نقض الشيخ أحمد شاكر لشبهة تأخر عصر تدوين السنة

[ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران]

نقض الشيخ أحمد شاكر لشبهة تأخر عصر تدوين السنة

بينما كنت أقرء في كتاب مجموع مقالات الشيخ العلامة أبو الأشبال أحمد بن محمد شاكر وقفت على ردّ الشيخ حفظه الله على شبهة تأخّر عصر تدوين السنة التي لطالما ردّدها منكروا السنة وقذفوا بها في وجه المصلحين فأحببت أن أرمي في هذا المجال بسهم وعزمت على نسخ ما تعلّق بالشبهة من تعليق الشيخ رحمه الله على كتاب عصر النبي عليه السلام وبيئته قبل البعثة للأستاذ محمد عزة دروزة فلتتفضلوه مشكورين

قال رحمه الله بعد تعليقه على مواضع من الكتاب المذكور :

وتجد هذا المعنى مبثوثا في ثنايا الكتاب في مواضع متفرقة : التعليل بتأخير التدوين لرد الروايات التي رويت عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعن بيئته وعصره واتخاذ هذا التعليل تكأة لإنكار كل مروي صحيح أو غير صحيح في كتب السيرة أو في غيرها حتى يعم ( كل كلام مما روي من كلام ذلك العصر والبيئة !!) فإن لم يكن هذا إنكارا لصحة الأحاديث و نفيا لكل رواية إسلامية عن آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصره فما ندري ماذا يكون الإنكار والتكذيب !!


كنت وأنا أقرأ الكتاب إذا مرّت بي كلمة نحو هذه الكلمات أكاد اظنّ أني أقرأ كلمة من كلمات جلدزيهر ومرجيليوث وأمثالهما من المستشرقين وما أظن المؤلف قصد إلى هذا المعنى حرفيا بما فسّر لي من رأيه وبما تبدأ مما ظننا به .
لكن المؤلف - فيما أرى - لم يدرس علوم الحديث دراسة وافية ولم يطلع على ما بذله علماء الحديث في الصدر الأول من جهد وما استنبطوا من قواعد لرواية الأخبار والآثار حتى ينفوا عنها الدخيل وينقوها من الخطأ والعمد في التغيير حتى تبرز صحيحة واضحة نقية فوضعوا الشروط الدقيقة في الراوي الذي يأخذون عنه الحديث وفي المروي الذي يرويه وجعلوا أساس هذا كله العدالة عدالة الناقل المحدث بما في شروط العدالة المعروفة من دقة تجعل الراويموضع الثقة بما عرف عنه من أمانة وصدق وشرطوا أن لا يخالف الحديث المروي كتاب الله ولا المعلوم من الدين بالضرورة ولا ما رواه كافة الرواة الثقات العدول .
وكانت الأمة الإسلامية في القرون الثلاثة الأولى أمة صدق وأمانة في مجموعها وكان الجريء على الكذب نادرا وكان المسلمون - ولا يزالون - يعرفون أت الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الجرائم وهم يوقنون بما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم : ( من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار) - متفق عليه - وكانو أكثر ما يخافون من النقائص الكذب .
ومع هذا فإن النقاد الفطنين من أئمة الحديث لم يكتفوا بما عرفوا من أمانة الراوي وصدقه وعدله في دينه وعدله في خاصة نفسه بل سبروا حديث كلّ راو وعرضوه على كتاب الله وعلى ما عرفوه من دينهم وما تواتر لديهم قولا وعملا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ نفوا من الرواية ما خالف شيئا من هذا واحتاطوا في ذلك أشد حيطة فلم يدعوا منفذا لكذاب أو مخادع حتى كانوا إذا ما كثر في رواية راو من الرواة شذوذ ما يرويه ومخالفته أسقطوا كلّ روايته مهما يكن مبلغ صلاحه وتقواه والثقة به يرفضون كلّ ما يروي مما وافق ومما خالف إذا عرفوا عنه كثرة رواية الروايات المنكرة المخالفة .
وهذا فنّ طويل عويص يريد المستشرقون وأتباعهم أن ينفوه ويسقطوه بكلمة واحدة ظاهرها الفتنة : أن هذه الأحاديث لم تدون إلاّ بعد عصر التبي بأمد طويل !!
وما درى المغرورون بهم والمخدوعون بقولهم أن معنى هذا أن الأمة الإسلامية كلها من أئمة الحديث والفقه ومن أعلام البحث والتحقيق ومن الصحابة والتابعين وأتباعهم كانوا رجالا كذابين مخادعين منافقين لا يتورعون عن الكذب في دينهم والإفتراء على رسولهم وهدم هذا المجد العظيم الذي خصّهم الله به ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم إليهم و حاشاهم من ذلك وهم أعرف بالله ودينه وأتقى لله من أن يرضوا لأنفسهم نقيصة الكذب والإفتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا ما كذبوا في بعض الأمر ارتفعت الثقة بكلّ شيء وسقط كل ما جاءوا به من الحق ولا يقول هذا مسلم بل لا يقوله عاقل
ثمّ ما هذه الخدعة خدعة التدوين ؟ أفنظن أن التدوين أمارة الصحة ؟ من قال هذا ؟ ثم يقال هذا في عصرنا الذي انتشرت فيه الأكاذيب المدونة من أخبار الصحف ومن القصص الخيالي والتمثيل والسينما ومن افتعال الأخبار في كل شيء على الأحياء والأموات مما جاءنا من أروبة أو قلدنا فيه أوربة ؟
حتى أن بعض من ينتسبون إلى الإسلام ذهب بهم التقليد ودفعتهم الجرأة إلى الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه بما يزعمون أنهم يقرّبون التاريخ الإسلامي إلى البسطاء من القراء فذهبوا يتخيلون القصص عنهم ويضعون الكذب على ألسنتهم ويقولون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ويقولون أصحابه وأئمة الإسلام ما لم يقولوا !! هذا هو التدوين الذي يريدون أن يتخذوه تكأة لهدم الصرح الشامخ والمجد السامق من الأحاديث الثابتة ومن التاريح الإسلامي الصحيح !!
أنظروا أيها الناس إلى تاريخ أئمة الهدى من الصحابة والتابعين فمن بعدهم في خوفهم من الله وفي خلقهم ومعاملتهم ويكفيكم معاملتهم لأعدائهم في عصر الفتوح ورأفتهم ورحمتهم بالضعفاء من النساء والولدان والشيوخ والرهبان ونحوهم ثم وازنوا بينهم وبين تواريخ الأمم التي تعظمونها وتقلدونها في كلّ ما تقول وتفعل في قديمهم وقد كانوا في جهالة عمياء وكانوا عباد الشهوات ولا يعرفون حراما من حلال ولا يتورعون عن شيء وفي حدبثهم ويا ويل ما رأيتم من حديثهم .
أفتظنون إذا وازنتم بعقل وحكمة وعدل أنكم واجدوا أئمتكم من السابقين الأولين كانوا كذابين مخادعين هدامين أترضون أن يقال هذا في مالك والشافعي وأحمد ابن حنبل والبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وشيوخهم وإخوانهم وأتباعهم ممة حملوا إليكم الشريعة والسنن والتاريخ ممن هدى الله واجتبى ؟!

المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك