01-15-2021, 04:32 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 349,658
|
|
الكلام على قول أبي بن كعب: (عليكم بالسبيل والسنة)
الكلام على قول أبي بن كعب: (عليكم بالسبيل والسنة)
فواز بن علي بن عباس السليماني
قال المصَنِّف: وعن أبي بن كعبٍ رضي الله عنه [1]قال: عليكم بالسبيل والسنة:
فإنه ليس من عبدٍ على سبيلٍ وسنة ذكر الرحمنَ، ففاضت عيناهُ من خشية الله؛ فتمسه النار، وليس من عبدٍ على سبيل وسنة ذكر الرحمن، فاقشعرَّ جلده من خشية الله، إلا كان مَثَلُه مثل شجرةٍ يبس ورقها، فبينما هي كذلك إذ أصابتها الريح، فتحات عنها ورقها، إلا تحاتت عنه ذنوبه كما تحات عن هذه الشجرة ورقُها، وإن اقتصادًا في سبيل وسنة، خيرٌ من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة[2].
قوله: (بالسبيل والسنة):
تعريف السبيل والسنة:
قال في "النهاية" (ص416): السبيل: هو الطريق للتقرب بالطاعات، وهي كلمة تذكَّر وتؤنث؛ اهـ.
والسنة: قال في "النهاية" أيضًا (ص449): هي ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، أو نهى عنه، أو ندب إليه قولًا أو فعلًا، مما لم ينطق به الكتاب العزيز، ولهذا يقال في أدلة الشرع: الكتاب والسنة؛ اهـ.
قوله: (فإنه ليس من أحد): أي: فإنه ما من عبد، والله أعلم.
قوله: (فتمسه النار): أي: لن تمسه النار إكرامًا له من الله، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند "البخاري" برقم (629)، و"مسلم" (1031) ـ في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلَّا ظله ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ورجل ذكر الله خاليًا ففاضة عيناه».
قوله: (اقشعر جلده): قال في "مختار الصحاح": اقْشَعَرَّ جلده اقْشعرارًا، فهو مُقْشَعِرٌّ، والجمع قَشَاعِرُ، وأخذته قُشَعْريرةٌ؛ اهـ.
قوله: (أصابتها الريح): أي: هزَّتها الريح، والله أعلم.
قوله: (فتحاتَّ عنها ورقُها): قال في "المصباح" (1 /120): وتَحَاتَّتِ الشجرة تساقط ورقها؛ اهـ.
بعض ما في قول أبي بن كعب رضي الله عنه: (عليكم بالسبيل والسنة.... إلخ) من الفوائد:
الأولى: أهمية البكاء من خشية الله، وأنه من أسباب النجاة من النار، والله أعلم.
الثانية: الاهتمام بالسنة والمحافظة عليها.
الثالثة: بيان أن ما وافق السنة وإن قلَّ خير من كثير خالفها؛ قال تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [هود: 7].
قال ابن كثير في "تفسيره" (4 /308): قوله: ﴿ لِيَبْلُوكُمْ ﴾؛ أي: ليختبركم ﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾، ولم يقل: أكثر عملًا، بل ﴿ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾، ولا يكون العمل حسنًا حتى يكون خالصًا لله تعالى على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمتى فقَد العمل واحدًا من هذين الشرطين بطَل وحبِط؛ اهـ.
وقال تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 7].
وقال تعالى وتقدَّس: ﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 30].
وقال: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2].
قال ابن كثير في "تفسيره" (8 /176): أي: خير عملًا؛ كما قال محمد بن عَجْلان: ولم يقل أكثر عملًا؛ اهـ.
وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]؛ قال: أخلصُه وأصوبُه.
وقال: إنَّ العملَ إذا كان خالصًا، ولم يكن صوابًا، لم يقبل، وإذا كان صوابًا، ولم يكن خالصًا، لم يقبل حتَّى يكونَ خالصًا صوابًا.
قال: والخالصُ إذا كان لله تعالى، والصَّوابُ: إذا كان على السُّنَّة، ذكره البغوي في "تفسيره" (5 /124ـ 125)، وهو مشهور عنه.
وقال ابن رجب في "جامع العلوم" في شرح حديث رقم (1) - بعد أن ساق كلام الفضيل -: وقد دلَّ على هذا الذي قاله الفضيلُ: قولُ الله عز وجل: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].
وسئل أبو بكر بن عياش عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقال: ما سبقهم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بشيءٍ وقَر في قلبه.
وسئل الحسن البصري: لِمَ كان الصحابة أفضلَ مع أنَّ مِنَ التابعين من هم أكثر منهم عبادةً؟ فقال: أولئك تعبَّدوا والآخرة في قلوبهم، وهؤلاء تعبَّدوا والدنيا في قلوبهم؛ اهـ.
قلت: أما في زماننا، فقد ابتلانا الله بحب الكثرة والاغترار بها، وعدم النظر في موقعها من الكتاب والسنة، ولذا نعمل كثيرًا ونؤجر قليلًا، أو قد لا نؤجر، والله المستعان، وهو أعلم، نسأله العفو في الدنيا والآخرة.
[1] هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي، أبو المنذر سيد القراء، ويكنى أبا الطفيل أيضًا من فضلاء الصحابة، اختلف في سنة موته اختلافًا كثيرًا، قيل: سنة تسع عشرة، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: غير ذلك؛ ع. اهـ من "التقريب" (ص96).
[2] أخرجه أبو داود في "الزهد" برقم (199)، والبغوي في "شرح السنة" (1 /208)، وأبو نعيم في "الحلية" (1 /252)، ورجاله ثقات، إلا الربيع بن أنس، فحسنُ الحديث، فالأثر حسن، والله أعلم.
تنبيه: وقع في "الزهد" لأبي داود، ونقله المعلق على "الزهد" لابن المبارك، و"مصنف ابن أبي شيبة": أن الراوي عن أبي بن كعب هو أبو داود، ووقع في "الحلية" عن أبي العالية عن أُبَي بن كعب.
قال المعلق على "الزهد" لأبي داود: في المصادر المتوفرة لدينا من كتب التراجم: أن الربيع لا يروي إلا عن أبي العالية، فثبت أن في سند أبي داود، وابن المبارك، وابن أبي شيبة تحريف أبي العالية إلى أبي داود، والله أعلم؛ا هـ.
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|