ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين
فواز بن لوفان الظفيري
الحمد لله ذي العزة والجبروت الكبير المتعال مالك الملك لا إله بحق سواه، وصلى الله وسلم على إمام الأولين والآخرين، نبينا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
إن الواقع المرير الذي نعيشه في هذا الزمان من حب الدنيا واستئثارها على الآخرة ليستذكر حديث نبينا وحبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم-: ((ليأتين على الناس زمان؛ قلوبهم قلوب الأعاجم؛ حب الدنيا، سنتهم سنة الأعراب، ما أتاهم من رزق جعلوه في الحيوان، يرون الجهاد ضررا، والزكاة مغرما))[السلسلة الصحيحة].
جاء في فيض القدير ج2/ص149: "قلوبهم يعني قلوب أهل ذلك الزمان قلوب الأعاجم أي كقلوبهم بعيدة من الخلاق مملوءة من الرياء والنفاق وألسنتهم ألسنة العرب متشدقون متفصحون متفيهقون يتلونون في المذاهب ويروغون كالثعالب قال الأحنف لأن أبتلى بإلف جموح لجوج أحب إلي أن أبتلى بمتلون".
فنعوذ بالله من هذه القلوب ونسأل الله -تعالى- أن يثبتنا على التوحيد والسنة.
وكثير من المسلمين للأسف استهوته الحضارة الغربية المزعومة بزخرفها وزينتها زعما بتطبيقها للعدل والأنظمة في بلادها وهي والله منتكسة للفطرة ساقطة للأخلاق والمروءة وإن أظهرت النظام في المعاملات، فهي من أشد الظالمين على شعوبها والتاريخ يشهد بذلك من قيام الشيوعية والرأسمالية الظالمة وليس بعد الكفر ذنب.
ناهيك عن الضرائب الثقيلة المطبقة في هذه البلدان التي يدندن حولها وحول أنظمتها بعض أبناء المسلمين المعجبون بها.
الاسلام ديننا العظيم أتى بالعدل والمساواة ونبذ الظلم حتى في القول وإن كان قريبا ً حث على العدل والانصاف وحث على الوفاء بالعهد، قال - تعالى -: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأنعام: 152].
وفي التعاملات بين الأفراد والمجتمع حث الاسلام على تجنب الظلم وإرساء الأخوة بين المسلمين: ((المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره) [رواه مسلم].
وهذا الحديث لو تأمله المسلمون جيدا وعملوه به لن تجد مظلوما يشتكى ظالما ولن تجد مراجعا يشتكي موظفا.
ما أعظمه من دين مصلح لكل زمان ومكان، وهؤلاء الذين معجبون بأنظمة الغرب الكافر، والذين غلوا فيه حتى وصل الحال ببعضهم أنه يدعو لهذه الأنظمة بالعزة لإقامتها العدل والنظام.
أعوذ بالله من غضب الله، وصل به الأمر؛ لأن يدعو لدول كافرة والقاصي والداني يعرفها ويعرف الفساد الأخلاقي، وحتى النظام الذي يدعيه يوجد فساد لديهم وغسيل أموال وغيرها من الفساد.
إن ظهور فساد ووقوع مظلمة هنا وهناك لا يمكن أن يتخذ ذريعة لتمجيد الدول الكافرة وأنظمتها ناسين أو متناسين أنه قد يكون السبب في هذا الفساد والظلم هو الانسان نفسه الذي وقع عليه هذا الأمر، قال -تعالى-: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) [الشورى: 30].
يقول - تعالى - ذِكْرُه: وما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم وأهليكم وأموالكم: (فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) يقول: فإنما يصيبكم ذلك عقوبة من الله لكم بما اجترحتم من الآثام فيما بينكم وبين ربكم، ويعفو لكم ربكم عن كثير من إجرامكم، فلا يعاقبكم بها.
وقال ابن كثير -رحمه الله-: وقوله: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) أي: مهما أصابكم أيها الناس من المصائب فإنما هو عن سيئات تَقدَّمت لكم: (وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) أي: مِن السيئات، فلا يُجازيكم عليها بل يعفو عنها.
فحينما يصاب الانسان بضائقة مالية وخسارة وتضييق عليه في تجارته أو قد يصاب بظلم وضياع بعض حقوقه هنا وهناك، لماذا لا يفر إلى الله -تعالى- ويعترف بتقصيره وذنوبه، هذه المصائب التي يصاب بها قد تكون من ذنوبه فلماذا النحيب وترك الرجوع إلى الله -تعالى- والاعتراف بالتقصير
مع الأخذ بالأسباب بالمطالبة بالحق ورفع الظلم.
إن هؤلاء المعجبون زورا وبهتانا بالأنظمة الكافرة ليتهم تذكروا نعمة الله عليهم بالإيمان والاسلام نعمة التوحيد والسنة، كم من الغرب من يموت منتحرا ً فأين أنظمة الغرب، كم من الغرب من يعيش لوحده يصارع المرض والموت وقد تركه أبناءه واقاربه وقد يموت ويتعفن ولا يكتشف إلا بعد مدة طويلة فأين انظمة الغرب، كم من شعوب الغرب من وهب ماله كله بعد أن جمعه طيلة السنين الماضية ووهبه لكلب بهيم لا يعقل فأين أنظمة الغرب.
وهؤلاء حينما تعلقوا بالدنيا أصابهم حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من أصبح وهمه الدنيا جعل فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له))[أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني].
فلا يكن المسلم همه الدنيا لأن الدنيا زائلة ً، ولا يعني هذا أن يتركها إنما يأخذ منها ما يعينه على الآخرة، ولا يعني هذا أنه لا يطلب العدل والإنصاف في المعاملات الخاصة والعامة فالعدل من الاسلام ودعا به الاسلام لكن لا يكون على حساب الإعجاب بالغرب والتهكم بالإسلام، فإن كان هناك تقصير فالتقصير فيمن ينتسب إلى الاسلام وهذا تقصير يقوم ويصحح بالنصيحة والإصلاح.
وهؤلاء تجدهم قد شدوا الرحال للغرب بدعوى السفر للسياحة والتنزه فتأثروا بالغرب وفكرهم، ضاربين بذلك كلام العلماء المشفقين عليهم الذين حذروا من الذهاب لهذه الدول الكافرة إلا لضرورة، كيف يذهب مسلم للتنزه بديار أهل الكفر والضلال، كيف يتنزه والشرك بالله عندهم ليل نهار، كيف يتنزه والانحلال الأخلاقي في كل مكان ويزداد الشر حينما يذهب بنساه إلى هؤلاء الكفرة فلا حول ولا قوة إلا بالله.
والإسلام عزيز شامخ ما بقي الزمان رغم أنوف هؤلاء الذين ركنوا للغرب وحضارته البائسة التي لم تقم إلا لأجل الدنيا وزينتها فضاعت الأخلاق وأفلت المروءة وضاعت الأنساب وقطعت الأرحام فلا شريعة تنور طريقهم ولا أخلاق تنظم حياتهم فأين أنظمة الغرب المزعومة فبئس لهؤلاء كيف مجدوا حضارة زائلة وهمشوا شريعة باقية بسبب عرض من الدنيا قليل فلله العزة ولرسوله وللمؤمنين.
اللهم لك الحمد على نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة، حيث أرسلت إلينا أفضل رسلك، وأنزلت علينا خير كتبك، وشرعت لنا أفضل شرائع دينك، وجعلتنا من خير أمة أخرجت للناس، وهديتنا لمعالم دينك الذي ليس به التباس.
والحمد لله رب العالمين.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك