هل يشترط خلع الزوجة في طهر لم يمسسها الزوج فيه؟
د. سامح عبدالسلام محمد
♦ هل يشترط أن يكون الخُلْع في طُهر لم يجامع الرجل زوجته فيه؟ بحيث لو حدث حالَ حيض المرأة، أو في طُهر جامعها الرجل فيه - لا يقع صحيحًا؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على رأيين وَفْقًا لما يلي:
♦ الرأي الأول: أن الخُلْع إذا وقع في حال الحيض أو الطُّهر الذي جامعها فيه، فهو صحيح وجائز، وهذا ما ذهَب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة[1].
♦ الرأي الثاني: أنه يشترط لصحة الخُلْع أن تكون الزوجةُ في طُهر لَم يمسَسْها الزوج فيه، وهذا رأي الظاهرية، وهو ما ذهب إليه الإمامُ ابن القيم رحمه الله[2].
وسبب الاختلاف:
♦ هو رأي كلِّ فريق في صحة طلاق الزوجة حالَ حيضها، أو في طُهر جامَعها الزوج فيه؛ فمن يرى صحةَ الطلاق في هذه الحالة، يقول بصحَّة الخُلْع كذلك، ومن يرى عدمَ وقوع الطلاق إلا أن تكونَ الزوجةُ في طُهر لم يمسَسْها الزوج فيه، يقول بعدمِ صحة الخُلْع، وانضم إلى هذا الفريق الأخير مَن يرى أن الخُلْع فسخٌ لا طلاق.
أدلة أصحاب الرأي الأول:
♦ استدل أصحاب الرأي الأول القائلون بأن الخُلْع إذا وقع في حال الحيض أو الطُّهر الذي جامَعها فيه، فهو صحيح - وهم جمهور الفقهاء - بأدلة من القرآن والسنَّة والمعقول.
أولاً: من القرآن:
مطلَق النص القرآني الدال على جواز الخُلْع في قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ [البقرة: 229]؛ فالآية لم تفرِّقْ بين أن يكون الخُلْع في طُهر، أو في حيض، وعلى هذا فالخُلْع يقع صحيحًا، سواءٌ وقع في طُهر أو في حيض[3].
ثانيًا: من السنة:
عدم سؤال النبيِّ صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت بن قيس في حديث الباب برواياته عن حالها: أحائض هي أم في طُهر؟
فدلَّ ذلك على جواز وقوع الخُلْع حال الطُّهر والحيض على السواء، وقد قال الحافظ ابن حجر عند شرحه لرواية البخاري: (وفيه أن الخُلْع جائز في الحيض؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يسأَلْها: أحائض هي أم لا؟)[4]، وهو ما قرره الشوكاني إذ قال: (والدليل على عدم الاشتراط عدمُ استفصاله صلى الله عليه وسلم؛ كما في أحاديث الباب وغيرها)[5].
ثالثًا: من المعقول:
أن سبب المنع من الطلاق في الحيض هو ما يلحقُها من إطالة لفترة العدَّة عليها، والخُلْع لا يحصل إلا بقَبُول الزوجة وبرغبتها، فيكون ذلك رضًا منها، وقد يكون فيه تحقُّق مصلحتها بدَفْع سوء العِشرة من جانب الزوج[6].
أدلة أصحاب الرأي الثاني:
♦ واستدل أصحابُ الرأي الثاني القائلون: إنه يشترط لصحة الخُلْع أن تكون الزوجةُ في طُهر لم يمسَسْها الزوجُ فيه - بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ﴾ [الطلاق: 1]، وقد فسَّر ابن عباس - ترجمانُ القرآن - هذه الآية فقال: ألا يطلقها وهي حائض، أو في طُهر جامَعها فيه، ولكن يتركها حتى إذا حاضت وطهُرت، طلَّقها تطليقةً[7].
♦ ويبقى الخلاف قائمًا في هذه المسألة ما بقي الخلاف حول حُكم الطلاق في الحيض أو في طُهر مسَّها فيه، وهو ما يسمَّى: "الطلاق البِدْعي".
[1] حاشية ابن عابدين ج3 ص441، جواهر الإكليل ج1 ص338، مغني المحتاج ج3 ص308، المغني؛ لابن قدامة ج8 ص174.
[2] البحر الزخار ج4 ص174، شرائع الإسلام ج2 ص71، المحلى ج10 ص161، زاد المعاد؛ لابن القيم ج4 ص83.
[3] مغني المحتاج ج3 ص308.
[4] فتح الباري ج9 ص402.
[5] نيل الأوطار ج6 ص250.
[6] جواهر الإكليل ج1 ص338.
[7] نيل الأوطار ج6 ص226.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك