من يوضح صورة الإسلام في عيون غير المسلمين؟
د. عبدالله بن إبراهيم اللحيدان
هل يبحثُ غيْر المسلمين فِعْلاً عن حقيقة الإسلام؟ وإلى متى ستظلُّ صورة الإسلام الحقيقيَّة مُغيَّبَة عن غيْر المسلمين؟ ولماذا يُقتلُ الحوارُ الهادف مع غير المسلمين؟
إنَّ جميع البشر ينتَسِبون إلى أبيهم آدمَ، ومنذ أنْ هبَطَ نَبِيُّ الله آدمُ - عليه السلام - إلى الأرضِ واستخلَفَه الله -تعالى- فيها، بَيَّنَ له طريقَ الهداية والرَّشاد، وطريق الغوايَة والفَساد، طريق الخيْر وطريق الشرِّ، وكانت البشريَّة عَبْر تاريخها الطويل تتقلَّب بين مَدٍّ وجذرٍ؛ في سعادة وشقاء، خيرٍ وشرٍّ، آمنٍ وخوف، ومن رحمة الله - عزَّ وجلَّ - بعباده أنْ تتابعتْ عليهم الرُّسلُ - عليهم الصلاة والسلام - وكانَ منهم إبراهيم وموسى، وعيسى ومحمد - عليهم السلام - وكلُّ هؤلاء الرُّسلِ كانوا يَدْعون إلى عبادة الله وحدَه، ويَأْمُرون بالخيْر، وينهون عن الشرِّ، ويُرشِدون إلى أسباب السعادة الحقيقيَّة؛ ولذلك فالناسُ في كلِّ زمانٍ ومكان لا يستغنون عن هداية الله ورحمته، ومَهْمَا بلَغَ الإنسانُ من علْمٍ، فإنَّه لا يمكنه أنْ يستغني عن وحْي الله الذي أنزلَه على أنبيائه، وحاجته إلى هذا الوحي أعظمُ من حاجته إلى أيِّ شيءٍ.
وكانَ الأنبياءُ يَدعون إلى غاية واحدة، ويَنشُدون هدفًا واحدًا مُحَدَّدًا، فكلُّهم يدعون إلى الإسلام؛ ولذلك فإنَّ حاجةَ الناس إلى معْرفة حقيقة الإسلام وجوهرِه أكبرُ من حاجتهم إلى كلِّ شيءٍ، بما في ذلك عِلْم الطبِّ.
قال ابنُ القيِّم: ألاَ ترى أنَّ أكْثرَ العالم يعيشون بغير طبيب، ولا يكون طبيبٌ إلا في بعض المدن، وأنَّ بَنِي آدمَ فُطِروا على تناوُلِ ما ينفعهم، واجتِنابِ ما يضرُّهم، وجعَلَ اللهُ لكلِّ قومٍ عادةً وعُرْفًا في استِخراج ما يهجمُ عليهم من الأدواء، حتى إنَّ كثيرًا من أصول الطبِّ إنَّما أُخِذتْ من عوائد الناس وعُرْفِهم وتجاربِهم، أمَّا سعادةُ أرواحِهم ونعيم نفوسِهم، فلا يُدرِكه إلا مَن اعتنقَ الحقَّ وصَدَّقَ به، ولا سبيلَ إلى معرفته إلا عن طريق الرُّسلِ.
5 آلاف مليون غيْر مسْلم!
والعالم اليومَ بحاجةٍ ماسَّة إلى معْرفةِ الإسلام معْرفةً صحيحةً؛ ففي العالمِ اليومَ ما يزيدُ على خمسة آلاف مليون إنسان لا يَدِينون بالإسلامِ، ومُعْظم هؤلاء لم تبلغْهم الدعوة إطلاقًا، أو بلغتْهم بصورة مشوَّهة، وإنَّ من أكبرِ معوقات الهدايَة إلى الإسلام ضَعفَ معْرفة المدعوِّ أو عدمَ معرفتِه بكَوْنِ الإسلام سبَبًا لمصلحته وسرورِه وسعادتِه في الدنيا والآخِرة، ويزدادُ أثَرُ هذا المعوق في العصْر الحاضر؛ بما يسعَى به كثيرٌ من المسلمين ومن غيْر المسلمين إلى تشويه صورة الإسلام.
وإذا كان واقِعُ المسلمين اليومَ من أكبر الصَّوارِف عن الإسلام، فإنَّ الدعوة إلى الاحْتِكام إلى الحقِّ لا إلى الناس، ومعرفة محاسن الإسلام - هي طريق العُقَلاء من بَنِي البشر؛ لأنَّ قُطَّاعَ الطريق إلى الله من المسلمين ومن غيْر المسلمين تفنَّنوا في إبعاد الناس عن الإسلام.
وفي سبيل التضليل يقفُ قُطَّاع الطريق عن الإسلام، فيلبسون على مَن يقتربُ من الهداية بادِّعائهم: أنَّه لا فَرْقَ بين الأديان كلِّها؛ يقول "مراد هوفمان": "لقد سمعتُ مرارًا قَبْل اعتناقي للإسلام مقولةَ: إنَّ التحوُّل من دين إلى دين آخرَ ليس له أهميَّة؛ حيث إنَّ الأديانَ كلَّها تُؤْمِنُ في آخَر الأمر بإلهٍ واحدٍ، وتدعو إلى الأخلاقيَّات والقِيَم ذاتِها.
كما أنَّ الرَّواسِبَ الفِكْريَّة عن الإسلام قد تَصرِفُ عنه؛ تقول "مافيز جولي" - وهي إنكليزية -: "قرأتُ عدَّة كتبٍ عن الإسلام، وقرأتُ ترجمة معاني القرآن الكريم، إلا أنَّني كنتُ متأثِّرة بما سمعْتُه من فوق المنابر المسيحيَّة من الطَّعْن في الإسلام".
الطعْن والتشهير:
وكانَ للقرآن الكريم نصِيبُه من الطعْن والتضليل عن هدايته؛ ففي سبيل التضليل عنه كانَ نشْر الترجمات المحرَّفة التي تُشوِّه صورةَ الإسلام بجميع اللغات، وتتضمَّن هذه التراجِم الأكاذيبَ المدسوسة على الإسلام وعلى الكتاب العزيز، ووُضِعَتْ مثل هذه التراجِم في مُتناوَل الأيدي؛ في المكتبات العامَّة وغيرها، ويشهد لذلك ما ذَكَرَه "محمد جون ويستر" (إنجليزي) عن قصة إسلامه، إذ يقول: حَدَثَ عند إقامتي في أستراليا أنْ طلبتُ نسخةً من القرآن الكريم من مكتبة "سيدني" العامَّة، فما أنْ قرأتُ مقدِّمة المترجِم، حتى لمستُ التعصُّبَ ضدَّ الإسلام مكشوفًا مفضوحًا، فلم أتمالَكْ إلاَّ أنْ أقفلَ الكتابَ وأتركه، ولم أجدْ ترجمة أخرى، وبعد أسابيع ذهبتُ إلى "برت" في غربي أستراليا، فبادرتُ بالبحث في مكتبتها العامَّة عن ترجمة لمعاني القرآن الكريم، شريطة أنْ يكونَ المترجِم مسلمًا، ثم يقول: ولا أستطيعُ أنْ أعبِّرَ عن مدى تأثُّري بمجرَّد تلاوتي لأوَّل سورة فيه "سورة الفاتحة" بآياتها السَّبْعِ.
وهذا يبيِّن أنَّ هناك طائفةً من الناس تبحثُ عن الحقِّ، وقد لا يتيسَّر لها الحصولُ على ما تريده، وإذا كانَ غيْر المسلمين يتأثَّرون بالكتب المترجَمة في طريق إسلامِهم، فإنَّه ليس هناك كتابٌ أعظم تأثيرًا ووَقْعًا في النفوس من كتاب الله - جلَّ وعلاَ - وهناك طائفة من غيْر المسلمين تأثَّروا بالقرآن الكريم قَبلَ إسلامِهم.
يقول علي سلمان (فرنسي): "العامل الرئيس في اعتناقي للإسلام هو القرآن الكريم، وإنِّي مَدِين للكتاب الذي ألَّفه مالك بن نَبِي، واسمه "الظاهرة القرآنيَّة".
ومثله "د. هان ماركوس" (ألماني)، و"وليم بيكارد" (بريطاني)، ويذكر محمد شريف (من سريلانكا) - وكان قِسِّيسًا -: "أنَّ قراءة سورة الفاتحة والبقرة كانتا سببًا رئيسًا في إسلامه".
والداعية البريطاني يوسف إسلام "كات استيفن"، قدَّمَ له أخوه ترجمةً لمعاني القرآن الكريم، فتأثَّر بها كثيرًا وأعْلَنَ إسلامَه.
الترجمات المشوَّهة:
وإذا كانتِ القراءة طريقًا إلى معرفة الإسلام، وتَصحِيح ما يَعْلَقُ بالأذهان عنه، فلا بُدَّ مع هذا من تَوضِيح ما قد يُشْكِلُ على غيْر المسلمين.
يقول "إبراهيم وايت" (من بريطانيا): قرأتُ ترجمة إنجليزيَّة لمعاني القرآن الكريم، وأتبعْتُها بأخرى أحسنَ منها، واقتنيتُ العديدَ من الكتب التي تتحدَّث عن الإسلام، فعلتُ ذلك وحْدي دونَ توجيهٍ من أحدٍ، حتى قابلتُ أَحَدَ الدُّعاةِ، فحدَّثَنِي عن الإسلام، فعَرَفْتُ منه أشياءَ كثيرة عن الإسلام والمسلمين.
وهذا يتطلَّبُ من غيْر المسلمين أنْ يبحَثُوا عن حقيقة الإسلام من المسلمين أنفسِهم.
وإنَّ الباحثَ المنْصِفَ الذي يبحثُ عن الحقِّ وحدَه، يتأثَّر بلا شكٍّ بقراءة ترجمة معاني القرآن الكريم.
تقول "سميرة إيفان" (من بريطانيا): "لم أكنْ أتصوَّرُ أنَّ كتابًا في الدنيا يحوي كلَّ هذا العلمِ الواسع في شتَّى أمور الحياة، ومِن هذا الكتاب عرَفتُ الكثيرَ عن مكانة المرأة في الإسلام، وما تتمتَّع به من حقوقٍ، كما أنَّني آمَنتُ بلبْسِ الحجاب؛ فهو يرفع من مكانة المرأة، وينزِّهُها عن أنْ تكونَ وسيلةً لإثارة الشهوات".
إنَّ الهاجسَ الأكبرَ لعالم اليوم هو العدْل، والعدْل والأمْن قرينان لا يفْتَرِقان، وكثيرٌ ممَّن لا يعرِفون الإسلام لا يعلَمُون أنَّ أعظمَ عدْلٍ عرفَتْه البشريَّة كان في ظِلال الإسلام، فالظُّلم محرَّم على كلِّ أحدٍ في الإسلام، فلا يَظْلِم المسلمُ أحدًا من بني جنسه أيًّا كانتْ ديانتُه؛ بل لا يظلم الحيوان البَهِيم، ولقد نَعِمَ غيرُ المسلمين في بِلاد الإسلام بالعدْل، وشواهِدُ ذلك في تاريخ الإسلام لا تُحْصَر، وقد توعَّد النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَن ظلَم أحدًا مِن أهل الذمَّة والعهْد بقوله: ((ألاَ من ظَلَمَ مُعاهِدًا أو انتقَصَه، أو كلَّفه فوقَ طاقته، أو أخَذ منه شيئًا بغيْر طيبِ نفسٍ - فأنا حجيجُه يومَ القيامة)).
وكان خليفتُه الثاني عمر بن الخطاب - رضِي الله عنه - يقول لعامِلِه: أوصيك ألا ترخص لنفسِك ولا لغيْرك في ظلمِ أهل الذمَّة، وفي لحظات مَوتِه كان يقول: أُوصِي الخليفة مِن بعدي بأهْل الذمَّة خيرًا؛ أنْ يُوفِي لهم بعهْدهم، وأنْ يقاتلَ مِن ورائهم، ولا يكلفهم فوقَ طاقتهم، وهذه غاية العدْل؛ ولذلك قال له رجلٌ من أهل الذمَّة عندما رآه نائمًا بلا حرسٍ يحرسونه: "عدَلتَ فأمِنتَ فنِمتَ!".
منهاج العدْل:
إنَّ البشريَّة اليومَ أحوجُ ما تكون إلى منهاج عدْلٍ تحتَكِمُ إليه، وإلى نبْذ التَّقلِيد وإيقاظ الفِطرة والعقل، وتَصحِيح الفِكْر وتَقوِيمه، وإنَّ الأصولَ المشترَكة التي تجمعُ المسلمين بغيرِهم من أكبر الأسباب التي تدعُو إلى الحوار البنَّاء بعيدًا عن الهوى والعصبيَّة، فالحقُّ واحدٌ لا يتعدَّدُ، وهو إمَّا مع المسلمين أو مع غيرهم، ولا يعرفُ ذلك إلا من أنْصفَ في البحث عن الحقيقة، وتجرَّد عن الحُكْم المسبق على الآخَرين.
إنَّ دينَ الإسلام موجودٌ حُسْنُه في العقْل، ويُسْرُه في النفوس، وإنَّما يعدلُ عنه مَن يعْدلُ لآفةٍ من آفات النُّشوء والتَّقليد، ولو سَلِمَ المولود من تلك الآفاتِ، لم يعتقدْ غيرَه، ولم يخترْ عليه سِواه؛ ولذلك كانَ على العالِمين بحقيقة الإسلام وجوهرِه أن يُبيِّنوا لغير المسلمين محاسِنَ هذا الدين، وأنَّه السبيلُ الوحيد لسعادة البشريَّة، وأنَّ الله تعالى لا يقبلُ من أحدٍ دينًا سواه.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك