صناديق آبل .. وصناديق العقول
هناء الحمراني
كنت أرض صناديق آبل البيضاء لأجهزتي السابقة على بعضها .. وأنا أحسب قيمة كل منها على انفراد .. وفي جوانب أخرى من هذا العالم كان الناس يصطفون أمام بوابات المحلات الكبرى في انتظار بيع الإصدار الجديد من نفس الشركة.
بالرغم من أنني لا أملك ذلك الولع الشديد تجاه اقتناء الأجهزة الحديثة .. ولا أميل إلى ترقب الجديد منها؛ إلا أنني لا أستطيع تبرئة نفسي من الانبهار بمميزاتها التي تجعل من التواصل مع العالم، والكتب، والكتابة أكثر سهولة ومتعة، ولا أستطيع تبرئة نفسي من شراء أي إصدار حديث كلما شارف القديم منها على الهلاك.
يقضي الشباب والأطفال ساعات طويلة على الأجهزة، يتنقلون بين الألعاب والنكت والتفاهات التي جذبت الكثير من أبناء هذا العصر، وعندما يبدأون بالمذاكرة يعقد أحدهم حاجبه متذمراً، ويحتج الثاني محبطاً، وتنهمر التهم على رأس المعلم المسكين الذي لا يكلف نفسه عناء شرح الدروس - كما يقولون -، ولئن تكرم وشرح لم يجد فن إيصال المعلومة، ويظلون يتنقلون ما بين حرث في الكتاب ودعاء عليه!
وقنوات اليوتيوب ومواقع الإنترنت تعج بآلاف المسائل والدروس التي تسهل فهم ما أشكل عليهم، بل وفهم مسائل أصعب منها، ولكنهم يرون أن هذه الأجهزة صنعت للترفيه ولا شيء سوى الترفيه!
يسألني أبنائي أحياناً..
ما هو النيزك؟
متى قامت الخلافة العباسية؟
لماذا يتعرض الجلد للجفاف؟
ما معنى الحشرة باللغة الإنجليزية؟
وفي سؤال أخير طرحوه عليَّ أمام صناديق آبل:
ماما! لماذا لا تشترين الإصدار الجديد؟
كان السؤال الأخير مثيراً للفكر وأنا أتأمل أكوام الأجهزة التي نمتلكها .. والأموال التي تم دفعها لشرائها، والقيمة الحقيقية التي جنيناها من استخدامها؟
إذا كنا لا نبحث من خلالها عن إجابات لأسئلتنا، ولا نتوغل في أعماقها من أجل حل مسألة، أو محاولة لتطوير أنفسنا، أو لتقصي معلومة ومعرفة الحقيقة التي تتستر وراء أكاذيب الآخرين؛ فما الذي يعنيه أن يكون الجهاز الذي أمتلكه هو آخر إصدار؟
وما معنى أن تكون الشاشة كبيرة الحجم، والدقة عالية، والسعة كبيرة، ونحن لا نستخدم إلا بضع تطبيقات ذات علاقة بوسائل التواصل الاجتماعي؛ بينما يحوم الغبار الافتراضي على تطبيقات عملية تحول البيانات المحيطة إلى معلومات ذات قيمة.
حسنا! لن أقف على بوابات المحلات، وأصرخ ككائن قادم من عالم آخر لأقول: كفوا عن العبث بنقودكم، ولكنني أدعو نفسي وأدعو الجميع لكي نحدّث عقولنا بالتفكير، ونجدد حياتنا بالإبداع كما نهتم بالحصول على مخرجات التقنية الحديثة.
المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك