علاقة الجزاء بالمسؤولية
سجاد أحمد بن محمد أفضل
يعد الجزاء النتيجة المترتبة على قيام الإنسان بمسؤولياته أو مخالفته لها. وحدد القرآن الجزاء بقدر المسؤولية مع إيثار جانب الرحمة والعفو ومضاعفة الحسنة. قال تعالى: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [1].
فعندما يوجه الله تعالى إلينا أمره فهو يلزمنا، فإن استجبنا وخضعنا لأمره ولبينا نداءه، نكون قد تحملنا مسؤوليتنا التي يترتب عليها الجزاء الحسن. وإن كان موقفنا أمام نداء الله تعالى وأمره ومخاطباته لنا التمرد والعصيان والمخالفة، ترتب على ذلك الجزاء السيئ، فالمطيع لأمر الله تعالى والقائم برعايته يجزيه الله تعالى ثوابا حسنا، والعاصي لأمر الله تعالى المخالف لطاعته يعاقبه الله بالعقاب الأليم.
وبذلك يتبين أن الجزاء أمر مرتب على المسؤولية وسبب ناشئ منها. فالمسؤولية والجزاء معناهما متلازمان تتداخل حقائقهما وتتآلف معالمهما لما بينها من علاقة وثيقة، الأمر الذي يجعل كل من يتناول موضوع المسؤولية بالحديث لا بد أن يتناول الجزاء المرتب عليها، لأن التلازم بينها ثابت لا ينفصل.
وهكذا فإن الله تعالى قد ربط المسببات بالأسباب ربطاً محكماً، ومنها الجزاءات على اختلاف أنواعها، لتكون عاقبة للأعمال، لا تغادر منها صغيرة ولا كبيرة إلا بثواب أو عقاب، وذلك ليقوم الناس بالعدل، وتتهيأ نفوسهم للتكليف والسؤال، وتتحقق العبودية لله تعالى، ويوفى كل نصيبه غير منقوص.
لذلك لا بد الآن تحديد معنى الجزاء وحقيقته وأنواعه والآثار المترتبة للجزاء في حياة الفرد والجماعة وإليك تفصيل هذا الموضوع في الفصول القادمة.
الجزاء لغة واصطلاحاً:
الجزاء لغة:
الجزاء مصدر، ترجع مادته إلى الجيم والزاي والياء: جزي[2]، ويدور استعماله على معان، هي:
1- المكافأة على الشيء، يقال: جزاه به، وعليه جزاء، وجازاه مجازاة وجزاء. ومنه قول الحطيئة: «من يفعل الخير لا يعدل جوازيه» إذ جوازيه جمع جاز، أي لا يعدم جزاء عليه، ويستعمل هذا المعنى في الثواب والعقاب.
المعنى في الثواب والعقاب:
1- الكفاية، يقال: جزى الشيء يجزي، بمعنى كفى.
2- القضاء، يقال. جزى عنك الشيء، بمعنى قضى.
3- الغناء، جزيت فلاناً بما صنع جزاء أي أغنيته[3].
وهي معان متقاربة في المدلول، كل منها يعني مقابلة لشيء سابق، إما على سبيل الإحسان والثواب أو على الإساءة والعقاب.
معاني الجزاء في القرآن الكريم:
ورد الجزاء في القرآن الكريم على ستة أوجه على جميع المعاني اللغوية المتقدمة:
الأول: بمعنى المكافأة والمقابلة، قال تعالى: ﴿ وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ﴾[4]. أي تقابل.
الثاني: بمعنى الأداء والقضاء: يقول الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا ﴾[5] أي لا تقضى ولا تؤدى.
الثالث: بمعنى الكفاية، قال تعالى: ﴿ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ﴾[6].
الرابع: بمعنى العوض والبدل، قال تعالى: ﴿ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾[7].
الخامس: بمعنى ثواب الخير والشر. قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾[8].
السادس: بمعنى الجزية وهي الخراج الذي يؤخذ من أهل الذمة وتسميتها بذلك للاجتزاء بها في حقن دمهم، قال تعالى: ﴿ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [9].
ومما يلاحظ أنه لم يرد في القرآن الكريم إلا جزى دون جازى وذلك أن المجازاة هي المكافأة وهي المقابلة من كل واحد من الرجلين والمكافأة هي مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها ونعمة الله تعالى ليست من ذلك ولهذا لا يستعمل لفظ المكافأة في الله عز وجل[10].
الجزاء اصطلاحاً:
ومن كل ما تقدم نعلم أن الجزاء يندرج تحت أمران: الثواب والعقاب، ويقصد بالثواب: ما يرجع إلى الإنسان من خير أو شر جزاء على عمله، ويكثر استعماله فيما يرجع من خير، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ﴾[11].
ويقصد بالعقاب: ما يجازى به الإنسان من عذاب على فعل السوء، ويختص بالعذاب، ومنه قوله تعالى: ﴿ إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ ﴾ [12].
التعريف المختار:
إذاً الجزاء ينقسم بحسب النوع إلى ثواب وعقاب، وأن الثواب هو الجزاء الحسن على فعل الحسنات وترك السيئات. وأن العقاب هو الجزاء السيء على التفريط في فعل الحسنات واقتراف السيئات والجزاء بنوعية ثواباً وعقاباً يشمل كل جزاء يترتب على فعل الإنسان في كل وقت.
[1] سورة الأنعام. آية 160.
[2] معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، بتحقيق وضبط عبد السلام هارون، 1/455.
[3] لسان العرب، لابن منظور 14/143 – 146. وأنظر أيضاً القاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص: 1168 بإعداد وتقديم: محمد عبد الرحمن المرشيلي، ط: الثانية، 1424هـ، دار إحياء التراث العربي. بيروت.
[4] سورة الليل. آية 19.
[5] سورة البقرة. آية 48.
[6] سورة لقمان. آية 33.
[7] سورة المائدة. آية 95.
[8] سورة غافر. 17.
[9] سورة التوبة. آية 29.
[10] بصائر ذوي التميز، للفيروزآبادي، 2/380 – 382، ط: المكتبة العلمية، بيروت، لبنان. والمفردات في غريب القرآن، للراغب الأصبهاني، ص: 93، الناشر: أصح المطابع بكراتشي.
[11] سورة آل عمران. آية 148.
[12] سورة ص. آية 14.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك