رمضان

[ربيع الفردوس الاعلى و روضة القران]

رمضان
محمد حسن عباس



الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهذه مقالات مختصره في التعريف بالصيام وحكمه وحكمته.

الصيام لغة:
(الصيام): الصاد والواو والميم أصل يدل على إمساك وركود في مكان، وقال ابن فارس: أصله في اللغة الإمساك مطلقًا، فكل من أمسك عن شيء فهو صائم منه. قال تعالى عن مريم: ﴿ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا ﴾ [مريم: 26]؛ أي: إمساكًا عن الكلام.

وقال البيضاوي: الصوم في اللغة: الإمساك عما ‌تنزع ‌إليه ‌النفس[1].

وقال ابن تيمية: جماع معنى الصيام في أصل اللغة: الكف والإمساك والامتناع، وذلك هو السكون، وضده الحركة؛ ولهذا قرن الله تعالى بين الصوم والصلاة؛ لأن الصلاة حركة إلى الحق، والصوم سكون عن الشهوات[2].

الصوم في الشرع:
قال ابن عبد البر: الصيام في الشريعة معناه الإمساك عن الأكل والشرب ووطء النساء نهارًا، إذا كان تارك ذلك يريد به وجه الله وينويه، هذا معنى الصيام في الشريعة عند جميع علماء الأمة[3].

وقال الكاساني، وأبو الوليد الباجي، والماوردي، والقاضي عياض، وابن قدامة، والنووي: الإمساك عن أشياء مخصوصة، في وقت مخصوص على وجه مخصوص[4].

وقال ابن تيمية: هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وغيرها مما ورد به الشرع في النهار على الوجه المشروع[5].


أنواع الصيام:
قسم ابن تيمية الصيام لخمسة أنواع؛ فقال: الصوم المفروض بالشرع وهو صوم رمضان أداء، وقضاء، والصوم الواجب في الكفارات، والواجب بالنذر، وصوم التطوع[6].


متى فرض صوم رمضان؟ ولماذا لم يفرض بمكة؟ وكم مرة صام الرسول صلى الله عليه وسلم؟
‌فرض صيام شهر ‌رمضان في شعبان في السنة ‌الثانية من الهجرة، وصام النبي صلى الله عليه وسلم رمضان تسع رمضانات إجماعًا، اثنان منها ثلاثون، وسبعة تسعة وعشرون[7].

والحكمة في عدم فرضه بمكة، أنه لما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها، تأخَّر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة، لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة، وألفت أوامر القرآن، فنقلت إليه بالتدريج[8].

وقال ابن عابدين: واعلم أن الصوم من أعظم أركان الدين، وأوثق قوانين ‌الشرع ‌المتين، ‌به ‌قهر ‌النفس ‌الأمارة ‌بالسوء، وأنه مركب من أعمال القلب، ومن المنع عن المآكل والمشارب والمناكح عامة يومه، وهو أجمل الخصال غير أنه أشق التكاليف على النفوس؛ فاقتضت الحكمة الإلهية أن يبدأ في التكاليف بالأخف- وهو الصلاة- تمرينًا للمكلف ورياضةً له، ثم يثني بالوسط- وهو الزكاة- ويثلث بالأشق- وهو الصوم- وإليه وقعت الإشارة في مقام المدح والترتيب: ﴿ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ ﴾ [الأحزاب: 35] وفي ذكر مباني الإسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان، فاقتدت أئمة الشريعة في مصنفاتهم بذلك[9].

أسماء الصيام:
الاسم الأول: يسمى الصيام بالصبر.
♦ قال الحليمي: وإنما سمي الصيام ‌صبرًا؛ لأن الصبر في كلام العرب الحبس، والصائم يحبس نفسه عن أشياء، جعل الله تعالى ‌قوام بدنه بها.

♦ وجماع العبادات فعل أشياء، وكف عن أشياء، والصوم يقمع الشهوات فيتيسر به الكف عن المحارم، وهو شطر الصبر؛ لأنه صبر عن الشهوات، ويبقى وراءه الصبر على المشاق، وهو تكلف الأفعال المأمور بها، فهما صبران: صبر عن أشياء، وصبر على أشياء، والصوم معين على أحدهما، فهو إذًا نصف الصبر[10].

وقال الخطابي: وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوم صبرًا، وسمى رمضان شهر الصبر[11].

♦ وقال ابن عبد البر: الصوم في لسان العرب الصبر، وقال ابن الأنباري: إنما سمي الصوم صبرًا؛ لأنه حبس النفس عن المطاعم والمشارب والمناكح والشهوات[12].

♦ وقال القاضي عياض: وسمي الصوم صبرًا؛ لثبات الصائمين وحبسهم أنفسهم عن شهواتهم، وقيل ذلك في قوله تعالى: ﴿ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 153]؛ أي: الصوم، وسمي شهر رمضان شهر الصبر لذلك[13].

الأدلة على هذا الاسم:
♦ الدليل الأول قوله جل ذكره: ﴿ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 153]؛ لأن الصائم يصبر نفسه عن شهواتها.

♦ الدليل الثاني: عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «شهر ‌الصبر، ‌وثلاثة ‌أيام ‌من ‌كل ‌شهر صوم الدهر»[14].

♦ الدليل الثالث: عن ‌أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، ‌والقرآن ‌حجة ‌لك ‌أو ‌عليك، كل الناس يغدو فبايع نفسه فمُعْتِقُها أو موبِقُها»[15].

قال القاضي عياض عن المقصود بالصبر في الحديث: الأظهر هنا أنه الصوم كما جاء في بعض الروايات.

♦ الدليل الرابع: عن ‌أبي ‌هريرة رضي الله عنه‌ قال: ‌قال ‌رسول ‌الله صلى الله عليه وسلم: «لكل شيء زكاة، ‌وزكاة ‌الجسد ‌الصوم».

زاد محرز في حديثه: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصيام نصف الصبر»[16].

وسمي الصبر ضياء؛ لأن الشهوات إذا انقمعت به انجلى من القلب الظلام الغاشي إياه باستيلاء الشهوات على النفس، فأبصر مواقع النفع له من عبادة الله تعالى، فآثرها وابتدر إليها، ومواقع الضرر الذي يلحقه من معاصي الله فاعتزلها وكف عنها[17].

قال ابن الجوزي: وقوله: «‌والصبر ‌ضياء»؛ لأن مستعمله يرى طريق الرشد، وتارك الصبر في ظلمات الجزع[18].

الاسم الثاني: ‌جُنَّة.
قال البيهقي: «سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصيام بأسماء ومنها، أنه سمَّاه ‌جُنَّة».[19]
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنة»[20].
وفي رواية: «وحصن ‌حصين ‌من ‌النار»[21].

♦ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول- يروي ذلك عن ربه جل وعلا-: «قال ربكم: الصوم جُنَّة يجتن بها عبدي من النار»[22].

♦ وعن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الصوم جُنَّة ما لم يخرقها»[23].

♦ وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: الصوم جنة من النار، كجنة الرجل إذا حمل من السلاح ما أطاق[24].

والجُنَّة: بضم الجيم ومعناه: سترة ومانع من الرفث والآثام، ومانع أيضًا من النار، ومنه المجن وهو الترس، ومنه الجن لاستتارهم[25].

♦ وقال الخطابي: يحتمل أن يكون أراد به جنة من النار، ووقاية للصائم دونها، ويحتمل أن يكون أراد أنه جنة من المعاصي؛ لأنه يكسر الشهوة ويضعف القوة، فيمتنع به الصائم عن مواقعة المعاصي، فصار كأنه جنة وستر دونها[26].

والصوم إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بالشهوات، كما في الحديث الصحيح: «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات».

وقال بذلك ابن العربي، وفي هذا الكلام تلازم الأمرين، وأنه إذا كف نفسه عن الشهوات والآثام في الدنيا كان ذلك ساترًا له من النار غدًا[27].

♦ وقال الحليمي: يعني- والله أعلم- ما لم يفسد الصائم صومه فيكون كالمحتمي إذا خرق حميه[28].

♦ وقال الحافظ ابن حجر: وقد تبين بهذه الروايات متعلق هذا الستر وأنه من النار، وبهذا جزم ابن عبد البر.

♦ وأما صاحب النهاية فقال: معنى كونه جنة؛ أي: يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات[29].

♦ وقال القرطبي: «جنة»؛ أي: سترة يعني بحسب مشروعيته، فينبغي للصائم أن يصونه مما يفسده وينقص ثوابه، وإليه الإشارة بقوله: «فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث... إلخ».

♦ ويصح أن يراد أنه سترة بحسب فائدته وهو إضعاف شهوات النفس، وإليه الإشارة بقوله: «يدع شهوته...إلخ».

♦ ويصح أن يراد أنه سترة بحسب ما يحصل من الثواب وتضعيف الحسنات.

♦ وقال القاضي عياض في الإكمال: أي ستر ومانع من الرفث والآثام، أو مانع من النار وساتر منها، أو مانع من جميع ذلك، ومنه: المجن للترس الذي يستتر به، ومنه سميت الملائكة والشياطين جنًّا؛ لاستتارهم عن أعين الناس[30].

الصيام والغيبة:
عن أبي عبيدة بن الجراح قال: سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «‌الصوم ‌جنة، ما لم ‌يخرقها»، قال أبو محمد الدارمي: «يعني بالغيبة»[31].

ذهب الأوزاعي إلى أنها تفطر الصائم ويجب عليه القضاء، وسائر العلماء على خلافه لكن ذكره بعضهم عن عائشة وسفيان الثوري، حكاه المنذري[32].

قال ابن قدامة: الغيبة لا تفطر الصائم إجماعًا[33].

وما جاء عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خمس يفطرن الصائم: الكذب، والغيبة، والنميمة، واليمين الكاذبة، والنظر بشهوة». ذكره في الإحياء، قال العراقي في تخريجه: رواه الأزدي في الضعفاء.

وقال في الإحياء: قال سفيان: الغيبة تفسد الصوم.
وعن مجاهد: خصلتان يفسدان الصوم: الغيبة والكذب؛ انتهى.

قال القسطلاني في شرح البخاري: والجمهور على أن الكذب والغيبة والنميمة لا تفسد الصوم، ثم ذكر ما ذكره في الإحياء عن سفيان ومجاهد، ثم قال: والمعروف عن مجاهد: خصلتان من حفظهما سلم له صومه: الغيبة، والكذب؛ رواه ابن أبي شيبة.

ثم نقل عن السبكي أن ملابسة المعاصي تمنع ثواب الصوم إجماعًا، قال: وفيه نظر لمشقة الاحتراز. نعم إن كثر توجهت المقالة؛ انتهى.

ويشهد لما حكاه السبكي حديث البخاري: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»[34].

قال طليق بن قيس: قال أبو ذر: «إذا صُمْتَ فتحفَّظ ما استطعت» وكان طَلِيق إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلا لصلاة»[35].

قال جابر: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء»[36].

عن أبي المتوكل «أن أبا هريرة وأصحابه كانوا إذا صاموا جلسوا في المسجد»[37].

عن الشعبي قال: قال عمر: «ليس الصيام من الطعام والشراب وحده، ولكنه من الكذب، والباطل، واللغو، والحلف»[38].

قال: سمعت ميمونًا يقول: «إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب»[39].
عن علي: «أن الصيام ليس من الطعام والشراب، ولكن من الكذب، والباطل، واللغو»[40].
عن مجاهد قال: «خصلتان من حفظهما سلم له صومه: الغيبة، والكذب»[41].
عن إبراهيم قال: «كانوا يقولون: الكذب يفطر الصائم»[42].
عن أبي العالية قال: «الصائم في عبادة، ما لم يغتب»[43].

الاسم الثالث: السياحة.
قل جل ذكره: ﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 112].

قال عبيد بن عمير: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ‌السائحين، فقال: «هم ‌الصائمون»[44].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «السائحون» الصائمون[45].
وعن مجاهد: «‌السائحون» الصائمون[46].

وعن أبي رجاء عن الحسن: «الحامدون» قال: الحامدون على الإسلام، وأما قوله: «‌السائحون» فإنهم الصائمون[47].

وقال ابن عبد البر: يسمى الصائم سائحًا، ومنه قوله تعالى: ﴿ السَّائِحُونَ ﴾ يعني: الصائمين المصلين، ومنه قوله تعالى: ﴿ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ﴾ [التحريم: 5].

وأصل السائح هو الذاهب في الأرض، الممتنع من الشهوات؛ فشبه الصائم به لامتناعه عن المطعم والمشرب[48].

الاسم الرابع: زكاة
لأنه ‌ينقص ‌من ‌قوة ‌البدن وينحل الجسم، فيكون الصائم كأنه أخرج شيئًا من جسده لوجه الله تعالى جده وهو يجزيه به[49].

‌وعن ‌أبي ‌هريرة رضي الله عنه ‌قال: ‌قال ‌رسول ‌الله صلى الله عليه وسلم: «‌لكل ‌شيء ‌زكاة، ‌وزكاة ‌الجسد ‌الصوم»[50].

لماذا سمي رمضان بهذا الاسم؟
القول الأول: سمي بذلك لشدة الحر؛ فالرمض: شدة وقع الشمس على الرمل وغيره.
ورمضان مشتق من الإرماض؛ أي: الإحراق، ورمض يومنا يرمض رمضًا: إذا اشتدَّ حرُّه.

وذلك لأنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي هي فيها فوافق ‌رمضان أيام رمض الحر[51]. وكان اسم رمضان قبل ذلك: ناتِق[52].

القول الثاني: رمضان: مأخوذ من رمض الصائم يرمض: إذا حر جوفه من شدة العطش[53].

القول الثالث: مشتق من قولهم سكين رميض أي حاد، وسمي به الشهر؛ لأنه يهيج القلوب والنفوس على الاستكثار من الخيرات والطاعات[54].

القول الرابع: سمي رمضان؛ لأنه يحرق الذنوب؛ عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنما سمي رمضان؛ لأنه يحرق الذنوب»[55]- ولكنه ضعيف- فيحتمل أنه أراد أنه شرع صومه دون غيره، ليوافق اسمه معناه.

ونوقش هذا القول بأن اسم رمضان معروف قبل الإسلام؛ قال الخطيب الشربيني: «وهذا القول ضعيف؛ لأن التسمية به ثابتة قبل الشرع»[56].

ويجاب عنه: بأن الله قد يلهم خلقه أن يسموا الشيء باسم لمعنى يعلمه هو ويبينه فيما بعد وإن لم يعلموا ذلك حين الوضع والتسمية؛ كما سموا النبي صلى الله عليه وسلم محمدًا. وغير مستنكر أن يكون ما اشتق منه الاسم قد تضمن معاني كثيرة، يفطن بعض لبعضها، وهذا الجواب ينطبق على القولين التاليين الخامس والسادس.

القول الخامس: مشتق من قولهم: "أتيت فلانًا ‌فلم ‌أصبه ‌فرمضته ‌ترميضًا"، وهو أن تنتظر شيئًا، سمي به لأن المؤمنين ينتظرون الكرامات فيه ويتوقعون المثوبات.

القول السادس: من قولهم: "رمضت الظبي": إذ اتبعته وسقته في الرمل الذي اشتد حره لترمض قوائمه فتتفسخ فيقف فتأخذه، سمي به الشهر لأن المؤمن يؤمر بالصوم والقيام فيجوع ويعطش بالنهار ويتعب ويسهر بالليل فيعجز فيقف عن اتباع الشهوات وطلب اللذات، فيخلص لله تعالى، ولذلك قال: «الصوم لي وأنا أجزي به» فإن الصيام يخلص لي كما يخلص ذلك الظبي للصائد إذا انقطع سعيه وظهر عجزه [57].

المفاضلة بين الصيام وباقي العبادات:
اختلف السلف رضي الله عنهم في الصلاة والصيام:
القول الأول: الصيام أفضل من الصلاة:
♦ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي عليه» فاختص بالصيام، وأضافه إليه.

♦ وأشار ابن عبد البر إلى ترجيح الصيام على غيره من العبادات فقال: حسبك بكون الصيام جنة من النار فضلًا عما رواه النسائي بسند صحيح عن أبي أمامة قال: قلت: يا رسول الله، مرني بأمر آخذه عنك، قال: «عليك بالصوم فإنه لا مثل له» وفي رواية: «لا عدل له»[58].

♦ كان أبو أمامة لا يرى في بيته الدخان نهارًا، إلا إذا نزل به ضيف[59].

القول الثاني: وقال قوم الصلاة بمكة أفضل من الصيام، والصيام بالمدينة أفضل من الصلاة؛ مراعاة لموضع نزول فرضهما[60].

القول الثالث: الصلاة أفضل من الصيام، وهذا قول الجمهور[61]. لتقدم فرضها ومقارنته الإيمان.

وقال أبو زرعة العراقي: قال بعض العلماء: إن الصوم أفضل العبادات البدنية، ولكن المشهور تفضيل الصلاة، وهو مذهب الشافعي وغيره؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة»[62].

وقال أبو زرعة الرازي: ‌خطر ببالي تقصير الناس وتقصيري في الأعمال من النوافل والحج والصيام والجهاد فكبر ذلك في قلبي، فرأيت ليلةً فيما يرى النائم كأن آتيًا أتاني، فضرب بيده بين كتفي، وقال: قد أكثرت في العبادة وأي عبادة أفضل من الصلوات ‌الخمس ‌في ‌جماعة؟[63].

وعن سفيان، قال: قيل لعبد الله: إنك تقل الصوم، فقال: «إني أخاف أن يمنعني من قراءة القرآن، فإن قراءة القرآن أحب إلي من الصوم»[64].

وعن أنس، «أن أبا طلحة كان يكثر الصوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لا يفطر بعده، إلا من وجع»[65].

عن نافع، عن ابن عمر، «أنه كان لا يكاد يفطر في الحضر إلا أن يمرض»[66].
عن سعد بن إبراهيم، قال: «كان ممن يكثر الصوم ابن عمر، وعائشة، وسعيد بن المسيب»[67].
عن ابن عمر، «أن عمر سرد الصوم قبل موته بسنتين»[68].

والصلاة تتميز بأمور ليست في غيرها:
1- فرضت في السماء بخلاف باقي العبادات.
2- والآيات والأحاديث الآمرة بها أكثر.
3- وكثير من العلماء يكفر بتركها، وقد حكي إجماعًا، عن عبد الله بن ‌شقيق العقيلي، قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه ‌كفر غير ‌الصلاة[69].
4- ولا تسقط بحال إلا إذا رفعت القلم أو حاضت المرأة.

الحكمة من الصيام:
قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

قال الحليمي: من حكم الصوم اتقاء الكفران والتغافل، وذلك أن الناس كانوا ممتلئين طول الدهر ليلًا ونهارًا من الأكل والشرب، فنسوا الجوع والعطش، وغفلوا عن شدتهما، يحملون نعمة الله من الطعام والشراب، ويغفلون عن شكرها. ففرض الله عليهم الصوم مدة من المدد ليستشعروا أن التمكن من الأكل والشرب لا يقع بمجرد وجود الطعام، لكن يحتاج مع الوجود إلى إطلاق المولى وإباحته، فيكون ذلك أطرًا لإيمانهم، ثم يكفوا عنهما لوجهه فيكون ذلك عبادة، ثم يجدوا خلال الكف توقانًا إليهما ويصبروا، فيكون ذلك إذكارًا بقدر النعمة التي كانت عليهم طول الدهر بالإطلاق والإباحة، حتى إذا ردت إليهم شكروها وأدوا حقَّها. ولا شك أن هذا من أبواب التقوى.

ففي الفطر بعد الصيام تذكير بالنعمة التي كانت عليهم بالصحة والقوة من قبل، حتى إن عادت عليهم شكرها، ولم يغفلوا عن حقها.

وفيه وجه آخر: وهو أن يكون المعنى: لعلكم تتقون البخل وإهمال المحتاجين والتغافل عنهم، وذلك أن الجوع والعطش أمران جبل الناس عليهما، وفيهم أغنياء وضعفاء محتاجون، فإذا استمر للواجدين الأكل والشرب سهوا أو غفلوا ولم يدروا ما الجوع، وإذا لم يدركوه لم يذكروا أهله والمبتلين به، ففرض عليهم الصوم مدة حتى إذا أحسوا من تأخر الطعام عنهم باليسير من الجهد، تذكروا بذلك حال من يطوي يومًا بلياليه أو أكثر من ذلك لا صائمًا ولا طاعمًا لشدة فقره وفاقته. فيصير ذلك سببًا لعطفهم والإحسان إليهم، وشكرهم نعمة الله عندهم. وقد جاء عن يوسف عليه السلام أنه كان يجوع، فقيل له: أتجوع وخزائن الأرض بيدك- يراد خزائن مصر- فقال: إني أخاف أن أشبع فأنسى الجياع[70]، وهكذا الناس كلهم إذا استمر بهم التمكن من الطعام والشراب، نسوا الجياع، فامتحنوا بالصوم مدة ليجوعوا، فيذكرهم جوعهم جوع غيرهم. فيرحموهم ويواسوهم، ولا يستبدوا بالنعم التي أتوها ويشركوا غيرهم فيها، فيما أعطوها. ولا شك أن المواساة والعطف والإحسان من التقوى، وليس بين هذه الأوجه مناف، فقد يجوز أن تكون جميعها مرادًا بالآية والله أعلم[71].

وقال: "قد أبان الله عز وجل أن الصوم من أسباب التقوى، وحقيقة التقوى فعل المأمور به، والمندوب إليه، واجتناب المنهي عنه، والمكروه، والمنزه عنه؛ لأن المراد من التقوى وقاية العبد نفسه من النار، وهو إنما يقي نفسه النار بما ذكرت. قال: والصلاة أحد شعبها قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45] والانتهاء عن الفحشاء والمنكر هو التقوى، وهذا لأن من حبب اللهإليه الصلاة ووفقه لها وذلل أعضاءه وجوارحه بها لم يكن إلا منتهيًا عن الفحشاء والمنكر، وكذلك الصيام من شعبها؛ لأن التملؤ من الطعام والشراب رأس البواعث على الفحشاء والمناكير، ومعلوم في العادات أن الجائع العطشان لا يجد في نفسه من قلق الشهوات ما يجده منه الممتلئ من الطعام والشراب، وإذا كان كذلك فقد حصل من الصيام التقوى[72].

وقال الشيخ عبد القادر الجيلاني: الصوم حسنة عظيمة يقوي الملكية، ويضعف البهيمية، ولا شيء مثله في صيقلة[73] وجه الروح وقهر الطبيعة؛ ولذلك قال الله تعالى: «الصوم لي وأنا أجزي به»، ويكفر الخطايا بقدر ما اضمحل من سورة البهيمية، ويحصل به تشبه عظيم بالملائكة، فيحبونه، فيكون متعلق الحب أثر ضعف البهيمية، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» وإذا جعل رسمًا مشهورًا نفع عن غوائل الرسوم، وإذا التزمه أمة من الأمم سلسلت شياطينها، وفتحت أبواب جنانها، وغلقت أبواب النيران عنها، وربما يتفطن الإنسان بضرر توغله في معاشه وامتلاء حواسه مما يدخل عليه من خارج، وينفع التفرغ للعبادة في مسجد بني للصلوات، فلا يمكنه إدامة ذلك، وما لا يدرك كله لا يترك كله، فيختطف من أحواله فرصًا، فيعتكف ما قدر له، ويتلوه المتلقي له من المخبر الصادق بشهادة قلبه[74].

وقال الكاساني: الصوم وسيلة إلى شكر النعمة؛ إذ هو كف النفس عن الأكل، والشرب، والجماع، وإنها من أجل النعم وأعلاها، والامتناع عنها زمانًا معتبرًا يعرف قدرها؛ إذ النعم مجهولة فإذا فقدت عرفت، فيحمله ذلك على قضاء حقها بالشكر، وإليه أشار الرب تعالى في قوله في آية الصيام ﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 52]، وهو وسيلة إلى التقوى؛ لأنه إذا انقادت نفسه للامتناع عن الحلال طمعًا في مرضاة الله تعالى، وخوفًا من أليم عقابه فأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام، فكان الصوم سببًا للاتقاء عن محارم الله تعالى، وإنه فرض وإليه وقعت الإشارة بقوله تعالى في آخر آية الصوم: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وفي الصوم قهر الطبع، وكسر الشهوة؛ لأن النفس إذا شبعت تمنت الشهوات، وإذا جاعت امتنعت عما تهوى؛ ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من خشي منكم الباءة فليصم فإن الصوم له وجاء» فكان الصوم ذريعة إلى الامتناع عن المعاصي[75].

وقال البيضاوي: المقصود من إيجاب الصوم وشرعه، ليس نفس الجوع والعطش، بل ما يتبعه من كسر الشهوة وإطفاء ثائرة الغضب، وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة[76].

إذا ‌جاعت ‌النفس شبعت جميع الأعضاء، وإذا شبعت جاعت كلها، وما عن هذا صفاء القلب من الكدر، فإن الموجب لكدوراته فضول اللسان والعين وباقيها[77].

وقال ابن القيم: صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى متوقفٌ على جمعيته على الله، ولمّ شعثه بإقباله بالكلية على الله تعالى، فإن شعث القلب لا يلمه إلا الإقبال على الله تعالى. وفضول الطعام والشراب، وفضول مخالطة الأنام، وفضول الكلام، وفضول المنام، مما يزيده شعثًا، ويشتته في كل وادٍ، ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى، أو يضعفه أو يعوقه ويوقفه، اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب، ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات المعوقة له عن سيره إلى الله تعالى، وشرعه بقدر المصلحة، بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأخراه، ولا يضره ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة[78].

والمقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية، لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين.

وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها، ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه وتلجم بلجامه، فهو لجام المتقين، وجنة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعل شيئًا، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارًا لمحبة الله ومرضاته، وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه، والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده، فهو أمر لا يطلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم.

وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة، وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، وهو من أكبر العون على التقوى.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم من اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدرة له عليه بالصيام، وجعله وِجَاء هذه الشهوة.

والمقصود أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة، شرعه الله لعباده رحمة بهم، وإحسانًا إليهم وحمية لهم وجنة.

وكان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أكمل الهدي، وأعظم تحصيل للمقصود، وأسهله على النفوس[79].

وقال الحطاب: حكمة مشروعية الصوم هو مخالفة الهوى؛ لأنه يدعو إلى شهوتي البطن والفرج وكسر النفس وتصفية مرآة العقل والاتصاف بصفة الملائكة والتنبيه على مواساة الجائع، والله أعلم[80].

وقال ولي الله الدهلوي: واعلم أنه ربما يتفطن الإنسان من قبل إلهام الحق إياه أن سورة الطبيعة البهيمية تصده عماهو كماله من انقيادها للعبودية، فيبغضها، ويطلب كسر سورتها، فلا يجد ما يغيثه في ذلك، كالجوع والعطش، وترك الجماع والأخذ على لسانه وقلبه وجوارحه، ويتمسك بذلك علاجًا لمرضه النفساني، ويتلوه من يأخذ ذلك عن المخبر الصادق بشهادة قلبه، ثم الذي يقودهالأنبياء شفقة عليه، وهو لا يعلم، فيجد فائدة ذلك في المعاد من انكسار السورة، وربما يطلع الإنسان على أن انقياد الطبيعة للعقل كمال له، وتكون طبيعته باغية تنقاد تارة، ولا تنقاد أخرى، فيحتاج إلى تمرين، فيعمد إلى عمل شاق كالصوم، فيكلف طبيعته، ويلتزم وفاء العهد، ثم، وثم حتى يحصل الأمر المطلوب.

وربما يفرط منه ذنب، فيلتزم صوم أيام كثيرة يشق عليه بإزاء الذنب، ليردعه عن العود في مثله. وربما تاقت نفسه إلى النساء، ولا يجد طولًا، ويخاف العنت، فيكسر شهوته بالصوم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن الصوم له وِجَاء»[81].

فالحاصل أن الصوم:
1- يذكر بنعم الله.
2- يذكر بالفقراء.
3- يقلل الطعام والشراب وهما وقود المعاصي.
4- يكسر الشهوة.
5- يطوع النفس.
6- وسيلة للتقوى.
7- يحصل به تشبه بالملائكة.

مراحل تشريع الصيام:
كثير من الشرائع فرضت بالتدريج والصوم منها، وقد مر بمراحل:
إحداها: فرض أولًا على وجه التخيير بينه وبين أن يطعم عن كل يوم مسكينًا.
♦ عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: أحيل الصوم على ثلاثة أحوال؛ قدم الناس المدينة ولا عهد لهم بالصيام، فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل شهر رمضان فاستكثروا ذلك وشق عليهم، فكان من أطعم مسكينًا كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه، رخص لهم في ذلك، ونسخه: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184]. قال: فأمروا بالصيام[82].

♦ وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، قال: "لما نزلت هذه الآية: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184] كان من أراد أن يفطر ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها"[83]وهي قوله: ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾.

♦ وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قرأ: ﴿ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ قال: «هي منسوخة»[84].

والثانية: تحتمه، لكن كان الصائم إذا نام قبل أن يطعم حرم عليه الطعام والشراب إلى الليلة القابلة ثم نسخ ذلك.

عن ابن عباس، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ [البقرة: 183] فكان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة ‌حرم ‌عليهم ‌الطعام ‌والشراب ‌والنساء، وصاموا إلى القابلة، فاختان رجل نفسه [85]، فجامع امرأته، وقد صلى العشاء، ولم يفطر، فأراد الله عز وجل أن يجعل ذلك يسرًا لمن بقي ورخصة ومنفعة، فقال سبحانه: ﴿ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [البقرة: 187] الآية، وكان هذا مما نفع الله به الناس ورخص لهم ويسر"[86].

وعن البراء قال: " كان الرجل إذا صام، فنام لم يأكل إلى مثلها، وإن صرمة بن قيس الأنصاري أتى امرأته، وكان صائمًا، فقال: عندك شيء، قالت: لا، لعلي أذهب فأطلب لك شيئًا، فذهبت وغلبته عينه، فجاءت، فقالت: خيبة لك فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه، ‌وكان ‌يعمل ‌يومه ‌في ‌أرضه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت ": ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ [البقرة: 187][87].

الرتبة الثالثة: وهي التي استقر عليها الشرع إلى يوم القيامة[88].

[1] «مواهب الجليل في شرح مختصر خليل»: (2/ 378).

[2] «شرح العمدة لابن تيمية -كتاب الصيام»: (1/ 23).

[3] «التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد»: (19/ 53).

[4] انظر: «بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع»: (2/ 75)، «المنتقى شرح الموطأ»: (2/ 35)، «الحاوي الكبير»: (3/ 394)، «المغني لابن قدامة، ت التركي»: (4/ 323)، «إكمال المعلم بفوائد مسلم»: (4/ 5).

[5] «شرح العمدة لابن تيمية -كتاب الصيام»: (1/ 24).

[6] «شرح العمدة لابن تيمية -كتاب الصيام»: (1/ 26).

[7]انظر: «الحاوي الكبير»: (3/ 396)، «المجموع شرح المهذب»: (6/ 251)، «مجموع الفتاوى»: (25 /295)، «زاد المعاد في هدي خير العباد»: (2/ 29)، «الفروع وتصحيح الفروع»: (4/ 405)، «الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف»: (7/ 323 ت التركي)، «مواهب الجليل في شرح مختصر خليل»: (2/ 385).

[8] «زاد المعاد في هدي خير العباد»: (2/ 28).

[9] «حاشية ابن عابدين = رد المحتار، ط الحلبي»: (2/ 370).

[10] «شعب الإيمان»: (5/ 196).

[11] «أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري)»: (2/ 942).

[12] «الاستذكار»: (3/ 376).

[13] «مشارق الأنوار على صحاح الآثار»: (2/ 38).

[14] «سنن أبي داود - ت الأرنؤوط»: (2437)، وقد اختلف في رفعه ووقفه، انظر: «علل الدارقطني»: (11/ 214).

[15] «صحيح مسلم»: (223).

[16] «سنن ابن ماجه»: (2/ 632)، «وهذا حديث لا يصح»، انظر: «العلل المتناهية في الأحاديث الواهية»: (2/ 49).

[17] «شعب الإيمان»: (5/ 196).

[18] «كشف المشكل من حديث الصحيحين»: (4/ 155).

[19] «شعب الإيمان»: (5/ 192).

[20] «صحيح البخاري»: (3/ 24)، «صحيح مسلم»: (1151).

[21] «مسند أحمد»: (9925).

[22] «شعب الإيمان»: (5/ 193).

[23] «مصنف ابن أبي شيبة»: (2/ 273).

[24]«صحيح ابن خزيمة، ط 3»: (2/ 913)، «مصنف ابن أبي شيبة»: (2/ 272).

[25] «شرح النووي على مسلم»: (8/ 30).

[26] «أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري)»: (2/ 939).

[27]«طرح التثريب في شرح التقريب»: (4/ 91) بتصرف.

[28] «المنهاج في شعب الإيمان»: (2/ 366).

[29] «النهاية في غريب الحديث والأثر»: (1/ 308).

[30] «إكمال المعلم بفوائد مسلم»: (4/ 110).

[31] «سنن الدارمي»: (2/ 1081).

[32] «طرح التثريب في شرح التقريب»: (4/ 92).

[33] «المغني لابن قدامة، ت التركي»: (4/ 352).

[34] «مواهب الجليل في شرح مختصر خليل»: (2/ 396).

[35] «مصنف ابن أبي شيبة»: (2/ 271).

[36] «مصنف ابن أبي شيبة»: (2/ 271).

[37] «مصنف ابن أبي شيبة»: (2/ 271).

[38] «مصنف ابن أبي شيبة»: (2/ 272).

[39] «مصنف ابن أبي شيبة»: (2/ 272).

[40] «مصنف ابن أبي شيبة»: (2/ 272).

[41] «مصنف ابن أبي شيبة»: (2/ 272).

[42] «مصنف ابن أبي شيبة»: (2/ 272).

[43] «مصنف ابن أبي شيبة»: (2/ 272).

[44] «السنن الكبرى - البيهقي»: (2462).

[45] «تفسير الطبري = جامع البيان، ط هجر»: (12/11).

[46] «تفسير مجاهد»: (ص374).

[47] «تفسير الطبري = جامع البيان، ط هجر»: (12/10).

[48] «شرح الرسالة»: (1/ 144).

[49] «شعب الإيمان»: (5/ 197).

[50] سبق تخريجه.

[51] «جمهرة اللغة»: (2/ 751)، «مقاييس اللغة»: (2/ 440).

[52]انظر: «الأزمنة وتلبية الجاهلية» (ص47)، «جمهرة اللغة»: (3/ 1311)، «الحاوي الكبير»: (3/ 396).

[53] «الغريبين في القرآن والحديث»: (3/ 777)، «الفروع وتصحيح الفروع»: (4/ 403).

[54] «طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية»: (ص22).

[55] «المغني لابن قدامة، ت التركي» (4/ 324): ذكره السيوطي في الجامع الصغير، وفيه: "يرمض الذنوب" بدل: "يحرق الذنوب". وعزاه لمحمد بن منصور والسمعاني وأبي زكريا يحيى بن منده، ورمز له بالضعف. وذكر المناوي أن أبا الشيخ رواه أيضًا. «الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية»: (7/ 188).

[56] «مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج»: (2/ 141).

[57] «طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية»: (ص22).

[58] «سنن النسائي»: (4/ 165).

[59] «مصنف ابن أبي شيبة»: (2/ 273).

[60] «الحاوي الكبير»: (3/ 396).

[61] انظر: «التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد»: (19/ 54)، «فتح الباري لابن حجر»: (4/ 104).

[62] «طرح التثريب في شرح التقريب» (4/ 92)

[63] «الجرح والتعديل لابن أبي حاتم»: (1/ 347)، «الاستذكار»: (2/ 367).

[64] «مصنف ابن أبي شيبة»: (2/ 274).

[65] «مصنف ابن أبي شيبة»: (2/ 274).

[66] «مصنف ابن أبي شيبة»: (2/ 274).

[67] «مصنف ابن أبي شيبة»: (2/ 274).

[68] «مصنف ابن أبي شيبة»: (2/ 274).

[69] «سنن الترمذي، ت بشار»: (4/ 310).

[70] عن الحسن قال: " قيل ليوسف عليه السلام: تجوع وخزائن الأرض بيدك؟! قال: ‌إني ‌أخاف ‌أن ‌أشبع، ‌فأنسى ‌الجياع"؛ «شعب الإيمان»: (7/ 467).

[71] «المنهاج في شعب الإيمان»: (2/ 368).

[72] «شعب الإيمان»: (5/ 191).

[73] ‌الصيقل هو: من يجلو السيوف ويشحذها؛ «معجم اللغة العربية المعاصرة»: (2/ 1309).

[74] انظر: «حجة الله البالغة»: (1/ 141).

[75] «بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع»: (2/ 76).

[76] «تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة»: (1/ 497).

[77] «فتح القدير للكمال ابن الهمام وتكملته، ط الحلبي»: (2/ 301).

[78] «زاد المعاد في هدي خير العباد»: (2/ 82).

[79] «زاد المعاد في هدي خير العباد»: (2/ 28).

[80] «مواهب الجليل في شرح مختصر خليل»: (2/ 379).

[81] «المنهاج في شعب الإيمان»: (2/ 368).

[82] «السنن الكبرى للبيهقي، ت التركي»: (8/ 401).

[83] «صحيح البخاري»: (4507)، «صحيح مسلم»: (1145).

[84] «صحيح البخاري»: (1949).

[85] اختان نفسه: ‌خانها وظلمها ظلمًا شديدًا ﴿ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 187].

[86] «سنن أبي داود، ت الأرنؤوط»: (4/ 6)، قال النووي: رواه أبو داود وفي إسناده ضعف، ولم يضعفه أبو داود، والله تعالى أعلم. «المجموع شرح المهذب»: (6/ 251).

[87] «سنن أبي داود، ت الأرنؤوط»: (4/ 5).

[88] انظر: «زاد المعاد في هدي خير العباد»: (2/ 30).

المصدر...
ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك