من قال: إن غبار الربا لا يضر؟
سلوى السلمي
الحمد لله الذي عطر قيمَنا بالإسلام، ومبادئنا بالإيمان، وأنطقنا ببلاغة الكلام، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد أشرف العرب بيانًا، وأفصحهم لسانًا، أما بعد:
فلا شكَّ أن التراث الإسلامي مهم لكل مجتمع، والعناية به واجب على كل مسلم، وعلى قائمة هذا التراث كتابُ الله عز وجل، وسنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، فهما أعظمُ تراث عرفتْه البشرية على مر الأزمان، وهما أصل دين الإسلام وأساسه، وصدق الله العظيم - وهو أصدق القائلين، ومن أصدق من الله قيلاً؟ - حين قال في كتابه العظيم:
﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون ﴾ [البقرة: 275].
فالمُرابي عندما يُبعَث من قبره يوم القيامة ليُحاسَبَ، يقوم كما يقوم الذي يتخبَّطُه الشيطان من المسِّ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يُبعَثُ المُرابي يومَ القيامة كالمجنون الذي يتخبَّطُه الشيطان من المسِّ.
وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلَ الربا، ومُوكِلَه، وشاهديه، وكاتبَه.
فقبلَ أيام صُدِمتُ، وذُهِلتُ، وتسرَّب الشك إلى قلبي من البعض؛ عما يهذي به من: أن غبار الربا لا يضرُّ، وأنه من المشتبهات، واستدل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مُشتَبِهاتٌ لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتَّقى المُشتَبِهات استبرَأَ لعِرضه ودينه، ومن وقع في المُشبَّهات كراعٍ يرعى حولَ الحمى، يُوشِكُ أن يُواقعَه، ألاَ وإن لكل ملِك حمًى، ألا إن حمى اللهِ محارمُه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلَحَت صلَحَ الجسد، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))؛ فانهارت أمام عيني لوحةٌ دينية، كنا نستمد منها قناديلَ النور، ونُشيِّدُها في أذهاننا قلاعًا عالية العماد، فلو تأمل قليلاً في المجتمعات التي تتعامل بالربا، لوجدها مجتمعات أُهلِكتْ وانهارت، فما من مجتمع يتعامل بالربا إلا وتُسحَقُ منه البَرَكة، ويجلب له الغم، فلا يدوم له رخاء، أو شيء من الطمأنينة؛ لأن الكسبالحراميمنعإجابةالدعاء،وقد لُعِنَ آكل الربا، وكلُّ متعاون عليه.
ألم يعلم بأن الربا محرَّم في جميع الشرائع المنـزَّلة قبل شرع محمد عليه الصلاة والسلام؟
تدبروا في أواخر سورة البقرة، ولاحِظوا الجمع بين الوجهين المتقابلين للعَلاقات الاجتماعية، وهما "الربا، والصدقة":
الأول: هو النظام الربوي الرأسمالي، والثاني: هو النظام التعاوني الإسلامي، فهذا يدل على النهي عن التعامل بالربا بكل الألوان والوسائل، والوعيد لمن تعاطى الربا بعدَ النصوص التي جاءت في القرآن من حُرمةٍ ووعيد، والترغيب في بذل الصدقات، والحث عليها، وأنها نظام يُرْبِي الأموال ويُضاعِفُ أجرَها، وينمِّيها لهم، قال الله تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 276]؛ فاتقوا الله تعالى يا بشر حقَّ التقوى، وخافوا الله ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].
والأحاديث عن سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم في تحريم الربا كثيرة، ومنها:
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا))، قال: قيل له: الناس كلهم؟ قال: ((من لم يَأكُلْه منهم، نالَه من غُبارِه))؛ والحديث ضعيف من حيث سندُه.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجتنبوا السبع المُوبقات))، قالوا: يا رسول الله، وما هنَّ؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يومَ الزحفِ، وقذفُ المحصنات الغافلات المؤمنات))؛ رواه البخاري ومسلم.
ومنها أيضًا: ((يا سعدُ، أَطِبْ مطعمَك، تُكنْ مستجابَ الدعوة)).
دعاء:
إلهي، أخرِجْنا من ظلمات الربا وغُبارِه ومن الوهم، وأكرمنا بنور الفهم، وافتح علينا بمعرفة العلم، واجعلنا من الذين يهتدون إلى صراطك، وحسِّنْ أخلاقنا بقيم الإسلام، وسهِّل لنا أبواب فضلك، وافتح علينا فتوحَ العارفين بحكمتك، واهدِ حيارى البصائر إلى نورك، وانشر علينا من خزائن رحمتك يا أرحم الراحمين.
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك