تناضل المتسابقين على أن السبق لأبعدهما رمياً [*]
أ. د. عبدالله بن مبارك آل سيف
السبق – بسكون الباء - هو السباق بين الدواب وغيرها، والسبق بالفتح الرهن الذي يجعل للسابق [1].
صورة المسألة: أن يتفق المتناضلان على أن السبق والجائزة لأبعدهما في الرمي مسافة، فالأمر هنا معلق بالمسافة لا بالإصابة، وهذا محل خلاف بين العلماء.
اختيار ابن تيمية:
اختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - جواز ذلك، خلافاً للمشهور من مذهب الحنابلة [2].
أقوال العلماء في المسألة:
القول الأول:
لا يجوز.
وهذا مذهب المالكية [3]، والحنابلة [4].
القول الثاني:
أنه يجوز.
وهو مذهب الشافعية [5]، وظاهر مذهب الحنفية [6]، وقول بعض الحنابلة [7]، واختيار ابن تيمية وابن القيم [8].
أدلة القول الأول:
أن الغرض من الرمي الإصابة، لا بعد المسافة، فإن المقصود من الرمي إما: قتل العدو، أو جرحه، أو الصيد، أو نحو ذلك، وكل هذا إنما يحصل من الإصابة، لا من الإبعاد [9].
ونوقش:
لا نسلم ما ذكر، بل من الأغراض الإبعاد في نحو إيصال السهام للقلاع وحصول إرهاب العدو [10].
أدلة القول الثاني:
1- واستدلوا بعموم النصوص الواردة في مشروعية المسابقة في الرمي، ولا مخصص لها.
قال ابن القيم: ظاهر الحديث يقتضيه ا.هـ [11].
2- أن الإبعاد مقصود أيضاً في محاصرة القلاع ونحوها وحصول الإرعاب، وامتحان قدرة الساعد، وتخالف الغاية في السباق بالدابة لإفضاء طول العدو إلى الجهد [12].
الترجيح:
والراجح - والله أعلم - هو القول الثاني:
1- لقوة أدلته وظهورها.
2- قربه من دلالة النصوص وأحاديث الباب.
3- مناقشة أدلة المخالفين والجواب عنها.
4- موافقته للمقصود الشرعي من التدرب على مهارات الحرب والقتال بشتى أنواعها وصورها من غير تفريق بين صورة وصورة، وهو المعمول به في أماكن كثيرة كما ذكر المرداوي [13]، والله أعلم.
[*] تكرر عنوان هذه المسألة في خطة البحث مرتين خطأً، وتم حذفها هنا، كما أن في الخطة مسألة بعنوان: (حكم اللعب غير المعين على العدو)، وبعد المراجعة تبين أنه لا ينطبق عليها ضابط منهج البحث.
[1] انظر: تخريج الدلالات السمعية للخزاعي (400).
[2] انظر: الإنصاف: (6 /93)، المستدرك: (4 /58)، حاشية ابن قاسم: (5 /353).
[3] انظر: التاج والإكليل: (4 /610)، مواهب الجليل: (3 /391)، حاشية الخرشي: (3 /155)، الفواكه الدواني: (2 /35)، حاشية الدسوقي: (2 /209)، منح الجليل: (3 /237).
[4] انظر: المغني:(13 /419)، الكافي:(2 /343)، الفروع:(4 /465)، الإنصاف: (6 /93)،كشاف القناع:(4 /50)،مطالب أولي النهى:(3 /705)، المستوعب (4 /1027)، زوائد الكافي والمحرر على المقنع لابن عبيدان الحنبلي: (208).
[5] انظر: نهاية المحتاج: (8 /170)، حاشية الجمل: (5 /282)، تحفة الحبيب: (4 /352)، التجريد لنفع العبيد: (4 /312)، أسنى المطالب: (4 /234)، تحفة المحتاج: (9 /406).
[6] انظر: بدائع الصنائع: (6 /206)، حاشية ابن عابدين: (6 /805)، تبيين الحقائق: (6 /227)، درر الحكام: (1 /321)، البحر الرائق: (8 /554)، مجمع الأنهر: (2 /549).
[7] انظر: الإنصاف: (6 /93).
[8] انظر: الفروسية: (358).
[9] انظر: المغني: (13 /419)، كشاف القناع: (4 /50)، مطالب أولي النهي: (3 /705).
[10] انظر: أسنى المطالب: (4 /234).
[11] انظر: حاشية ابن قاسم: (5 /353)، يعني حديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر" أخرجه النسائي والترمذي وغيرهما عن أبي هريرة. سنن الترمذي: (4 /205)، كتاب الجهاد (24) باب (22) حديث رقم (1700)، سنن النسائي: (6 /225)، كتاب الخيل، باب السبق، وإسناده حسن كما قال الترمذي وابن مفلح صاحب المبدع: (5 /121).
[12] انظر: شرح البهجة: (5 /184)، أسنى المطالب: (4 /234)، القمار وحكمه في الفقه الإسلامي: (293).
[13] انظر: الإنصاف: (6 /93).
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك