شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   العلوم و التكنولوجيا --- كل جديد ---- في كل المجالات (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=313)
-   -   حل المشكلات بالتركيز على أسبابها دون نتائجها (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=254799)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 03-14-2016 05:03 AM

حل المشكلات بالتركيز على أسبابها دون نتائجها
 
حل المشكلات بالتركيز على أسبابها دون نتائجها
د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي







تعيش الكثير من المجتمعات الإسلامية اليوم جملة من المشكلات المتنوعة، والمتعددة، وهذا أمر ربما طبيعي لأنه لا يخلو أي مجتمع إنساني من وجود مشكلات. ولكن غير الطبيعي، واللافت للنظر، والعجيب في الأمر أن هذه المشكلات قائمة منذ سنوات، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة هذه المجتمعات، مما أدى إلى تفاقمها، وتشعبها، وكانت سبباً رئيساً من أسباب عدم رقي هذه المجتمعات بخاصة، والأمة بعامة.



وهذه المشكلة تظهر بوضوح تام في الكثير من مناحي الحياة: في قضايا ومشكلات التربية والتعليم، والاقتصاد، والسياسة، والاجتماع، والإعلام، والصحة،... إلخ، فلو نظرت مثلاً إلى أوضاع العاملين في القطاع العام، أو نظرت إلى المعلمين، أو المناهج، أو تخطيط المدن، أو المستشفيات لوجدت الكثير من القضايا والمشكلات المزمنة التي لم يتم القضاء عليها رغم توافر كل الإمكانات المادية، والبشرية.



ولاشك أن هناك جهوداً كبيرة تبذل من بعض المجتمعات الإسلامية لحل هذه المشكلات، ولكن في حقيقة الأمر لا تحل غالبتها بالشكل المطلوب من خلال البحث الدقيق في أسبابها الأمر الذي يسبب هدراً كبيراً في الأموال، والأوقات، والجهود، ولا تحقق الأهداف المأمولة لأن الحلول تكون بصفة مؤقتة، ولفترات محدودة لا تلبث أن تعود مرة أخرى، وربما عودتها تكون أقوى من السابق وأخطر، لأنه لم يتم التمكن من الأسباب الرئيسة التي سببت المشكلة.



وحتى نوضح الفكرة لهذا الموضوع نضرب مثالاً عاماً:

فلو أن شخصاً أصيب بمرض معين، وقام بمراجعة الطبيب، ثم قام الطبيب بعمل تشخيص غير دقيق فوصف علاجاً له لم يكن فعالاً بالشكل المطلوب، وعبارة عن مسكنات فقط للمرض، فشفي المرض، أو بدا له أنه شفي، ولكن رواسب المرض مازالت قائمة، فما تلبث أن تعود الفيروسات مرة ثانية، وبصورة أخطر، وبالتالي فإن العلاج السابق أصبح غير مجدياً، الأمر الذي يحتاج إلى تشخيص جديد، وعلاج أقوى من السابق، ومدة أطول حتى يتم التأكد أن هذه الفيروسات تم القضاء عليها بالكلية.



مثال آخر لبعض المشكلات القائمة في الكثير المجتمعات الإسلامية: انتشار الفساد الإداري بين العاملين في الأجهزة العامة، يتم دائماً حله بوضع عقوبات معينة على الجاني فقط، وهذا وحده لا يكفي إذ لابد من معرفة الأسباب الجوهرية وراء ذلك الفساد، وربما يكون من الأسباب: قلة الرواتب، وعدم وجود حوافز، أو يكون بسبب ضعف آليات العمل وجدواها، أو بسبب عدم العناية باختيار العاملين وتأهيلهم تأهيلاً جيداً... إلخ.



إنه لو تم بحث هذه المشكلة من جميع أسبابها لاستطعنا أن نضع أيدينا على الداء الحقيقي، ومن ثم نضع الحلول الملائمة، فنكون فعلاً قضينا على مشكلة الفساد الإداري، أو على الأقل تم التخفيف منه إلى أعلى نسبة ممكنة.



مثال آخر: مشكلات ضعف المعلم، أو القيادات الإدارية في بعض الأجهزة الإدارية العامة، فإذا لم نضع معايير واضحة، ومقننة لاختيارهم، ونقوم بإنشاء معاهد، وكليات متخصصة مزودة بكل وسائل التقنية الحديثة، ويقوم عليها معلمون، وكفاءات بشرية متميزة، فإن الحلول المقدمة لإصلاحهم ستكون ضعيفة، وليست بالمستوى المأمول الذي يكون له الدور البارز في تطوير الأمة ورقيها.



إن قضية البحث في الأسباب الرئيسة لحل المشكلات، أو عمل أي مشروع من القضايا المهمة في التطوير، والتغيير، والرقي بالأمة. والقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وما فيهما من توجيهات كريمة لا تخلو البتة من الإشارة بشكل مباشر، أو غير مباشر إلى كل ما يعين الإنسان، أو المجتمع، أو الأمة على التقدم والرقي.



ولذلك فإن بعض المفسرين، والكتاب، والمفكرين يركزون على قصة العبد الصالح (ذي القرنين) التي حكاها القرآن الكريم، وكيف أنه قام بالبحث الدقيق في معرفة الأسباب الحقيقية لتحقيق أهدافه، فقد استطاع - بتوفيق الله تعالى - أن يفتح مشارق الأرض، ومغاربها، وأن يحقق انتصارات عسكرية عظيمة، ولذلك فهي درس عظيم للبحث الدقيق في معرفة الأسباب، وفي الأخذ بالأسباب للوصول إلى الأهداف المنشودة، وتحقيق النتائج الايجابية المشرفة.



وقصة ذي القرنين كما هو معروف جاءت في سورة الكهف التي وردت توجيهات نبوية شريفة كثيرة بقراءتها في يوم الجمعة، أو ليلتها، ولعل من أسرار تكرار قراءتها بشكل أسبوعي التأكيد على أهمية البحث الدقيق في أسباب المشكلات والقضايا التي دائماً ما تعترض طريق الإنسان، وتعيق التقدم والرقي، والمنافسة مع الأمم المتقدمة، والوصول إلى الحلول المناسبة لذلك.[1]



وهذه القصة العظيمة ذات العبر، والمضامين الجليلة تشير إلى قضية جوهرية، ومهمة للغاية، وهي أن التمكين في الأرض، والاستخلاف فيها لا يتأتى بالعبادة بمفهومها الضيق الذي ربما يتبادر إلى ذهن بعضنا في قول الله تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾.[2]



إن التمكين في الأرض يأتي بالبحث الجاد عن الأسباب، والأخذ بها حسب التوجيه القرآني لذي القرنين، في قوله تعالى: ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا ﴾[3]، وهذا يوضح شمول العمل الصالح، بل ومن لوازمه، وأساسه الأخذ بكل الأسباب الكفيلة بالإصلاح، والتطور، والرقي بالأمة شريطة أن تكون وفق أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه.



ويعلق الشيخ محمد الغزالي - يرحمه الله - على قصة ذي القرنين بأن التمكين في الأرض كان الصفة البارزة في قصة الرجل الذي أراد الله تعالى أن يسوق لنا خبره، وأن يحكى لنا تاريخه، وهنا نرى أن التمكين في الأرض يبدأ نعمة من الله تعالى على من أراد من خلقه، فهو يمهد له ويعينه، ولكن على من يحظى بهذه النعمة أن يبذل قواه، وأن يأخذ بالأسباب، فإنه إن انكمشت يده وانقبضت، ولم يؤت السبب المطلوب منه ضاعت النعمة، ولم تبق له.



ثم قال - يرحمه الله - إن ذا القرنين جاء إلى قوم يشبهون حال الأمة الإسلامية اليوم من التواكل، فلما جاءهم قالوا له شاكين باكين: ﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا ﴾ أي: جائزة ومكافأة ﴿ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴾[4]، لم لا يحسنون بناء سد لهم؟ لأنهم عجزة!! فكان الرجل ذكياً تقياً قال: أنا مستغن عن جوائزكم، ومكافأتكم، وخَرْجكم: ﴿ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ﴾[5]، أي: قام وعمل واجتهد وأخذ بالأسباب، وحقق أعمال، ومشاريع ضخمة للغاية.[6]



وبالنظر والتأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يلحظ قيامه صلى الله عليه وآله وسلم في جميع تصرفاته، وحركاته، وفتوحاته بالاعتماد بعد الله تعالى على جميع الأسباب المتاحة، حيث لم يتواكل ويهمل أي سبب متاح يساعده في الوصول إلى أهدافه، ففي هجرته صلى الله عليه وسلم خرج واعتمد على كل وسائل الإخفاء عن قريش، حتى تحقق له بتوفيق الله تعالى الوصول إلى هدفه.



وكذلك أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر بالأسباب المعينة لتحقيق أهدافه، وفي غزوة أحد لبس درعين، وفي غزوة الأحزاب حفر الخندق، وقد كانت سيرته العطرة تجسيدًا لهذا التوازن الرائع بين الإيمان بالله تعالى، والتوكل عليه، وبين الأخذ بالأسباب المشروعة المتاحة.[7]



منطلقات وأسس مهمة:

إن العناية والاهتمام ببحث الأسباب الجوهرية التي تكمن وراء المشكلات والقضايا القائمة أمر في غاية الأهمية، لأنه يساعد كثيراً بإذن الله تعالى في وضع الأمور في نصابها، وضبطها مما يساعد على تحقيق التقدم والرقي المنشود بإذن الله تعالى، ومن أهم المنطلقات لذلك:

أولاً: الاهتمام والعناية بإعداد القادة الإداريين، وفق النظم الإدارية الحديثة، وإنشاء معاهد متخصصة لهم لتطوير قدراتهم، وتدريبهم على حسن القيادة والتوجيه.



ثانياً: الاهتمام والعناية بدراسة المشكلات القائمة دراسة علمية من قبل متخصصين في حل المشكلات، ومن ثم العمل على وضع الحلول الملائمة.



ثالثاً: تقوية جانب المتابعة والإشراف من الجهات الرقابية المختصة بالإشراف على القطاعات العامة، للتأكد من سلامة قيام كافة العاملين بمسؤولياتهم، ومحاسبة كل من ثبت تقصيره بالعقوبة المناسبة.



رابعاً: الاستفادة من خبرات وتجارب المجتمعات المتقدمة في حل المشكلات المماثلة، مع مراعاة فوارق العوامل المختلفة بين المجتمعات، وفي مقدمتها: الدينية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية.



خامساً: ضرورة تعاون المؤسسات التربوية المختلفة في توجيه الناشئة، والشباب، وكافة أفراد المجتمع، بأن لا يكتفوا بالاعتماد على غيرهم فيما يحتاجونه من شؤون حياتهم، بل عليهم العناية بالجدية، والمثابرة، وتحمل المسؤولية في كل أعمالهم، صغيرها، وكبيرها، حتى يصبحوا مجتمعاً، وأمة لها كيانها، ولها مكانتها.





[1] ( الشحود، الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل، ج 9 ، ص 75 ).




[2] ( النور : 55).




[3] ( الكهف : 84 -85 ).




[4] ( الكهف : 94 ).





[5] ( الكهف : 95-96 ).




[6] ( الغزالي، خطب الشيخ محمد الغزالي، ج 3 ، ص 46 ).




[7] ( الشحود، الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل، ج 5، ص 165 ).













المصدر...


الساعة الآن 07:28 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM