التبيان في اسم الله المنان
جواهر بنت صويلح المطرفي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وسيِّد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تَبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
إنَّ اسم الله (المنَّان) من أسمائه التي تَسمَّى بها سبحانه وتعالى، والتي لها دلالات في القرآن الكريم والسنة النبويَّة؛ ففي الحديث عند أبي داود وصححه اﻷلباني عن أنس: أنَّه كان مع رسول جالسًا ورجل يصلِّي ثم دعا: اللَّهم إنِّي أسألك بأنَّ لك الحمد لا إله إلا أنت المنَّان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال واﻹكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد دعا اللهَ باسمِه العظيم، الذي إذا دُعي به أجاب، (وإذا سُئل به أَعطى).
وصفة (المنَّة) في حقِّ الله جل جلاله صفة كمال، وفي حقِّ المخلوق تعتبر صفة نَقص وإذلال، وقد طمعتُ أن أُدلي بدلوي المتواضع، سائلة اللهَ جلَّ جلاله أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم ليس لأحد فيه شيء، وهنا ذِكر لبعض الفروق التي توضح الفرق بين مِنَّة الله عز وجل وبين منَّة المخلوق.
الفرق بين منَّة الخالق عز وجل ومنَّة المخلوق:
1- المنَّة من المخلوقِ للمخلوق فيها تَماثُل وتكافؤ؛ إذ المخلوق يشبه غيره في خلقته وأقوالِه وأفعاله وقدرته، ومن هنا تكون المنَّة من المخلوق لغيره يصحبها الاستعلاء والفوقيَّة من المخلوق المنَّان، وهو ليس أهلاً لها؛ إذ إنه وإن تمنَّن فإنَّه ضعيف فقير محتاج لغيره في رزقه، أما منَّة الخالق فهو جلَّ جلاله: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].
2- منَّة المخلوق لغيرِه من الخَلْق يعتريها الانقطاع من عدَّة جهات، منها:
• الانقطاع عن طريق الفقر: فما عنده ينفد، ومنَّة الله غير منقطعة؛ فما عنده عزَّ وجل باقٍ لا ينفد، قال تعالى: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 96]، وقد ورد قوله جلَّ جلاله لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ [القلم: 3]؛ أي: غير مقطوع.
• انقطاع منَّة المخلوق عن طريق الموت، فلا شكَّ أنَّ الإنسان مهما بلغ في التفضُّل والإنعام سيأتي اليوم الذي يموت فيه، ولقد سُمِّي الموت بــ(المنون)؛ لأنَّه يقطع العبدَ عن الحياة، قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾ [الطور: 30]، وعن ابن عباس في قوله: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ﴾ قال: "يتربَّصون به الموت"؛ ولذلك كانت المنَّة في حقِّه عيبًا ونقصًا، أمَّا الخالق فهو الحيُّ الذي لا يموت، له الحياة السرمدية الأبدية، فضمن بذلك أنَّ مِنَّته سبحانه ممتدَّة؛ ولذلك كانت محبَّبة للنفوس عكس منَّة الخَلْق.
3- المنَّة من المخلوق تنشأ غالبها من التعزُّز والكِبْر، فهو يحاول أن يُظهر فضلَه على من تمنَّن عليه، أمَّا منَّة الخالق، فهي منَّة تحبُّب للعباد وتذكيرهم بنعمِه عليهم.
4- المنَّة من المخلوق لا تكون إلاَّ بعد تعبٍ وكدح؛ لذلك يجد في نفسه غضاضة حين يعطِي، أمَّا الخالق، فرِزق العباد عليه يسير؛ لذلك تمنُّنه لعباده تحبُّب منه إليهم.
5- المنَّة من المخلوق لغيره فيها استكثار، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ﴾ [المدثر: 6]، أمَّا الخالق عزَّ وجل فهو كما في الصحيحين عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((ما من مسلمٍ يدعو اللهَ بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحمٍ، إلاَّ أعطاه بها إحدى خصالٍ ثلاثٍ: إمَّا أن يُعجِّل له دعوته، وإمَّا أن يدَّخر له من الخير مثلَها، وإمَّا أن يَصرِف عنه من الشرِّ مثلها))، قالوا: يا رسول الله، إذًا نُكثِر؟! قال: ((الله أَكْثر))، الشاهد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: ((الله أكثَر)).
هذا، وما كان من صوابٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأ فمنِّي ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان.
المراجع:
1- الألباني؛ مشكاة المصابيح، رقم الصفحة: 2230.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك