مشروعية إبقاء المسجد الذي فيه قبر
بعد إخراج القبر منه
محمد بن علي بن جميل المطري
المشروع في المسجد الذي فيه قبر أن يُخرج القبر ويبقى المسجد بلا هدم، وفي هذا درء لمفسَدة الشِّرك مع بقاء مصلحة إبقاء المسجد ليُعبَد الله فيه.
ولا مانع من إبقاء المسجد بعد إخراج القبر منه بدلاً من هدم المسجد ثم بنائه من جديد كما كان - وفي هذا إضاعة للمال - أو تركه أطلالاً بلا بناء والناس محتاجون إليه للصلاة فيه.
وقاعدة الشريعة المستمرة: "جلب المصالح ودرء المفاسد" كما قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (24/ 269): "والشارع يَعتبِر المفاسد والمصالح، فإذا اجتمعا قدّم المصلحة الراجحة على المفسدة المرجوحة".
وقال - رحمه الله - كما في مجموع الفتاوى (22/ 194):
"اتفق الأئمة أنه لا يُبنى مسجد على قبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك))، وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غُيِّر؛ إما بتسوية القبر، وإما بنبشه إن كان جديدًا، وإن كان المسجد بني بعد القبر فإما أن يُزال المسجد وإما أن تُزال صورة القبر، فالمسجد الذي على القبر لا يُصلى فيه فرض ولا نفْل؛ فإنه منهي عنه" انتهى كلامه بحروفه، والشاهد قوله: "وإن كان المسجد بُني بعد القبر فإما أن يُزال المسجد وإما أن تزال صورة القبر"، فنص على أن يُهدم المسجد أو ألا يهدم ويُكتفى بإزالة صورة القبر بإخراجه مثلاً، فلا يتعيَّن إذًا هدم المسجد لإزالة هذا المنكَر، بل نص ابن تيمية - رحمه الله - في كلامه السابق على التخيير بين إزالة هذا المنكر بهدم المسجد أو بإزالة القبر من غير هدم للمسجد، وهذا التخيير يكون بحسب تحقيق المصلحة ودرء المفسدة، فمثلاً: المسجد الصغير كقبة مبنية على قبر يُهدَم، وأما المسجد الكبير فتزال صورة القبر ويبقى المسجد لعبادة الله.
ومعلوم أنه قد أبقى الصحابة والتابعون بعض الكنائس وحوَّلوها إلى مساجد، فمن باب أولى تحويل المسجد الشِّركي إلى مسجد على التوحيد، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه ألا يُبقي قبرًا مشرفًا إلا سوَّاه بالأرض، ولم يأمره بهدم المساجد، وهذا الأمر النبوي يمكن العمل به مع إبقاء المسجد ليُعبَد الله فيه، فيُخرج القبر ويَبقى المسجد بلا هدم، ولم ينقل عن أحد من السلف الصالح أنهم هدموا مسجدًا لوجود قبر فيه مع إمكان إبقاء المسجد خاليًا من القبر، وقد مدح الله في كتابه من يعمر مساجد الله، وذمَّ من يسعى في خرابها، فالواجب: الحرص على إبقاء المساجد وعمارتها والبعد عن خرابها، والله الموفِّق.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك