الجليس الصالح والجليس السوء
الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم
الحمد لله الذي أمرنا بالمحافظة على عقيدتنا وأخلاقنا، وأحمده سبحانه طهَّرنا من الدَّنس والشرك، وحذَّرنا من قرناء السوء ومعاشرتهم، وأشهد أن لا إله إلا الله، النجاة في اتباع ما أمر به، والدمار والهلاك في ارتكاب ما نهى عنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، علَّمنا الكثير في مدرسته، فمَن هداه الله ووفَّقه استفاد من دروسها، والتزم بمنهجها، صلى الله عليه وسلم القائل: ((الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يُخالِل))، ورضي الله عن آله وأصحابه دعاة الحق والهدى، وصفهم الله تعالى في القرآن بقوله: ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29]، رضي الله عنهم ورضوا عنه.
أما بعد، فاتقوا الله عباد الله:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما مَثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المِسْك ونافخ الكير؛ فحامل المسك، إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير، إما يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا مُنتِنة)).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَل الجليس الصالح كمَثَل صاحب المسك؛ إن لم يُصِبْك منه شيء، أصابك منه ريحه، ومثل الجليس السوء كصاحب الكير؛ إن لم يُصْبِك من سواده، أصابك من دُخانه))؛ رواه أبو داود.
أيها الناس:
اتقوا ربَّكم الذي خلقكم فأحسَن صورَكم، اتقوا من إليه المصير ومن إليه المنتهى، ومن إليه المرجع والمآل، اتقوا ما عسى أن تخشوه أو تكرهوه يوم فَصْل الخطاب، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾ [غافر: 52]؛ اتقوا من لا تَخفى عليه حيلة محتال، ولا يفوته كيد كائد ﴿ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ * فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات: 38 - 40].
عباد الله:
يتساءل الكثيرون عن أسباب الأمراض في الأبدان وعن أنواعها، ويتساءلون عن وقايتها وعلاجها، وهم بذلك جادون، وفي سبيل ذلك للأموال باذلون، وإلى أطباء الأبدان والأجسام مُسارِعون ومُبادِرون، سواء في الداخل أم في الخارج مقيمون، ولا يكفيهم أن يُعالجوا مما هم منه شاكون، ولكنهم يبحثون عن الأمراض المعدية ليتوقّوها، ويطالبون بإبرازها عن الأجسام المتمتعة بصحتها، حتى تُجعَل في المحاجر الصحية فيطمئنوا بحجرها وحجبها وإبعادها.
نعم أيها المسلمون، إن الصحة في الأبدان نعمة عظيمة وكبيرة، والأمن نعمة عظيمة، وهما هدف أساسي للمسلمين، ومظهران قويان لإغاظة الأعداء، إلا أن الهدف من الصحة في الأبدان: أن يعيش الإنسان مؤمنًا بربه، قويًّا في طاعته، وهذا لا يَحصُل إلا بالمحافظة على العقيدة والأخلاق والمعاملات والآداب الإسلامية، فإذا صحَّت هذه من جميع الأمراض، وتطهَّرت من أدناس الذنوب والآثام، استفادت من صحة الأبدان في عاجلها وآجلها، غير أنه في عصرنا الحاضر كَثُرت الأمراض والأوجاع على أخلاقنا ومبادئنا الإسلامية، فليُراجِع كلٌّ منا نفسه، هل شمَّر لعلاج ذلك وأنفق عليه الأموال؟! وهل بذل الأسباب والوقايات للتباعد عن العدوى؟! أم هو غافل ومشغول في الحياة الدنيا، ومُتناسٍ للعقبى؟!
فعلاج الأمراض الرُّوحية هو: بمعرفة الله تعالى حقَّ المعرفة؛ لتَحمِل صاحبَها على العمل بشرعه؛ ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، وأن يكشف ظلمة جهله بنور شرع الله؛ ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [إبراهيم: 1].
عباد الله:
إنه كما تنبَّهنا للوقاية عن العدوى من جذام، وسل، وكوليرا، وجدري، ومن كل الأمراض المعدية بإذن الله، يجب التنبه إلى العدوى في أخلاقنا وديننا وإيماننا؛ وذلكم بالتباعد عن كيد الكائدين، الذين يريدون إيقاعنا في هُوَّة الهالكين؛ من يهود ونصارى ومستعمرين، وأن نتحفَّظ عن مجالسة أهل السوء، سواء الذين جاؤوا إلينا من الكفار ممن دعت إليهم الحاجة للعمل، أو الذين ذهبوا إليهم بزعْم التعلم لما هم بغُنْية عنه في بلادنا الإسلامية إلا النَّزْر القليل، فإنا نرى توافُر التعليم في بلادنا شرعيًّا أو ما أمر به الشرع كافيًا عن السفر إلى بلاد الأعداء باسم التعليم حقيقة أو وسيلة للحصول على الشهادة، فلنَحْذر من مجالسة مَن فسدتْ عقيدته وأخلاقه من بلادنا وأهلينا، سافر أولم يسافر.
عباد الله:
لا جرم لئن كانت العدوى تُخشى على الأبدان، فإنها تكون على الأخلاق والدين أشد خشية؛ ﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [الزخرف: 36]، ولا جرم لئن سار مع هذا الجليس، فستعقبه الحسرة والندامة؛ ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 27]، ولا جرم لئن اؤتمن الجليس الصالح، فإن الخيانة لا تؤمن من جليس السوء، والخير من الجليس الصالح يرتجى، ومن جليس السوء بعيد.
فحامل المسك إما أن يحذيك، أو تجد منه ريحًا طيبة تُنعِشك، ونافخ الكير إن سلِمتَ من سواده، فلن تَسلَم من رائحته الخبيثة التي تخنقك، ولا جرم لئن استدل بجليسك الصالح على صلاحك، فإنه سيستدل على سوئك بجليس السوء "عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه"، ولا جرم لئن تَقارَبت الأرواح الصالحة، فستتقارب الأرواح السيئة؛ ((المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدكم مَن يُخالِل))، ولا جرم لئن كان الجلساء الصالحون مُحقِّين وعادلين، وبالآيات عاملين، وكنا بمصاحبتهم مأمورين، فإن جلساء السوء ظالمون جائرون؛ لذا أَمَرنا بالإعراض عنهم إمامُ المتقين، وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وكل مَن كانوا له من أمته متَّبِعين، ولا جرم لئن غلبك النسيان، بمجالسة أعوان الشيطان، فإن الله تعالى يُنقِذك بأن تذكر الرحمن، ولا تَعُد بمِثْل هذا العصيان؛ ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68]، ولا جرم لئن كان مصير الصالحين إلى جنة الأبرار، فإن مصير السيئين إلى دار البوار، جهنم يصلونها وبئس القرار؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 140]، ولا جرم لئن كان الجليس الصالح سببًا للخير والربح الأخروي، فإن جليس السوء سبب للعذاب الأليم، وخسارة الدنيا والآخرة ﴿ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ [فصلت: 25]، فالواجب على المسلم أن يعتني باختيار الجليس الصالح؛ وأن يحذر من جليس السوء، أما الجليس الصالح، فسينفعك في حياتك، وبعد مماتك، وذلك مفقود في ضده، فصحبة الأشرار مضرَّة من جميع الوجوه على مَن صاحبهم، وشر على مَن خالَطهم، فكم هلك بسببه أقوام، وكم قادوا أصحابهم إلى أعمال من حيث لا يشعرون ومن حيث يشعرون؛ ولهذا كان من أعظم نِعَم الله على العبد أن يُوفِّقه إلى صحبة الأخيار، ومن عقوبته لعبده أن يبتليه بصحبة الأشرار.
صحبة الأخيار توصِّل العبد إلى أعلى علِّيين، وصحبة الأشرار توصل العبد على أسفل سافلين، صحبة الأخيار تعود عليه بالعلوم النافعة، والأخلاق الفاضلة، والأعمال الصالحة، وصحبة الأشرار تَحرمه من كل هذا.
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا قرناء السوء، وعليكم بصحبة أهل العلم والخُلُق، تفوزوا وتسعدوا في الدنيا والآخرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27 - 29].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك