خلع المريضة مرض الموت
د. سامح عبدالسلام محمد
• إذا اختلعت الزَّوجةُ في مرض موتها، ثم ماتت وهي في العدة، فهل يصحُّ الخُلْع ويستحقُّ الزَّوج بدل الخُلْع الذي دفعته له ليطلِّقَها فيبقى مِلكًا له، أم يسترده ورثة المختلعة؛ دفعًا لتهمة التواطؤ بين الزَّوجين لحرمان بعض الورثة؟ كما أن للمسألة وجهًا آخرَ - في ظل التطبيق العمَلي لنص القانون المستحدث - وهو أن تخالع المرأة زوجها بأن تردَّ له ما أعطاها من صداقٍ لتحرِمَه هو من ميراثِها!
وقد اختلَف الفقهاء في ذلك على رأيين:
الرأي الأول:
• ويرى أن مخالعة الزَّوجة لزوجها في مرض موتها يقع صحيحًا، وهو للحنفية والشافعية والحنابلة والظاهرية وغيرهم.
غيرَ أن أصحاب هذا الرأي قد اختلفوا في القَدْر الذي تجوز المُخالَعة به.
• فعند الحنفية يأخذ الزَّوج الأقل من ثلاثة أشياء: بدل الخُلْع، أو ثلث التركة، أو ميراثه منها، فيقول ابن عابدين: (خلع المريضة يعتبر من الثلث؛ لأنه تبرُّع، فله الأقل من إرثه، وبدل الخُلْع إن خرَج من الثُّلُث، وإلا فالأقل من إرثه والثلث إن ماتت في العِدَّة)[1].
• وذهَب الشافعية إلى أن خلع المريضة مرض الموت صحيحٌ، إلا أنه في حدود مهر المثل أو ثلث التركة، أيهما أقل، فإذا خالعته على ألف وكان مهر مثلها ذلك، استحقه بعد موتها إذا كان ثلث تركتها أكثرَ من ألف، وإن كان أقل من ألف استحق ثُلُث التركة، وفي مغني المحتاج: (ويصحُّ اختلاعُ المريضة مرض الموت؛ لأن لها صرفَ مالها في شهواتها بخلاف السَّفيه، ولا يحسب من الثلث إلا الزائد من مهر المِثل؛ لأن الزائدَ عليه هو التبرُّع)[2].
• وقال الحنابلة: إن الزَّوج يأخُذُ الأقل من بدل الخُلْع، أو من ميراثه منها، فجاء في المغني: (إذا خالعته في مرض موتها، فله الأقل من المسمى، أو ميراثه منها، وهذا المذهب)[3].
• أما الظاهرية، فلا يفرِّقون بين الصحيح والمريض؛ فتصرُّفات المريض مرضَ الموت زوجًا كان أو زوجةً، صحيحةٌ عندهم، وعلى هذا لو خالعته على مبلغ ما ثم ماتت، فله العِوَض كاملاً، سواءٌ كان أقلَّ من الميراث، أو الثلث، أو أكثر[4].
الرأي الثاني:
• وهو المشهور في مذهب المالكية، ويرى عدمَ جواز مخالَعة الزَّوجة لزوجها في مرض الموت، وتحريمَ أخذِ شيء منها، وإذا وقع لزم الطلاق ولا توارث بينهما؛ وذلك لِما فيه من حرمانِ وارثٍ من حقه، وقد جاء في المدونة: (قلت: أرأيت إن اختلعتِ المريضةُ من زوجها في مرضها، أيجوز هذا في قول مالك أم لا؟ قال: قال مالك: لا يجوز ذلك، قلت: فهل يرثُها؟ قال مالك: لا يرثُها)[5].
الرأي الراجح:
• لعل رأي القائلين بصحة الخُلْع ووقوعه إذا كان العِوَض بقدر ميراث الزَّوج هو الأرجح، ورد ما زاد على ميراثه منها؛ وذلك لأنه تنتفي حينئذٍ شُبهتَا التواطؤِ للإضرار بالورثة، وإخراجِ وارث من التركة.
[1] حاشية ابن عابدين ج3 ص460.
[2] مغني المحتاج ج3 ص265.
[3] المغني؛ لابن قدامة ج8 ص215.
[4] المحلى؛ لابن حزم ج10 ص203.
[5] المدونة الكبرى ج2 ص351.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك