شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 9 > منتدى التفسير
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: مصحف محمود فرج عبد الجليل 114 سورة كامل 128 ك ب حدر مسرع (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف محمود فرج عبد الجليل 114 سورة كامل 128 ك ب (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: محمود فرج عبد الجليل المصحف المرتل 114 سورة لاول مرة 2 مصحف ترتيل و حدر كاملان 128 ك ب (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: برواية ورش مقسم سور و مقسم اجزاء 4 مصحف احمد الحبيب ترتيل و حدر كامل 128 ك ب (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: توفيق النوري مصحف رواية ورش فيديو مكتوب المصحف المصور ملون كامل 114 سورة (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: توفيق النوري برواية ورش المصحف المصور الملون ب خط كبير 114 سورة مكتوب فيديو كامل ملون (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف محمود فرج عبد الجليل سورة 023 المؤمنون (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف محمود فرج عبد الجليل سورة 013 الرعد (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف محمود فرج عبد الجليل سورة 022 الحج (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف محمود فرج عبد الجليل سورة 012 يوسف (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 12-17-2014, 03:49 AM
ملتقى اهل التفسير ملتقى اهل التفسير غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,232
افتراضي مناقشة هادئة لدعوى أن القرآن الكريم لا يقول بالتحريف الحرفي للتوراة والإنجيل

اطلعت على كتابات لبعض المكرمين يجزمون بذلك، ولكن الواقع يخالف جزمهم!
ابتداءً ، القرآن الكريم حين يناقش بعض القضايا العقلية والكونية والتاريخية فإنه يتحدث بكليات عامة، ويترك للعقل الإنساني مساحة (هامش حرية) للبناء على تلك الكليات وتتبع فروعها، فيشعر بلذة البحث العلمي والوصول إلى النتائج المبنية على تلك المقدمات ومعززاتها.

إن الكتب المقدسة لأهل الكتاب ليست كلها محرفة 100%، بل فيها تحريف وفيها ما نجا من التحريف.. ومن ذاك الصحيح القليل ما بقي بلا تحريف مبثوثاً فيما نُسِب إلى كتب جهلة اليهود، ومَن يُطلقون عليهم (الموحدين الهراطقة)، مما ليس موجوداً في الكتاب المقدس المعتمد حالياً.
من المعقول أن يُبقي المحرِّفون جزءاً من النص الأصلي؛ من باب ترويجه للناس.. فإنه لو كان باطلاً محضاً لمَا التفت إليه عوام الناس فضلاً عن الأكثر علماً.
وهذا ما أثبته القرآن الكريم، فقد بيَّنَ أنهم حرَّفوا وتناسوا جزءاً (حظاً) من الحق في كتبهم، وبقي بقية صحيح فيها. لذا: لا مانع من وجود بقية صحيح فيما أهملوه منها، قال تعالى: " فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ.. " [المائدة: 13].
قال ابن عاشور: " والنسيان مرادٌ به: الإهمال المفضي إلى النسيان غالباً. وعبَّر عنه بالفعل الماضي؛ لأن النسيان لا يتجدد، فإذا حصلَ مضى، حتى يذكره مذكر. وهو وإن كان مراداً به الإهمال، فإنَّ في صوغه بصيغة الماضي ترشيحاً للاستعارة أو الكناية لتهاونهم بالذكرى. والحظ: النصيب، وتنكيره هنا للتعظيم، أو التكثير ـ بقرينة الذم ـ ".

والآن مع مناقشة أدلتهم:
يستدل القائلون بعصمة أسفار العهد القديم وأناجيل الجديد وسلامتها من التحريف بسبع آيات، هي:
1. في سورة آل عمران: " قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(93) ".
2. في سورة النساء: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ.. (47) ".
3. في سورة المائدة خمس آيات: " وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ(43)إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ(44).. وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(47).. وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ(66).. قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ.. (68) ".

وهذا الاستدلال بالآيات الكريمة قديم، وجوابه ذكره الإمامان ابن حزم وابن تيمية بالتفصيل:
أ) جواب الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى:
- إقرارُنا بالتوراة والإنجيل، فنعم، وأي معنى لتمويهكم بهذا، ونحن لم ننكرهما قط بل نكفِّر من أنكرهما؟ إنما قلنا إن الله تعالى أنزل التوراة على موسى عليه السلام حقاً، وأنزل الزبور على داود عليه السلام حقاً، وأنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام حقاً، وأنزل الصحف على إبراهيم وموسى عليهما السلام حقاً، وأنزل كتباً لم تُسمَّ لنا، على أنبياء لم يُسَموا لنا حقاً نؤمن بكل ذلك.. وبدَّل كفار النصارى الإنجيل كذلك فزادوا ونقصوا، وأبقى الله تعالى بعضها حجة عليهم كما شاء، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون‏. فدرسَ ما بدلوا من الكتب المذكورة.
- وأما قوله تعالى: " قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " [آل عمران: 93]. فنعم، إنما هو في كذب كذبوه ونسبوه إلى التوراة على جاري عادتهم زائد على الكذب الذي وضعه أسلافهم في توراتهم، فبكَّتهم في ذلك الكذب المحدث بإحضار التوراة إن كانوا صادقين فظهر كذبهم‏.‏
وكم عَرَضَ لنا هذا مع علمائهم في مناظراتنا معهم قبل أن نقف على نصوص التوراة، فالقوم لا مؤونة عليهم من الكذب ـ حتى الآن ـ إذا طُعِنوا بالتخلص في مجلسهم ذلك بالكذب، وهذا خُلُقٌ خسيس، وعارٌ لا يرضى به مصحح، ونعوذ بالله جل جلاله من مثل هذا‏.‏
- وأما قوله تعالى: " إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ.. " [المائدة: 44].
فنعم، هذا حق على ظاهره كما هو، وقد قلنا إن الله تعالى أنزل التوراة، وحكم بها النبيون الذين أسلموا كموسى وهارون وداود وسليمان ومن كان بينهم من الأنبياء عليهم السلام، ومن كان في أزمانهم من الربانيين والأحبار الذين لم يكونوا أنبياء لكن حكاماً من قبل الأنبياء عليهم السلام قبل حدوث التبديل‏، هذا هو نصُّ قولنا، وليس في هذه الآية أنها لم تبدَّل بعد ذلك أصلاً، لا بنص ولا بدليل‏.
- وأما قوله تعالى: ".. وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ " [المائدة: 47]. فحق على ظاهره؛ لأن الله تعالى أنزل فيه الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، واتباع دينه، فلا يكونون أبداً حاكمين بما أنزل الله تعالى فيه إلا باتباعهم دين محمد صلى الله عليه وسلم، فإنما أمرهم الله تعالى بالحكم بما أنزل في الإنجيل الذي ينتمون إليه فهم أهله، ولم يأمرهم قط تعالى بالحكم بما سمي إنجيلاً وليس إنجيلاً، ولا أنزله الله تعالى ـ كما هو ـ قط. فالآية موافقة لقولنا، وليس فيها أن الإنجيل لم يبدل لا بنص ولا بدليل، إنما فيه إلزام النصارى الذين يسمون بأهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه، وهم على خلاف ذلك‏.‏
- وأما قوله تعالى: " وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ.. " [المائدة: 66]، فحقٌّ كما ذكرناه قبل، ولا سبيل لهم إلى إقامة التوراة والإنجيل المنزلين بعد تبديلهما إلا بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيكونون حينئذ مقيمين للتوراة والإنجيل حقاً؛ لإيمانهم بالمنزل فيهما، وجَحْدِهم ما لم ينزل فيهما، وهذه هي إقامتهما حقاً‏.‏
- وأما قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ " [النساء: 47]. فنعم، هذا عمومٌ قام البرهان على أنه مخصوصٌ، وأنه تعالى إنما أراد: مصدقاً لما معكم من الحق، لا يمكن غير هذا؛ لأننا ـ بالضرورة ـ ندري أنَّ معهم حقاً وباطلاً، ولا يجوز تصديق الباطل أوالحكم به البتة، فصحَّ أنه إنما أنزله تعالى مصدقاً لما معهم من الحق.
- وأما قوله تعالى: " وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ " [المائدة: 43]، فإنما هو على الاستخفاف بهم والتوبيخ لهم، كقول القائل لآخر: أنا أعلم منك، ثم يأتيه ثانية فيسأله فيقول المسؤول: كيف تسأل وأنت أعلم مني؟
وقد قلنا إن الله تعالى أبقى في التوراة والإنجيل حقاً؛ ليكون حجة عليهم وزائداً في خزيهم، وبالله تعالى التوفيق، فبطُلَ تعلقهم بشيءٍ مما ذكرنا، والحمد لله رب العالمين.

ب) جواب الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" ادَّعى النصارى أن محمدًا صلى الله عليه وسلم صدق بجميع ألفاظ الكتب التي عندهم. فجمهور المسلمين يمنعون هذا، ويقولون: إن بعض ألفاظها بُدِّل كما قد بُدِّل كثير من معانيها. ومن المسلمين من يقول: التبديل إنما وقع في معانيها لا في ألفاظها، وهذا القول يقرُّ به عامة اليهود والنصارى. وعلى القولين فلا حجة لهم في تصديق محمد صلى الله عليه وسلملما هم عليه من الدين الباطل؛ فإن الكتب الإلهية التي بأيديهم لا تدل على صحة ما كفَّرهم به محمد صلى الله عليه وسلموأمته، مثل: التثليث، والاتحاد، والحلول، وتغيير شريعة المسيح، وتكذيب رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. فليس في الكتب التي بأيديهم ما يدل لا نصًا ولا ظاهرًا على الأمانة التي هي أصل دينهم، وما في ذلك من التثليث والاتحاد والحلول، ولا فيها ما يدل على أكثر شرائعهم: كالصلاة إلى الشرق، واستحلال المحرمات من الخنزير والميتة، ونحو ذلك..
والصحيح أن هذه التوراة والإنجيل التي بأيدي أهل الكتاب فيها ما هو حكم الله جل جلاله ـ وإن كان قد بُدل وغُير بعض ألفاظهما ـ كقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا... وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ " [المائدة 41 – 43]. وهو أمر من الله أنزله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر من مات قبل هذا الخطاب ممتنع، وإنما يكون الأمر أمرًا لمن آمن به من بعد خطاب الله لعباده بالأمر.
فعُلم أنه أمر لمن كان موجوداً حينئذ أن يحكموا بما أنزل الله في الإنجيل. والله أنزل في الإنجيل الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلمكما أمر به في التوراة، فليحكموا بما أنزل الله في الإنجيل مما لم ينسخه محمد صلى الله عليه وسلم، كما أمر أهل التوراة أن يحكموا بما أنزله مما لم ينسخه المسيح، وما نسخه فقد أمروا فيها باتباع المسيح، وقد أمروا في الإنجيل باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فمن حكم من أهل الكتاب بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلمبما أنزل الله في التوراة والإنجيل لم يحكم بما يخالف حكم محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ كانوا مأمورين في التوراة والإنجيل باتباع محمد صلى الله عليه وسلمكما قال تعالى: " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [ الأعراف: 157]. وقال تعالى: " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ" [المائدة: 48]، فجعل القرآن مهيمناً. والمهيمن الشاهد الحاكم المؤتمن، فهو يحكم بما فيها مما لم ينسخه الله، ويشهد بتصديق ما فيها مما لم يُبدل.. ".

وأكثر ما يستشهد المناصرون لدعوى عدم التحريف حالياً بآيتين كريمتين: قوله تعالى: " وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ " [المائدة: 43]. وقوله تعالى: " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " [الحجر: 9].
بحجة أنَّ الأولى: تشهد للتوراة التي بين يدينا أنها ( حكم الله ).
والثانية: شهادة القرآن لكتبهم بالحفظ، وقد خُصِّصت لأجل الاستشهاد بها صفحة كاملة هي صفحة (الذكر المحفوظ) ملخصها: زعم أن الذكر في الآية الكريمة هو التوراة والإنجيل لا القرآن، بدليل أن القرآن الكريم وصف التوراة أنها (ذِكْر)، ولا دليل أن المقصود بـ(الذكر) القرآن الكريم.

- الرد على استشهادهم بالآية الأولى ـ بالإضافة إلى ما سبق من كلام الإمامين ابن حزم وابن تيمية ـ:
الآية الكريمة خاصة بسبب نزولها، عن البراء بن عازب رضي الله عنه " قَالَ مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلمبِيَهُودِيٍّ مُحَمَّماً مَجْلُودًا، فَدَعَاهُمْ صلى الله عليه وسلمفَقَالَ: هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَدَعَا رَجُلًا مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ ؟ قَالَ: لَا، وَلَوْلَا أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ. نَجِدُهُ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا، فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، قُلْنَا: تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلماللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ ". ونزلت الآيات الكريمة بعدها.
فـ " حُكْمُ اللَّهِ " هو حُكم: رجم الزاني المحصن، وهو حكم الله (في الإسلام)، وما بقي سالماً من التوراة بلا تحريف [سفر التثنية: 22/20-21]. لكنهم تركوا حكم الله، طلباً للتخفيف بحسب نص الحديث.
ومن الإعجاز البياني القرآني أن الحق جل جلاله لم يقل: " وعندهم التوراة فيها كلام الله ". بل قال: " وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ". فقد يكون حكم في ملة من الملل، مطابقاً لحكمِ الله حقاً.

وليس كل أحكام نصوص ما بقي من التوراة (العهد القديم) حكمُ الله، فسفر التثنية نصَّ أنَّ البكر تُرجَمُ.

- والرد على دعوى أن الذكر المحفوظ يُقصد به العهد القديم والعهد الجديد لا القرآن الكريم!!، هو سياق الآية الكريمة. قال تعالى في سورة الحِجْر: " وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ(6)لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(7)مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ(8)إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9) ". فسياق الآية الكريم يدل بوضوح لا لبس فيه، أن الذكر هنا، هو كتاب الله المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم(القرآن الكريم).
صحيح: كتاب الله الذي أنزِل على سيدنا موسى عليه السلام وصِفَ بالذكر [الأنبياء: 105]، والقرآن الكريم وصِفَ بالذكر [النحل: 44، ص: 8، القلم: 51]. ولكن: الذِّكر المقصود في آية الحِجْر بيَّنه السياق بأنه: القرآن الكريم.
مثلاً: إن قيل: " يوجد خطأ في الإنجيل ". قد يُقصد إنجيل لوقا أو متى أو يوحنا أو مرقص.
وإن قيل:" في إنجيل متى [21/4-5] : (فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل: قولوا لابنة صهيون: هو ذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان). يوجد خطأ في الإنجيل، كيف يركب شخص حيوانين في الوقت ذاته؟ ".
فـ " الإنجيل " المقصود هنا: هو إنجيل متى؛ والدليل: السياق.
ومن المهم التأكيد على أن ( الـ ) في كل من كلمتي (التوراة والإنجيل) تدلان على معهود سابق في الذهن وهو: (التوراة: الكتاب الحق المنزل على سيدنا موسى عليه السلام ، والإنجيل: الكتاب الخق المنزل على سيدنا عيسى عليه السلام ). وليس من المعهود أبداً الشهادة بالخيرية والصحة لكتب ثبت تحريفها بل وتناقض القرآن الكريم، أو أربعة أناجيل مضاف إليها أعمال الرسل وأحلام يوحنا !
كما يُقال لأولئك الناس: إن آمنتم أن القرآن الكريم يشهد لما تزعمون أنه التوراة والإنجيل، فأتونا بالتوراة والإنجيل التي فيها: " إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ.. " [التوبة: 111].
والتي فيها أيضاً: " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ.. ". [الفتح: 29]، سنؤمن أنها من عند الله جل جلاله غير محرَّفة.


* الخلاصة: هل يشهد القرآن الكريم للتوراة والإنجيل؟
الجواب بكل بساطة: نعم.
لكن انتبه.. ليس في القرآن الكريم ما اسمه: " العهد القديم " ولا " العهد الجديد "، فـ:
- كِتاب التوراة الذي شهِدَ له القرآن بالهدى هو: كتاب الله جل جلاله الذي أنزله على نبيه الكريم سيدنا موسى عليه السلام .
- كِتاب الإنجيل الذي شهِدَ له القرآن بالهدى هو: كتاب الله جل جلاله الذي أنزله على نبيه الكريم سيدنا عيسى عليه السلام .
لكن:
- هل يشهد القرآن الكريم أن العهد القديم كتاب الله جل جلاله الذي أنزله على سيدنا موسى عليه السلام ؟
الجواب: لا.
- هل يشهد القرآن الكريم أن العهد الجديد كتاب الله جل جلاله الذي أنزله على سيدنا عيسى عليه السلام ؟
الجواب: لا.
بالإضافة إلى أن من يزعمون مطابقة التوراة والإنجيل في القرآن الكريم لما بَينَ أيدينا مما يُدعى (الكتاب المقدس)، مُطالَبون بإلغاء جميع ما يخالف ما قرره القرآن الكريم من عقائد وقصص.. ناقَضَت ما ورد في التوراة والإنجيل التي بين أيدي القوم؛ فكلام الله جل جلاله لا يتناقض.
وإن رفَضُوا كل ذلك، يُقال لهم: إذن كيف يشهد القرآن الكريم بصحة كلام يناقضه ؟!
كيف يشهد الحق بصحة الباطل ؟ أليس في ذلك تُهمة للحق ؟
إننا ننزه القرآن الكريم عن الشهادة بإلهية كتاب متناقض، لا يُعرَف كتبته، وبلا إسناد. وننزهه عن إقرار العقائد الباطلة ـ التي من يعتقد بمثلها يكفر ـ وخاصة ما يتعلق بصفات الله جل جلاله وعصمة الأنبياء.. فضلاً عن إقرار ما أثبتت مكتشفات العلم والتاريخ خطأه. كل ذلك إن حصل، سيُعَدُّ طعناً في صحة القرآن الكريم، وحاشاه!

ويسألهم العقلاء: أي توراة شهِد لها القرآن الكريم ؟ هل هي السامرية ؟ أم العبرية ؟ أم السبعينية ؟
وأي إنجيل شهد له القرآن الكريم ؟ متَّى ؟ أم مرقص ؟ أم لوقا ؟ أم يوحنا ؟ أم الأناجيل التي رفضتها المجامِع؟
وأي مخطوطة ـ أوطبعة ـ لكلِّ كتابٍ منها، قصدها القرآن الكريم ؟
موضوع (تحريف الكتاب المقدس) من المعلوم لدارسيه دراسة علمية، لا يحتاج إثباته كثير عناء. فإثبات التحريف من أي جانب من الجوانب، سيأتي بثماره مباشرة: من حيث إثبات عدم وجود سند للكتب المقدسة، وتعارض المخطوطات معاً، وتعارض المخطوط مع المطبوع، وتعارض المطبوع مع بعضه، والتناقضات التي لا يمكن التوفيق بينها، والأخطاء التي يستحيل صدورها عن الإله المعبود بحق.. وغير ذلك.

وإن رفضوا تصديقنا، وتصديق شهادة واقع الحال... فليصدقوا نصوص الكتاب المقدس التي تشهد بتحريفه، وشهادة علمائهم بذلك.. ومنها:
- مزمور 56/4: " ماذا يصنعه بي البشر. اليوم كله يحرفون كلامي. عليّ كل أفكارهم بالشر ".
- إرميا 23/13-16: اتهم الأنبياء بالتحريف: " في أوساط أنبياء السامرة شهدت أموراً كريهة، إذ تنبأوا باسم البعل، وأضلوا شعبي إسرائيل. وفي أوساط أنبياء أورشليم رأيت أموراً مهولةً: يرتكبون الفسق، ويسلكون في الأكاذيب.. لأنه من أنبياء أورشليم شاع الكفر في كل أرجاء الأرض ". (وانظر: 23/36، وإشعيا 29/15-16).
و جاء في مقدمة الترجمة العربية الحديثة للكتاب المقدس الصادرة عن دار المشرق/ بيروت لسنة 1989م ما نصه: " إنَّ نص العهد الجديد قد نسخ ثم نسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت، وما من واحد منهم معصوم عن مختلف الأخطاء، دون أن تخلو منها أية نسخة كانت مهما بذل فيها من الجهد. ويضاف إلى ذلك: أن بعض النساخ حاولوا ـ أحياناً عن حسن نية ـ أن يصوِّبوا ما جاء في مثالهم، وبدا لهم أنه يحتوي على أخطاء واضحة، أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي. وهكذا أدخلوا على النص قراءات جديدة تكاد تكون كلها خطأ، ثم يمكن أن يضاف إلى ذلك كله أن الاستعمال لكثير من الفقرات للعهد الجديد في أثناء إقامة شعائر العبادة، أدى أحياناً كثيرة إلى إدخال زخارف غايتها تجميل الطقس، أو إلى التوفيق بين نصوص مختلفة ساعدت عليها التلاوة بصوت عال، ومن الواضح أن ما أدخله النساخ من التبديل على مر القرون، قد تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة، مثقلاً بمختلف ألوان التبديل ظهرت في عدد كبير من القراءات ".

هذا قولهم هم عن كتبهم المقدسة، أفنكون أحرص منهم؟!

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 02:46 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات