شبكة ربيع الفردوس الاعلى  

   
 
العودة   شبكة ربيع الفردوس الاعلى > 3 > الموسوعة الضخمة مواضيع اسلامية هامة جداااااااااااااااااااااااا
 
   

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: مصحف سعد الغامدي معلم مزدوج ترديد الاطفال مقسم اجزاء (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: سعد الغامدي المصحف المعلم التكرار 3 مرات مقسم اجزاء (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف سعد الغامدي مقسم اجزاء حجم صغير (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف سعود الشريم مقسم أجزاء و مسرع الى نصف الوقت (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف سعود الشريم مقسم اجزاء و مسرع الى نصف الوقت الجزء ربع ساعة فقط (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف أنس عيسى العمادى 92 سورة (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف سعد الغامدي معلم ترديد الاطفال 114 سورة جودة رهيبة (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف سعد الغامدي معلم ترديد الاطفال 114 سورة بجودة 64 ك (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف سعد الغامدي معلم ترديد الاطفال 114 سورة بجودة 32 حجم صغير (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)       :: مصحف سعد الغامدي معلم ترديد الاطفال 114 سورة بجودة 16 حجم صغير جداااااااا (آخر رد :ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران)      

إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

  #1  
قديم 11-22-2014, 04:02 PM
منتدى اهل الحديث منتدى اهل الحديث غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 5,969
افتراضي الغرر (الاتجاهات، الشروط، الأثر)

الغرر
(الاتجاهات، الشروط، الأثر).


أهمية فقه ما نهى عنه الشارع من بيوع الغرر:
• تظهر أهميته عندما نعلم أنه ينضوي تحت هذ الأصل فقط عدة شروط:
1- العلم: (بالثمن، بالمثمن).
2- القدرة: (على التسليم).
3- الوجود: (السلم، الاستصناع، إجارة المنفعة المعدومة).
 نقول في الغرر:
قال البخاري في صحيحه: (باب بيع الغرر وبيع حبل الحبلة) .
وقال القاضي عبد الوهاب البغدادي: (يجمع بيع الغرر ثلاثة أوصاف:
أحدها: تعذّر التّسليم غالبًا، والثّاني: الجهل، والثّالث: الخطر والقمار) .
وقال النووي: (النهي عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول كتاب البيوع، ولهذا قدمه مسلم، ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة) .
وقد جعل ابن تيمية: بيع الغرر من ضمن المنكرات التي نهى الله عنها ورسوله من العقود المحربة كالربا والميسر والغرر .
ويقول ابن تيمية عن ضرر الغرر: (يفضي إلى مفسدة الميسر: التي هي إيقاع العداوة والبغضاء مع ما فيه من أكل المال بالباطل الذي هو نوع من الظلم. ففي بيع الغرر ظلم وعداوة وبغضاء) .
وقال الدكتور عبد الرزاق السنهوري في معرض الرَّد على مَنْ يمنع التأمين لما فيه مِنَ الغرر: (أمَّا الغرر فقد بينا في كتابنا: «مصادر الحق في الفقه الإسلامي» أنَّ هناك تطورًا ملحوظًا في الفقه الإسلامي في هذه المسألة، وأنَّ أكثر المذاهب تطورا فيها هو مذهب مالك، وقد بيَّن ابن رشد في عبارة جليَّة الأصل عند مالك في ذلك، فقال: (والأصل عنده أنَّ مِنَ الغرر ما يجوز لموضع الضرورة).
وقال أيضا: (الواجب يقتضينا أن نسجل هنا للفقه الإسلامي حسنة من حسناته الكبرى، فهو قد اتخذ للغرر معايير مرنة، أمكن معها تغاير الحلول عند تفاوت الظروف واختلاف الملابسات، فيستطيع الفقه الإسلامي من وراء هذه المعايير مسايرة الحضارات المتطورة في كل عصر. ولا شك في أن النظام القانوني الذي يتخذ المعايير المرنة – دون القواعد الجامدة – إنما يدل بذلك على تقدم كبير في الصناعة القانونية يجاري بها ما يستحدثه التطور، وعلى حيوية عظيمة تكمن فيه فتجعله صالحا للبقاء في العصور المتقابلة .




 عناية العلماء بمسائل الغرر:
من الفقهاء الذين أفردوا بابا للغرر:
1) ابن رشد الجد: (المقدمات الممهدات) .
2) ابن رشد الحفيد: (بداية المجتهد).
3) القرافي: (الفروق).
4) ابن تيمية: (القواعد النورانية).
ومن المعاصرين:
5) عبد الرزاق السنهوري: (مصادر الفقه الإسلامي (3/16)، الوسيط (مجلد1/ جزء7).
6) عبد الله بن جبير: (الغرر في محل الالتزام التعاقدي)، مطبوع بالآلة الكاتبة في معهد الدراسات العربية، وهو صاحب السبق في الكتابة.
7) الصديق الضرير: (الغرر وأثره في الفقه الإسلامي).
8) ياسين درادكة: (نظرية الغرر في الشريعة الإسلامية، دراسة مقارنة) .
9) عبد الله الصيفي: (الجهالة وأثرها في عقود المعاوضات) .
10) إسماعيل كاظم العيساوي: (أحكام العيب في الفقه الإسلامي).




تعريف بيع الغرر:
الغرر لغة: الخطر، أو التعرض للخطر، والخطر هو الذي لا يدري أيكون أم لا .
يقال: غرر بنفسه وماله إذا عرضهما للهلكة، ومنه الرجل الغر المخدوع.
ومنه: الغرور، فغرور مثل رسول اسم فاعل مبالغة، فغرته الدنيا غرورا أي خدعته، فالدنيا متاع الغرور، ومنه سمي الشيطان: غرورا، لأنه يحمل على محاب النفس، ووراء ذلك ما يسوء .
تنبيه: عرَّف بعضُهم الغرر الشرعي بالخطر، كما هو تفسيره اللغوي، وهذا وإن كان فيه إجمال إلا أنه التفات إلى سبب المنع منه، وهو ما في الغرر من مخاطرة.

• الغرر اصطلاحا:
تبايتنت عبارات العلماء في تعريفه على طرق، جملتها ترجع إلى أربعة تعريفات:
الأول: (المجهول): وأشار إليه بعض الفقهاء بقوله: (ما طوى عنك علمه).
وهذه طريقة ابن المنذر ، وابن حزم ، والقاضي عياض .
وتعريف الغرر هنا: هو تعريف المجهول بالمطابقة، فبيع الجهالة هو بيع الغرر، وبيع الغرر هو بيع الجهالة.
الثاني: (المجهول العاقبة): وهذا تعبير ابن تيمية، أو المستور العاقبة، في تعبير السرخسي، أو: (ما طوي أمره وخفي عاقبته)، كما هي طريقة الشيرازي ، أو هو (ما يجوز أن يوجد وأن لا يوجد ... هل يحصل له أم لا) كما هو تعريف ابن بطال .
وفي لسان كثير من الفقهاء: إنه الخطر الذي لا يدري أيكون أم لا كبيع السمك في الماء والطير في الهواء .
وهذا التعريف: ينظر إلى الشك إلى أصل الحصول أو عدمه، وهذه الصورة هي الأصل في الغرر، كما قرره القرافي .
وقد رجح الصديق الضرير: هذا التعريف لأنه أجمعها للفروع الفقهية التي أدخلها الفقهاء تحت الغرر مع قلة كلماته .
الثالث: (ما احتمل أمرين): وهذا تعريف جماعة من الفقهاء، كالرملي، والخرشي ، والدسوقي ، وأبي يعلى ، والكاساني ، وقيده بعض الشافعية: (بأن يحتمل أمرين أغلبهما أخوفهما)، وقصره بعضهم على الشك في وجود المبيع من حيث الحصول أو لا، وهذه طريقة ابن عابدين.
ويبدو أنه لا يوجد فرقٌ بين هذا التعريف والذي قبله، إلا أن الثاني نظر إلى أثر العقد، والثالث نظر إلى صورة العقد.
الرابع: (كل بيع يحتمل فيه غبن المبتاع) : وهذا تعريف النووي، وفيه سعة من جهة تداخله مع بيع التدليس الذي يقصد به تغرير المشتري، وفيه قصور من جهة أن الغرر يحتمل أن يكون الغرر فيه على البائع.
وهذه التعريفات: فيها تداخل كما لا يخفى، وكلها تؤكد حقيقة واحدة، وهي أن عقد الغرر من جملة العقود الاحتمالية (لا المحددة) ، وهذه الاحتمالية لها ثلاثة زوايا في مجموع تعريفات الفقهاء، ما ذكر منها وما لم يذكر: (العدمية، العجز، الجهل).
الزاوية الأولى: العدمية: (احتمال عدم الوجود)، وهي الأشهر حتى جعلها القرافي هي أصل الغرر .
الزاوية الثانية: العجز: (عدم القدرة على التسليم).
الزاوية الثالثة: الجهل: (عدم العلم بحقيقة المبيع أو وصفه أو قدره).
وهذه الزوايا كلها قد جمعها بعض أهل العلم:
كابن عبد البر فإنه قال: (جملة معنى الغرر أنه كل ما يتبايع به المتبايعان مما يدخله الخطر والقمار وجهل معرفة المبيع والإحاطة بأكثر صفاته) .
وكان ابن القيم أكثر تحديد لهذه الأنواع الثلاثة، إذ قال: (مالا يعلم حصوله، أو لا يقدر على تسليمه، أو لا تعرف حقيقته ومقداره) .
• إضافات:
الإضافة الأولى: يعبر بعض الفقهاء بالغرور على من حصل له الغبن في عقد الغرر.
الإضافة الثانية: بالتعريف المختار يتبين أن الجهل نوع من أنواع بيع الغرر، فبينهما عموم وخصوص مطلق، فكل جهالة غرر، وليس كل غرر جهالة، وهذا ما تدل عليه كثير من عبارات العلماء، وهو اختيار الضرير حيث قال: (الذي أراه أن الغرر أعم من الجهالة، فكل مجهول غرر، وليس كل غرر مجهولا) .
ويرى فريق من أهل العلم كابن تيمية والقرافي: أن هناك فرقا بين عقود الغرر والجهالة:
فيرى القرافي:
أن الغرر: ما لا يدرى هل يحصل أو لا جهلت صفته أو لا.
بينما المجهول: ما علم حصوله وجهلت صفته.
فكل واحد منهما: أعم من وجه، وأخص من وجه، وقد يجتمعان، وقد يتوسع العلماء فيهما فيستعملون أحدهما موضع الآخر .
ويرى ابن تيمية:
أن الغرر: هو المبيع نفسه كالثمرة قبل بُدُوِّ صلاحها، وليس هو صفة للبيع نفسه كما يظن بعض الفقهاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عن البيع الذي هو غرر، بل نهى عن بيع المبيع الذي هو غرر فالمبيع نفسه هو الغرر.
فالغرر: قد قيل في معناه هو ما خفيت عاقبته وطويت مغبته أو انطوى أمره وقيل ما تردد بين السلامة والعطب،
ومعنى هذا ما كان مترددًا بين أن يسلم للمشتري، فيحصل المقصود بالعقد وبين أن يعطب فلا يحصل المقصود بالعقد.
وهذا التفسير: أبين وأوضح من الأول فإن الغرر من التغرير والمغرر بالشيء المخاطر والمخاطر المتردد بين السلامة والعطب وهذا هو الذي خفيت عاقبته فهذا كله يعود إلى سلامة المبيع للمشتري وحصوله له.
فأما ما كان حاصلًا له مقبوضا له سليمًا: فهذا لا يسمى غررًا لكونه لم يعلم قدره.
واستشهد ابن تيمية على ذلك: بأنه لا يسمى مال الرجل في بيته وصندوقه غررا، وإن لم يعلم كيله ووزنه.
واعتبر: أن دخول العلم بالقدر أو الوصف في اسم الغرر مما لا أصل له .
ومن هنا ندرك: سبب تفسير ابن تيمية للغرر بأنه المجهول العاقبة، أو أنه ما تردد بين السلامة والعطب .
ولابن تيمية في القواعد النورانية: ما يخالف هذا التقرير؛ فإنه اعتبر المجهول نوعا من أنواع الغرر حيث قال: (وأما الغرر فإنه ثلاثة أنواع:
1) إما المعدوم، كحبل الحبلة، وبيع السنين.
2) وإما المعجوز عن تسليمه، كالعبد الآبق.
3) وإما المجهول المطلق، أو المعين المجهول جنسه أو قدره، كقوله: بعتك عبدا، أو بعتك ما في بيتي، أو بعتك عبيدي) .
ولكن كلامه الأول: في كتابه "العقود": أولى أن يصار إليه في تحرير رأيه لأنه مفصل ومعلل، وهو بطريقته أشبه.

حكم الغرر:
بيع الغرر من بيوع الجاهلية، وهو منهي عنه بدلالة الكتاب والسنة والإجماع، وذلك كما يلي:
• الكتاب:
وذلك في أصلين كبيرين:
الأصل الأول: أن الغرر من أكل أموال الناس بالباطل:
قال الله عز وجل: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188].
الآية تدل: على أن المسلم منهي عن أكل المال بالباطل على غير الوجه الذي أباحه الله كالربا والغرر، ولأن الباطل هدر ضائع ليس في مقابلة عوض مباح.
فالباطل الذي نهي عن أكل المال به: لفظة جامعة، لا نظير لها في مؤداها في هذا الموضع، فالباء والطاء واللام أصلٌ واحد في ذهاب الشيء وقلة مكثه، فالباطل هو الهدر الذي لا قيمة له، الذي يذهب ضياعا وخسرا .
قال ابن رشد الجد: (معناه: تجارة لا غرر فيها ولا مخاطرة ولا قمار، لأن التراضي بما فيه غرر أو خطر أو قمار لا يحل ولا يجوز) .
وهذا تفسير جماعة من المفسرين، ولا أدري ما سبب استثناء بعض المفسرين من الأكل في الباطل في الآية: الغبن في البيع مع معرفة البائع بحقيقة ما باع بدعوى لا معنى لها في النظر .
والأكل بالباطل ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: ما علمه جميع السامعين مما هو صريح في كونه باطلا كالغصب والسرقة والحيلة.
المرتبة الثانية: ما ألحقه الشرع بالباطل فبين أنه من الباطل وقد كان خفيا عنهم وهذا مثل الربا فإنهم قالوا: {إنما البيع مثل الربا}، ومثل رشوة الحكام، ومثل بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ففي الحديث: «أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه»، والأحاديث في ذلك كثيرة، قال ابن العربي: (هي خمسون حديثا).
المرتبة الثالثة: ما استنبطه العلماء من ذلك، فما يتحقق فيه وصف الباطل بالنظر، وهذا مجال للاجتهاد في تحقيق معنى الباطل، والعلماء فيه بين موسع ومضيق، وتفصيله في الفقه .
الأصل الثاني: أن الغرر من جنس الميسر والقمار:
قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]
ووجه كونه ميسرا: أنه تضيع للمال بالمخاطرة.
قال ابن رشد عن الغرر: (إنه من الميسر الذي حرمه الله في كتابه) .
وقال ابن تيمية: (النبي صلى الله عليه وسلم حرم أشياء داخلة فيما حرمه الله في كتابه، فإن الله حرم في كتابه الربا والميسر، وحرم النبي صلى الله عليه وسلم بيع الغرر، فإنه من نوع الميسر) .
وقال أيضا: (الذي نهى عنه النبي من العقود منه ما يدخل في جنس الربا المحرم في القرآن، ومنه ما يدخل في جنس الميسر الذي هو القمار، وبيع الغرر هو من نوع القمار والميسر فالأجرة والثمن إذا كانت غررا مثل ما لم يوصف ولم ير ولم يعلم جنسه كان ذلك غررا وقمارا) .
والحقيقة: أن الغرر وإن كان يشترك مع الميسر في المخاطرة، فإنهما يختلفان في الموضوع، فموضوع الغرر في المبايعات، والميسر موضوعه في اللعب والمغالبات.
والضرر الحاصل منهما واحد، وإن كان يختلف بقدر تفاوت المخاطرة، مع ما في الميسر من عبث اللعب والمغالبات، أما الغرر فهو في العقود وقد تدعو الحاجة إليه، فيجوز إذا كان يسيرا.
ولهذه العلاقة بينهما: في حصول المخاطرة، وما يتبعه من أكل أموال الناس بالباطل، اعتبر بعض العلماء أن الغرر من جنس الميسر الذي هو القمار .
وقد يقال: بل العكس هو الصحيح، فالقمار هو نوع خاص من الغرر، فكل قمار لا يخلو مِنْ غرر، لكن يجوز أنْ تقع صورة الغرر مِنْ غير تحقق صورة القمار، كما في بعض البيوع المحرمة، التي هي موضوع هذا البحث.
• السنة:
نصت السنة على الغرر من جهتين:
الجهة الأولى: النهي عنه بعينه:
وحديث الباب: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة ، وعن بيع الغرر) .
وفيه أحاديث أخر: مثل حديث حكيم بن حزام عند الأربعة، قال عليه الصلاة والسلام: «لا تبع ما ليس عندك»، وعند الأربعة أيضا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل سلف وبيع ولا شرط في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك» .


والجهة الثانية: النهي عن كثير من صوره: (الثمرة قبل بدو صلاحها، حبل الحبلة، الثنيا، الملاقيح، المضامين، الحصاة، المنابذة، الملامسة .....).
قال ابن رشد الجد: (كانت هذه كلها بيوعا كان أهل الجاهلية يتبايعون بها، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها، لأنها من أكل المال بالباطل) .
قال النووي: (بيع الملامسة، وبيع المنابذة، وبيع حبل الحبلة، وبيع الحصاة، وعسب الفحل وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة هي داخلة في النهي عن بيع الغرر ولكن أفردت بالذكر ونهي عنها لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة) .
 الإجماع:
وذلك من جهتين:
الجهة الأولى: حكاية الإجماع:
1. قال إبراهيم النخعي: (كانوا يكرهون بيع الغرر) .
2. قال ابن العربي: (الغبن في الدنيا ممنوع بإجماع في حكم الدنيا إذ هو من باب الخداع المحرم شرعا في كل ملة) .
3. قال علاء السمرقندي: (ترك بيان هذه الأشياء يوجب جهالة مفضية إلى المنازعة وهي مفسدة بالإجماع) .
4. نقل ابن رشد الحفيد: اتفاق الفقهاء على انقسام الغرر إلى:
- غرر مؤثر.
- غرر غير مؤثر.
ثم اختلفوا: في بعض البيوع من أي القسمين هي .
وقال في موضع آخر: (بالجملة فالفقهاء متفقون على أن الغرر الكثير في المبيعات لا يجوز، وأن القليل يجوز، ويختلفون في أشياء من أنواع الغرر، فبعضهم يلحقها بالغرر الكثير، وبعضهم يلحقها بالغرر القليل المباح لترددها بين القليل والكثير) .
5. واعتبر الشاطبي: أن قاعدة الغرر والجهالة قطعية .
الجهة الثانية: نصوص كثير من فقهاء الصحابة والتابعين على النهي عن الغرر وصوره، وهذا يصعب حصره.
الجهة الثالثة: تنصيص شراح الحديث على كون الغرر منهي عنه في شرحهم لحديث النهي أو صوره الكثيرة من غير اختلاف، وكذلك تنصيص فقهاء المذاهب الأربعة كلهم، إضافة إلى الفقه الظاهري، على تحريم الغرر، والنهي عن صوره.
• احتراس:
حُكيَ عن بعض السلف إباحة الغرر، وذلك لما يلي:
1. عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه اشترى بعيرا وهو شارد) .
2. عن سعيد بن المسيب، أن الناس قالوا: (ليتنا قد رأينا بين عبد الرحمن بن عوف وبين عثمان بيعا حتى ننظر أيهما أعظم جدا في التجارة ، فاشترى عبد الرحمن من عثمان أفراسا بأربعين ألفا، واشترط عليه إن كانت الصفقة أدركتها وهي حية مجموعة إلى الراعي ليست بضالة، فقد وجب البيع، ثم جاوز شيئا فقال عبد الرحمن: ما صنعت؟ فرجع إليه فقال: أزيدك ستة آلاف على إن أدركها الرسول وهي حية فعلي، فأدركها الرسول وقد نفقت، فخرج عبد الرحمن من الضمان بالشرط الآخر) .
3. عن شريح: (لا بأس ببيع الغرر إذا كان علمها فيه سواء) .
4. عن ابن سيرين: (لا أعلم ببيع الغرر بأسا) .
5. عن ابن سيرين والشعبي، قالا: (لا يجوز بيعه حتى يعلم البائع ما يعلم المشتري) .
6. عن الشعبي ، قال: (أتى رجل شريحا فقال : إن لي عبدا آبقا وإن رجلا يساومني به فأبيعه منه ؟ قال نعم ، فإنك إذا رأيته فأنت بالخيار ، فإن شئت أجزت البيع ، وإن شئت لم تجزه) .
7. عن الشعبي، قال : (إذا أعلمه منه ما كان يعلم منه جاز بيعه ولم يكن له خيار) .
وروي عن الشعبي خلاف ذلك: (في رجل اشترى عبدا آبقا وجده ، أو لم يجده ، فكرهه ، وقال: هو غرر) .
8. عن إبراهيم: قوله: (من الغرر ما يجوز ومنه ما لا يجوز، فأما ما يجوز فشراء السلعة المريضة، وأما ما لا يجوز فشراء السمك في الماء).
والجواب عن ذلك كما يلي:

غاية ما في بعضها: إثبات الخلاف في بعض جزئيات بيع الغرر، كبيع العاجز عن تسلميه، ومثاله في أثر ابن عمر رضي الله عنه، بيع البعير الشارد، ونحوه في الأفراس في أثر عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما.
ومثله كذلك: المروي عن ابن سيرين، وشريح القاضي، والشعبي.
فالذي يبدو والله أعلم: أن بيع الغرر كان الاصطلاح الشائع إطلاقه على بيع العاجز عن تسليمه، كبيع العبد الآبق، والجمل الشارد، فجوزه بعضهم كابن سيرين، واشترط بعضهم أن يعلم البائع منه ما يعلم المشتري كما روي عن الشعبي، فهو خلاف قديم معروف، وإن كان المنع منه هو قول عامة أهل العلم، ومنهم فقهاء المذاهب الأربعة.
وهذا الاصطلاح كما أنه كان يدور على كثير من ألسنة التابعين والفقهاء المتقدمين، فهو أيضا الذي صار إليه جماعة من العلماء في تعريف الغرر، وأنه المجهول العاقبة، كالطير في السماء وأشباهه، وهذا وإن لم يكن الاقتصار عليه راجحا، إلا أنه يفسر سبب ما يحكى من خلاف في أصل حكم الغرر، وإنما هو في بعض صوره، ويدعونا كذلك إلى فقه عباراتهم، فترجيح المعنى الشرعي أمر، وفقه عبارات السلف شأن آخر.
أما المروي عن إبراهيم النخعي: فهو أبعد من أن يكون خلافا فهو جعل الغرر قسمين، منه ما يجوز، وهو بيع السلعة المريضة، وهذا ليس موضوع البحث، وجعل منه قسما ممنوعا، وهو بيع السمك في الماء، كما هو مذهب الجمهور، وهو يؤكد أيضا مدى شيوع إطلاق بيع الغرر على هذا النوع من البيع.
ناهيك عن كون إبراهيم النخعي: هو أقدم من حكى ما يمكن أن يوصف إجماعا في كراهة بيع الغرر، وتقدم إيراد الأثر في دليل الإجماع.
ولبعض الشراح: أجوبة أخرى .
• تنبيه: في شرح مسلم للنووي خطأ مطبعي أوهم أن النهي عن بيع الغرر نهي تنزيه ، وذلك في قوله: (كما نهى عن بيع الغرر نهى تنزيه)، والصواب أنه وقع تصحيف من "الهر" إلى "الغرر"، فالحديث عن بيع الهر لا عن بيع الغرر، نبه على هذا الأخ أبو الطيب الروبي عضو ملتقى أهل الحديث.



• تفسير حديث الباب:
في تفسير حديث النهي عن بيع الغرر، اتجاهان لأهل العلم:
الاتجاه الأول: أن الإضافة في الحديث من باب إضافة المصدر إلى مفعوله، فالغرر هو المبيع نفسه، ف "فعل" بمعنى "مفعول"، أي مغرور به، كالقبض والسلب بمعنى المقبوض والمسلوب، فالمعنى: النهي عن بيع المغررور به، كما نُهي عن بيع الملاقيح والمضامين، وعلى هذا فيكون الغرر خاصا بمحل العقد.
وهذا اتجاه: ابن تيمية وابن القيم ، وتقدمت إشارة إلى هذا من كلام ابن تيمية في معرض تفريقه بين عقود الجهالة والغرر.
الاتجاه الثاني: أنه من باب إضافة الموصوف إلى صفته، أو المصدر إلى نوعه، أي أن الغرر صفة للبيع نفسه، وعلى ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البيع الذي فيه غرر، أي غرر، فيعم جميع أنواع الغرر، سواء أكان الغرر في محل العقد كبيع حبل الحبلة، أم في صيغته كبيع الثمرة قبل بدو صلاحها.
ويدل عليه: اتفاق الفقهاء على المنع من الغرر في الموضعين، ويدل عليه النهي عن بيع الحصاة الوارد مقرونا مع بيع الغرر، وبيع الحصاة الغرر فيه في صيغة العقد لا في محل العقد.
وهذا ترجيح: الصديق الغرير .



• ضابط الغرر الممنوع في المعاملات:
الغرر المؤثر في العقد هو: الغرر الكثير في عقود المعاوضات المالية وما كان في معناها إذا كان الغرر في المعقود عليه أصالة ولم تكن هناك حاجة تدفع إلى إعمال هذا العقد بما فيه من غرر.
وباختصار: غرر كثير أصيل في عقد معاوضة مالي وشبهه من غير حاجة راجحة.
قال ابن رشد الجد: (بيع الغرر هو البيع الذي يكثر فيه الغرر ويغلب عليه حتى يوصف به، لأن الشيء إذا كان مترددا بين معنيين لا يوصف بأحدهما دون الآخر، إلا أن يكون أخص به وأغلب عليه) .
وحدده الباجي: بأنه البيع الذي كثر فيه الغرر وغلب عليه حتى صار البيع يوصف ببيع الغرر، فهذا الذي لا خلاف في المنع منه، والشيء إذا كان مترددا بين معنيين لا يوصف بأحدهما دون الآخر إلا أن يكون أخص به وأغلب عليه .
ولبعض الشافعية: عبارة رشيقة في الغرر المؤثر، فهو (ما احتمل أمرين أغلبهما أخوفهما).
قال النووي: (قال العلماء: مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه، وهو أنه إن دعت حاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة وكان الغرر حقيرا جاز البيع وإلا فلا.
وما وقع في بعض مسائل الباب: من اختلاف العلماء في صحة البيع فيها وفساده كبيع العين الغائبة مبني على هذه القاعدة فبعضهم يرى أن الغرر حقير فيجعله كالمعدوم فيصح البيع وبعضهم يراه ليس بحقير فيبطل البيع) .

• شروط الغرر المؤثر في العقد:
الشروط التي يجب توفرها في الغرر المؤثر في العقد:
الشرط الأول: أن يكون في عقد معاوضة مالية أو ما في حكمها:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، فيدخل في حكمه ما كان في معناه من عقود المعاوضات القائمة على المشاحة.
o هل يؤثر الغرر والجهالات في جميع التصرفات أو في المعاوضات المالية فقط؟
فيه اتجاهان لأهل العلم:
الاتجاه الأول: المنع من الغرر في عموم التصرفات: وهذا مذهب الجمهور من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، فمنعوا الجهالة والغرر في الهبة والصدقة والإبراء والخلع والصلح وغير ذلك.
ومن ذلك الرهن: فقد ذهب الجمهور على عدم صحة الرهن إذا كان فيه غرر، فما لا يصح بيعه لا يصح رهنه، لأن مقصود الرهن استيفاء الدين من ثمنه، وما لا يجوز بيعه لا يمكن ذلك، بينما نص المالكية على عدم تأثير الغرر في الرهن، وقيده الدردير بالغرر اليسير كالبعير الشارد لا إذا اشتد فيه الغرر كالجنين في بطن أمه .
واستثنوا من ذلك: معاملتين:
الأولى: الوصية:
فقد اتفق الفقهاء على أنه لا تأثير للغرر على الوصية، فجوزوا الوصية بالمعدوم والمجهول، فاحتملت كما يقول ابن عابدين وجوها من الغرر رفقا بالناس وتوسعة عليهم .
الثانية: الوكالة الخاصة:
فلا يؤثر الغرر في الوكالة الخاصة باتفاق الفقهاء في الجملة، وفي التفاصيل بعض ما يشترط علمه عند الفقهاء، أما الوكالة العامة (كقوله: فوضت إليك كل شيء)، فيجوز عند الحنفية والمالكية من حيث الجملة، ومنع منها الشافعية والحنابلة لأن فيها غررا عظيما وخطرا كثيرا كما يقول ابن قدامة؛ لأنه يدخل فيه هبة ماله وطلاق نسائه وإعتاق رقيقه وتزوُّج نساء كثيرة، ويلزمه مهورا كثيرة، فيعظم الغرر .
ويمكن أن يلحق بها: الكفالة بالمال المجهول:
فتصح الكفالة بها عند الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة؛ لأنها مبنية على التوسع كما يقول ابن عابدين، ولأنها التزام حق في الذمة من غير معاوضة، فصح في المجهول كما يقول ابن قدامة، وفي جهالة المكفول والمكفول له خلاف بينهم.
بينما اشترط الشافعية: العلم بالمضمون جنسا وقدرا وصفة وعينا، فلا يصح عندهم ضمان المجهول .
الاتجاه الثاني: للمالكية في الجملة، وفيه تفصيل:
فأقسام الغرر في التصرفات ثلاثة:
القسم الأول: المعاوضات الصرفة: (التي فيها المماكسات والتصرفات الموجبة لتنمية الأموال وما يقصد به تحصيلها)، فيمنع الغرر والجهالة فيها إلا ما دعت الضرورة إليه عادة.
القسم الثاني: الإحسان الصرف: ( كالصدقة والهبة والإبراء ): فيجوز فيها الغرر؛ لأنه لا يقصد من هذه التصرفات تنمية المال بل إن فاتت على من أحسن إليه بها لا ضرر عليه فإنه لم يبذل شيئا فاقتضت حكمة الشرع وحثه على الإحسان التوسعة فيه بكل طريق بالمعلوم والمجهول فإن ذلك أيسر لكثرة وقوعه قطعا وفي المنع من ذلك وسيلة إلى تقليله بخلاف القسم الأول فإنه إذا فات بالغرر والجهالات ضاع المال المبذول في مقابلته فاقتضت حكمة الشرع منع الجهالة فيه.
قال القرافي: هذا فقه جميل والأحاديث لم يرد فيها ما يعم هذه الأقسام حتى نقول يلزم منه مخالفة نصوص صاحب الشرع بل إنما وردت في البيع ونحوه .
القسم الثالث: واسطة بين الطرفين (ما كان فيه شائبة معاوضة):
وهذا القسم فهو متردد، وذلك مثل الغرر في المهر النكاح والخلع.
فيقوى عدم اعتباره في مهر النكاح: لأنه لا يوجد عقد احتمل فيه من الخطر ما احتمل في النكاح، فلا يشترط فيه رؤية الزوجة، ولا صفتها، ولا تعيين العوض جنسا ولا قدرا ولا وصفا، ويصح مع جهالته، وجهالة المرأة، وقد تبطل تسمية المهر إذا كان مشتملا على جهالة، ويجب مهر المثل، ولا يعلم عقد يحتمل من الخطر ما يحتمله، فالمال فيه ليس مقصودا وإنما مقصده المودة والألفة والسكون، فهذا يقتضي أن يجوز فيه الجهالة والغرر مطلقا .
ومن جهة: أن صاحب الشرع اشترط فيه المال بقوله تعالى {أن تبتغوا بأموالكم} [النساء: 24] يقتضي امتناع الجهالة والغرر فيه.
فلوجود الشبهين: توسط مالك فجوز فيه الغرر القليل دون الكثير نحو عبد من غير تعيين وشورة بيت ولا يجوز على العبد الآبق والبعير الشارد، لأن الأول يرجع فيه إلى الوسط المتعارف والثاني ليس له ضابط فامتنع.
وألحق الخلع: بما لا يجوز فيه الغرر مطلقا لأن المعاوضة المالية مقصودة فيه أصالة، أما العصمة وإطلاقها فليس من باب ما يقصد للمعاوضة بل شأن الطلاق أن يكون بغير شيء فهو كالهبة.
قال القرافي: هذا هو الفرق ... والفقه مع مالك رحمه الله فيه.
 الخلاصة:
- الجمهور: منعوا الغرر في المعاوضات والتبرعات في الجملة.
- المالكية: منعوا الغرر في المعاوضات، وجوَّزوه في التبرعات.
- طريقة المالكية: أرجح؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن بيع الغرر، والبيع أصل المعاوضات، ولم ينه عن التعامل بما فيه غرر مطلقا.


الشرط الثاني: أن يكون الغرر كثيرا:
إن كان الغرر يسيرًا لم يضر واغتفر بالإجماع لأنه لا يكاد يخلو عقد منه، وكثير من العقود التي رخص فيها الشارع كذلك، وفي المنع منه حرج شديد وضرر على الناس يربو على المفسدة المتوقعة من المنع منه .
قال ابن العربي: (اليسير منه لا يمكن الاحتراز منه لأحد، فمضى في البيوع؛ إذ لو حكمنا برده ما نفذ بيع أبدا، لأنه لا يخلو منه، حتى إذا كان كثيرا أمكن الاحتراز منه وجب الرد به) .
وقال العز ابن عبد السلام:
الغرر في البيوع ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يعسر اجتنابه فيعفى عنه.
القسم الثاني: ما لا يعسر اجتنابه فلا يعفى عنه.
القسم الثالث: ما يقع بين الرتبتين وفيه اختلاف، منهم من يلحقه بما عظمت مشقته، لارتفاعه عما خفت مشقته، ومنهم من يلحقه بما خفت مشقته لانحطاطه عما عظمت مشقته، إلا أنه تارة يعظم الغرر فيه فلا يعفى عنه، وتارة يخف العسر فيه لمسيس الحاجة إلى بيعه فيكون الأصح جوازه .
قال النووي: (أجمع المسلمون على جواز أشياء فيها غرر حقير منها، أنهم أجمعوا على صحة بيع الجبة المحشوة وإن لم ير حشوها ولو بيع حشوها بانفراده لم يجز وأجمعوا على جواز إجارة الدار والدابة والثوب ونحو ذلك شهرا مع أن الشهر قد يكون ثلاثين يوما وقد يكون تسعة وعشرين، وأجمعوا على جواز دخول الحمام بالأجرة مع اختلاف الناس في استعمالهم الماء وفي قدر مكثهم وأجمعوا على جواز الشرب من السقاء بالعوض مع جهالة قدر المشروب واختلاف عادة الشاربين) .
قال النووي: (المراد ما كان فيه غرر ظاهر يمكن الاحتراز عنه فأما ما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن الاحتراز عنه ... فهذا يصح بيعه بالإجماع ونقل العلماء الإجماع أيضا في أشياء غررها حقير) .
قال القرافي: (الغرر والجهالة ثلاثة أقسام:
كثير: ممتنع إجماعا كالطير في الهواء.
وقليل: جائز إجماعا كأساس الدار وقطن الجبة
ومتوسط: اختلف فيه هل يلحق بالأول أو الثاني فلارتفاعه عن القليل ألحق بالكثير ولانحطاطه عن الكثير ألحق بالقليل، وهذا هو سبب اختلاف العلماء في فروع الغرر والجهالة) .
وقال ابن القيم: (ليس كل غرر سببا للتحريم، والغرر إذا كان يسيرا، أو لا يمكن الاحتراز منه، لم يكن مانعا من صحة العقد) .
وقال الشاطبي: (هذان طرفان في اعتبار الغرر وعدم اعتباره لكثرته في الأول وقلته مع عدم الانفكاك عنه في الثاني؛ فكل مسألة وقع الخلاف فيها في باب الغرر فهي متوسطة بين الطرفين، آخذة بشبه من كل واحد منهما؛ فمن أجاز مال إلى جانب اليسارة، ومن منع مال إلى جانب الآخر) .
وذكر الشاطبي: قاعدة، وهي: (كل تكملة فيشترط لها أن لا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال).
وضرب الشاطبي لهذه القاعدة: عدة أمثلة، منها: أنه لو اشترط نفي الغرر جملة لانحسم باب البيع، والبيع أصل ضروري، ونفي الغرر اليسير تكملة، وكل تكملة فيشترط لها أن لا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال .
وعموما: فإن عنصر المخاطرة في حدوده الطبيعية قلما تخلو منه التصرفات المشروعة باتفاق المذاهب، ولذا جاز بيع الثمر بعد بدو صلاحها لأن الغرر قد قل فيها ).
وإنما يختلف العلماء في فساد بعض أعيان العقود: لاختلافهما فيما فيه من الغرر، وهل هو من حيز الكثير الذي يمنع الصحة أو من حيز القليل المستخف في البيوع الذي لا يمنعها .
وعلى فرض أننا: أخذنا بمقتضى مجرد الصيغة، والنهي عن كل بيع فيه غرر، فإنه سيمتنع علينا بيع كثير مما هو جائز بيعه وشراؤه؛ كبيع الجوز واللوز والمغيبات في الأرض، بل كان يمتنع كل ما فيه وجه مغيب؛ كالديار والحوانيت المغيبة الأسس وما أشبه ذلك مما لا يحصى ولم يأت فيه نص بالجواز، ومثل هذا لا يصح فيه القول بالمنع أصلا؛ لأن الغرر المنهي عنه محمول على ما هو معدود عند العقلاء غررا مترددا بين السلامة والعطب؛ فهو مما خص بالمعنى المصلحي، ولا يتبع فيه اللفظ بمجرده .
 تفاوت مفاسد الغرر: المفسدة في بيع الغرر على مراتب؛ فليس مفسدة بيع حبل الحبلة كمفسدة بيع الجنين في بطن أمه الحاضرة الآن ولا بيع الجنين في البطن كبيع الغائب على الصفة، وهو ممكن الرؤية من غير مشقة .
وعرف الدسوقي الغرر اليسير: بأنه ما من شأن الناس التسامح فيه .
والحكم على الغرر بأنه كثير أو يسير: أمر نسبي، ينظر فيه إلى مقداره بالنسبة إلى المصلحة التي يحققها، وهذا أحد أسباب اختلافهم في اعتبار الغرر في التأمين مانعا من صحته( ).
وبالنظر في أنواع الصور التي نهي فيها عن الغرر: ندرك أنَّ المنهي عنه هو نوع فاحش بحيث يجعل العقد شيبيها بالقمار المحض اعتمادًا على الحظ المجرد.
إضافة: ترى لجنة الموسوعة الكويتية أن بعض ما كان يعتبر غررًا يترتب عليه الفساد في زمن الفقهاء السابقين، لم يعد الآن وفي ضوء العلم الحديث غررًا يترتب عليه الفساد؛ لأن الجهالة به لم تعد كاملة، بل وصل العلم إلى جوانب منه .


الشرط الثالث: أنْ يكون الغرر في المعقود عليه أصالة، لا تابعا:
كالجهل بأساس الدار، وكما إذا باع الشاة الحامل والتي في ضرعها لبن فإنه يصح للبيع لأن الأساس تابع للظاهر من الدار ولأن الحاجة تدعو إليه فإنه لا يمكن رؤيته، وكذا القول في حمل الشاة ولبنها.
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع نخلا بعد أن تؤبرفثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع"
وجه الدلالة: تصحيح العقد مع كون الثمرة لم يبد صلاحها، لكونها تبعا للنخل، ولم تقصد في العقد أصالة.
القاعدة الفقهية: يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها.
قال الشاطبي: (التوابع مع المتبوعات لا يتعلق بها من حيث هي توابع أمر ولا نهي، وإنما يتعلق بها الأمر والنهي إذا قصدت ابتداء، وهي إذ ذاك متبوعة لا تابعة) .
فمثلا: لا يجوز بيع الثمرة التي لم يبد صلاحها مفردة ، ولو بيعت مع أصلها جاز، لأنها حصلت تبعا في المبيع فلم يضر احتمال الغرر فيها، وقد نقل ابن قدامة على جواز هذا البيع .
وقد نقل ابن المنذر والماوردي والنووي: إجماع العلماء على بطلان بيع الجنين لأنه غرر، لكن لو حاملا بيعا مطلقا صح البيع، ودخل الحمل في البيع بالإجماع .
قال النووي: (أجمع المسلمون على جواز بيع حيوان في ضرعه لبن وإن كان اللبن مجهولا لأنه تابع للحيوان ودليله) .
قال ابن تيمية: (مفسدة الغرر أقل من الربا، فلذلك رخص فيما تدعو إليه الحاجة, فإن تحريمه أشد ضررا من ضرر كونه غررا، مثل: بيع العقار وإن لم تعلم دواخل الحيطان والأساس، ومثل بيع الحيوان الحامل، أو المرضع وإن لم يعلم مقدار الحمل واللبن, وإن كان قد نهي عن بيع الحمل مفردا, وكذلك اللبن عند الأكثرين، ومثل بيع الثمرة بعد بدو صلاحها, فإنه يصح مستحق الإبقاء كما دلت عليه السنة, وذهب إليه الجمهور كمالك والشافعي وأحمد, وإن كانت الأجزاء التي يكمل بها الصلاح لم تخلق بعد، وجوز صلى الله عليه وسلم لمن باع نخلا قد أبرت أن يشترط المبتاع ثمرتها, فيكون قد اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها، لكن على وجه البيع للأصل، فظهر أنه يجوز من الغرر اليسير ضمنا وتبعا ما لا يجوز من غيره, ولما احتاج الناس إلى العرايا أرخص في بيعها بالخرص, ولم يجوز الفاضل المتيقن, بل سوغ المساواة بالخرص في القليل الذي تدعو إليه الحاجة) .
قلت: في كلام ابن تيمية ما يستفاد في الترخيص في الغرر إذا كان تبعا، وكذا إذا استدعته الحاجة، كما هو موضوع الشرط التالي.

الشرط الرابع: ألا تدعو إلى العقد حاجة فإن الغرر إنما يمنع صحة العقد إذا لم يكن ثمة حاجة إلى العقد، فإن كان ثمة حاجة إلى العقد وتعلقت به تعاملات ا لناس، فإن منع التعامل به أشد ضررا على الناس من تجويزها وتحملهم ما فيها من غرر.
قال النووي: (قد يحتمل بعض الغرر بيعا إذا دعت إليه حاجة) .
(قال ابن تيمية: (مفسدة الغرر أقل من الربا، فلذلك رخص فيما تدعو إليه الحاجة, فإن تحريمه أشد ضررا من ضرر كونه غررا) .
وقال: (إذا كانت مفسدة بيع الغرر هي كونه مطية العداوة والبغضاء وأكل المال بالباطل، فمعلوم أن هذه المفسدة إذا عارضها المصلحة الراجحة قدمت عليها، ومعلوم أن الضرر على الناس بتحريم هذه المعاملات أشد عليهم مما قد يتخوف منها من تباغض وأكل مال بالباطل، لأن الغرور فيها يسير والحاجة إليها ماسة, وهي تندفع بيسير الغرر, والشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم, فكيف إذا كانت المفسدة منفية؟) .
وذكر ابن تيمية أن من صور ما يستثنى من بيع الغرر جواز بيع المغيبات في الأرض من الثمار المتلاحقة الظهور والمقاثي والمباطخ ونحو ذلك، قال: (أما مالك فمذهبه أحسن المذاهب في هذا, فيجوز بيع هذه الأشياء وجميع ما تدعو إليه الحاجة، أو يقل غرره بحيث يحتمل في العقود, حيث يجوز بيع المقاثي جملة, وبيع المغيبات في الأرض كالجزر والفجل ونحو ذلك، وأحمد قريب منه في ذلك, فإنه يجوز هذه الأشياء ويجوز على المنصوص عنه أن يكون المهر عبدا مطلقا وعبدا من عبيده ونحو ذلك) .

• سؤالات في شرط الحاجة:
1. هل يشترط في الغرر اليسير أن تدعو إلى العقد حاجة؟
2. هل يجب أنْ يقتصر: على القدر الذي يزيل الحاجة فقط ؟
3. هل يشترط في الحاجة أن تكون متعينة؟
فإلى هنالك:
السؤال الأول: هل يشترط ألا تدعو إلى العقد حاجة؟
لا إشكال في اشتراط وجود الحاجة إلى العقد عند وجود الغرر الكثير، لكن إذا كان الغرر يسيرا، فهل يعفى عنه ولو لم يكن ثمة حاجة، أو أنه يشترط وجود الحاجة أيضا كما إذا كان الغرر كثيرا؟
كثيرون ممن كتب في الموضوع من المعاصرين اعتبروا شرط الحاجة مطلقا، ولو كان الغرر يسيرا، وأنه إذا أمكن قضاء بالحاجة بغيره لم يرخص فيه.
وهذا وهمٌ عريض، لأن العقود المشتملة على غرر يسير هي مباحة بأصل التشريع، ولذا كان من أوصافها أنها ما لا يخلو منه عقد.
وهؤلاء الذين اشترطوا في جواز الغرر اليسير: وجود الحاجة جاءهم اللبس من جهتين:
من جهة: كلام العلماء في الترخيص في الغرر إذا كان ثمة حاجة، وإن كان مرادهم الغرر الكثير.
ومن جهة: كلام علماء القواعد الفقهية في شروط الحاجة الطارئة المبيحة للأمر المكروه، فاستدعوا الشروط من هناك إلى ما الإباحة فيه ههنا أصلية وليست طارئة.
ولم أر من نبه على الفرق بين النوعين: إلا الشيخ الدكتور عبد اللطيف الشيرازي الصباغ، في حوارات الأربعاء التي تقام في مركز صالح كامل الاقتصادي في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وذكر ذلك تعقيبا على اشتراط الحاجة مطلقا ولو في الغرر اليسير.
ويمكن أن يقال: إن الحاجة نوعان:
- فإذا كان الغرر يسيرا: فهنا الحاجة عامة للناس لجوازها وإلا لحق بهم ضرر، فالحاجة هنا دائمة، والإباحة فيها من أصل العقد.
- وإذا كان الغرر كثيرا: ودعت إليها الحاجة، كإجارة الدابة شهرا، مع اختلاف الناس في طرق استعمال الدابة، وكذا جواز دخول الحمام بالأجرة مع اختلاف الناس في استعمال الماء وقدر مكثهم، ونحو ذلك.

السؤال الثاني: هل يجب أنْ يقتصر: على القدر الذي يزيل الحاجة فقط، فالحاجة تقدر بقدرها؟
لا يجب ذلك، فالغرر اليسير أو الغرر الكثير الذي تدعو إليه الحاجة، كل ذلك مرخص بأصل التشريع، فهو جائز على الأصل، وليس جوازه طارئا بسبب الحاجة، وهذا هو سبب اللبس في هذه المسائل.
السؤال الثالث: هل يشترط في الحاجة أن تكون متعينة؟
معنى تعيُّنها أنْ تنسدَّ جميعَ الطرق المشروعة للوصول إلى الغرض سوى ذلك العقد الذي فيه الغرر؟
يبدو والله أعلم أنه لا يشترط ذلك لا في الغرر اليسير، ولا في الغرر الكثير الذي تعلقت به حاجة الناس، فوجود الرخصة في صورة، لا يمنعها في صورة أخرى إذا تحقق فيها معنى الرخصة، والله أعلم، وكما تقدم فسبب اللبس في طرح هذه الأسئلة، هو استدعاء مباحث الحاجة من علم القواعد الفقهية، ومحاولة فرض شروطها هاهنا، فالحاجة هناك عارضة ترد على محل مكروه أو محرم، فيكون لها من الشروط والأوصاف، ما ليس هاهنا، فالحاجة هنا سبب للترخيص في أصل التشريع، وليست واردة على موضع منهي عنه، وبين ذلك من الفرق ما بينهما.

 هل يشترط في الغرر الممنوع ما يلي؟
1) هل يشترط قصد الغرر؟
2) هل يشترط أن توجد فيه جهالة تفضي إلى النزاع؟
هذا ما سنناقشه في النقطتين التاليتين:
السؤال الأول: هل يشترط قصد الغرر:
لا يشترط ذلك والله أعلم في ظاهر كلام الفقهاء، فمنعوا من صور الغرر، ولم يعتبروا معنى القصد، وإنما يعتبر القصد في بيع التدليس، وهو نوع آخر من البيوع المنهي عنها.
وقال الكمال ابن الهمام: (الحاصل أن كل جهالة مفضية إلى المنازعة مبطلة فليس يلزم أن مالم يفض إليها يصح معها بل لا بد مع عدم المفضية إلى المنازعة فى الصحة من كون البيع على حدود الشرع ألا يرى أن المتبايعين قد يتراضيان على شرط لا يقتضيه العقد وعلى البيع بأجل مجهول كقدوم الحاج ونحوه ولا يعتبر ذلك مصححا) .
وللحافظ ابن عبد البر: عبارة غريبة في اشتراط القصد في بيع الغرر، قال رحمه الله: (فإن جهل منها اليسير أو دخلها الغرر في القليل ولم يكن القصد إلى مواقعة الغرر فليس من بيوع الغرر المنهي عنها لأن النهي إنما يتوجه إلى من قصد الشيء واعتمده) .
فالله أعلم بمراده، وآمل أن ينبهني قارئ على مرامه.

السؤال الثاني: هل يشترط في الغرر المؤثر أن توجد فيه جهالة تفضي إلى النزاع؟
فيه اتجاهان لأهل العلم:
الاتجاه الأول: لا يشترط ذلك، ويكفي فيه حصول الجهالة، وهذا مذهب الجمهور (المالكية، والشافعية، والحنابلة)، وزفر من الحنفية.
مستند الجمهور:
1- عموم أدلة النهي عن الغرر.
2- أنه قياس الباب لوجود الجهالة.
3- أن علة إفضاء الغرر إلى المنازعة، هي علة مستنبطة تعود على عموم النص بالإبطال، وهو ممنوع عند الأصوليين.
الاتجاه الثاني: يشترط في الغرر المؤثر أن تكون فيه جهالة مفضية إلى النزاع، وهذا مذهب الحنفية .
مستند الحنفية:
1- أن الجهالة إذا كانت مفضية إلى المنازعة كانت مانعة من التسليم والتسلم، فلا يحصول مقصود البيع، فإن لم تكن الجهالة مفضية إلى النزاع لم يضر.
2- أنه في معنى ما ورد فيه الشرع وهو خيار الشرط فجاز إلحاقا به إذ الجواز ثمة للحاجة إلى التأمل ليختار الأرفق والأوفق مع أنه مخالف لمقتضى العقد فلذا يحتاج هنا إلى اختيار من يثق به أو من يشتريه له فجوز البيع على هذا الوجه دفعا للحاجة والجهالة إنما توجب الفساد إذا كانت مفضية إلى النزاع، وإذا شرط الخيار للمشتري فهي لا تفضي إلى النزاع؛ لأن الأمر صار مفوضا إليه فيختار أيا شاء ويرد الآخر، فالمبيع في الحقيقة أحدهما والآخر أمانة، والحاجة تندفع بالثلاث لاشتمالها على الجيد والرديء والوسط .
3- التسليم بأن القياس الفساد، وجاز استحسانا.
مثال ما لا يفضي إلى المنازعة: جهالة كيل الصبرة، أن يكون محل العقد أحد الشاتين أو أحد الثوبين إلى ثلاثة ثياب، وللمشتري تعيين ذلك بعد العقد، ويسمونه خيار التعيين، واعتبروا أنه لما شرط الخيار لنفسه استبد بالتعيين فلم يبق له منازع .
علما: أنهم اختلفوا هل لا بد من خيار الشرط، أو أن خيار الشرط ليس بلازم في صحة هذا العقد .
إضافات وتنبيهات:
1- عند الحنفية: شرط الجهالة المفضية إلى النزاع قيد في الغرر المؤثر، وعكسه قيد في البيع الصحيح، فيشترط في المعقود عليه أن يكون معلوما علما يمنع المنازعة.
بخلاف الجمهور: فإنهم يقتصرون على وصف العلم، ولا يعتبرون "المنازعة" في ظاهر كلامهم.
2- ليس معنى قول الحنفية أن الغرر لا يمنع إلا إذا كان يفضي إلى نزاع، وإن كان اعتبره بعض المعاصرين كذلك، حتى أدرجه بعضهم كمعيار في النهي عن بيع الغرر( )، فمن خلال الصور التي أوردها الحنفية على الغرر الذي لا يفضي إلى النزاع، فإن مرادهم ما كان مثل التردد في العين المبيعة بين شيئين إلى ثلاثة، وأن هذا عادة لا يفضي إلى النزاع، وإنما يحصل التردد بسبب رغبة الوكيل في جعل التعيين لموكله، أو تساهلا لأنه لا فرق بينها.
ولذا: فالحنفية يتفقون مع الجمهور في غالب الصور من المنع من الغرر، وإنما جوزوا مثل هذه الصور في هذا النطاق المحدود استحسانا لا قياسا.
وبه يتبين: أن هذه المسألة وإن كانت خلافية بين الجمهور والحنفية، إلا أن الخلاف فيها ليس بذلك الاتساع، فلا خلاف بين الجميع في المنع من الغرر المؤثر ولو تراضى المتعاقدان عليه.
ولهذا السبب: اعتبر العز ابن عبد السلام أن هذه المسألة لا حاجة لها من حيث الأساس؛ فإن الغرر في مثل تعيين المبيع كبيع عبد من عبدين غرر لا تمس الحاجة إليه .
ومن هنا: فيمكن إدراجها في مسألة الغرر اليسير، وأن الخلاف في تحقيقه فحسب، فالحنفية اعتبروه من اليسير خلافا للجمهور، وقد ينازع في ذلك فالجهالة هنا في أصل المبيع؛ فكيف يكون يسيرا؟
أما مع اعتبار بعض الحنفية خيار الشرط فالأمر قريب عند كل من اعتبر صحة خيار الشرط، وإن كان قد ينازع أيضا بأن من يصحح خيار الشرط إنما يصححه في العقد الصحيح لا في الفاسد.
عموما: هذا هو نطاق الخلاف، فالحنفية كالجمهور يفسدون العقود المشتملة على غرر مؤثر، وتوسع الحنفية قليلا في تجويز الغرر الذي لا يفضي إلى نزاع، وهو مثل ما كان مترددا بين عينين أو ثلاثة لا أكثر، ونحو ذلك.
نتائج
1) يبدو والله أعلم وجاهة قول الحنفية في الترخيص في الجهالة في المبيع إذا كانت مترددة بين أعيان محددة محصورة، فإنها جهالة آيلة إلى العلم، بل العلم فيها متحقق سلفا، ولا سبيل إلى أن تفضي إلى نزاع، فمثلها مثل الجهالة التي تؤول إلى العلم كعدم اشتراط تسمية الأجرة، وأنه يعطى بالمثل، وكذا استئجاره بطعامه وكسوته، والدابة بعلفها، واستئجار الأجير لحمل الصبرة كل قفيز منها بدرهم ونحو ذلك.
2) وبه ندرك بُعد إدراجها في بيوع الغرر، فإن الصور التي نهى عنها الشارع، الغرر فيها سببٌ للنزاع والندم والفوات، وليس في مثل هذه الصور شيء من ذلك، والأصل التوسعة على الناس في معاملاتهم ما دام لم يتحقق فيها ما نهى عنه الشارع من الأوصاف.
3) نعم، لو كان المراد تخصيص النهي عن الغرر بما كان يفضي إلى النزاع، فهنا، فيكون من باب تخصيص العلة المستنبطة بما يعود إلى عموم النص بالإبطال، خصوص أن للنهي عن الغرر علل أخرى، من الفوات والندم وأكل المال بالباطل بلا مقابل، وقد يقال هذه العلل كلها إنما تثبت في الغرر الذي يفضي إلى نزاع، وهذا صحيح، وهو يؤكد أن الخلاف في المسألة محدود في نطاق معين.
4) ليس معنى أنه يفضي إلى النزاع، أنه يجب وقوع النزاع بين الطرفين، بل يكفي أن يكون سببا إلى أن يفضي إلى النزاع، فوقوع النزاع جائز وليس واجبا، بمعنى أن من باع جملا شاردا بنصف قيمته، فهنا قد يندم أحدهما، وقد ينازع إذا لم يدركه، فيكون اجتمع عليه فوات المبيع والندم والنزاع، وقد يرضى بعقده ولا ينازع، وقد يندم ولا ينازع.
وبالتالي: فليس ترتب النزاع هو السبب الوحيد في النهي عن الغرر، وإنما هو من أسبابه.
استفاد الحنفية من هذا المعنى وهو اعتبار الجهالة المفضية إلى النزاع في كثير من المسائل الخلافية بينهم وبين غيرهم، كمسألة جواز بيع العين الغائبة مع خيار الرؤية، فإنه إذا رأى كان له الخيار، فلا نزاع بين الطرفين حينئذ، فلا غرر إذن .
5) هذا ما تيسر جمعه ومقاربته، وقد يشكل عليك بعض ما سبق، كطريقة الحنفية في تقييدهم نطاق الجهالة المفضية إلى نزاع في موضع، ثم تراهم يتكئون عليها اتكاء المستريح في نقاشهم مع المخالفين، وهذا يدعوك إلى مزيد من البحث والنظر، وما هذه الكتابة إلا مقدمة بين يديك.
 خاتمة:
كل هذه الشروط: متفق عليها بين المذاهب الأربعة في الجملة ما عدا الأول (أن يكون في عقد معاوضة مالية)، فهو مِنْ مفردات المالكيةـ، وما عدا الأخير (أن يكون في الغرر جهالة تفضي إلى النزاع)، فهي من مفردات الحنفية.


• أثر الغرر:
ما حكم العقد الذي اشتمل على غرر؟
هذه المسألة تنبني على خلاف الفقهاء في اقتضاء النهي فساد المنهي عنه:
فإذا كان النهي عائدا إلى ذات المنهي عنه: كأن يكون الغرر في أصول وجود المعقود عليه، فالجميع متفق على اقتضاء النهي فساد المنهي عنه، فيكون عقد الغرر باطلا بلا نزاع.
فإذا كان النهي عائدا إلى شرطه أو وصفه اللازم: اقتضى الفساد عند الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، وكان فاسدا لا باطلا عند الحنفية، ويصح بالقبض.
فالجميع: الفساد إذا عاد النهي إلى ذاته.
والجمهور: الفساد إذا عاد النهي إلى شرطه أو وصفه اللازم.
والحنفية: الفساد إذا عاد إلى ذاته وما يصح به الركن، فإن عاد إلى شرطه فسد ويصح بالقبض.
 نصوص الجمهور:
قال الباجي: «نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر» يقتضي فساده .
قال ابن رشد الجد: (إذا وقع بيع الغرر فسخ ما كان قائما، فإن فات بيد المبتاع صحح بالقيمة) ثم ذكر الخلاف في ضمانها، قبل القبض وبعد القبض، وفي تصرف المبتاع بها في عقود أخر، هل يعتبر قبضا وفوتا .
قال النووي: (الأصل أن بيع الغرر باطل لهذا الحديث) .
وقال: (بيع الغرر يدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة .. وكل هذا بيعه باطل لأنه غرر من غير حاجة) .
قال النووي: (الأصل أن بيع الغرر باطل لهذا الحديث والمراد ما كان فيه غرر ظاهر يمكن الاحتراز عنه) .
 نصوص الحنفية:
نصوص الحنفية تفيد: أن العلم بالمبيع علما يمنع من الإفضاء إلى النزاع: شرط في صحة البيع، وينصون على فساد بيع الغرر، وقاعدتهم تصحيح العقد بالقبض؛ لأنه قبل القبض بهلاكه ينتقض البيع ويبطل ملك المشتري، فإذا قبضه انتفى الغرر.
قال الكاساني: (العلم بالمبيع والثمن علما مانعا من المنازعة شرط صحة البيع) .
قال الزيلعي: (أما شرائط الصحة فعامة وخاصة فالعامة لكل بيع ما هو شرط الانعقاد؛ لأن ما لا ينعقد لم يصح ولا ينعكس، فإن الفاسد عندنا منعقد نافذ إذا اتصل به القبض) .
وقد أفردت بحثا خاص عن الصحة والبطلان والفساد، وإمكانية تصحيح العقد الفاسد، وما في ذلك من خلاف بين الجمهور والحنابلة، والجمهور والحنفية، وقول المالكية بالتصحيح بالفوات، والحنفية بالتصحيح بالقبض.
 لفتة مهمة في مواطن النزاع والاتفاق:
أشار ابن شد: أن بيوع الغرر: بيوع منطوق بها، وبيوع مسكوت عنها، وأن المنطوق أكثره متفق عليه، وإنما يختلف في شرح أسمائها، والمسكوت عنه مختلف فيه .



 هل يصح العقد الذي اشتمل على غرر إذا تراضي المتعاقدان؟
لا، لأن عقود الغرر ليست من عقود الخداع والتدليس التي يرجع فيها الحق إلى المخدوع، فيكون له فيها حق الفسخ، لكونها عيبا في شرط الرضا.
وإنما الحق في عقود الغرر لله الذي لا يجوز للعبد إسقاطه، لأن المتعاقدين دخلا على علم أن فيه مخاطرة ،
فهذا الحق من دفع الغرر في البياعات يقدم فيه حقوق الرب (منع الغرر) على حقوق عباده (إذا تراضيا عليه) إحسانا إليهم في أخراهم .
قلت: هو في الحقيقة اعتبار للحقين، لكن لما أغفل المخلوق حقه، لم يجعل له الشارع إسقاط حقه، لما يترتب على ذلك الإسقاط من ضرر عليه ومن نزاع مستقبلي، وما في ذلك من خلل في أسواق العقود.

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

   
 
 
 
   

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية

الساعة الآن 06:19 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات