هوية المسلم في زمن الحضارة
أحمد بن علوان السهيمي
إن الحمدَ لله، نحمدُهُ سبحانه ونستعينُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِهِ الله فال مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصبحه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
إن خير الحديث كتبُ الله، وخير الهدي هديُ محمد e وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وكلًّ ضلالة في النار.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
يا أيها المسلم:
من نعمِ الله عز وجل عليك أيها المسلم أنك تنتمي إلى الإسلام في بلاد مهبط الوحي ومنطلق الرسالة، إنَّ أُمتك أعظم أمة على وجه الأرض وبلد خير البقاع يضم بين جنباته الحرمين والشريفين ويتحاكم فيه إلى الكتاب والسنة.
فبما أنَّ هذا يُفتخَر به بين الأمم إلا أنه يحملك مسؤوليةً عظيمةً لا يحملها إلا المسلم الصادق الذي يعرف قدر أمته وفضلها على سائر الأمم قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110] ومن استشعر هذا الانتماء عرف قدر مكانته، ومن كان هذا حاله كان وفيًّا لدينة وبلده وأهله الذي ينتمي إليهم؛ ولهذا اعلم رحمك الله أنه يجب عليك تعلم ثلاث مسائل والعمل بهن لتكون من أهل الصراط المستقيم:
الأولى: أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملًا بل أرسل إلينا رسولًا فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، وهذه في وجوب طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام. قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا ﴾ [المزمل:15 - 16] فلا تقدم على طاعة أحد قال عليه الصلاة السلام: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ). صحيح البخاري.
الثانية: أن الله لا يرضى أن يُشرَك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن:18]. أي إخلاص العبادة لله وحدة بتوحيده، ومن حقق هاتين المسألتين كان من لوازمها تحقيق الثالثة ومن لم يحقق الثالثة فإنه لم يتحقق له طاعة الرسول ولا إخلاص للعبادة لله صدقًا.
الثالثة: أن من أطاع الرسول ووحَّد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب والدليل قوله تعالى: ﴿ لاَّ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة:22].
عباد الله:
من حقق توحيد الله، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدم موادة من حاد الله ورسوله يفوز بهذه الأمور السبعة كرمًا من الله وتفضلًا وهي:
الأمر الأول: ﴿ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ ﴾ وهذا يفيد العبد أن صلاح العقيدة واستقامة العبد بصدق على توحيد الله سبب لثبات المرء على الحق والهدى، والموت على ذلك.
الأمر الثاني: ﴿ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ ﴾ أي أيدهم بصيرةً وعلمًا بالحق والهدى المنزل من رب العالمين، فأضاء الله به قلوبهم، وأنار به بصائرهم، وهداهم صراطه المستقيم.
الأمر الثالث: ﴿ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾.
الأمر الرابع: ﴿ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ أن أهل هذه الصفات العظيمة فازوا برضى الله وهو أكبر نعيم وأكبر من الجنة ونعيمها ومن بهجتها.
الأمر الخامس: ﴿ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ أي عَمَرَ الله قلوبهم بالرضى عنه سبحانه.
الأمر السادس: ﴿ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ﴾ وكفى هؤلاء شرفًا وفضيلةً أن يكونوا من حزب الله لا من حزب الشيطان وما يكون هذا إلا لمن وحد الله وأطاع رسوله ولم يواد من حادهما.
الأمر السابع: ﴿ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ أي أهل الفلاح في الدنيا والآخرة، والفلاح كم قيل هي أجمع كلمة في حيازة الخير في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا بِقُرَّة العين، وهناء البال، وراحة الخاطر، والعيس الطيب، وأما في الآخرة فإن الله عز وجل أعد لهم من النعيم والثواب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
بهذه المسائل الثلاث تتكون هوية المسلم وتتميز عن غيرها، ليكون على الطريق المستقيم، وباقٍ على الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالين الذي هدانا لصراطه المستقيم والصلاة والسلام على نبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
أيها المؤمنون:
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 19].
إن نسيان المرء نفسه في عدم إدراكه لغاية وجوده، ومن ثم تفريطه فيما يصلح عاقبته، فيبتعد عن التزام مقتضى العبودية، فتكون النتيجة كما وصف الله في هذه الآية.
قال الإمام ابن عطية رحمه الله تعالى، في تفسيره لهذه الآية: « ويعطي لفظ هذه الآية، أن من عرف نفسه ولم ينسها عرف ربه تعالى، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: اعرف نفسك تعرف ربك، وروي عنه أنه قال أيضا: من لم يعرف نفسه لم يعرف ربه».
والمقصود: أنه لا هوية للإنسان المسلم إلا باتساقه مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فطرة العبودية لله تعالى فطرة الإسلام الذي حفظه الله لنا حتى يبقى صالحًا لكل مكان وزمان.
عباد الله:
يقول الله – تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]
اللهم صلِّ وسلم على عبدِك ورسولِك محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واللهم جنبنا الفتنَ ما ظَهَرَ منها وما بطنَ.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين، ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].
عباد الله:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
فاذكرُوا اللهَ العظيمَ يذكرْكم واشكرُوه على نعمِهِ يزدْكم ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك