شبكة ربيع الفردوس الاعلى

شبكة ربيع الفردوس الاعلى (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/index.php)
-   منتدى الحديث (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/forumdisplay.php?f=448)
-   -   مضامين حديثية - د. عصر محمد النصر (http://rabie3-alfirdws-ala3la.net/vb/showthread.php?t=235346)

ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران 02-14-2016 09:37 AM

مضامين حديثية - د. عصر محمد النصر
 

وقفة مع قول ابن كثير: "وأما إن كان الذي تفرد به عدلا ضابطا حافظا قبل شرعا، ولا يقال له: (منكر) وإن قيل له ذلك لغةً" (مختصر ابن كثير 1\183)

يأتي قول ابن كثير –رحمه الله- المتقدم في سياق ذكر بعض مباحث التفرد وأحكامها, فذكر الشاذ ثمّ أعقب بذكر المنكر, وقد ناسب ذكرهما كنوع من التعليل للحديث الفاقد لشرط من شروط قبوله, وقد تبع في ذلك ابن الصلاح –رحمه الله-, ومن المعاني المستفادة من السياق هو التدليل على العلاقة الجامعة بين أنواع التفرد المذكورة, حيث تشترك بمفهوم التفرد الذي جماعه :" تفرد راوٍ في طبقة من طبقات الإسناد أو أكثر", إلا أن اختلاف المعاني في صور التفرد تقتضي التميز بين هذه الصور, وهو منطلق مهم في التعامل مع السنة النبوية وبيان مراتبها وأحكامها, وهذا الذي دفع ابن كثير –رحمه الله- لجمع هذه الأنواع وسياقها سياقا واحدا, وأهم ما في هذا الجمع هو التميز بين التفرد المردود كالشاذ والمنكر, وبين التفرد المقبول كالفرد, إلا أنه قيده بشروط تضمن صحته, من ذلك قوله :" عدلا, ضابطا, حافظا ", وهذا العلو في الشروط يضمن زوال أثر التفرد, وهذه الحالة هي التي يقبل معها التفرد, فقد تقرر عند أهل الحديث أن التفرد لا يقبل إلا من ثقة مكثر, وإن كان هذا الحكم قد يختلف لاعتبارات أخرى كعلو طبقة المتفرد فمثل هذا لو كان مقلا ففي قبول تفرده احتمال ظاهر, وهو الظاهر من صنيع الإمام أحمد, ومما يرجح القبول أن يشتهر الحديث بين أهل العلم قبولا وعملا به, وقد نص على هذا الإمام أحمد في أحاديث وكيع بن عدس في روايته لأحاديث الرؤية, وأما الضعيف أو ليس في درجة الثقة فهذا لا يقبل تفرده بل هو في عداد المردود, ولأهل الحديث في التعبير عن هذا ألفاظ حكمية وألقاب حديثية تعبر عن هذا عندهم, ثمّ أعقب ابن كثير –رحمه الله- ببيان حكم هذا النوع من الحديث الذي توفرت فيه الشروط, فقال :" قبل شرعا", ويمكن أن نلتمس لهذا الأمر مجموعة من الدوافع الحديثية, من ذلك : دفع توهم ما قد يرد على التفرد من أسباب تقتضي ضعفه ورده, و أصل هذا أن الأصل في الحديث النبوي الانتشار, وهذا يعود لمكانة السنة وأنها ركيزة مهمة في العلم والاعتقاد عند أهل الإسلام, وقد حث الشرع على حفظها ونشرها وجعل في ذلك الأجر, وهذا يورث شكا وخوفا من مثل هذا التفرد, ومن الدوافع لدي الإمام كذلك : الرد على من يشترط شهرة الحديث لقبوله والعمل به, وهي طريقة عند فقهاء الحنفية, ومن ذلك : الاعتماد على المفهوم الشرعي في قبول الأخبار كما في قوله :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ"(الحجرات, الآية 6), وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من قبول أخبار الآحاد والعمل بها, وقد أكد المعنى المتقدم الذي تضمنه وصفه لهذا النوع بالقبول شرعا بنفي النكارة عنه, وهذا منه اعتبار للاسم المصطلحي وما يترتب عليه من حكم, فالنكارة عندهم تعني الضعف وهذا الأصل فيها, إلا ما يستثنى كما سيأتي, وهذا الاعتبار هو الذي ينسجم مع طريقة أهل الحديث في مراعاة مراتب الأحاديث وتميزها بألقاب ومراتب, حيث يظهر في هذا التميز مراعاة الجانب الشرعي وشرف النسبة وإطلاق كل لقب على ما يناسبه من حديث, إلا أن الحافظ ابن كثير في هذا القدر من الاحتراز لا يخفي ما يرد على كلامه من استشكال يتمثل بما ورد في كلام بعض أهل العلم, ولذلك قال :" وإن قيل له ذلك لغة ", ولا يخفى ما تضمنته هذه العبارة من استثناء لمعنىً الأصلُ فيه أن يطرد, إلا أن هذا الاستثناء تضمن جملة فوائد يحسن الوقوف عليها, من ذلك : العلاقة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي, و أن الأصل في المصطلح إذا أطلق أن يتضمن حكما, فالمعنى اللغوي أساس وهو مكون من أهم مكونات المصطلح الحديثي, إلا أنه قد يضعف في بعض الأحيان إذا وجدت قرينة تدعو لذلك, وهذه هي الفائدة الثانية من كلام الإمام, حيث حاول تخريج ما وجد في كلام بعض الأئمة من إطلاق النكارة على أحاديث صحيحة بل متفق على صحتها أو تلقاها العلماء بالقبول, من ذلك إطلاق الإمام أحمد –رحمه الله- النكارة على أحاديث خرجها الأئمة فيما بعد في الصحيح, كحديث :" النهي عن بيع الولاء وهبته", وهذه مسالة جليلة, فإن كان الحديث صحيحا كيف يسوغ إطلاق النكارة عليه ؟! وقد تقرر أن الألقاب الحديثية دقيقة المعنى والمبنى, فضلا عما عرف به أهل الحديث من دقة في اصطلاحاتهم, وبيان هذا الأمر يتعلق بإعادة النظر فيما تقدم تقريره من العلاقة بين أنواع التفرد, وإلقاء الضوء على القدر المشترك بينها, وهذا الاشتراك أحد أهم مسوغات إطلاق مصطلح منها على الآخر, وعليه فإن النكارة والتي يقوم جوهرها على التفرد تطلقُ للتعبير عن عمق هذا المعنى في الحديث المعين, وقد ترتفع فيعبر بها عن الشذوذ وقد تضعف فيعبر بها عن الغرابة بل عن الحديث الفرد, وهذا من حيث الأصل , ولكن قد لا يكفي هذا القدر من الاشتراك لإطلاق النكارة على حديث فرد يرويه الثقة, وهذا يحتاج إلى تخريج يليق به, فيقال : إن المراد به حكما أوليا لا يراد منه رد الحديث وترك العمل به, فيعبر الناقد عما في نفسه تجاه الحديث, وقد يسوّغ مثل هذا غلبة الطبع والذوق, ومن تتبع ألفاظ العلماء في هذا الباب حصل له المقصود من الوقوف على جملة من هذه الألفاظ, من ذلك : غلبة الألفاظ اللينة على الإمام البخاري في جرح الرواة كقوله :" فيه نظر ", " تركوه ", ونحو ذلك, ومنه إكثار ابن معين من قوله :" ليس بشيء ", ومنه قول الإمام أحمد – وهذا المقصود- :" منكر", فهو مكثر من هذا الوصف للأحاديث و لعله من أكثر العلماء إطلاقا لها, وتبقى باقية تتعلق بوصف الحديث بالنكارة مع تخريجه في الصحيحين, وهذا لا إشكال فيه وقد أجبت عنه في مقالي :" الصحيحيان واختزال المقدمات " فيرجع إليه.

والله أعلم


كتبه:
د. عصر محمد النصر
دكتوراة الحديث الشريف - جامعة اليرموك الأردنية


صفحة الدكتور على الفيسبوك:

www.facebook.com/asur.naser
صفحته على تويتر:
http://twitter.com/ibnmajjah77



المصدر...


الساعة الآن 03:11 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات

mamnoa 2.0 By DAHOM