدبر جل وعلا لهذا الكون، فما من حركة ولا سكون إلا بأمره جل وعلا، هو سبحانه وبحمده الأول الذي ليس قبله شيء، وهو جل وعلا الآخر الذي ليس بعده شيء، وهو سبحانه وبحمده الظاهر الذي ليس فوقه شيء، الباطن الذي ليس دونه شيء..

ما ظنكم بهذا الرب الذي هذه بعض من صفاته؟ فكيف تعظمون غيره، وتصرفون العبادة لسواه، وهو جل وعلا قد أمركم بعبادته، وفطركم على ألا تعبدوا سواه، بل أخذ الميثاق عليكم وأنتم في ظهور آبائكم ألا تعبدوا إلا إياه جل وعلا؟

فظنكم هذا ظن خاطئ، وهذا من جهلكم وسخافة عقولكم..

ما ظنكم بهذا الرب العظيم الكريم حتى عصيتم أمره وأعرضتم عن شرعه وخالفتم أوامره؟
﴿ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 87]؟ سؤال يبعث في القلب تعظيم الرب جل جلاله وينبه العبد إلى عظيم قدرته سبحانه.

ما ظنكم برب العالمين؟ سؤالٌ يستوقف كل سامع ليُشْهِدَهُ تقصيره في حق الرب العظيم الكريم

ما ظنكم برب العالمين؟ الذي قال عن حقه وحال عباده مع هذا الحق: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67].

﴿ مَا تَعْبُدُونَ ﴾؟. فأفاضوا في الحديث، وأطالوا في الجواب، معتزين متبجحين بما يعبدون: ﴿ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ﴾ [الشعراء: 71]، كانوا يسمون أصنامهم آلهة، وكانوا لا يملكون إنكارا أنها أصنام نحتتها وعمِلَتها أيديهم من الحجر أو الخشب، ومن تم يعكفون ويدأبون على عبادتها، وهذه قمة السخافة والجهل...

فالعقيدة متى زاغت وانحرفت، لم يفطن أصحابها إلى ما تنحط إليه عبادتُهم وتصوراتُهم بل حياتُهم كلها!.

ويأخذ إبراهيم عليه السلام في إيقاظ قلوبهم الغافية، وتنبيه عقولهم المتبلدة، إلى هذا السخف الذي يزاولونه، وإلى تلك الجهالة التي يتبعونها دون وعي ولا تفكير: ﴿ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ﴾ [الشعراء: 72، 73]، هل يسمعون ويستجيبون لدعائكم، ويفرجون مصائبكم، ويزيلون عنكم كل مكروه؟

لم يجد القوم جوابا، فهم لا يشكون في أن إبراهيم إنما يتهكم من آلهتهم المزيفة ويستنكر عبادتهم لها، فهم لا يملكون حجة لدفع ما يقول، حتى إذا تكلموا، كشفوا عن التحجر الذي يصيب المقلدين بلا وعي ولا تفكير، فالأصنام لا تسمع من توجه إليها بالدعاء، ولا تنفع من عبدها، ولا تضر من كفر بها، لذلك لم يجدوا ردا ولا حجة إلا أن قالوا: ﴿ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء: 74].

إقرار من القوم بأن آلهتهم لا تسمع ولا تبصر ولا تملك ضرا ولا نفعا، اعترفوا بأنهم ما عبدوا هذه الأصنام، إلا اقتداء بأسلافهم واتباعا لآبائهم، فكانوا بذلك بعيدين عن النظر الصحيح والتفكير السليم فقالوا: ﴿ بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ وجدنا آباءنا يفعلون ذلك فتبِعناهم، وسلكنا سبيلهم وحافظنا على عاداتهم.

إنه جواب مخجل، وهو جواب يدل على التحجر العقلي والنفسي داخل قوالب التقليد الميتة، في مقابلِ حريةِ الإيمان وانطلاقه للنظر والتدبر، وتقويم الأشياء والأوضاع بقيمها الحقيقية لا التقليدية... فالإيمان بالله طلاقة وتحرر من القداسات الوهمية التقليدية، والوراثات المتحجرة التي لا تقوم إلا على هذا ﴿ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ﴾ [لقمان: 21]، وقوم إبراهيم قالوا: وجدنا آباءنا لها عابدين! لم يخجلوا أن يقولوا ذلك، فهم يعيشون تحجرا عقليا ونفسيا وبلادة فكرية يحتاجون معها إلى هزة قوية تردهم إلى التفكير والتحرر والانطلاق.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

أمام تحجر العقول وبلادة الأفكار وسخافة المعتقدات، إبراهيم على حلمه وحكمته لم يجد اتجاه قومه إلا أن يهزهم بقوة، ويعلن عداوته للأصنام وللعقيدة الفاسدة التي تسمح بعبادتها لمثل تلك الاعتبارات.

﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ﴾ [الشعراء: 75 - 77].

إبراهيم لم يمنعه أن يفارق بعقيدته أباه وقومه، وأن يجاهر بعدائه لآلهتهم وعقيدتهم هم وآباؤهم، إذ لا مجاملة في العقيدة لوالد ولا لقوم ولا لعشيرة، فالرابطة الأولى هي رابطة العقيدة، والقيمة الأولى هي قيمة الإيمان، وأن ما عداه تبع له يكون حيث يكون، قال ربنا سبحانه ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [التوبة: 23].

﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 77] لماذا هذا الاستثناء؟ لماذا استثنى إبراهيم من عدائه رب العالمين مما يعبدون هم وآباؤهم الأقدمون؟ ومن رب العالمين؟ الجواب، ﴿ إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الشعراء: 77 - 82].

إبراهيم عليه السلام يبين بوضوح صفات الإله الذي ينبغي أن تكون له العبادة.

وهو يبين هذه الصفات، ويسترسل في تصوير صلته به، نستشعر من إبراهيم أنه يعيش بكيانه كله مع ربه، وأنه يتطلع إليه في ثقة، ويتوجه إليه في حب، وأنه يصفه كأنه يراه، ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾، فهو المنفرد بنعمة الخلق، ونعمة الهداية للمصالح الدينية والدنيوية، هو الذي أنشأني من حيث يعلم ولا أعلم، فهو أعلم بماهيتي وتكويني، ووظائفي ومشاعري، وحالي ومآلي، ﴿ فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾ إليه، وإلى الطريق السوي الذي أسلكه، وإلى النهج الصحيح الذي أسير عليه، إنه الاستسلام المطلق في طمأنينة وراحة وثقة ويقين.... فهل فعلت الأصنام وهل تفعل شيئا من هذا؟

فهي الكفالة المباشرة الحانية الراعية، يحسُّ بها إبراهيم في حياته كلها، فالله هو وحده المنفرد بذلك، لذا يجب أن يفرد بالعبادة والطاعة، وتترك الأصنام التي لا تخلق ولا تهدي ولا تشفي ولا تُطعم ولا تسقي ولا تميت ولا تُحيي، ولا تنفع عابديها بكشف الكروب ولا مغفرة الذنوب.

فالرب الذي ينبغي أن يعبد هو الذي خلق الإنسان، والذي إليه يعود أمر هذا الإنسان دون الأصنام، سواء كانت أصناما من حجر يصنعها الإنسان بيده أو كانت أصناما بشرية من سائر أفراد البشر الذين لا يملكون لا حولا ولا قوة، وإن تجبروا على الناس وتسلطوا عليهم.

إبراهيم عليه السلام يجمع في صفة الله رب العالمين عناصر العقيدة الصحيحة: توحيد الله رب العالمين، والإقرار بتصريفه للبشر في أدق شؤون حياتهم، الخلق والهداية والإمداد والموت والحياة والبعث والحساب بعد الموت، وهي العناصر التي ينكرها قومه، وينكرها المشركون في كل زمان.






المصدر...


الساعة الآن 03:39 AM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM