01-17-2021, 11:41 AM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 348,208
|
|
(أبشري يا أمَّ العلاء؛ فإنَّ مرض المسلم يُذهب اللهُ به خطاياه، كما تُذهب النارُ .....
(أبشري يا أمَّ العلاء؛ فإنَّ مرض المسلم يُذهب اللهُ به خطاياه، كما تُذهب النارُ خبثَ الذهب والفضَّة)
مرضُ الإنسانِ مَظهرٌ من مظاهر ضعفِه وفقره وحاجته إلى الله عز وجلَّ، وهو يُصيب المؤمنَ والكافر، والتقيَّ والفاجر، فيكون لأقوام بلاءً يعقبه رضوان، ولآخرين عذابًا مِن بَعده خسران، ولله في كلِّ ما يُصيب عبادَه حِكَم لا يحصيها إلا هو.
*
وما منَّا من أحد إلا ويصيبه المرض تلو الآخر، أو يصيب مَن حوله ممَّن يحبُّ، فلربُّما لازَمَنا المرضُ، ولربَّما عافانا الله عز وجلَّ منه، وفي كل ما يقع بنا مِن أقدار الله تعالى آياتٌ يجب فهمُها وتدبُّرُها والوقوف على حِكَمها، وهكذا المؤمن يُحسن الفهمَ عن الله تبارك وتعالى في كلِّ ما ينزل به؛ إذ لله تعالى مِن وراء أقداره رسائلُ للعباد، رسائلُ يَعرفها أهلُ البصائر مِن ذوي الإيمان؛ فيسعدون بها في الدنيا قبل الآخرة.
*
ورسائلُ اللهِ للمريض وذَوِيهِ كثيرةٌ، لعلَّ عنوانها الأكبر رحمةُ الله بعبده المريض وبمن حوله ممن يهتمُّ لأمْره، بل يكون المرض كذلك رحمة لبعض الكفَّار في الدنيا.
*
وقد تضمَّن المرضُ أنواعًا من رحمة الله عز وجلَّ بعبده المؤمن في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ففي الدنيا:
♦*رجوعه إلى الله تعالى.
♦*وتعلُّق قلبه به تعالى.
♦*وكثرة تضرُّعه له عز وجلَّ.
♦*ومعايَنتُه الموت وتذكُّره الآخرة.
*
فالعبد المؤمن ما إنْ ينزل به المرض حتى يأوي قلبُه إلى الله تعالى،*لأنَّه يعلم أنَّه بقدَر الله تعالى وقع البلاء والمرض، كما بأمْره عز وجل وحده يُرفع، ومن هنا يتعلَّق قلبُه بالله وحده دون غيره، وإنْ باشر أسباب شفائه وعافيته، لكنَّه يُباشرها وهو يعلم أن الله تعالى وحده مَن بيده الشفاء والعافية، لا كمَن يتعلَّق بها قلبُه تعلُّقًا محرّمًًا، وإذا تعلَّق قلبُ العبد بالله أكثرَ مِن تضرّعِه لله تعالى أن يَشفيه، وأن يُنزل على قلبه السكينة، ويُرضيه بما ابتلاه، ثم إنَّ المرض يذكِّر الموتَ فتستقيم حاله ولا تعوج نفسه عن طريق الهداية والفلاح.
*
فالإنسانُ في غمرة الحياة الدنيا ربَّما غفل عن أعظم الحقائق ونسِيَ أولى الواجبات وأهمَّها، فيأتيه المرضُ ليراجع نفسه بما فيه الخير له، بل إنَّ كثيرًا من الناس يكُون مرضُهم أو مرضُ أحدٍ ممَّن حولهم سببًا مباشرًا للتغيير والإصلاح الكلِّي في حياتهم، ونماذج هذا في حياتنا كثيرة.
*
وفي الآخرة:
♦*تكفير السيئات.
♦*رفع الدرجات.
*
والمؤمن لا يرجو شيئا أفضلَ مِن أن تُمحى سيئةٌ له لا يدري ما تفعل به، كما قال أبو هريرة رضي الله عنه: لما نزلت ﴿*مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ*﴾ [النساء: 123]، بَلغَت مِن المسلمين مبلغًا شديدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قارِبوا وسدِّدوا؛ ففي كل ما يُصاب به المسلم كفارة، حتى النكبة يُنكَبها أو الشوكة يُشاكها)) [أخرجه مسلم].
*
فالمؤمن تحزنه سيِّئتُه، ويخاف منها، بل ويراها*جبلًا يوشك أن يقع عليه، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن سَرَّتْهُ حسنتُه، وساءتْه سيِّئتُه فذلك المؤمن)) [أخرجه أحمد والترمذي والنسائي من حديث ابن عمر وصححه الألباني في صحيح الترمذي، وروي كذلك من حديث ابن الزبير وجابر بن سمرة وغيرهما].
*
كما أن المؤمن يحبُّ أن تُرفع درجاتُه مع أهل الله وخاصَّته، وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يُصيب المؤمنَ مِن شوكة فما فوقها، إلا رفعَه اللهُ بها درجة، أو حطَّ عنه بها خطيئة)) [أخرجه مسلم].
*
فالمرض للمؤمن خيرٌ وبُشرى، كما في حديث أمِّ العلاء رضي الله عنها، قالت: عادني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة، فقال: ((أبشري يا أمَّ العلاء؛ فإنَّ مرض المسلم يُذهب اللهُ به خطاياه، كما تُذهب النارُ خبثَ الذهب والفضَّة)) [أخرجه أبو داود والطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع].
*
فبشَّرها صلى الله عليه وسلم بالمرض! كما يبشَّر الإنسانُ بالخير يأتيه، ووصَف معدنَ المسلم بخير المعادن، وهو الذهب أو الفضَّة، ومع ذلك فإنَّ الذهب يحتاج للنار كي تُذهب خبثَه، وتُبقي جودة معدنه، وكذلك المؤمن يحتاج للمرض أو البلاء يصيبه، فيُذهب خطاياه، ويُبقي حاله الطيب مع الله عز وجلَّ.
*
كما أن مرض المؤمن لا يمنعه أَجرَ ما كان يَعمل من الصالحات؛ كما في حديث أبي موسى رضي الله عنه؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مرِض العبدُ أو سافر كُتِب له ما كان يعملُ مُقيمًا صحيحًا)) [أخرجه البخاري].
*
لكنَّ طاعة الله يقُوم بها المؤمنُ وهو معافًى خيرٌ مِن أجرها وقد منعَه مرضُه مِن فِعلِها، لذا جاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جاء الرجلُ يعُود مريضًا قال: اللهمَّ اشْفِ عبدَك، يَنكأ لك عدوًّا ويمشي لك إلى الصلاة)) [أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود].
*
كما أن العافية للمؤمن خيرٌ مِن تمنِّي البلاء والمرض، وهذا كذلك مِن مقتضَيات ضعف الإنسان، ألَّا يتمنَّى المرض، وألَّا يدعو به، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجُلًا من المسلمين قد خَفَتَ فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل كنتَ تدعو بشيء أو تسأله إياه؟)) قال: نعم، كنتُ أقول: اللهم ما كنتَ مُعاقِبي به في الآخرة فعجِّلْه لي في الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبحان الله! لا تُطيقُه - أو لا تستطيعه - أفلا قلتَ: اللهم آتِنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار؟))، قال فدعا الله له فشفاه" [أخرجه مسلم وغيره].
*
وعن أنس رضي الله عنه قال: "قال رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم لم تعطني مالًا فأتصدَّق به، فابتلني ببلاء يكون أو قال فيه أجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((سبحان الله! لا تطيقه، ألا قلتَ: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار؟)) [أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصحَّحه الألباني في صحيح الأدب المفرد].
*
وهذا يُشبه قوله صلى الله عليه وسلم: ((أيُّها الناس لا تتمنَّوا لقاءَ العدوِّ، وسَلُوا اللهَ تعالى العافية)) [أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى]، فضعْفُ الإنسانِ يُحْوجه لطلب العافية، لا تمنِّي البلاء.
*
وأيضًا فإن تمنِّي البلاء أو المرض فيه بعض تزكية النفس،*إذ الإنسان لا يُقْدِم على تمنِّي المرض إلا وهو يرى نفسه أهلًا للصبر عليه والرضا به، ومَن رأى في نفسه هذا حريٌّ به أن يُخْذل، ولعلَّ مِن أسباب زجْر النبي صلى الله عليه وسلم للرجُل كذلك في حديث أنس مساواته بين عقاب الآخرة وعقاب الدنيا في قوله: (ما كنتَ مُعاقِبي به في الآخرة فعجِّله لي في الدنيا) لهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((سبحان الله لا تُطيقه)).
*
وكما أنَّ مرَض المؤمن بُشرى له،*فإنه كذلك بُشرى لذويه ومَن حوله، وذلك في حصول الأجر مِن تمريضه، والحزن عليه لما أصابه، والالتفاف حوله، وأجْر عيادته.
*
نسأل الله تعالى أن يَشفي مرضَى المسلمين في كلِّ مكانٍ، والحمد لله ربِّ العالمين.
*
وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه ومَن تبِعَهم بإحسان إلى يوم الدِّين
شبكة الألوكة
اضغط هنا للذهاب ل مصدر عنوان موضوعنا... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|