|
03-25-2016, 03:58 PM
|
مدير عام
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 348,208
|
|
بين الدعوة .. والجهاد
بين الدعوة والجهاد
يستنكر بعض "المثقفين" و من يعرفون "بالمفكرين" أحاديث الجهاد كحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيَسْتَقْبِلُوا قِبْلَتَنَا، وَأَكَلُوا ذَبِيحَتَنَا، وَصَلُّوا صَلاتَنَا حُرِّمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلا بِحَقِّهَا، لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ " .
وفي رواية " أمرت أن أقاتل المشركين ", وقال لا إكراه في الدين من شاء فليومن ومن شاء فليكفر.
أما الحديث, فقد ضعفها بعضهم جهلا أو لهوى بسبب بعض التصرفات غير المسؤولة والأحداث الدموية التي حدثت في فرنسا ومؤخرا وغيرها من دول أوروبا أو أمريكا وأنا لن أخوض في تحليل ما حدث ولماذا حدث وتداعياته فهذا له مقال آخر لكن ما أود توضيحه في هذا المقال هو الرد على منتقدي الأحاديث أولا, وثانيا الكلام على مفهومي الجهاد والدعوة المختلط خلطا شديدا الآن بين شباب المسلمين.
أما الأحاديث فإن معناها قد يصل لحد التواتر, فقد رواه, أبو بكر الصديق, وعمر اين الخطاب, وابنه عبد الله بن عمر, وأبو هريرة, وجابر بن عبد الله, وأنس بن مالك, وأوس بن أبي حذيفة, ومعاذ بن جبل, والمغيرة بن شعبة, وطارق بن أشيم, وجرير بن عبد الله, وأبو بكرة, وجندب بن عبد الله البجلي, والنعمان بشير (إن كان حديثه غير حديث أوس), وعبد الله بن عباس, وعائشة رضي الله عنها - فلا سبيل إلى ردها من ناحية الإسناد أو الصنعة الحديثية العلمية, فقد أخرجها أئمة المسلمين وعلماؤهم في مصنفاتهم جيلا بعد جيل ورواها الصحابة رضوان الله عليهم مما لا يدع مجالا للشك في صحة نسبتها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم, أما من ناحية أنها تتعارض مع سماحة الدين ورحمته بالناس, وأنها تنافي مقاصد الشريعة في حرية الناس في اختيار عقائدهم, فالرد على هذا الكلام من وجوه:
الأول: أن الأنبياء صلوات الله عليهم بعثوا رحمة للناس, بعثوا بالإسلام والتوحيد, فكان منهم من أمر بالقتال ومنهم من لم يؤمر بذلك, وكان محمد صلّى الله عليه وسلّم, ممن أمروا بقتال المشركين وسمي قتاله "جهاد في سبيل الله" لأنه ينفق الغالي والنفيس من الأموال والأنفس في سبيل تحقيق الغاية منه وهي "الدعوة", والفهم المغلوط لقضية الجهاد عند البعض هي التي دفعت هؤلاء المفكرين ومن قبلهم المستشرقين لإنكار أحاديث القتال وتأويل آيات السيف بما لا يناسب معناها, أو باختزالهما في طائفة معينة وهي "مشركو العرب", وكأن ما فعله الخلفاء ومن بعدهم من قتال للكافرين في أنحاء الأرض كان فهما خاطئا لمراد الله ورسوله في هذا الباب!!
والحق, أنهم أساءوا الفهم, فأساءوا الحكم, لأن الجهاد الذي بعث به النبي صلّى الله عليه وسلّم, وهذا الوجه,
الثاني: ليس القتل والسبي هو المقصود منه, وإنما يأتي ذلك تبعا, لا قصدا, والقصد من الجهاد هو الدعوة, وإعلاء كلمة الله, ولو كان "القتل" هو المقصود, لقتل المسلمون كل كافر في المعركة, بعد أن يهزموهم, ولفعلوا ما يسمى في الدولة الحديثة الآن "جرائم حرب" وقتل جماعي للأسرى, وإن كان هنا أو هناك حادثة أو أخرى فليس هذا هو الغالب, فالمسلمون إنما يدعون الناس قبل القتال للإسلام, فإن أبوا, طالبوهم بالجزية وأقروهم على ما هم عليه من ديانة, خاصة لو كانوا هودا أو نصارى, فإن أبوا قاتلوهم, ولهم في ذلك خلق, فلا يقربوا طفلا ولا غلاما غير مقاتل, ولا يقربوا امرأة, ولا شيخا, لم يعينا على قتل المسلمين, ولا راهب في صومعته, ولا يحرقوا خيرات البلاد من زرع ونحوه وهذه هي المرحلة الأخيرة, بعد رفض الدعوة, ورفض الجزية, والمشاهد للواقع الآن يجد دولا عظمى كأمريكا, تقتل الأطفال, وتغتصب النساء, وتسيطر على مقدرات الناس, من بترول ومناجم وزراعات وغيرها, بل قد تبيد الآلاف في سبيل نشر "دعوتها", الديموقراطية, وما نشر الديموقراطية إلا لعزل أي حكم منافس له خاصة, الإسلام والشيوعية, ومع ذلك لا يحرك هؤلاء المفكرون ساكنا تجاه ما يحدث .. وما حدث مع سكان الولايات المتحدث الأصليين, مثلا, ليس ببعيد جدا عنهم!
الوجه الثالث: فكان الجهاد أصلا, مثله كمثل تأديب الولد, وتربيته, وإلزامه بما ينفعه, لأن الإسلام دين الحق, ومن مات على غير ملة الإسلام, لم يقبل منه في الآخرة, وليس له إلا النار خالدا فيها, فكان التقويم للناس بالدعوة, باللسان, وبالمال, لمن قد يتألف قلبه بالمال لينطق كلمة التوحيد, وبالنصيحة, فإن أبت دولة هذه الدعوة, سالمناهم, شريطة أن يدفعوا لنا جزية, مقابل الحفاظ على أرواحهم, والخضوع لحكم الله, لإعلاء كلمته سبحانه, لأنهم رفضوا العيش في عز الإسلام, وأبوا إلا أن يكفروا بالله الذي خلقهم ورزقهم, فكان تأديب الله لهم, أن يدفعوا الجزية وهم صاغرون, فربما يرجعون إلى رشدهم وهم في هذه الحالة من الشعور بالصغار, وتكون فرصة لإعادة التفكير في موقفهم, وحالهم الحقيقي, فإن أبوا إلا الكبر, وأرادوا كسر شوكة المسلمين, وإعلاء كلمتهم فوق كلمة رب العالمين, لم يكن لهم إلا السيف رادعا, قال تعالى{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} فالقصد من الجهاد أو القتال في هذه الأحاديث إذا, هو نشر التوحيد, وإدخال الناس في دين الإسلام, لإنقاذهم من النار, وإن كان ذلك بالقوة أحيانا, ألم ترى أن أبا ضرب ولده لتأديبه, خوفا عليه من التمادي في خطئه, الذي قد يسبب له ما لا يحتمل من تبعات هذا الخطأ؟
فالذي يؤمن بهذا الدين "يحب" لغيره من غير المسلمين الدخول فيه, ويحب أن ينقذهم من النار, وهذا معنى أنه صلّى الله عليه وسلّم بعث "رحمة" للعالمين, يعني يرحم الله به أهل الأرض, بإدخالهم في الإسلام, لينجيهم من النار, فمن أقحم عقله في مثل هذه النصوص, على أنها تخالف رحمة دين الإسلام, قلنا له بل إن فهمك أنت قاصر عن إدراك الحكمة من هذه المعاني, وأن الرحمة تتحقق بأي وسيلة, فيها صلاح المرحوم, حتى وإن كانت قاسية, وهذا معلوم مشاهد بين الناس, كل يوم, فترى الأم وهي تضرب أو توبخ ولدها بكلّ قسوة, رحمة به من إقحام نفسه في شجار قد يودي بحياته, أو سفر قد يهلك فيه, بل إن الوحش من الحيوان يقسو على ولده فلا يطعمه وقد لا يتركه يأكل من صيده, ويتركه يتعلم الصيد بنفسه, رحمة به, كي يستطيع يطعم نفسه ليتعلم كيف يعيش وسط الأحراش, وقد قيل: ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم,
الوجه الخامس: أن فهم الجهاد على وجه القتل والقتال وإذلال الكافرين إنما هو وجه من وجوهه, حين يكون الجهاد جهاد دفع, أو حين يكون الكافرين المقاتلين ممن عرفوا بالشدة على الإسلام والمسلمين, فها هنا يطلب قتلهم وإذلالهم, كما قال تعالى في سورة التوبة { أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ { 13 } قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ { 14 } وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { 15 }, فكذا, وأما جهاد الطلب فالنية فيه ما جاء في حديث معاذ المشهور:
- كما في (البخاري 1458) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْيَمَنِ، قَالَ: إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ"
- وفي (مسلم 1733) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم " إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ، فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا؟ ",
لأن بعض الشباب ظن أن الجهاد معناه هو قتال الكافرين وقتلهم وإذلالهم, على طول الخط, وأن الغاية العظمى منه هو الإذلال والأسر والسبي والغنيمة, وليس كذلك الأمر, وقد أورد ابن رجب الحنبلي في الحكم الجدير بالإذاعة عن عمر بن عبد العزيز قوله:"إن الله تعالى بعث محمداً هاديا ولم يبعثه جابيا ، فكان صلى الله عليه وسلم شغله بطاعة الله والدعوة إلى التوحيد ، وما يحصل في خلال ذلك من الأموال من الفيء والغنائم يحصل تبعاً لا قصداً أصلياً ، ولهذا ذم من ترك الجهاد واشتغل عنه باكتساب الأموال . وفي ذلك نزل قوله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } لما عزم الأنصار على ترك الجهاد والاشتغال بإصلاح أموالهم وأراضيهم"ا.هـ.
فالناظر في أمر الله عباده بالجهاد في سبيله يجده أمرا عجبا, فهو إصلاح للطالب والمطلوب, فالمجاهد يبذل ماله ونفسه في مرضاة ربه, فإما أن يلقى ربّه شهيدا, حيا عنده يرزق, وإما أن تتهذب نفسه وتسمو وترقى بالإيمان, فالجهاد مثله مثل الصلاة والإنفاق وشرائع الدين التي تزيد من إيمان المسلم وتحافظ عليه, وكلما ازداد حبا لأدائها ازداد إيمانا وقربا من الله, والمطلوب في المقابل حين يسلم ويدخل في التوحيد, ينقذه الله من النار, ويجعله من أهل الكرامة, بعد أن كان من أهل الندامة, فسبحان الذي يسخر عباده في مرضاته لهداية عباده, فيدفع بعضهم ببعض, ويبتلي بعضهم ببعض, فيرحم من يشاء ويعذب من يشاء ويهدي من يشاء ويضل من يشاء ويفعل ما شاء .. لا إله إلا هو, له الحكم وإليه يرجعون.
الوجه السادس: وهو فيما يتعلق بقولهم أن الإنسان "إذا شاء فليؤمن وإذا شاء فليكفر", وأنه "لا إكراه في الدين", والجواب, أن هذا خلط للأحكام وسوء فهم, لأن الجهاد ليس الغرض منه "إكراه" الناس على قول لا إله إلا الله, بل الدعوة, وقد تقدم الكلام على ذلك, والدعوة ليس معناها الإكراه, كما هو مفهوم, وقد بينا أن المسلمين بعد أن يعرضوا الإسلام, فيأبي المشركون. فإما الجزية وإما القتال بعد ذلك! فلا وجه للكلام على الإكراه أصلا, اما مسألة من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فهو خطاب على سبيل التهديد والوعيد الشديدين للكافرين, وليس هو للتخيير, بدليل ما بعدها {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}, فالكافر المفترض أن يدخل الإسلام عن قناعة, فإذا دخل التزم بأحكام الإسلام وعلم أنه إن كفر وارتد قتل.
فالإسلام لا يكره أحدا على الدخول فيه, لكنه لا يسمح لأحد بالخروج منه كيف شاء, بل يستتاب, وإلا قتل, وهذا موضوع آخر.
كلمة أخيرة:
فالخلاصة, أن الدعوة هي مقصد الجهاد الأسمى, وخلقه الأعلى, خاصة في جهاد الطلب, بل قد تكون الدعوة, أحد أهم وسائل جهاد الدفع الآن في عصرنا هذا, نعم, والدليل هذه "الإحصاءات" التي كشفت عنها بعض الدراسات الغربية, فتأمل معي:
1- قبل عام 2100م سيكون الإسلام أكبر ديانة موجودة على وجه الأرض.
2- قبل عام 2050م سيكون حجم الإسلام مساوي أو أقل قليلا لحجم المسيحية في أوروبا
3- قبل عام 2050م سينخفض حجم المسيحية في أوروبا ولن تتغير نسبة الديانة اليهودية تقريبا
4- وقبل عام 2050م سينخفض كذلك نسبة اللادينيين (الملحدين) في العالم.
5- الإسلام من المتوقع أن يزيد أسرع من سكان العالم ككل حتى عام 2050
6- معدلات الأعمار للمسلمين في أوروبا أصغر كثيرا من الأوروبيين
7- ألمانيا وفرنسا لديها أكبر عدد من السكان المسلمين في دول أوروبا (الاتحاد الأوروبي)
ناهيك عن حقيقة انخفاض معدل المواليد مقابل معدل الوفيات لدى أوروبا وأمريكا وارتفاع متوسط الأعمار بشكل كبير في الثلاثين سنة الأخيرة, وشكاوهم المستمرة من هذا الأمر, الذي سيؤدي إلى كارثة حقيقية لهم في خلال الخمسين سنة القادمة.
أضف إلى ذلك أيضا الأزمات الاقتصادية والمشاكل السياسية بين دول الاتحاد الأوروبي, التي ستعوق مسيرتها السياسية بشكل كبير خلال السنوات المقبلة, وكذلك أمريكا, بل ستعوق هذه الأزمات تمويل أي حروب مفتوحة في الشرق الأوسط, لأن دخول أي حرب مفتوحة وكاملة بالنسبة لهم الآن هو بمثابة الانتحار والافلاس الاقتصادي!
ظني .. أن الوقت مناسب جدا لنشر الدعوة الإسلامية بحكمة ورحمة بين أناس يئنون ويشكون قلة الأمان والسلام الروحي والنفسي, وحين تنجح الدعوة في نشر اللإسلام بين الغرب بهذا الشكل السريع - والذي يمكن أن يكون أسرع كثيرا لو استفدنا من الفرص الموجودة – فإن الغاية الأسمى من الجهاد - وهي إدخال الناس في رحمة الإسلام وسعته – يمكن أن تتحقق من دون جهاد السلاح فيعافينا الله شروره, فهل رأيت النبي دخل أوسا فاتحا, بل دعا لهم, وقال:"اللهم اهد دوسا وائت بهم" (خ 2937) وعند الترمذي (3942) وقال صحيح غريب, قال صلّى الله عليه وسلّم:"اللهم اهد ثقيفا", وقال كما في الصحيحين :" أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ، ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ "
فالدعوة الآن في أوروبا والغرب, لا شك, ستكون نتيجتها (إسراع) تغيير ديموغرافية العالم الغربي والمبشرات ظاهرة ولله الحمد
المصدر... ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
|
|
|