قاعدة الأمور بمقاصدها
أبو الحسن هشام المحجوبي و وديع الراضي
الحمد لله مُفهِّم العلم ومُعلِّم الأصول، والصلاة والسلام على خير رسول، وعلى آله وصحبه وأتباعه أهل الإيمان والقبول، وبعد:
فإن من القواعد الفقهية الكلية الأساسية في الشريعة الإسلامية التي يُبنى عليها نصف الدين: قاعدة الأمور بمقاصدها، فهذه القاعدة العظيمة مستنبَطة من قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يَنكِحُها، فهجرته إلى ما هاجر إليه))؛ ومعناها يَخلُصُ إلى صحة العبادة أو بطلانها والحكم على الشخص: بالرجوع إلى نيته.
فقد قسَّم العلماء النية إلى نية العبادة، ونية المعبود، وكلاهما شرط في صحة العمل، فنِيَّة العبادة: هي التمييز بين العبادات، فمثلاً: إذا صلَّى أَحَدٌ العصر بنية الظهر، لزِمَه إعادةُ العصر؛ لخطئه في النية.
وأما نية المعبود: فهي إخلاص العبادة لله، والإخلاص هو الابتغاء بالعمل ثوابَ الله ورضوانه؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5]، وله ثلاثة قوادح تفسده؛ وبالتالي تفسد العبادة على صاحبها.
القادح الأول: الرياء: وهو إظهار العبادة للناس طمعًا في إعجابهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أخوف ما أخاف على أمتي الشركُ الخفيُّ))، قيل: وما الشركُ الخفي يا رسول الله؟ قال: ((الرياء)).
القادح الثاني: السُّمْعةُ: وهي تحديث الناس بالعبادة طمعًا في ثنائهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن سمَّع، سمَّع الله به))؛ أي: من سمَّع في الدنيا، أسمَع الله الناسَ عيوبَه يوم القيامة.
القادح الثالث: فعل العبادة ابتغاءَ مصلحةٍ دنيوية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ومن كانت هجرته لدنيا يُصيبُها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
وقد يكون العمل مباحًا في أصله، فيثاب عليه المرء إن قَصد فيه الطاعة لله، وقد يأثم إن قصد فيه معصية الله، فمثلاً: إن نام شخص بعد الظهر قصدَ التقَوِّي على قيام الليل، فإنه يؤجر على نومه، وإن نام قصد التقوِّي على السهر في الملاهي وارتكاب الفواحش، فإنه يأثم عليه.
وتُعدُّ هذه القاعدة ضابطًا مهمًّا في حكم القاضي على الناس، فمثلاً: إذا سجد رجل لصنم؛ إن قصد أن يتخذه سترةً في صلاته، فيُحكم عليه بالأصل الذي هو الإسلام، وإن قصَد عبادته يُحكم بردَّته.
وكذلك إذا صدَم رجل شخصًا بسيارته فقَتَله؛ إن قصد قتله فيُحكَمُ بقتله حدًّا، إلا أن يعفوَ أهل القتيل، وإن لم يَقصد تَلزمُه الدِّيةُ لأهل القتيل، وهي مائة ناقة أو قيمتها المالية.
ونسأل الله تعالى أن يتقبل عملنا، وأن يرزقنا الإخلاص والأجر والثواب، آمين، والحمد لله رب العالمين.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك