08-26-2015, 10:58 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 351,629
|
|
من أكل يظنه ليلا أو معتقدا غروب الشمس فبان العكس:
من أكل يظنه ليلا أو معتقدا غروب الشمس فبان العكس:
فيه قولان لأهل العلم:
القول الأول: أنه مفطر، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة من الحنفية ، والمالكية( )، والشافعية ، والحنابلة ، وبه قال ابن عباس ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم، واختاره البيهقي ، وبه قال إسحاق بن راهويه والبيهقي، والأكثرون .
الدليل: أنه نقض لركن الصوم:
وأدلة ذلك من الكتاب والسنة وآثار الصحابة:
أولا: من الكتاب:
فقد أفطر في الوقت الذي يجب أن يمسك فيه، قال الله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]، وهذا أكل وهو شاك بعد أن تبين بياض النهار من سواد الليل أو لم يتم صيامه إلى الليل .
أما الناسي: فقد خرج بدلالة النص استثناء، ولولا النص لما استثني، ولذا اعتبر أبو حنيفة أن القياس أنه يفطر، واستثنى الناسي استحسانا، فالاستحسان كسر أصل القياس لموجب من المعنى، والنص قد يدل على الكسر، كما يدل على الأصل.
وأيضا: فإن المخطئ كان يمكنه الاحتراز؛ لأنه أكل باجتهاده, فتبين خطأ اجتهاده؛ بخلاف الناسي؛ فإنه لا يمكنه الاحتراز .
وأجابوا عن نصوص رفع الخطأ والنسيان: بأنها محمولة على رفع الإثم عنه، فإنه عام خص منه غرامات المتلفات، وانتقاض الوضوء بخروج الحدث سهوا، والصلاة بالحدث ناسيا، وأشباه ذلك .
ثانيا: من السنة:
1) عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: «أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم، ثم طلعت الشمس» قيل لهشام: فأمروا بالقضاء؟ قال: «لا بد من قضاء» وقال معمر: سمعت هشاما لا أدري أقضوا أم لا؟) .
ثالثا: آثار الصحابة رضي الله عنهم:
قد اتفقت الصحابة رضي الله عنهم على إيجاب القضاء مع الجهل : عن عمر رضي الله عنه ، وابن مسعود رضي الله ، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
رابعا: القياس: فإنه أفطر في جزء من رمضان يعتقده وقت فطر, فلزمه القضاء؛ كما لو أفطر يوم ثلاثين من شعبان, فتبين أنه من رمضان .
وأيضا: إجماعهم على أنه لو غم هلال رمضان فأفطروا ثم تبين أن ذلك اليوم من رمضان فالقضاء واجب بالاتفاق فكذلك هذا .
القول الثاني: أنه لا يفطر بذلك، وهو مذهب أهل الظاهر (داود وابن حزم) ، ورواية عن أحمد .
وبه قال: عطاء، وعروة بن الزبير، والحسن البصري ، وهو اختيار إسحاق بن راهويه ، وابن خزيمة ، وابن تيمية ، وابن القيم .
الأدلة:
1) أن الأحكام إنما تتعلق بعد العلم:
وجوب الإمساك عن المفطرات إنما تتعلق به الأحكام بعد العلم بطلوع الفجر فلا يكون الواقع منها قبل العلم محرما البتة .
2) أن المخطئ في حكم الناسي:
- قال الله تعالى:{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286].
- عن ابن عباس رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) .
وقد ثبت بدلالة الكتاب والسنة: أن من فعل محظورا مخطئا أو ناسيا لم يؤاخذه الله بذلك، وحينئذ يكون بمنزلة من لم يفعله، فلا يكون عليه إثم، ومن لا إثم عليه لم يكن عاصيا ولا مرتكبا لما نهي عنه، وحينئذ فيكون قد فعل ما أمر به ولم يفعل ما نهي عنه، ومثل هذا لا يبطل عبادته، إنما يبطل العبادات اذا لم يفعل ما أمر به أو فعل ما حظر عليه.
وطرد هذا: أن الحج لا يبطل بفعل شيء من المحظورات لا ناسيا ولا مخطئا لا الجماع ولا غيره وهو اظهر قولي الشافعي، فأظهر الأقوال في الناسي والمخطئ إذا فعل محظورا أن لا يضمن من ذلك إلا الصيد، وللناس فيه أقوال: هذا أحدها: وهو قول أهل الظاهر.
وكذلك طرد هذا: أن الصائم إذا أكل أو شرب أو جامع ناسيا أو مخطئا فلا قضاء عليه وهو قول طائفة من السلف والخلف.
3) أن المخطئ في حكم الناسي في خصوص مسألتنا:
- فكل واحد منهما قد فعل ما يعتقد جوازه وأخطأ في فعله: فإن المخطئ والناسي كل واحد منهما أكل، والأكل عنده مباح، فالجهل ببقاء اليوم كنسيان نفس الصوم، فالفعلان سواء فكيف يتعلق التكليف بأحدهما دون الآخر؟
- والسبب الذي دعاه إلى الفطر غير منسوب إليه في الصورتين: وهو النسيان في مسألة الناسي وظهور الظلمة وخفاء النهار في صورة المخطئ، فهذا أطعمه الله وسقاه بالنسيان، وهذا أطعمه الله وسقاه بإخفاء النهار، ولهذا قال صهيب: (هي طعمة الله)، ولكن هذا أولى فإنها طعمة الله إذنا وإباحة، وإطعام الناسي طعمته عفوا ورفع حرج.
وقد يقال إنه في صورة الصوم أعذر منه: فإنه مأمور بتعجيل الفطر استحبابا فقد بادر إلى أداء ما أمر به واستحبه له الشارع فكيف يفسد صومه؟
وأيضا: فإن فعله غير مأذون له فيه، بل غايته أنه عفو فهو دون المخطئ الجاهل في العذر.
- أن الشريعة لم تفرق بين الجاهل والناسي: وقد استويا في أكثر الأحكام وفي رفع الآثام؛ فما الموجب للفرق بينهما في هذا الموضع؟
وقد جعل أصحاب الشافعي وغيرهم: الجاهل المخطئ أولى بالعذر من الناسي في مواضع متعددة.
ما قيل من الفرق بينهما:
1) قيل: إن الناسي غير مكلف والجاهل مكلف.
إن أريد به: التكليف بالقضاء فغير صحيح لأن هذا هو المتنازع فيه.
وإن أريد به: أن فعل الناسي لا ينتهض سببا للإثم ولا يتناوله الخطاب الشرعي، فكذلك فعل المخطئ.
وإن أريد: أن المخطئ ذاكر لصومه مقدم على قطعه، ففعله داخل تحت التكليف، بخلاف الناسي، فلا يصح أيضا لأنه يعتقد خروج زمن الصوم وأنه مأمور بالفطر، فهو مقدم على فعل ما يعتقده جائزا.
2) وقيل: أن المخطئ كان متمكنا من إتمام صومه بأن يؤخر الفطر حتى يتيقن الغروب بخلاف الناسي فإنه لا يضاف إليه الفعل ولم يكن يمكنه الاحتراز، وهذا أجود ما فرق به بين المسألتين.
وهذا وإن كان فرقا في الظاهر: فهو غير مؤثر في وجوب القضاء كما لم يؤثر في الإثم اتفاقا ولو كان منسوبا إلى تفريط للحقه الإثم، فلما اتفقوا على أن الإثم موضوع عنه دل على أن فعله غير منسوب فيه إلى تفريط، لا سيما وهو مأمور بالمبادرة إلى الفطر، ومع الغيم المطبق لا يمكن اليقين الذي لا يقبل الشك ألا بعد أن يذهب وقت طويل جدا يفوت مع المغرب، ويفوت معه تعجيل الفطور والمصلى مأمور بصلاة المغرب وتعجيلها فاذا غلب على ظنه غروب الشمس أمر بتأخير المغرب إلى حد اليقين فربما يؤخرها حتى يغيب الشفق وهو لا يستيقن غروب الشمس .
مسألة: إذا غلب على ظنه طلوع الفجر فما الحكم؟
علق الشارع الحكم على تيقن طلوع الفجر، فلا يدخل الفجر إلا بتيقن دخوله، فكل ما شككت، هذه القاعدة سلفية الزمن، دقيقة المأخذ، ودخول الفجر مما يمكن تحصيل اليقين فيه، والقدرة على اليقين تمنع من الشك، أما في الغيم ونحوه من الاشتباه فالعبرة بغلبة الظن.
وقد قال بعض الفقهاء: إن غلب على ظنه طلوع الفجر فإنه كما استيقنه لأن غلبة الظن في مواقيت العبادات تجري مجرى اليقين، والطريقة الأولى أشبه بنص الشارع، والمنقول عن الأئمة .
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|